د دندشلي - الرائد المتقاعد عدنان حمدون (1)
مـقـابـلـة مـع
الرائد المتقاعد عدنان حمدون
المكان والزمان : صباح السبت / 25 أيار 2007 ، دمشق ، مقهى الكمال الصيفي
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
سؤال : ... ما مدى تأثير القضية الفلسطينية في التيارات السياسيّة : المدنيّة والعسكريّة في الوطن العربي، وبوجه خاص ، في سوريا ، وتحديداً في الجيشا السوري ؟!...
الجواب : قبل أن ندخل في الموضوع مباشرة ، هناك ثلاثة موضوعات ينبغي التوقف ضص2عندها :
أولاً بسبب القضية الفلسطينيّة ، لقد تمّ تسليح الجيش السوري للقيام في المهام بنسبة أكثر من حيث المهام التي تُعطى في العادة للجيوش الوطنيّة ، وذلك لأنه أعطي الجيش السوري مَهمة تحرير فلسطين . ومنذ ذلك الحين ، أصبح الجيش مؤسسة مهمّة ، وأصبح الجيش السوري أملاً للقوى الوطنيّة وللشعب السوري بصورة عامة .
ثانياً هذا التضخم أدّى إلى أن يلعب هذا الجيش دوراً مهماً جداً في الحياة السياسيّة والحزبيّة ، وبخاصة بالنظر إلى الفراغ السياسي في المجتمع المدني الواليد الذي نشأ مع الاستقلال وبعده .
ثالثاً محاولة السياسيين والأحزاب استخدام الجيش في صراعهم على السلطة ، ولا سيما من قِبل القوى المحافظة ، مما اضطرت القوى التقدمية ودفعها إلى الاستفادة من الجيش في مواجهة القوى المحافظة ، بالإضافة إلى ذلك ، محاولة القوى التقدمية الاعتماد على بعض تيارات القوات المسحة في الجيش من أجل تسريع تحديث الوطن ، نظراً إلى غلبة القوى اليمينية شعبياً...
* عدنان حمدون من مواليد عام 1930 في حماه . ويقول : كنت عضواً في حزب الشباب منذ العام 1945 ـ 1946 ... وانتسبت إلى حزب البعث العربي بين عامي 1948 ـ 1949، ذلك أننا كنا نعتبر أنفسنا من النخبة المثقفة .. وذلك بتأثير أو بتشجيع أو بتبشير الدكتورتَين البعثيَيَّن القادمَين من الجامعة السورية : فيصل الركبي وجمال الأتاسي ، حيث كانت لهما عيادتان في حماه . فيصل الركابي من حماه وجمال الأتاسي من حمص . وفي الوقت نفسه، أسسنا نادياً رياضياً لجذب الشباب إلى هذا الحزب الناشئ ..
في ذلك الحين ، كانت أعداد حزب البعث وقواه محدودة في مدينة حماه ، نظراً لانتشار الحزب العربي الاشتراكي الذي سبق حزب البعث في النشاط السياسي الحزبي في مدينة حماه نفسها . وفي عام 1950 انتسبت إلى الكلية العسكرية في حمص . وكان في دفعتي عدد من البعثيين من أصول اشتراكية وبعثية : مظهر برازي ( من البرازية الفقراء )، نعسان زكار ، عدنان عبد الله ، أحمد الأمير ، ومن غير البعثيين : منير دمج . وكانت أكثرية الدورة مؤلفة من 120 طالباً ( من دمشق وريفها ما يقرب من 45 طالباً ) منهم : هيثم الأيوبي ، ممدوح الحناوي ، أكرم صفدي ، فايز الرفاعي ...
ملاحظة : في الدورة السابقة ، كان هناك عدد من الطلاب الضباط الذين لعبوا دوراً مهماً في العمل العسكري والسياسي فيما بعد في سوريا ، أذكر منهم : صلاح جديد ، يوسف المير علي ، أديب الأمير وهؤلاء وغيرهم لعبوا دوراً بارزاً ... بعد ذلك في عام 1952، تم دمج الحزبين حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي ...
وهنا ، في أثناء متابعتي للدورة العسكريّة للمدرعات في معسكرات قطنا (جنوب غرب دمشق وتبعد عشرين كلم ). اشتركت في محاولة انقلاب كان يرأسها أو على رأسها العقيد الركن عدنان المالكي . وبعد انفضاح محاولة الانقلاب ، تمّ اعتقال عدد من الضباط البعثيين : عبد الغني قنوت ، سعيد الصباغ، عدنان المالكي ومعهم عدد آخر من غير البعثيين، اعتقلوا في سجن تدمر أو في سجن المزة . (عدنان المالكي غير بعثي ، وإنما هو من اتجاه قومي عربي صديق للبعث عن طريق أخيه رياض المالكي ، الذي كان عضواً بارزاً في الحزب العربي الاشتراكي ، وهو من دمشق ). وتمّ نقل المشتركين في هذه المحاولة ، ومنهم عدنان حمدون ، من دمشق إلى قطاعات نائية، ليست لها أهمية عسكرياً ، في جبل العرب، السويداء ـ مع عقوبة سجن ستين يوماً في الثكنة العسكريّة .
سؤال : هؤلاء الطلاب الضباط الذين انتسبوا إلى الكلية الحربيّة في حمص ، مع دفعتك أو الدفعات السابقة أو اللاحقة : إنهم من أي طبقة اجتماعيّة ينتمون ؟!... هل من الطبقة الفلاحين الغنية نوعاً ما ؟!... أم هم من الطبقات الوسطى في المدن ؟...
الجواب : الأكثرية هم من المدن : غالبيتهم من العاصمة دمشق وريفها وبعدها يأتي حمص وحماه وحلب ، وكذلك من حوران ، ومن جبل العرب ومن دير الزور واللاذقية .
سؤال : هل كانت هناك سياسة معيّنة لاختيار الطلاب الضباط للدخول إلى الكلية الحربيّة في حمص ؟...
الجواب : لا ، لم يكن هناك أي اعتبار سياسي أو اجتماعي للدخول إلى الكلية العسكريّة. لقد كان معظم الطلاب الضباط غير منتمين سياسياً أو حزبياً ... طبعاً وإنما وهم على مقاعد الدراسة الثانوية ، كانوا يتأثرون بأجواء سوريا القومية العربية والوطنيّة الاستقلالية ، عدا عدد محدود من القوميين السوريين أو من الشيوعيين . ولكنهم جميعاً كانوا يتعاطفون مع ما يجري في العالم العربي من ثورات وانتفاضات استقلالية . إنما التيار العام في سوريا قد كان تياراً قومياً عربياً ، وهو الغالب ...
سؤال : ما هو المستوى التقني العسكري آنذاك سواء في الكلية الحربيّة في حمص أو في كلية الطيران في حلب أو في الجيش السوري بصورة عامة ، فيما بعد ؟...
الجواب : نحن كجيش قد ورثنا من جيش الانتداب الفرنسي عدداً كبيراً من الضباط يتحدَّرون من العائلات المرموقة والغنية مادياً واجتماعياً، وهم لم يكونوا مؤهلين لبناء جيش وطني حديث ومتطور من حيث الأسلحة والتدريب ... ومنهم على سبيل المثال فقط : أمين النفوري، توفيق نظام الدين ، توفيق بشور ، حسني الزعيم ، سامي الحناوي ، أديب الشيشكلي ، العقيد محمد صفا ، العقيد محمد ناصر ، إلخ ...
وبعد مرحلة الاستقلال ، فقد تم ارسال بعثات عسكريّة إلى فرنسا وبريطانيا وخاصة في سلاح الطيران . وبعدها ، في أواسط الخمسينات، إلى الاتحاد السوفياتي، بعد توقيع صفقة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا والتي سبقت الصفقة التي وقعتها مصر الناصرية مع الاتحاد السوفياتي...
وبنتيجة تعاقب سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا ، فقد تمّ تسريح عدد كبير من الضباط ذوي الرتب العالية نسبياً ، أصحاب الكفاءة العسكرية، وبخاصة بعد قيام الوحدة مع مصر، وكذلك بعد الانفصال وحركة 8 آذار 1963، ففي هذه المراحل المتتالية ، فقد أصبح الجيش السوري يفتقد إلى الكفاءات العسكريّة المهنيّة والقياديّة . وقد انعكس ذلك بصورة واضحة في حرب عام 1967...
سؤال : كيف دخل حزب البعث العربي وقبله الحزب العربي الاشتراكي إلى داخل المؤسسة العسكرية ؟... والسؤال الذي يُطرح باستمرار وبشكل كثير من التناقض : هل كان لحزب البعث تنظيم حزبي داخل الجيش بالمعنى الحقيقي للكلمة ، أم أنه كان هناك نوع من التعاطف مع حزب البعث ، مع شعارات الحزب وأهدافه القومية ، الوطنية والسياسيّة والاجتماعيّة؟...
الجواب : أولاً ، لم يسع البعث كحزب إلى بناء تنظيم في المؤسسة العسكريّة ، وإنما سعى إلى كسب تأييد هذه المؤسسة العسكريّة بصورة عامة لأهدافه ... وشكل النواة الحقيقية للضباط البعثيين في الجيش من قِبَل الطلاب المنتسبين إلى الحزب وأصدقائه . ولم يكن هنالك تنظيم عسكري بالمعنى التراتبي الحزبي ، بل كانت العلاقة تتم عن طريق العلاقات الشخصية بين هؤلاء الضباط الذين تجمهم أصولهم الاجتماعيّة والمناطقيّة إلى حد كبير . وأول دور برز لهم هو في محاولة انقلاب العقيد الركن عدنان المالكي . ومن ثم ظهورهم كقوة فعالة عسكريّة في انقلاب حلب عام 1954 والذي أذاع البيان الأول للانتفاضة العسكريّة في الشمال النقيب مصطفى حمدون ( الذي كان قبل ذلك من الحزب العربي الاشتراكي )...