النهار - نجاد المكرَّم بدكتوراه فخرية في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية: قوى عظمى تسود بالقتل والأوروبيون حاولوا خداعنا لحرماننا الطاقة الذرية - كريم أبو مرعي
الجمعة 15-10-2010
نجاد المكرَّم بدكتوراه فخرية في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية:
قوى عظمى تسود بالقتل والأوروبيون حاولوا خداعنا لحرماننا الطاقة الذرية
كتب كريم أبو مرعي:
يضمر الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الكثير من الغموض والقدرة على مفاجأة منتظري ما سيقول، امحبين كانوا أم اصدقاء ام أعداء، او حتى سامعي "المرة الاولى". يمكن الرجل الذي يعتبره كثيرون "الابن السياسي" للثورة الاسلامية، وهو الرئيس الاول من خارج حلقة الرجال المعممين، ان يخاطب جماهير محتشدة بنبرة الذاهب الى حرب لا عودة عنها، والى معركة مطلقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، ويعود في اليوم التالي ليتحدث في حضرة اكاديميين واساتذة وطلاب "بصفتي طالبا جامعيا أقدم درسي الى اساتذتي، متمنياً ان أنال درجة مقبول".
كان قبل ظهر امس موعد الطلاب مع الرئيس الذي دخل الجامعة اللبنانية في الحدت متسلحاً بشهادته في الهندسة المعمارية، وغادرها دكتوراً فخرياً في العلوم السياسية. لم يستغرق الحفل الذي حضره الوزراء علي عبد الله وحسن منيمنة وعلي الشامي، الى رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وعدد من النواب، اكثر من ساعة ونصف ساعة، كانت كفيلة بتعريف الطلاب الذين تمكنوا من دخول القاعة الكبرى في "مدينة رفيق الحريري الجامعية"، الى "المهندس الشاب الذي ولد في أسرة متدينة"، كما جاء في كلمة رئيس الجامعة الدكتور زهير شكر، بينما حظي العدد الاكبر من الشباب الذين لم تسعهم القاعة، بفرصة التعرف الى رئيس جمهورية يصر على ان يكون حاضراً بينهم، ولا يمانع في التأخر على القاعة الممتلئة ناساً وانتظاراً، لإصراره على مصافحة كل يد امتدت لتلاقيه، وكل صوت نادى ليحييه، وكل صبية تجرأت على كسر الطوق الامني لتقبل كتفه.
دخل نجاد قاعة الجامعة "التي تدخل التاريخ مجدداً" كما كتب في إحدى اللافتات، على وقع الترحيب بـ "ضيف لبنان الكبير"، و"السالك طريق الحق على رغم وحشته وقلة سالكيه" كما جاء في تعريف الدكتور حسن زين الدين. بعد النشيدين اللبناني والايراني ونشيد الجامعة، كانت لشكر كلمة رحب فيها بنجاد "بين محبيه وأصدقائه وقادريه وكل الذين يثمّنون عالياً مواقف الجمهورية الاسلامية الايرانية الداعمة للبنان في الدفاع عن حقه في السيادة والتحرير وإعادة البناء والتنمية".
وتوجه الى الرئيس الايراني قائلا: "حلولكم ضيفاً كريماً على الجامعة خطوة وازنة في تطوير مسيرتها نحو الانفتاح العلمي والثقافي بأعمق معانيه، فما يجمع بين ايران ولبنان إرث حضاري وانساني ومنظومة أفكار ومبادئ ورؤى ثقافية مشتركة، فالهجرات التي عرفها العهد الصفوي انتجت تحولات اساسية في الفقه والاجتهاد ومناهج الفكر الديني". وتحدث عن التعاون مع جامعة طهران وتطوير مناهج اللغة الفارسية والعمل على انشاء قسم خاص بها في الجامعة اللبنانية وتابع: "حضوركم بيننا يعطي زيارتكم الطبيعية للبنان بعداً آخر يتصل بما لديكم من اهتمام خاص، في سياق رؤيتكم التنموية الشاملة، بمؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث العلمية ودورها في ترقّي الشعوب وتقدم المجتمعات وبناء مستقبل أفضل لأجيالها القادمة (...)".
نجاد
اما الضيف المكرّم فابتعد في كلمته المرتجلة عن النبرة السياسية الحادة التي امتاز بها مذ تبوأ المنصب السياسي الاعلى في جمهورية الثورة الاسلامية، ربما مفضّلاً ترك "زبد" الكلام السياسي للمحطة "الادسم" في وقفاته اللبنانية: أرض الجنوب. الا ان ذلك لم يمنع نجاد من توجيه رسائل "منمّقة" بالغلاف الاكاديمي التحليلي لمنطق الغرب، بأميركييه وأوروبييه، متهماً "الكثير من القوى العظمى" بـ "إدخال العلوم في النزاعات ليكونوا الاسياد، فهي ترى حياتها في قتل الشعوب الاخرى. انظروا كيف يتعاملون مع شعوبنا، كيف يحتقرونها!". أبعد من ذلك، لم يغِب الملف النووي عن المحاضرة، انطلاقاً من النظرة الى مختلف انواع العلوم، اذ سأل نجاد "ماذا فعلوا بالعلم الذري؟ غيّروا الطاقة ليصلوا الى القنبلة، وأغلقوا الباب الحقيقي لنشر العلم. الاوروبيون يصرّون على أن نغلق باب الدراسات الذرية، وفاوضونا ليسمحوا لنا بعد عشر سنين بمتابعة دراساتنا الذرية. حاولوا أن يخدعونا، فهم يريدون ان يحرموا الآخرين الإفادة من الطاقة، حصروها بهم وأدخلت الى جيوبهم مئات الملايين من الدولارات يومياً".
أبعد من المواقف الآنية، كان لنجاد شرح مطول عن العلم ودوره وتفرعاته، منطلقاً من انه "نور يقذفه الله في قلب من يشاء، يفتح الطريق لحركة الانسان ويمنحه حياة سليمة. هو سلاحنا من اجل الهداية، وسيلة الكمال الانساني المطلوب، أتى من الله ويعود هدية إلهية"، معتبراً أن "حقيقة العلم عند الله وهو مطلق العلم، فلا علم خارج عن علم الله، هو العلم المطلق والجامع والقادر المطلق، فلكل العلوم منشأ رباني إلهي".
انتقل نجاد من العلم الى العدالة، رابطاً ما بين الإثنين بكلية مطلقة "فالله هو العادل، لا يظلم ولا يميّز في ادارته الحكيمة للخلق والكون، يجمع العلم والقوة والعدالة المطلقة، هو مطلق الحب والمحبة المطلقة منه. هو مطلق الجمال ولا يكون فيه الا كل ما هو جميل، فيصبح العلم الحقيقي بمعنى القوة الحقيقية التي هي العدالة الحقيقية. العلم الحقيقي يتكئ على القوة والمجد والجمال، من المحال ان يكون الشخص عالماً ما لم يكن محباً للإنسانية. العالِم هو العادل".
وتحدث عن العلوم، وفي كل منها انتقاد الى "الغرب والرأسمالية والقوى الكبرى"، من الاقتصاد "الذي لا بد ان يكون في خدمة الانسان والود والكمال الانساني والمحبة والعدالة"، متهماً الولايات المتحدة ونظامها الرأسمالي بسحب الاموال من جيوب الفقراء بعد "الغاء الاحتياط الفيديرالي الاميركي نظام تخزين الذهب في مقابل طبع الاوراق النقدية، مما أدى الى انتشال 30 ألف مليار دولار من جيوب الفقراء"، الى العلم الذري الذي "فيه قدرة هائلة على الانتاج، اذ ان المحطة العاملة بالطاقة الذرية تنتج سبعة أضعاف المحطات الحالية"، وصولاً الى السياسة "علم إدارة المجتمع الذي لا بد ان يستخدم في خدمة السلام والود والعدالة (...) أدخلوا النزاعات ليكونوا الاسياد وليهيمنوا، ورأوا ان رمز الانتصار هو في قتل الآخر، وصعدوا الى الكمال بدحض الآخرين، ليكونوا أعزاء بسحق الآخرين. العلم الذي يقف وراء قتل الشعوب والاغارة عليها ليس علماً، نبحث عن علم اساسه النور والحقيقة".
وقبل ان يختم بالدعوة بالحياة للحرية والعدالة ولبنان وايران، قال: "ان العالم الكبير هو مجاهد كبير. رأينا هذه الوجوه الخيرة من الشعب اللبناني، استقوينا به فتضاعف حبنا للبنان وعشقنا له".
وختاماً قلّد منيمنة وشَكَر الرئيس الايراني الدكتوراه الفخرية، قبل ان يغادر مودعاً الطلاب الذين كانوا ما زالوا ينتظرونه خارجاً.
رسالة الطلاب
بعد منحه الدكتوراه الفخرية، تسلم نجاد من ممثلين للهيئات الطالبية في الجامعة رسالة باسم "شباب لبنان الجامعي" جاء فيها: "(...) نحييك قادماً من شعب أبهر العالم بثورة عزّ مثلها، شكلت منعطفاً وأسست مساراً معاكساً لخط اليأس واعادت احياء الامل الممزوج بالبأس، ومهّدت لعصر الارادة والعزم بوجه القوة والظلم، وأحيت محور العلم مقابل الجهل، وانتاج المعرفة والعلم مقابل احتكاره، ونادت بالعدالة في مقابل الظلم (...). تراب هذه الجامعة، سيدي الرئيس، لا ينسى أقدام اهل العزائم من طلابها الشهداء، الذين حملوا همّ الوطن فكانت عينهم الاولى على التخوم وعينهم الاخرى على العلوم، فحملوا الشهادة وحظوا بالشهادة"، مستنكرين "العقوبات الاميركية الصهيونية الظالمة والمتلبّسة لبوس المجتمع الدولي".