مجلة الفتى العربي - مقابلة مع الدكتور مصطفى الدندشلي
لـقـاء مــع ... (1)
* * *
التقينا بالدكتور مصطفى دندشلي مدرس مادة العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اللبنانيّة ـ فرع الجنوب ـ وكان لنا معه الحديث الآتي :
* من هو الدكتور مصطفى دندشلي ؟...
ـ إنّني من صيدا ، درست في المقاصد وتخرجت منها ، وكان تخصصي في الفلسفة الإسلاميّة في القاهرة . ومن ثمّ حصلت على دكتوراه في علم الاجتماع السياسيّ من السوربون ، مروراً بمعهد العلوم السياسيّة ، ومعهد الإنماء الاجتماعيّ والاقتصاديّ في جامعة باريس . وبعد عودتي من فرنسا حيث قضيت فيها زهاء عشر سنوات ونيف ، درّست تاريخ الفلسفة العربيّة في ثانوية المقاصد في صيدا ، وأنّني أقوم الآن بتدريس مادة الأنتروبولوجيا ومادة تاريخ الفكر السياسيّ في الجامعة اللبنانيّة ـ الجنوب .
* من هو الأستاذ الناجح برأي مصطفى دندشلي ؟...
ـ الأستاذ الناجح ، يجب أن يكون مستعداً وموهوباً لمهنة التدريس ، وينبغي أن يحب عمله ويتفانى فيه ، وأن يكون دؤوباً مواظباً ، ويجب أن ينطلق من النظر إلى أنّ مهنة التدريس ، هي رسالة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى : رسالة تنشئة جيل بأكمله ، وتهيئته لكي يقوم بمهماته المستقبليّة في مجتمعه ، ومن هنا برأيي تأتي أهميّة الوعي الاجتماعيّ بالنسبة إلى الأستاذ خاصة في المرحلة التي نمر فيها . بطبيعة الحال ، أنّ ما ذكرت سابقاً من شروط ضروريّة يجب أن تعتمد على أن يكون وضع الأستاذ المعيشيّ لائقاً ، ويتوفر فيه شيء من الاستقرار الحياتيّ .
* كيف يمكن تحقيق المطالب الطلابيّة ، أيّاً كان نوعها ، وما هو مدى تأثير التحركات الطلابيّة في هذه الحياة ، وفي الظروف الحاليّة بالذات ؟...
ـ لا شكّ في أنّ للحركة الطلابيّة في المراحل الثانويّة أو الجامعيّة ، مطالب عديدة محقّة . وأوّل شرط لتحقيق هذه المطالب هو وعيها ، بمعنى أن نعي ظروف الطالب من الجوانب المختلفة سواء المتعلق منها بالمنهج أو بالمكان أو وسائل الإيضاح أو الأستاذ إلى غير ما هنالك .
أمّا الشق الثاني من السؤال وهو الذي له علاقة بأثر التحركات الطلابيّة في هذه الحياة ، فإنذني أعتقد بأنّه يمكن أن يكون لهذه التحركات الطلابيّة تأثير قوي وعميق في مجتمعنا على شرط ، وهذا شيء أساسيّ ، أن تستوعب هذه الحركات الطلابيّة واقعها التربويّ والتعليميّ والثقافيّ أولاً وقبل أيّ شيء آخر ، ذلك ، لأنّ المدرسة هي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من المجتمع ، فهي تؤثر فيه كما أنّها تتأثّر به في المقابل .
ثمّ ، من هم الطلاب في نهاية الأمر ؟... أنّهم في الواقع قيادات المستقبل كلّ في ميدانه ، فإذا استطعنا فعلاً أن نحسن صنع هذه القيادات ، استطعنا أن نهيئ السُبُل لحياة مستقبليّة أفضل ، فهل نحن عملياً نقوم بذلك ؟... أنّني أترك الإجابة للقارئ ...
على الصعيد الجامعيّ :
* هل التعليم الجامعيّ في المستوى المطلوب برأيك ؟...
ـ إذا قارنا مستوى التعليم الجامعيّ في بلادنا بما يجري في الجامعات الأجنبيّة الأخرى فإنّنا لا بدّ من أن نلمس بشكل واضح الفرق الشاسع والعميق بيننا وبينهم . على أنّنا لو اقتصرنا على ظروفنا دون مقارنة مع الغير ، لوجدنا أنّ الجامعة في بلادنا في تقهقر وتردّي مستمر . السبب في ذلك يعود إلى أنّ ليس هناك سياسة تربويّة واضحة المعالم والأهداف ، لا يمكننا أن نهمل الظروف السياسيّة التي سبقت ورافقت الحرب اللبنانيّة ، والتي كان من نتيجتها المباشرة ، تفريع الجامعة ، وخلق دفعة واحدة دون درس .
* نلاحظ في نهاية كلّ عام دراسيّ ، أنّ نسبة الرسوب في فروع الجامعة اللبنانيّة تكون مرتفعة أو عالية للغاية ... بصفتك أستاذاً جامعياً ، إلى من تعود أسباب ذلك ... إلى الطال ... أم إلى الجامعة نفسها ... أم هناك أسباب أخرى ؟...
ـ في السؤال عدّة جوانب من المهمّ أن نحيط بها جميعاً : عادة وأكاد أقول في كلّ الجامعات في العالم خاصة النظريّة منها ، نسبة الرسوب في السنوات الأولى تكون أكبر وعددياً أكثر. وفي ما يتعلق بنا هنا في لبنان ، فإنّ الظروف السياسيّة العامة وظروف الحرب والطرق والأساليب التي كانت تتمّ بها امتحانات المرحلة الثانويّة ، كلّ ذلك أدّى إلى دخول الجامعة عدد كبير من الطلاب غير المؤهلين لمتابعة الدراسة في الكليات والفروع التي انتسبوا إليها . فلا بدّ والحالة هذه من أن تكون نسبة الرسوب مرتفعة للغاية . ولكننا نجد بالمقابل أنّ نسبة النجاح فيها إلى درجة عالية . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإنّ السؤال يغفل جانباً آخر لا يقلّ أهميّة عن النقاط التي طرحها ، وهو يتعلق بانتشار الغش في الامتحانات ، وتفشيه بين الطلاب بنسبة كبيرة جداً . الأسباب برأيي يمكن إجمالها في هذه النقاط : الاضطرابات السياسيّة وانعكاساتها السيئ في المدارس والجامعات ... المناهج التربويّة التي هي في أسسها بعيدة عن حاجات وهاجس الطلاب ... ثمّ أخيراً تقهقر المستوى بين صفوف الطلاب نظراً لظروف الحرب بوجه خاص وما سيتبعها وتبعها من فوضى في حياتنا العامة .
* كيف تتصوّر مستقبل فروع الجامعة اللبنانيّة في الجنوب ؟...
ـ مستقبل الجامعة في الجنوب من الصعب جداً أن ينفصل عن مستقبل الجنوب نفسه ، فالجامعة لا بدّ إلاّ وأن تكون على صورته . وهل هناك من يستطيع أن يتنبأ الآن بما يكون عليه الجنوب مستقبلاً ؟... غير أنّني لو أردت أن أكون متفائلاً لقلت بأنّ هذا الجنوب اللبنانيّ سيأخذ شكلاً من أشكال الاستقلال الإداريّ النسبيّ ، فالجامعة إذن ستكون على هذه الصورة من الاستقلاليّة الإداريّة وأنّ وحدة الجامعة المركزيّة ستكون في تنوّعها . هذا وفي ما يتعلق بالجامعة اللبنانيّة في الجنوب ، فأميل إلى الاعتقاد بأنّها ستنمو وتتطوّر أكثر على جميع الأصعدة ، أساتذة وطلاب ومجال التخصص ، وأنّ هذه الجامعة بتفاعلها مع منطقة الجنوب ، ستحدث حتماً ثورة ثقافيّة وعلميّة فيها .
* من المعلوم أنّ هناك جهات انعزاليّة تسعى لتقسيم الجامعة اللبنانيّة ، فما هو تعليقك على هذا ؟...
ـ إنّ هذا السؤال يحمل ضمنياً سؤالاً آخر حول تفريع الجامعة وأسبابه . في الحقيقة أنّ الدوافع التي أدّت إلى خلق عدّة جامعات دفعة واحدة هي دوافع تبعد عن قضايا التربية والتعليم ونشر الثقافة . وإذا أردت أن أجيب عن ذلك وأتوسّع فيه قليلاً فلا بدّ من الإشارة سريعاً إلى عامل أراه مهماً ، كان يكمن وراء الأحداث في لبنان وتتلخص في ضرب الحريّة والديمقراطيّة . وعندما أقول ضرب الحريّة فيعني بذهني ضرب الجامعة كذلك . من هنا أرى بأنّ استحداث فروع جديدة دفعة واحدة كما قلت عالياً لم يقصد منه نشر العلم والتعليم والثقافة إلى المناطق اللبنانيّة الأخرى ، وإنّما برأيي ضرب التمازج الثقافيّ في الجامعة اللبنانيّة . إنّ ما كان يقلق كثيراً من الأوساط الرسميّة اللبنانيّة والفئات التقليديّة المحافظة ، من هذا الجانب أو ذاك هو هذا الالتقاء الثقافيّ والبشريّ ، وهذه الحريّة الفكريّة التي كانت تتفاعل ضمن الجامعة اللبنانيّة . فعبر الجامعة كان مثلاً ، يلتقي الجنوبيّ بابن الشمال بابن كسروان بابن بعلبك ... يلتقون جميعهم لا فرق بين مسيحيّ ومسلم ، وكأنّهم يكتشفون أنفسهم للوهلة الأولى فيشعرون بأنّ لهم مصالح واحدة وظروف حياتيّة متقاربة ومستقبلاً واحداً . فتتسرب إلى أذهانهم تدريجياً مفاهيم وآراء ثوريّة أشدّ القلق المسؤولين المحافظين من مختلف الجهات .
* كلنا يعلم أنّ الامتحانات النهائيّة قد اقتربت ، فما هي توقعاتك لها ؟... وهل تعتقد أنّ هناك ما سيعترض سيرها الطبيعيّ ؟... وبماذا تنصح شباب وشابات اليوم ؟...
ـ في السؤال شقان : الأول له علاقة بسير الامتحانات ، بهذا الصدد أرى بأنّ الامتحانات لهذا العام ستكون كما كانت عليه في الأعوام السابقة ، وهذا أمر طبيعيّ . وإنّني لا أتصوّر الآن بأنّ هناك ما سيعترض أو يعيق سيرها المرسوم .
أمّا الشق الثاني من السؤال فله علاقة بإسداء النصيحة وهذه الصيغة تشعرني شخصياً بأنّني أصبحت كهلاً ، وأوزع النصائح على الشباب وهذه بالفعل ليست حالتي ولا أحبذ بطبيعتي ذلك إطلاقاً. إذ أنّني بالفعل أرى أن لكلّ إنسان تجربته الخاصة التي ـ مهما وجهت إليه من نصائح وإرشادات ـ لا بدّ إلاّ وأن يسير فيها ، ويستخلص هو نفسه منها العِبَر والدروس .
* أخيراً ، ما هي تمنياتك لمجلة " الفتى العربيّ " ؟... ومع الشكر سلفاً ...
ـ ما أتمنّى لهذه المجلة الشابة ، هو اعتماد الجدّية والموضوعيّة في طرح الأمور والقضايا التي تعالجها . وكذلك الاعتماد على الاستقلال الذاتيّ قدر الإمكان حتى تستطيع أن تحافظ على حريّة الرأي والكتابة . كما أودّ أن لا تخاف على الإطلاق من لفت الأنظار دائماً إلى الجوانب السلبيّة في حياتنا وإلى ذكر العيوب وإبرازها في مجتمعنا ، وأن تبتعد قدر الإمكان عن موقف : " إنّنا خير شعب أخرج للناس".
___________________________________________________________________________________ 1) أنظر ، مجلة " الفتى العربيّ "، ( مجلة طلابيّة شهريّة )، العدد الثالث عشر ، 17 أيار 1981 . أجرى المقابلة : جمال عفيفي ومحمد عيد .