النهار - حزب الله": استراتيجية خروج من المأزق خصوم المحكمة يخسرون معاركهم ويواجهون صعوبات
الجمعة 15-10-2010
من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
"حزب الله": استراتيجية خروج من المأزق
خصوم المحكمة يخسرون معاركهم ويواجهون صعوبات
"يحتاج "حزب الله" الى استراتيجية خروج من معركته القاسية الكبرى مع المحكمة الخاصة بلبنان المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى مرتبطة بها، ذلك انه وصل الى منعطف خطر بل الى طريق مسدود: فالحزب يمتلك مع حلفائه المحليين والاقليميين القدرة على التهديد والتهويل والتعطيل وزرع الفوضى والاضطراب وعلى خوض مواجهة مسلحة مع الاستقلاليين الرافضين العنف ومع جميع المتمسكين بالمحكمة وبكشف حقائق الجرائم السياسية - الارهابية التي هزّت لبنان، لكن الحزب ليس قادراً مع حلفائه على الحاق الهزيمة بالمحكمة وبالمجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن والدول البارزة والمؤثرة وعلى منع المدعي العام الدولي دانيال بلمار من اصدار قراره الظني. والحزب ليس قادراً على أن يحكم مع حلفائه لبنان بالقوة ويتصرف به كما يريد لأسباب متعددة داخلية وعربية واقليمية ودولية ولأن موازين القوى العسكرية والطائفية والسياسية والشعبية تمنعه من تحقيق هذا الهدف خلافاً لما يراه البعض. كما أن الحزب ليس راغباً في التعامل بحكمة وواقعية مع المحكمة وقراراتها أو ربما ليس قادراً على ذلك، ويصعب عليه الدفاع عن ذاته فعلاً والخروج منتصراً من هذه المعركة من خلال الاكتفاء برفض قرارات المحكمة أو من خلال استخدام العنف والقوة المسلحة لمواجهة أي قرار ظني يمكن أن يتهم عناصر منه بالتورط في جريمة اغتيال الحريري وربما في جرائم أخرى استناداً الى معلومات صحيحة ومحددة والى أدلة وقرائن قوية وصلبة وقاطعة. وهذا هو المأزق الكبير للحزب".
هذه خلاصة تقرير بعث به سفير دولة غربية بارزة في بيروت الى حكومته المهتمة بمسار الأوضاع في لبنان وبخطط "حزب الله" وخياراته في التعامل مع المحكمة وقراراتها. وأوضح التقرير "ان استراتيجية الخروج من هذا المأزق التي يعتمدها "حزب الله" حالياً ليست ملائمة أو واقعية بل انها خاطئة اذ انها قائمة على أساس أن الحزب يستطيع حماية ذاته من خلال جعل مشكلته تتحول مشكلة جميع اللبنانيين، وبحيث يدفع اللبنانيون ثمن معركته مع المحكمة ومع القرار الظني. وهذه الاستراتيجية تشكل خطراً على اللبنانيين وعلى الحزب اذ انها لن تؤمن له الحماية أو أي مكاسب حقيقية بل انها قد تفتح الباب أمام مخاطر جسيمة عدة يمكن أن يواجهها الحزب ولبنان اذا لم يتراجع عن استراتيجيته الخاطئة هذه ويتبنى خيارات ملائمة أخرى تحفظ السلم الأهلي والوحدة الوطنية وتؤمن في الوقت عينه تحقيق العدالة. واذا ما تمسك "حزب الله" باستراتيجيته الحالية فانه قد يواجه مأزقاً أكثر خطورة من مأزقه الحالي".
أربع معارك خاسرة
وفي رأي مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس معنية مباشرة بتطورات الأوضاع في لبنان ان "حزب الله" خسر حتى الآن أربع معارك في المواجهة مع المحكمة ومع الاستقلاليين المتمسكين بها هي الآتية:
أولاً - فشل "حزب الله" مع حلفائه المحليين والاقليميين في "اقناع" رئيس الحكومة سعد الحريري بتقديم التنازل الكبير الذي يريدونه وهو نزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة والتنصل سلفاً من أي قرار ظني يصدره القاضي بلمار ويمكن أن يتهم عناصر من الحزب وربما أطرافاً آخرين بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي جرائم أخرى. فقد أظهر مرونة كبيرة في التعامل مع "حزب الله" ومع سوريا في قضايا عدة، لكن التخلي عن المحكمة "أمر مستحيل" بالنسبة اليه لأسباب شخصية ووطنية وسياسية ولأن الغالبية الواسعة من اللبنانيين تنشد العدالة وتريد وقف نهج الاغتيالات ولأن معركة الدفاع عن المحكمة جزء من معركة الحفاظ على استقلال لبنان وسيادته وسلمه الأهلي ودوره في الساحتين العربية والدولية.
ثانياً - فشل "حزب الله" مع حلفائه في اقناع دول عربية وأجنبية بارزة، من طريق اتصالات ديبلوماسية أجراها معها، بالعمل على تأجيل صدور القرار الظني "الى ما لا نهاية" أي منع صدوره ووقف عمل المحكمة. ذلك أن كل الدول المعنية بالأمر، في ما عدا سوريا وايران، ترفض هذا المطلب وتحرص على حماية استقلال العملية القضائية الدولية التي تمثلها المحكمة حتى النهاية. وقال ديبلوماسي أوروبي مطلع انه "ليست مصادفة أن قرار مجلس الأمن الرقم 1757 الصادر في نهاية أيار 2007 والذي أنشأ المحكمة الخاصة بلبنان شدد على أن "هذا العمل الارهابي" أي اغتيال الحريري ورفاقه "والآثار المترتبة عليه يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين". وليس ممكناً بالنسبة الى الدول الكبرى والبارزة التراجع عن تنفيذ القرار 1757 الملزم للجميع لأنه صادر استناداً الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وخصوصاً حين يتعلق الأمر بقضية تهديد السلام والأمن الدوليين".
ثالثا - فشل "حزب الله" مع حلفائه، من خلال تهديداتهم وتحذيراتهم، في اثارة مخاوف الدول العربية والأجنبية المعنية بمصير لبنان من انفجار الأوضاع الأمنية على نطاق واسع في هذا البلد الى حد التراجع عن اصدار القرار الظني ووقف عمل المحكمة، بل ان "استراتيجية الترهيب والتخويف" التي اعتمدها "حزب الله" وحلفاؤه زادت تصميم هذه الدول على الدفاع عن المحكمة والتمسك بها حتى النهاية من أجل كشف الحقيقة، أيا تكن النتائج، ومحاسبة المتورطين في هذه الجرائم، لأنها أدركت مخاطر الاستسلام لمنطق القوة والعنف والسماح تالياً بمواصلة اعتماد نهج الاغتيالات وسياسة الافلات من العقاب. وفي اعتقاد الديبلوماسي الأوروبي المطلع ان "الذين اغتالوا الحريري ورفاقه وشخصيات وطنية أخرى يجب أن يدفعوا الثمن وليس اللبنانيون الأبرياء. وهكذا تتحقق العدالة وتستقيم الأمور. فالمشكلة بدأت مع هذه الاغتيالات وليس مع المحكمة".
رابعاً - فشل "حزب الله" مع حلفائه في تحريض اللبنانيين على المحكمة من أجل دفعهم الى المطالبة بوقفها وذلك من خلال محاولة اقناعهم بأنها تشكل خطراً عليهم ومن خلال اثارة مخاوفهم من سقوط البلد في هاوية الاقتتال الداخلي رداً على القرار الظني ومن خلال وضعهم أمام الخيار الآتي: اما المحكمة واما الاستقرار والأمن. ذلك أن اللبنانيين وفي غالبيتهم الواسعة متمسكون بالمحكمة وبضرورة تحقيق العدالة وكشف الحقائق ادراكاً منهم أن المشروع البديل الذي يطرحه عليهم خصوم المحكمة يؤدي الى اخضاعهم لمنطق القوة المسلحة والترهيب مما يقضي فعلاً على الأمن والاستقرار ويهدد مصير البلد واستقلاله وسيادته.
ماذا سيفعل "حزب الله"؟
وأوردت المصادر الديبلوماسية الأوروبية خمسة عوامل أساسية جعلت "حزب الله" يخسر مع حلفائه هذه المعارك هي الآتية:
أولاً - يواجه "حزب الله" وحلفاؤه وضعاً ليس له سابق ولم يكن يتوقعه أحد لدى اغتيال الحريري ورفاقه. ويتمثل هذا الوضع في وجود لجنة تحقيق دولية ومحكمة ذات طابع دولي للنظر في هذه الجرائم ولمواجهة الاغتيالات السياسية وهو ما يحصل للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، كما يتمثل في أن هذه العملية القضائية الدولية مستقلة فعلاً وتحظى برعاية مجلس الأمن ودعم مجموعة كبيرة من الدول العربية والأجنبية. اضف أن هذا الوضع المعقد والصعب الذي يواجهه "حزب الله" وحلفاؤه يتمثل في أن القدرات العسكرية والسياسية للحزب عاجزة عن وقف هذه العملية القضائية الدولية التي يرى الحزب وحلفاؤه انها تشكل تهديداً كبيراً لهم، وفقاً لما توضحه حملاتهم البالغة القسوة والحدة على المحكمة وعلى الحريري والاستقلاليين.
ثانياً - لم يعرض "حزب الله" على الحريري وحلفائه "صفقة مشرفة" أو تسوية ملائمة وعادلة تضمن في وقت واحد تحقيق العدالة وتأمين الاستقرار والسلم الأهلي والوحدة الوطنية في هذا البلد. بل ان الحزب وحلفاءه طلبوا من الحريري والاستقلاليين الاستسلام لهم والرضوخ لمطالبهم كي يكونوا هم المنتصرين الوحيدين في هذه المعركة ويتولوا حينذاك ادارة شؤون البلد. وفي المقابل، ليست لدى الحريري وحلفائه "صفقة أو صيغة مقبولة" فعلاً لدى "حزب الله" كي يعرضوها عليه، اذ انهم يرون أن المحكمة هي في ذاتها الصيغة السلمية الملائمة الوحيدة لمعالجة قضية الاغتيالات السياسية والظلم الفادح الذي لحق باللبنانيين اذ أن هذه الصيغة ليست قائمة على الثأر والانتقام بل على طلب العدالة ومعرفة الحقيقة وهدفها تعزيز السلم الأهلي من خلال محاسبة المتورطين في هذه الجرائم التي هزّت لبنان بالوسائل القانونية.
ثالثاً - ما يضعف موقف "حزب الله" ان معركته مع المحكمة ليست شرعية أو قانونية وتتناقض مع المصالح الحيوية لللبنانيين اذ ان الحزب، برفضه المحكمة، يتراجع عن التزاماته الوطنية وينتهك قرارات هيئة الحوار الوطني المتضمنة التمسك بالمحكمة ونص البيان الوزاري للحكومة الحالية الداعم للمحكمة. كما ان الحزب يستخدم لمعالجة هذه القضية أسلوب التخوين والتهديد بالسلاح وهو ما يتناقض مع اتفاق الدوحة ومع الدستور ويبدو غير مكترث بشهداء الاستقلال وبأهالي الضحايا وبحرص اللبنانيين على الأمن والاستقرار الحقيقيين. ووفقاً لديبلوماسي أوروبي مطلع "فان مصلحة لبنان لن يقررها فريق متضرر من المحكمة بل يقررها اللبنانيون المتمسكون في غالبيتهم الواسعة بالمحكمة".
رابعاً - يتصرف "حزب الله" وحلفاؤه وكأن المحكمة هي مكافأة سياسية كبرى للحريري وللاستقلاليين بينما يرى هؤلاء أن تحقيق العدالة يشكل "نهاية مرحلة سوداء قاسية وبداية مرحلة جديدة مضيئة" تتميز بتقوية سلطة القانون ودور الدولة ومؤسساتها الشرعية وتعزيز المشاركة الوطنية في الحكم. ولذلك يتشدد "حزب الله" في مواقفه اذ انه ليس راغباً في "مكافأة" الحريري وحلفائه المتمسكين بكشف الحقيقة والمعتمدين على الشرعية الدولية والرافضين أي هيمنة اقليمية على لبنان.
خامساً - خاض "حزب الله" المعركة مع المحكمة على أساس انه القوة الرئيسية في لبنان لأنه يمتلك السلاح والتصميم على استخدامه حين يرى ذلك ملائماً له ولحلفائه، ورأى أن هذا الواقع كاف لدفع خصومه السياسيين الى الرضوخ له ووقف عمل المحكمة. لكن "حزب الله" أخطأ في حساباته وبالغ في تقدير حجم امكاناته وتأثيره على محكمة تعمل خارج سلطة اللبنانيين، وتجاهل وجود قوى سياسية وشعبية تمثل الغالبية الواسعة من اللبنانيين ليست خائفة من القوة المسلحة بل انها مستعدة للتضحيات في سبيل تحقيق العدالة لأنها ترى في ذلك انقاذاً للبنان وحماية له. وتجاهل الحزب أيضاً وجود رعاية دولية وعربية حقيقية للبنان المستقل السيد وحرص من دول بارزة على منع اخضاع هذا البلد مجدداً لأي وصاية اقليمية.
ماذا سيفعل "حزب الله" الآن؟ أجاب عن هذا السؤال ديبلوماسي أوروبي بارز معني بالملف اللبناني، فقال "ان "حزب الله" وحلفاءه لم يتخذوا حتى الآن قرار المواجهة المسلحة الكبرى لأنهم خائفون من هذه المواجهة ونتائجها. وقد وضع "حزب الله" ذاته أمام أربع معادلات محتملة لن تحقق له ما يريد: فمعادلة اسقاط المحكمة بالقوة والعنف لن تتحقق بسبب واقع هذه المحكمة وتركيبتها، ومعادلة اسقاط الحكومة لنزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة لن تجدي نفعاً لأن المحكمة تتمتع بشرعية لبنانية وعربية ودولية ليس ممكناً التراجع عنها، ومعادلة انهاء الاستقلاليين بالقوة المسلحة لن تنجح لأنهم يمثلون الغالبية الواسعة من اللبنانيين ويلقون دعماً دولياً وعربياً واسعاً، ومعادلة اسقاط الدولة ومؤسساتها من خلال انقلاب مسلح لن تمنع صدور القرار الظني بل انها ستجر لبنان الى حرب أهلية يخسر فيها الجميع ". وأضاف هذا الديبلوماسي: "الحل الملائم يكون في أن يبحث "حزب الله" عن استراتيجية خروج من هذا المأزق الخطر تضمن في وقت واحد تحقيق العدالة التي لا مفر منها وتأمين الاستقرار والسلم الأهلي. ومثل هذا الحل يتطلب من "حزب الله" أن يتخلى عن التهديد بالقوة وبالسلاح لفرض مطالبه على الآخرين والتمسك بالمشاركة الوطنية الصحيحة في الحكم مع الأفرقاء الآخرين واحترام متطلبات هذه المشاركة وفي مقدمها تعزيز دور الدولة وسلطة القانون وتأمين العدالة".
بقلم عبد الكريم أبو النصر