الاخبار-الحريري بعد نجاد: انتظار لقاء نصر الله
جريدة الأخبار
عدد السبت ١٦ تشرين الأول ٢٠١٠
الحريري بعد نجاد: انتظار لقاء نصر الله
أجواء الحريري بدت مربكة خلال استضافة نجاد (دالاتي ونهرا)
قبل زيارة الرئيس الإيراني صفحة وخلالها صفحة وما بعدها صفحة ثالثة. هذا ما عبّر عنه كثيرون. وهناك من رأى فيها، من لحظة وصوله أرض مطار رفيق الحريري الدولي إلى لحظة انطلاق طائرته نحو طهران، زيارتين، واحدة رسمية «التزم» فيها الخطاب اللبناني، وأخرى شعبيّة استعاد فيها بعضاً من شعاراته وأدبيّات الثورة الإسلاميّة في إيران. ومع هؤلاء ثمّة من كوّن نظرة «مرافقة» للضيف نطلّ عليها
نادر فوز
وصل الضيف، اجتمع مع المعنيين، عبّر عن مواقفه في الأماكن المناسبة، ودّع الجميع وعاد بطائرته الرئاسية إلى طهران. حُمّلت زيارة الرئيس الإيراني إلى بيروت، قبل حصولها، الكثير من التأويلات والترجيحات والتحليلات. لكن الأجواء المتوقعة من الزيارة مرّت بسلاسة ومن دون ضجيج التشويش الذي اعتادته الساحة الداخلية. عبّر نجاد عن أفكاره بوضوح ومن دون مواربة أو خجل من المجلس الموجود فيه، فتحدث عن دعم الاستقرار اللبناني ومواجهة العدو والتنبّه لما يجري إعداده على الصعيد الفلسطيني. كل هذه القضايا، التي تثير عادة تحفظات لدى فريق 14 آذار، مرّت بهدوء. واللافت أنّ تيار المستقبل لم يجد وصفاً لزيارة الرئيس الإيراني وتفسيراً لها. فالصدمة المستقبلية الأكبر تتمثّل بأنّ نجاد لم يحمل مبادرة لحل ملف المحكمة الدولية، حتى أنه لم يذكر المحكمة في لقاءاته. ما انعكس ارتباكاً لدى الرئيس سعد الحريري، فبدا الأخير حذراً عند جلوسه مع الرئيس الإيراني وقد اكتشف أن الأخير ليس على جدول أعماله مناقشة تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية كما يفعل غيره من الزوار الأجانب.
وسط هذا الارتباك المستقبلي، لم يستطع الفريق الأكثري سوى فصل زيارة نجاد إلى قسمين، لقاءاته الرسمية التي وجدها مفيدة وداعية للحوار والتهدئة، ولقاءاته مع حزب الله التي عبّر خلالها عن الدعم المطلق لسلاح المقاومة ومشروعها. ولم يتردّد عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، مصطفى علوش، والنائب القواتي أنطوان زهرا، في الإشارة إلى هذا التمييز. وأعلنا بدء عملية إطلاق النار على الجزء الحزبي من زيارة نجاد «ما يضع لبنان في مشروع عقائدي لم تتبنّه الدول العربية». ودفع الارتباك الأكثري نواب 14 آذار إلى التساؤل عن سبب عدم شمولية زيارة الرئيس الإيراني، فسأل النائب إيلي ماروني: «لماذا لم تتضمن الزيارة لقاءً مع مسيحيي 14 آذار؟»، مضيفاً: «ليُطلق نجاد قدر ما يشاء شعارات ضد إسرائيل، لكن لا نريد أي شعارات تضرّ المصالح اللبنانية». عملية القنص المستقبلي على زيارة نجاد بدأت، رغم الأجواء الإيجابية التي حاول الرئيس سعد الحريري إشاعتها في اجتماع استثنائي لكتلة المستقبل. ويقول أحد النواب المستقبليين إنّ الحريري «كان منطلقاً وقدّم شبه محضر للقائه بنجاد»، يضيف: «بدا الرئيس أمس أكثر ارتياحاً من اليومين الماضيين».
وتعليقاً على التوتر الذي بدا على الرئيس الحريري، قال أحد النواب إنّ «الرئيس وجهه أسود منذ أكثر من أسبوع، ولا علاقة لذلك بزيارة نجاد»، مضيفاً أنّ «الأزمة التي فُتحت الأسبوع الماضي، بدءاً بشهود الزور ووصولاً إلى تمويل المحكمة، أزعجت الحريري كثيراً وأثّرت عليه شخصياً». وهو ما يؤكد اعتراف مسؤولين في المستقبل بأن أجواء الحريري كانت مربكة خلال استضافة نجاد، سواء أكان في القصر الجمهوري أم في السراي الحكومية.
واتّفق المجتمعون أمس على تسريب الموقف الإعلامي في وقت لاحق بصيغة «مصادر مستقبلية مطلعة»، انسجاماً مع الالتزام الإيراني بإبقاء المجالس بالأمانات. ونتيجة اجتماع الكتلة يوم أمس، خرج المستقبليون بخلاصة مفادها أنّ زيارة نجاد حملت هدفين: الأول، تأكيد الدعم المطلق لحزب الله «في المرحلة الحرجة التي يمرّ بها الحزب نتيجة ضغوط المحكمة الدولية». الثاني، تأكيد الجمهورية الإسلامية أنها حاضرة في المنطقة، وأنّ علاقتها غير معقّدة مع أي طرف، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية.
وأشار الحريري خلال عرضه تفاصيل لقائه مع الرئيس الإيراني، إلى أنه جرى التشديد على دعم الاستقرار الداخلي ووجوب أن تكون الأولوية للنقاش بين القوى من دون نقل الاختلاف الحاصل إلى ما دون طاولات الحوار السياسي.
ونفى الحريري ما تداولته بعض الصحف عن طرح نجاد مبادرة حل للأزمة الداخلية، مؤكداً أنّ النقاش لم «يدخل في تفاصيل الأزمة، فلم نطرح سلاح المقاومة ولا المحكمة الدولية». أضاف أن الرئيس الإيراني كان يبتعد عن الإجابة عن أي سؤال يتعلّق بالأزمة الداخلية، ليعيد ويكرر أكثر من مرة أنّ الهدوء الداخلي هو أساس أي حلّ. ولفت الحريري إلى أنه خلال طرحه ملفي المحكمة والسلاح، أكد للرئيس الإيراني ضرورة احترام البيان الوزاري والتزامه، خصوصاً في ما يتعلّق بالمبادرة العربية للسلام ومواجهة إسرائيل «وهو الثابتة التي لم ولن يتخلّ عنها اللبنانيون إذ دفعوا ثمن محاربة الاحتلال الكثير من الأثمان وتكبدوا الكثير من الخسائر وبذلوا التضحيات اللازمة لدعم قضية فلسطين والدفاع عن لبنان».
ونقل الحريري لنواب كتلته تشديده أمام نجاد على التزام لغة الحوار مع جميع الأطراف اللبنانية، آملاً أن تلتزم الأطراف هذا المبدأ، مشيراً إلى أهمية التواصل مع حزب الله والأمين العام السيّد حسن نصرالله.
ووفق أحد نواب كتلة المستقبل، تحدَّث الحريري بإيجابية عن الدعوة التي تلقاها من الرئيس الإيراني لزيارة طهران، لافتاً إلى وجوب تلبيتها لإرساء المزيد من التعاون والتواصل مع الجمهورية الإسلامية وما تمثّله في لبنان. على أن تأتي هذه الزيارة بعد تخطي العقبات الداخلية، إذ إنّ زيارة الحريري إلى إيران قبل حلّ الأزمة «قد تضع الحريري في خانة سلبية بالنسبة إلى حلفائه». وقال الرئيس لنواب الكتلة إنّ زيارة نجاد فتحت باب التواصل مع السفارة الإيرانية في بيروت، التي سيبدأ التنسيق والنقاش معها من الآن وصاعداً. مع العلم أنّ التسريب الإعلامي المستقبلي نقل عن الحريري وصفه للمباحثات مع نجاد بـ«الودية والإيجابية والصريحة».
أضاف أحد النواب أنّ الحريري كرر أكثر من مرة خلال لقاء أمس، أنّ نجاد وسّع دائرة النقاش، بحيث تطرّق إلى العلاقات العربية – العربية والعلاقات الإيرانية – العربية، والدور الذي على الجميع تأديته في تغليب منطق الحوار والمساعدة على تحسين هذه العلاقات التي من شأنها إبعاد المنطقة عن المخاطر والتوترات.
ووفق الأجندة المستقبلية، شدّد نواب المستقبل أمس على ضرورة انتظار خطوات حزب الله تجاه مساعي الحوار والنقاش التي تحدّث عنها نجاد. ورأى عدد من المقربين من الرئيس سعد الحريري أنّ فكرة عقد لقاء بين رئيس الحكومة والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، باتت أكثر من ممكنة، معتبرين أنّ من شأن هذه اللقاء، إذا تمّ، حلحلة الكثير من العقبات الموجودة في التواصل بين الطرفين.
وكشف أمس النائب عقاب صقر أن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد «شدّد في الغرف المغلقة، ولا سيما أثناء محادثاته مع رئيس الحكومة سعد الحريري على وحدة الحكومة ودحر الفتنة».
ووفقاً لما كان متفقاً عليه مع 14 آذار، استقبل الحريري مساء أمس رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، فوضعه في أجواء النقاشات التي دارت مع الرئيس الإيراني ونتائج هذه الزيارة. كما أشارت مصادر مستقبلية إلى أنّ الحريري وجعجع تداولا في كل الملفات التي من المقرر إعادة فتحها مطلع الأسبوع المقبل، مضيفة أنّ رئيس الحكومة يرى المرحلة المقبلة «حافلة».
المعارضة مرتاحة
أما قوى المعارضة، فأبدت ارتياحها وتقديرها للحرارة الشعبية التي استُقبل بها الرئيس أحمدي نجاد، لافتةً إلى أن هذا دليل على الارتباط العاطفي بين هذه الحشود ونجاد. ورفضت مجالس المعارضة تعليقات بعض الفريق الأكثري ومواقفهم لناحية أن ثمة زيارتين نجاديتين، الأولى رسمية والثانية لحزب الله، فيما تكررت في هذه المجالس عبارة: «نحن لا نمنع الناس من أن تحكي».
أضافت الأوساط المعارضة أن الزيارة ممتازة بكلّ المعايير، ومردودها كبير على البلد، وأنّها جاءت من دولة إلى دولة، والدليل على ذلك عدد الاتفاقيّات التي وُقّعت. وأشارت هذه الأوساط إلى أن «عدم التوقيع على بعض الاتفاقيات جاء بطلب لبناني وليس إيرانياً». تجدر الإشارة إلى أنّ الاتفاقيات التي لم ينته الطرفان من بحثها لتمديدها أو التوقيع عليها هي أربع وتتعلق بقضايا التسليح العسكري للبنان، التعاون النفطي، قرض إيراني ميسّر، إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين. وانعكس هذا الارتياح في موقف النائب اسعد حردان الذي رأى أنّ زيارة نجاد «ارتقت إلى مستوى الحدث التاريخي البارز وتمثّل رسالة تؤكد ثبات حلف الصمود والمقاومة في المنطقة ورسوخه على قاعدة جبهة الشعوب المقاومة لإنجاز التحرير والتحرر». وقال إنّ المواقف التي أطلقها الضيف الإيراني «كان لها الأثر الطيب في نفوس اللبنانيين، إذ إنها عبّرت عن تطلعاتهم». ورأى أن الزيارة أرست أسس العلاقات القائمة بين إيران «وقد نجحت في عزل انتقادات بعض الداخل اللبناني التي كان قد بدأ الأعداد لها قبل الزيارة».
ورأى النائب هاني قبيسي أنّ «التعاطي خلال الزيارة كان من رئيس دولة الى رئيس دولة يجمع كل اللبنانيين ويقول تعالوا نبتعد عن كل الخلافات لنرسي ضمانة واحدة وقوة واحدة ونساهم في الدفاع عن الوطن ونبتعد عن الفتن».