المقامات (المزارات) في مدينة صيدا
المقامات (المزارات)
في مدينة صيدا
كانت المزارات أو المقامات منتشرة في مدينة صيدا منذ قديم الزمن، ولكن الكثير منها كان قد هُدِّم وزالت آثارُه. وإننا نستطيع بسهولة أن نحدِّد أماكن المزارات أو المقامات التي لا تزال واضحة المعالِم في صيدا وهي تسعة: مقام الزَّوْيتيني، مقام النبي يحيى، مقام النبي صيدون، مقام النبي داود، مقام "أبو روح"، مقام شرحبيل بن حسنة، مقام الست نفيسة، مقام الشيخ محمد أبو نخلة، مقام الشيخ عمر الجلالي.
1 ـ مقام (مزار) الزويتيني:
يُروى عن كبار السن أن هذا المقام يعود إلى زينة بنت النبي يعقوب عليه السلام. وكان يرتفع بجانب المكان شجرة زيتون. ولكن مع مرور الزمن حُرِّف اللفظ إلى الزُّويتيني وأُطلق على الحيِّ الذي يوجد فيه هذا المقام… يتألف هذا المقام من غرفة مربعة صغيرة الحجم تعلوها قبة صغيرة. وهو يقع في أول حيّ الزويتيني من جهة الجنوب ويطلُّ على مقهى رجال الأربعين.
2 ـ مقام النَّبي يحيى
يُقال إن هذا المقام يعود إلى النَّبي يحيى بن زكريا عليهما السلام. غير أن هناك بعض المصادر التاريخية تذكر أن النَّبي يحيى دفن في فلسطين وبعضها الآخر يشير إلى أنه دفن في مصر. وترجِّح كثرة المقامات التي تُنسب إلى النبي يحيى، على أنها قد تكون مناطق مرَّ بها، فأقيم فـي المكان الذي مرَّ فيـه مقامٌ للتَّبَرُّك، أو أنه كان قد دُفن في ذلك المقام رجل صالح يُدعى يحيى.
وثمة مصادر تاريخية ترجِّح أن عهد هذا المقام، مقام النبي يحيى في صيدا، يعود إلى المماليك. ولكنه تعرض للهدم بفعل الزلازل. ثم بُني من جديد على لشكل مزار تحت اسم النَّبي يحيى.. والكتابات التي على الضريح، تشير إلى أن مجدِّد البناء هو أحمد باشا الجزار.
وهذا المقام مغطى بالقماش الأخضر كبقية المقامات والمزارات الإسلامية في صيدا. وفي أواخر القرن التاسع عشر قد رُقّم هذا المقام ـ المزار ـ الذي كان آيلاً للسقوط وأضيف إليه غرفتان. وهو يتألف من غرفة المقام ذاته، ومن غرفتَيْن إضافيَّتين، ربما كانتا لاستقبال الضيوف أو أنهما كانتا تؤلفان المسجد المُقام في هذا المزار والذي تتحدث عنه بعض المصادر التاريخية.
ويقع المقام في شرق صيدا في تلة مرتفعة، يشرف من عليائه على المدينة وهو في منطقة حارة صيدا الإدارية، ويمتاز بقبته الخضراء. وكان أهالي صيدا، إلى زمن ليس ببعيد، يزورون المقام ويتنزهون في ربوع المنطقة والسهول المحيطة به. غير أنها اختفت جميعها الآن بفعل العمران.
3 ـ مقام النبي صيدون
يُقال إن المقام كان هيكلاً للإله الفينيقي "صيدون"، ويُقال أيضاً إن المقام يعود إلى أحد أبناء يعقوب عليه السلام، وهو يُدعى صيدون، واليهود أيضاً يدّعون أنه لأحد أنبيائهم ويُدعى زبلون. لا تاريخ للمقام يدلُّ على زمن تشييده، وإنما كان يوجد فوق الضريح ستائر عليها آيات قرآنية وكلمات عبرية.
كان المقام يحوي على حاكورة بعل مشجرة تبلغ مساحتها 1792م2، وضمنها مقام للنبي صيدون، وهو مؤلف من غرفة وإيوان مسقوف. وتقع بجانبه غرفتان للسكن، ويوجد ضمن الحاكورة بركة ماء وبئر ماء نبع. بعد ذلك تعرُّض المقام للتصدع بعد القصف الإسرائيلي في حزيران 1982، فقامت البلدية بهدم الغرف والإيوان من حول المقام وعملت على ترميم المقام.
وفي هذا المقام، محراب إلى جهة القبلة وإلى جانبه شاهدان لقبر… ويقع في منتصف نزلة صيدون المتفرعة من بوابة الفوقا وشارع رياض الصلح.
4 ـ مقام النبي داود
من الصعب التأكد أن هذا المقام يعود إلى النبي داود عليه السلام، بل هناك من يشكك في هذا الأمر. ولربما من المرجَّح أن يكون النبي داود قد مرّ في ذلك المكان، فجُعل مزاراً بعد أن دُفن أحدُ الصالحين فيه. يتكون المقام من غرفتين: غرفة المقام وفي وسطها قبر بسيط مستطيل الشكل، لا كتابة عليه، وغرفة أخرى تفصلها عن غرفة المقام ساحة صغيرة. ويقع المقام في منطقة درب السيم إلى الجنوب الشرقي من مدينة صيدا.
5 ـ مقام "أبا روح"
يرى البعض أن هذا المقام يعود إلى الصحابي الجليل شبيب أبي روح الكلاعي الذي دُفن فيه، خارج مدينة صيدا القديمة. ويتكون هذا المقام من مساحة أرض كبيرة، عليها غرف عديدة تبعد قليلاً عن المقام. وقد كُتب على باب المقام: "هذا قبر نبيّ الله أبروح". والمقام عبارة عن ضريح مرتفع عن الأرض، غُطِّيَ بالستائر الخضراء، وسط غرفة مربعة الشكل تعلوها قبَّة… وهو يقع إلى الجنوب الغربي من مدينة صيدا وبمحاذاة مما يعرف بخليج اسكندر.
6 ـ مقام شرحبيل بن حسنة
هو مقام الصحابي شرحبيل بن حسنة ويكنَّى أبا عبد الله. وأمه حسنة، فغلب عليه اسم أمه لأن والده مات وهو صغير، فبقي في حجرها. شارك في حروب الردّة وكان مع قوات خالد بن الوليد… وفي معارك المسلمين من أبطال المهاجرين والأنصار وفي اليرموك وفتح الأردن والساحل اللبناني عام 15 هـ. كان يحسن القراءة والكتابة وهو من كتّاب الوحي. وأقام الجيش الإسلامي إلى الشمال الشرقي من مدينة صيدا بقيادة شرحبيل الذي توفي عام 18هـ، ودُفن حيث توفيَ وله من العمر سبع وستون سنة.
ويقع المقام في المنطقة التي تُعرف باسم "الشرحبيل" أو الحبابيَّة، وتبلغ مساحة أرضه 7943م2. ويقوم على أرض المقام "دار السلام" التابعة لجمعية جامع البحر في صيدا. وهذه الدار هي مأوى للعجزة والمسنين وبعض المشاريع الخيرية الأخرى. وأرض المقام غدت الآن منطقة سكنية عامرة وتقع عليها ثانوية حسام الدين الحريري التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا.
7 ـ مقام أبي نخلـة
صاحب هذا المقام هو محمد أبو نخلة ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام. ويُعرف المقام وله شهرة واسعة بين أهالي صيدا باسم "مقام أبي نخلة". ولكن المؤرخين يستبعدون أن يكون هذا المقامُ، "مقامُ أبي نخلة"، هو لمحمد بن الحنيفية بن الإمام عليّ بن أبي طالب. لأنه من الثابت أن ابن الحنيفية بن الإمام عليّ دُفع في البقيع سنة 81 هـ في أولها.
ولكن الصحيح هو أن صاحب هذا المقام هو الشيخ محمد أبو نخلة، كما وَرَد هذا الاسم في سجلات المحكمة الشرعية. فقد كان يوقف "لصالح مقام سيدنا وأستاذنا الشيخ محمد أبو نخلة قَدَّس الله سرّه، الكائن في "زاوية العبيدية". يتضح من ذلك أن الشيخ محمد أبو نخلة كان من العلماء الأجلاء وأحد المشايخ الصوفية في صيدا. وقد اشتهر هذا العالِم بالتُّقى والورع ودُفن إلى جانب الزاوية الشهيرة بالزاوية العبيدية، التي كان يُقام فيها حلقات الذكر. ويبدو أن الضَّريح يعود إلى ما قبل عام 1199هـ ، فأعيد ترميم البناء الذي كان متصدِّعاً ومهملاً، فأُحدثت القبَّة فوق المقام. وهو عبارة عن غرفة صغيرة الحجم تعلوها قبَّة، تتخلّلها قطع زجاجية تسمح لنور الشمس بالنفاذ إلى الغرفة. وقد غُطِّيَ المقام بالستائر الخضراء. والمقام يقع من الجهة الشرقية من مسجد أبي نخلة، وفي زاروب ضيِّق منحدر ومُعتم بعض الشئ من الجهة الجنوبية الغربية من ساحة باب السراي في قلب صيدا القديمة.
8 ـ مقام عمر الجلالي
يُنسب هذاالمقام إلى الشيخ عمر الجلالي. والجلالي ليس اسم عائلته وإنما لقبه، كان قد لُقب به لتقواه وورعه. ويُقال إن اسم عائلته هو عائلة "بديع".. ويبدو أن الشيخ عمر الجلالي كان يعمل في البحر، والبحارة في صيدا يجلبون إلى المقام السلاحف التي يعثرون عليها في البحر.
وربما كان الشيخ عمر الجلالي أحد الرجال الصوفيين. وغرفة المقام التي دُفن فيها، كانت مكان الذكر وإقامة حلقات الذكر، أو أنه أوصى أن يُدفن في ذلك المقام. وهو يقع في حارة البحر، جنوب ما كان يُعرف بمقهى حلبدن (أو مقهى العيساوي اليوم) وبحر العيد داخل صيدا القديمة وفي أحد زواريبها الضيِّقة. والمقام عبارة عن غرفة صغيرة يوجد فيها ضريح عليه ستائر. لكن المقام مهمل. وما يلفت النظر كثرة السلاحف الموجودة فيه، والتي يبلغ عمر بعضها ما يزيد عن عشرات السنين.
9 ـ مقام السيدة نفيسة
يُقال إن السيدة نفيسة هي سيّدة مغربية ثرية، تعود في نسبها إلى آل البيت من الفرع الحسني، أقامت في صيدا وأوصت أن تُدفن في ضريح أقامته لنفسها في منطقة الدكرمان، عُرفت باسمها فيما بعد، وأصبحت "حيّ الست نفيسة".
لا يوجد داخل المقام لوحة تدل على تاريخ المقام أو الاسم الكامل للسيدة نفيسة. وللمقام نافذة تضاء عليها الشموع، والاعتقاد السائد لدى بعض النسوة أن إضاءة الشموع عند المقام يجعلهن يحبلن بعد طول انقطاع. ومقام الست نفيسة تعلو عقده قُبَّة صغيرة، ويشتمل على بيت وإيـوان مسقوفين. وقد هُدم البيـت والإيوان وقسم مـن غرفة المقام عام 1981 عند توسيع الطريق العام.
(جميع هذه المعلومات عـن المقامات والمزارات في مدينـة صيدا، مستقاة من كتاب: عبد الرحمن حجازي، دليل معالم صيدا الإسلامية، المركز الثقافي الإسلامي، والمكتبة العصرية صيدا ـ لبنان، عام 1983، ص 73 ـ 84).