د. دندشلي-مـقـابـلـة مـع الأستاذ عبد البر عيون السود
مـقـابـلـة مـع
الأستاذ عبد البر عيون السود
الزمان والمكان : 6 كانون الثاني عام 1966 ، باريس
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
تجمع البعثيين الأوائل حول الأستاذ ميشال عفلق قد كان يحمل في أساسه طابعاً سلبياً وهو رفضهم جميعاً للماركسيّة . لقد ازدادت قوّة الحزب الشيوعي السوري واتسع نشاطه بعد الحرب العالمية الثانية في سوريا حتى شمل فئات مختلفة ، مما كان هذا دافعاً ليزيد البعثيون من قمة نشاطهم وتراص صفوفهم .
العامل الثاني الذي كان يجمع شباب البعث هو عامل أخلاقي ، بمعنى أن المجتمع وصل إلى درجة من الانحطاط الخلقي وتفشي الانتهازية والوصولية والكذب ، إلخ ... كان معها لا بدّ من ظهور الفئة الصافية خلقياً التي تنفصل عنه (عن هذا المجتمع الفاسد) لتغييره ... هذا إلى جانب أن شخصية ميشال عفلق كانت تلاقي تجاوباً وإعجاباً كبيرين من قِبل الشباب المثقف وخصوصاً الطلبة منهم على وجه الخصوص . يمتاز ميشال عفلق بحسن الحديث ـ مع بطئه ـ وهو ذو أسلوب آخّاذ ، خصب الخيال حتى في أحاديثه السياسيّة . ذكي وإن كان ذكاؤه من نوع خاص ولا يظهر بسرعة لمن لا يعرفه . غير شعبي ، يملّ ويبتعد عن المراكز الكبيرة ، وكل ما يريده أن يبقى الأب والمفكر والقائد الملهم لحزب البعث العربي .
إعجاب ميشال عفلق في الأساس يتجه نحو تجربة الإسلام الأولى . في ذهنه أن تجربة البعث وخصوصاً في أيامها الأولى ، يجب أن تعيد تجربة الإسلام بإطار ومضمون مختلفين ، أو بمعنى آخر يجب أن تستوحي الكثير من هذه التجربة العظيمة . وفي مضمون كتاباته الأولى عن الإسلام ، كان يريد لنفسه أن يلعب دور محمد . عفلق مؤمن إيماناً عميقاً . في رأيه ، إن العربي بطبيعته متطرف ، فهو بحاجة إلى نظرية متطرفة تقابل النظرية الشيوعية المتطرفة . أما في ما يتعلق بالاشتراكية ، فقد صرح مرة بأنها لا تلاقي أي تجاوب في نفسه .
الخلافات الشخصية بين ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار قديمة ... وقد حاول صلاح الدين البيطار وجلال السيّد فصله من الحزب بعد بيانه المشهور بتأييد حسني الزعيم . ولكن شباب البعث في ذلك الوقت ، مع اعترافهم بخطأه ، إلاّ أنهم كانوا يفضلونه على الآخرَين لاعتقادهم أنه مع ذلك أكثر ضمانة خلقية ولخوفهم من استلام قيادة الحزب أحدهما بعده . أما في ما يتعلق باتحاد سوريا مع العراق ، فقد كان عفلق يميل دائماً إلى هذا الاتحاد ، أحياناً يقول ذلك صراحة وأحياناً أخرى يخفي ذلك . وهذا يجب أن لا يُفهم على أنه مرتبط أو على سابق اتصال بدولة أجنبية ... وإن كان قد اجتمع مرة في بيروت مع صلاح الدين البيطار أثناء التقائهما بفاضل الجمالي ... فقد كانا يميلان في ذلك الوقت إلى اللجوء إلى العراق ... أما في ما يتعلق بأكرم الحوراني، فهو رجل سياسي ، عملي ، لا يميل إلى العمل ضمن حزب أو مخطط متوسط أو بعيد المدى . يمتاز بحسه السياسي السليم ومواقفه الوطنية ، مع عدم إعطاء أهمية أساسية للنواحي النظرية والفكرية . تحركاته السياسية تحركات آنية وفهمه للمشاكل الطارئة وإيجاد الحلول العملية لها ، كذلك تتصف بالصفة الآنية ...
أما اتصاله بالجيش ، فيمكن إرجاعه إلى حوادث فلسطين حيث سمحت له الظروف أكثر بأن يلتقي بكثير من الضباط وأن يبني معهم علاقات ودّية . [بعد حرب فلسطين ، تكوّنت لجنة عسكريّة مهمتها البحث في أسباب النكسة وعواملها السياسيّة ، فكان أكرم الحوراني أحد أفراد هذه اللجنة . ( حديث مع أكرم الحوراني ), فيظهر أن تكوين هذه اللجنة كانت أيضاً مناسبة لتوطيد علاقاته أكثر فأكثر مع العسكريين ...
وعندما استلم وزارة الدفاع في عهد الحناوي ، شجع وفتح الأبواب لدخول الجيش لكثيرين من مؤيديه من العناصر الفلاحية أو ما يمكن أن يكونوا من مؤيديه ... وفي الحقيقة أنه لم تقم عملية انقلاب في سوريا دون أن يعلم بها أكرم الحوراني ... وهو ، في رأيه، أن الجيش يمكن أن يلعب دوراً وطنياً وفي ظروف معينة ... بمعنى : أنه عندما يقوى ضغط العناصر الرجعية والإقطاعيّة على الحركة الشعبيّة الوطنيّة ، وتشتد التدخلات الخارجية الاستعمارية ، في هذه الحالة يمكن استخدام الجيش كعنصر أساسي وماديّ للوقوف في وجه المحاولات المعاكسة للحركة الشعبية التقدمية . أي أن لتدخلات الجيش في بعض الظروف حدوداً لا يجوز أن يتجاوزها ...
عندما كان الحديث يجري حول إمكانية دمج حزب العربي الاشتراكي بحزب البعث العربي ، كان الخوف والتردد وعدم الموافقة يأتي من طرف عفلق والبيطار . كانت تحركات أكرم الحوراني السياسيّة لا تجد رضى في أنفسهما . ولكن عملية دمج الحزبين قد تم تحت عاملين :
الأول : ضغط بعض أعضاء القيادة : وهيب الغانم ، عبد البر عيون السود وغيرهما ، وتحت ضغط بعض أعضاء القاعدة . العامل الثاني : تأثير وضغط من بعض ضباط الجيش الذين كانوا يهيئون لإحداث انقلاب عسكري ضد الشيشكلي وعلى رأسهم عدنان المالكي . ففي هذا الوقت بالذات ، وبعد علمه بذلك ، رضي ميشال عفلق بعملية الدمج وبالشكل الذي أراده حزب البعث . ولكن عندما كُشف أمر التحضير للانقلاب وألقي القبض على عدنان المالكي ، حاول ميشال عفلق عدة مرات أن يعود عن الدمج.
الحزب العربي الاشتراكي أقرب إلى مجموعة من الشباب المثقف تلتف حول أكرم الحوراني ، منها إلى حزب بالمعنى الصحيح . وقد وقعت اصطدامات عديدة بين شباب حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي في مختلف المناطق ...
تأسيس الحزب العربي الاشتراكي (الجديد) : منذ مدة اجتمعت الهيئة التأسيسيّة واعتمدت نظاماً داخلياً يحدد سياسة الحزب المحلية والعربية والعالمية وسياسته الاجتماعية والاقتصادية . القيادة : الأمين العام عبد الفتاح الزلط ، عميد الحزب أكرم الحوراني ، ثم رياض المالكي ، مصطفى حمدون ، وهيب الغانم ، عبد البر عيون السود .... 6 أكتوبر عام 1967