د. دندشلي - الزَّوايا الصوفيـة في صيدا
الزَّوايا الصوفيـة في صيدا
لقد كانت الحركة الصوفية فيما مضى مزدهرة في صيدا. وتنتشر الزوايا والتَّكايا في المدينة القديمة. والزاوية هي عبارة عن بناء واسع يتألف في العادة من غرفة واحدة أو عدد من الغرف مخصَّصة لذكر الله وتعليم العلوم الدينية واللغة العربية بالإضافة إلى القراءة والكتابة. أما التكيَّة، فهي مكان أوسع من الزاوية من حيث المساحة والنشاط، ويتمُّ فيها، إضافة إلى حلقات الذكر وتعليم العلوم الدينية، تأمين الطعام والمنامة لعابري السبيل وطلاب العلم.
والمسؤول في كل مركز من مراكز الزوايا والتَّكايا عادة هو شيخ الزاوية ويكون مجازاً في ذلك، كتابة أو مشافهة، من شيخ الطريقة. والشيخ محمود المغربي الملقَّب بالكبي، هو أحد مشايخ الطريقة الرفاعيَّة في مدينة صيدا.
وكانت حلقات الذكر تُعقد مساء كل يوم بعد صلاة العشاء. وقد تمّ الاتفاق بين مشايخ الطُّرق الصوفية، على أن تُعقد حلقات الذكر اليومية، مداورة كل يوم في زاوية من الزوايا في مدينة صيدا. وعلى سبيل المثال، كانت حلقات الذكر تُعقد يومياً على النحو التالي:
يوم الثلاثاء من كل أسبوع في زاوية آل كالو قرب سينما أمبير في صيدا القديمة.
يوم الإربعاء من كـل أسبـوع في زاويـة آل الزعتري قرب الجامع العمري الكبير وساحة ضهر المير.
يوم الخميس من كل أسبوع في زاوية آل الدقور في حي السبيل.
وهكذا دواليك، فإن حلقات الذكر كانت تُعقد أيام الأسبوع الباقية في الزوايا العديدة الأخرى المنتشرة في مدينة صيدا القديمة.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الزوايا العديدة التي كانت منتشرة في صيدا وحاراتها القديمة قد اندثر معظمها ولم يبق منها سوى الزوايا التي لا تزال معالمها ظاهرة وواضحة في صيدا وهي:
1 ـ زاوية آل جلال الدين: فقد كانت مركزاً لطلبة العلم. واشتهرت هذه الزاوية في زمن الشيخ أحمد جلال الدين الذي كان بدوره نقيباً للإشراف في صيدا. وبعد وفاته عام 1947 أُغلقت هذه الزاوية ولم تُقم فيها حلقات الذكر منذ ذلك الحين، لأن شيخ الطريقة الشيخ محمد سليم جلال الدين (مفتي صيدا فيما بعد) الذي أجازه والده مشافهة وأصبح شيخ الطريقة السعدية، لم يمارس الصوفية.
وتقع هذه الزاوية في حارة العجمي (حي الزويتيني) قرب ساحة المصلبية في صيدا. وهي متصدعة الآن وبحاجة إلى ترميم.
2 ـ زاوية آل البابا: توقَّفت حلقات الذكر فيها عام 1940 بعد وفاة آخر شيوخها الحاج حسن البابا. وهي تقع مقابل فرن معنية، وليس بعيداً عن سينما أمبير سابقاً داخل صيدا القديمة. وهذه الزاوية عبارة عن عدد من الغرف وساحة صغيرة في وسطها، ولها قبة فوق بنائها، توحي أنها كانت مركـزاً من مراكز العلم في صيـدا. وهي مَعْلم أثريٌّ جميلٌ، وتُستعمل اليوم كبيت للسكـن.
3 ـ زاوية الشيخ محمود المغربي الملقب بالكبي وهي زاويـة تنتسب إلى الطريقة الصوفيـة الرفاعية. وهي تقع في زاروب ضيِّق خلف ساحة باب السراي إلى الغرب (ربما مقام أبو نخلة). وهي عبارة عن غرفة متوسطة الحجم تُقام فيها حلقات الذكر ويُستخدم فيها الدفوف (جمع دفٌ) وبعض أنواع الأسلحة.
4 ـ زاوية آل الدَّقور وهي تنتسب إلى الطريقة الرفاعية وكانت تقع في البداية في حارة الدباغة، ثم انتقلت إلى بناء واسع في حي السبيل حيث تُقام فيه حلقات الذكر مساء كل خميس بعد صلاة العشاء…
5 ـ زاوية آل الزعتري القادرية: تتكوَّن من عدد من الغرف. وكانت مدرسة للتعليم الديني. وبعد تأسيس جمعية المقاصد الإسلامية، انتهى دورها الأساسي.. شُيَّدت في عهد الدولة العثمانية قبل انتقالها إلى الشيخ خليل الزعتري، شيخ الطريقة القادرية. ولكنها أُغلقت عام 1927. وتمتاز هذه الزاوية بجمالها ورونقها ومعالمها التركية في هندستها. وهي تقع في منطقة ضهر المير داخل صيدا القديمة، قرب الجامع العمري الكبير.
6 ـ تكيَّة عبد القادر الجيلاني تكيَّة القادرية، وكانت تقع بين الجامع البرَّاني ومدخل قلعة البحر. ولا يزال قسم منها قائماً. وكانت تُستخدم نُزلاً للعلماء ولعابري السبيل، وتُعقد فيها حلقات العلم والذكر.
7 ـ زاوية آل كالو وهي عبارة عن غرفة كبيرة تقع قرب سينما أمبير داخل صيدا القديمة، ولكن لم يبق من معالمها سوى اللوحة المنقوشة فوق باب الزاوية.
يضاف إلى هـذه الزوايـا، الزاويـة الشاذليـة التي كانـت في جامع الكيخيا وتكيَّة عبد القادر الجيلاني ـ تكيَّة القادرية، وكان موقعها بين الجامع البرّاني ومدخل القلعة البحريـة.(*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) ـ لمزيد من هذه المعلومات حول الزوايا الصوفية، أنظر كتاب: عبد الرحمن حجازي، دليل معالِم صيدا الإسلامية، المركز الثقافي الإسلامي، والمكتبة العصرية ـ صيدا ـ 1983، ص 59 ـ 70.