الجمهورية - ميقاتي: سوريا تكره السنيورة كما كرهت رفيق الحريري ولبنان يناقش موضوع المحكمة مع الأكثر عرضة للمحاكمة
الثلاثاء 24-5-2011
ميقاتي: سوريا تكره السنيورة كما كرهت رفيق الحريري
ولبنان يناقش موضوع المحكمة مع الأكثر عرضة للمحاكمة
كشف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي خلال اجتماعه مع السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان معلومات استشفّها شقيقه طه ميقاتي خلال زيارته الأخيرة لسوريا حيث قابل الرئيس الأسد، ونقل عن طه: كم هو غريب التفاوض في موضوع المحكمة مع الأشخاص الذين تعتبر محاكمتهم الأكثر احتمالا.. كما نقل نجيب ميقاتي كراهيّة السوريّين العميقة حيال فؤاد السنيورة بسبب بروزه على الساحة العالميّة. كما أبلغ إلى السفير الأميركي أنّ السوريّين جدّيون جدّا في مسألة إشراك الإسرائيليين إثر الصدمة التي تلقّوها بعد استبعادهم من المحادثات الخاصة بالفلسطينيين في القمّة العربية في مكّة
في مذكّرة سرّية تحمل الرقم 07BEIRUT227 صادرة عن السفارة الأميركية في بيروت في 2 كانون الأول2007 اعتبر نجيب ميقاتي أنه لا يأخذ على محمل الجدّ أيّا من المبادرات الحاليّة لإنهاء الأزمة السياسيّة في لبنان. وكشف أمام السفير الأميركي أنّ أخاه طه عاد أخيرا من زيارة قام بها إلى دمشق حيث قابل بشّار الأسد، ونقل عنه أنّ السوريين يماطلون لكسب الوقت، ولا سيّما في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، كما صدرت التعليمات إلى نبيه برّي بأن يبدو بنّاءً وألّا يقوم بأيّ خطوة سلبيّة، وأن يحافظ على عمليّة جارية لا تؤدّي إلى مكان. ونقل ميقاتي سؤالا طرحه شقيقه طه يقول فيه: أليس من الغريب أنّ على الحكومة اللبنانية التفاوض في موضوع المحكمة مع الأشخاص أنفسهم الذين يمكن أن ينتهي بهم المطاف في المحاكمة؟ أيّ مكان في العالم يعرف فيه المجرمون نوع المحكمة التي سيواجهون؟
وشرح ميقاتي أنّ السبب الذي يدفع السوريين إلى حثّ حلفائهم في لبنان على تهدئة الوضع حاليّا هو القمّة العربية المقرَّرة أواخر شباط في المملكة العربية السعودية، قائلا إنّ السوريين، أكثر من أيّ شيء آخر، لم يتخلّوا عن موضوع المصالحة مع السعودية، لكنهم يدركون أنّ محور القمة الضمني وغير المعلن هو كيف يستطيع العرب مواجهة تعاظم مستويات النفوذ الإيراني، وأنها لن تتمحور حول التوتر السنّي-الشيعي وإنّما حول الصراع العربي-الفارسي، وأنّ السوريين لا يريدون أن يكونوا معزولين تماما. وأشار السفير إلى أنّ كلام ميقاتي متطابق مع أقوال الكثير من الأشخاص الآخرين، لكن وردت أيضا إلى مسامع السفارة معلومات متناقضة مفادها أنّ حزب الله يريد زيادة حدة الوضع على الأرض في الأيام المقبلة، فردّ ميقاتي أنّ في ظل القمّة العربية، من المرجّح أن يسعى السوريّون إلى "تجميد" الوضع عوضا عن أخذ خطوات استفزازية.
ونقل ميقاتي مرة أخرى عن أخيه طه الذي زار سوريا في شهر كانون الأول دهشته من تزايد الكراهية السورية الشديدة تجاه السنيورة، وقال ميقاتي إنّ كره السوريّين للسنيورة الآن يطابق كرههم لرفيق الحريري سابقا، والسبب واضح، فالسنيورة الآن بارز على الساحة العالميّة تماما كما كان رفيق الحريري سابقا، والسنيورة شخصيّة معروفة في العالم كلّه، فهو يستطيع الاتصال بالبيت الأبيض وقصر الإيليزيه إضافة إلى الحكام العرب. واعتبر ميقاتي أنّ وضع السنيورة لا يحتمل بالنسبة إلى السوريين، ولكنهم يستطيعون شكر أنفسهم فقط في ارتقاء السنيورة لأنه لو لم يكن السوريّون يخلقون الأزمات دائما بطريقة مباشرة أو عبر عملائهم في لبنان، لما كان للعالم أن يعرف من هو فؤاد السنيورة، السوريّون أنفسهم خلقوا الظروف التي أدّت إلى دعم المجتمع الدولي للسنيورة في مؤتمر باريس 3.
وذكر ميقاتي أنّ كره السوريّين العميق لفؤاد السنيورة يحمل عواقب أمنية ملمحا إلى عملية اغتيال الحريري في 14 شباط 2005، لكن يمكن تحويل هذا الاشمئزاز إلى فرصة، بما أنّ الانتخابات الرئاسية تؤدّي قطعا إلى تغيير حكومي فيمكن إغواء السوريين عبر السماح بإجراء انتخابات رئاسية في وقت أبكر من تشرين الثاني، فلمّح السفير الأميركي إلى أنّ سعد الحريري هو على الأرجح مرشّح قوى 14 آذار لمنصب رئيس الحكومة في حال خرج السنيورة، فردّ ميقاتي أن سعد جيّد،" يعلم السوريون أنّ سعد سيرتكب الكثير من الأخطاء...وهو ليس فؤاد".
وعندما أراد ميقاتي الغوص في موضوع رئاسة الجمهورية مع السفير الأميركي قال: "علينا التخلُّص من لحود"، فردّ السفير مقاطعا أنّ من غير الممكن السماح للسوريين باختيار الرئيس الجديد الذي يجب أن يكون هذه المرة ذا مصداقيّة ومنتخبا من برلمان لبناني حرّ. وافق ميقاتي على هذا الطرح لكنه توقع "دبلوماسية سرّية" بين سوريا وحلفائها في لبنان. ربّما تستطيع سوريا ممارسة حق النقض ولكن لم يعد من الممكن أن تفرض مرشّحها المفضّل. ورجّح ميقاتي أن يكون النائب السابق سليمان فرنجية خيار سوريا الأوّل متوقعا أن يستقر السوريّون على وزير الخارجية السابق جان عبيد في تراجع أكثر حياديّة. وتشارك ميقاتي والسفير في نظرية استحالة انتخاب جان عبيد من قِبل الأكثرية المتمثلة بفريق 14 آذار، وبعد تفكير مطوّل أشار ميقاتي إلى أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير العدل شارل رزق سيحتلان الصدارة في السباق نحو مرشح حلّ وسط، مضيفا اسم ميشال إده كمرشح سرّي.
ونقل ميقاتي مرة أخرى عن طه أنّ السوريين على استعداد، متى يتمّ انتخاب رئيسَي جمهورية وحكومة جديديْن، إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان من خلال تأسيس علاقات دبلوماسية والتعاون في وضع حدّ لكلّ أشكال التهريب من أسلحة وغيرها عبر الحدود المشتركة واستكمال ترسيم الحدود ومن ضمنها منطقة مزارع شبعا، والمفتاح لإحراز كل هذه التغييرات هو إخراج السنيورة من رئاسة الحكومة لأنّ السوريّين يرفضون العمل مع السنيورة ومن أجله. فكان ردّ السفير الأميركي على هذه المعلومات أنه لم تصدر حتى الآن أيّ تصرفات من الجانب السوري تشير إلى أخذ التطمينات في شكل جدّي، لأنّ في حال انتهى الأمر بوصول رئيسَي جمهورية وحكومة مواليين لسوريا فستعاود سوريا وبكلّ بساطة فرض سيطرتها على لبنان، أمّا إذا وصل أشخاص موثوق بهم إلى هذه المراكز، عندها سيكون من مصلحة سوريا خلق المشاكل عينها التي يفعلونها مع السنيورة. فأشار ميقاتي إلى أنّ هناك فرقا هذه المرة، فطه عاد من دمشق وهو مقتنع بأنّ السوريين جدّيون هذه المرة في إشراك الإسرائيليّين، لأنهم يدركون أنه تمّ استبعادهم من المحادثات في مكّة في خصوص الفلسطينيّين، ويعلمون أنّ سيطرتهم على حركة "حماس" أقل ممّا يرغبون، وهم ليسوا راضين بسيطرتهم على حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيّة التي ليست في مستوى حركة حماس الشعبي. ولذلك، عوضا عن استبعادهم من صفقة إسرائيلية-فلسطينية، يريد السوريّون إجراء محادثات حقيقيّة مع الإسرائيليين، وفي هذا السياق ومع وجود رئيس حكومة جديد، لا يكون فؤاد السنيورة، سيكون السوريّون أكثر استعدادا لمعاملة لبنان بطريقة إيجابية.
وسأل ميقاتي إذا كان السفير يظنّ أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة ممكن أن تدعم خطة وضع مزارع شبعا تحت وصاية الأمم المتحدة إلى حين استكمال ترسيم الحدود اللبنانية-السورية، فأجاب السفير أنّ العمل جارٍ الآن في مقرّ الأمم المتّحدة وأنّ اختصاصيّي الخرائط يتحقّقون من البراهين المقدّمة في الوثائق.
وهمس نجيب ميقاتي إلى السفير قائلا بإصرار إنّ السوريّين يخافون من تحقيق صفقة منفصلة خاصة بمزارع شبعا تسمح للبنان بإنهاء أعمال العنف مع إسرائيل، وتسلب حزب الله السبب الذي يعلّل عمليّات مقاومته وتترك سوريا عاجزة وفارغة اليدين مع بقاء هضبة الجولان قابعة تحت الاحتلال الإسرائيليّ.
وقال ميقاتي إنّ طه أبلغ إليه أنّ في حال تمّ التوصّل إلى صفقة مستقلة في خصوص مزارع شبعا، عندها لن توفّر سوريا وسيلة لكي تصرّ على تطبيق جميع قرارت الوصاية الموّقتة الصادرة عن الأمم المتحدة، بما يشمل هضبة الجولان أيضا. وقد وصف السفير هذه الفكرة الأخيرة بأنها تشكل احتمالا ضئيلا، فوافقه ميقاتي الرأي معتبرا أنّ السوريّين يأملون في الإسهام بإحباط صفقة مزارع شبعا من خلال إصرارهم الشفهي على تحقيق تطبيق قرارت الأمم المتحدة.