المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- هل تنتفض دمشق وطهران بعد تونس والقاهرة ـ حسان القطب
الجمعة 4 شباط 2011
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
هل تنتفض دمشق وطهران بعد تونس والقاهرة...!!
حسان القطب - بيروت اوبزرفر
الجميع يتابع الوضع المصري المتأزم والمتفجر بشغف وقلق وبألم أيضاً، العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأسره يأسف لما يجري في شوارع مصر المحروسة من صراعات وصدامات بين المواطنين المصريين والأجهزة الأمنية، نتيجة رفض النظام الرضوخ لمطالب الشعب المصري في العيش بحرية وعدالة وتحقيق التنمية الاقتصادية، والكل يتمنى تنحي حسني مبارك بسرعة وبلا تردد ودون إراقة المزيد من الدماء عن سدة الرئاسة التي تبوأها ما يقرب من ثلاثة عقود بقبضة فولاذية .. من منا لا يدرك أن ما يجري في مصر اليوم، وما كان قد جرى في تونس بداية الشهر الماضي، هو نتيجة طبيعية لسياسة القهر التي يمارسها حكام هذه الدول، وسياسة القبضة الحديدية الأمنية التي ترخي بثقلها على شعوب المنطقة العربية والإسلامية ودول الشرق الأوسط بالتحديد.. الحرية والعدالة ورفع الظلم والقهر والتنمية الاقتصادية وتداول السلطة بشكل ديمقراطي وسلمي وحضاري هو كل ما ينشده المواطن العربي في المنطقة، وكافة حكام وشعوب المنطقة باتوا يدركون أن روحية القائد الملهم والزعيم الأوحد الذي لا يخطئ ولا يحاسب، وقيادة النخبة المختارة من الحزبيين والمناضلين لدول المنطقة وشعوبها التي سادت خلال العقود السابقة من القرن الماضي، لم تعد صيغة مقبولة في عالمنا العربي والإسلامي اليوم ولا حتى في دول الجوار المحيطة بنا...
ولا بأس إذا ما عدنا بالذاكرة إلى أولى مشاهد الانتفاضات السلمية التي جرت في هذا القرن الواحد والعشرين وكانت تلك التي واجهت الأجهزة الأمنية في 14 آذار /مارس من عام 2005، حين خرج المواطنون في لبنان، من كل لبنان، عزل وبدون سلاح، لمواجهة ظلم جيش الاحتلال السوري والقادة الأمنيين الذين زرعهم هذا النظام، في قمة الهرم القيادي للسلطة الأمنية اللبنانية لحماية وجوده في لبنان، ولمواجهة حلفاء سوريا وإيران من القوى الحزبية وميليشياتها المدججة بالسلاح تحت اسم المقاومة، وهي في حقيقة الأمر سلطة إلى جانب السلطة ودولة إلى جانب الدولة، وقد أعدت لتكون جاهزة للإمساك بزمام الأمور والانقضاض على السلطة عندما يحين الوقت، ومع ذلك خرجت الجماهير مطالبةً بخروج هذا النظام وجيشه وأزلامه وأتباعه من السلطة، وكان لها ما أرادت.. وتكرر المشهد عينه عام 2009، في انتفاضة طهران وسائر المدن الإيرانية التي رفضت تزوير الانتخابات الرئاسية، وقد قمعت هذه التظاهرات بالحديد والنار، ولكن لم تتمكن السلطة الإيرانية من القضاء على روح الحرية المزروعة في ضمير الشعب الإيراني الذي طرد شاه إيران عام 1979، في ثورة شعبية بطولية ليعيش بعدالة وحرية وفي دولة حرة وديمقراطية، ولكن ليس ليستبدل ديكتاتورية الشاه بديكتاتورية أخرى.. مهما كان اسمها، ومهما كان هدفها وطموحها..
من حق شعوبنا أن تنعم بالحرية، وان تعيش في سلطة تحترم حرية الرأي والمعتقد والتعبير، ومن حقها أن تنشئ وتؤسس أحزابا سياسية وجمعيات ثقافية وفكرية وأن يكون لها الحق في أن تتداول السلطة بعيداً عن منطق التهديد والتهويل والتخوين والاعتقال والسجن والترويع، ومن حقها أيضا أن تحاسب كل من يتسبب في هدر ثرواتها وخيراتها على امتداد عقود.. ومن حقها أن ترى برامج اقتصادية واجتماعية تنتخب على أساسها، وان تناقش وتعارض الخيارات السياسية لحكامها، وهذا ما انتفض من أجله الشعب اللبناني، والإيراني، والتونسي بالأمس، والمصري.. اليوم... الظلم يوازي الاحتلال والشعب الفلسطيني الذي قاوم ويقاوم المحتل بجبروته وظلمه وقهره قد سطر ملاحم الصمود في الضفة الغربية وغزة وأراضي عام 48، وأسس أطفال الحجارة وشبان الانتفاضة ونساء الصمود في فلسطين لكل هذه المشاهد البطولية التي نراها اليوم في شوارع العواصم العربية للجماهير التي خرجت بعفوية وبصدق لتغير واقعها المؤلم وتؤسس لمستقبل مشرق..
واللافت أن بعض الإعلام اللبناني والعربي الذي يروج ويهلل لثورة الشعب العربي التونسي ويؤيد انتفاضة الشعب المصري لتغيير القيادة المصرية.. في نفس الوقت يدين انتفاضة الشعب الإيراني ويعتبر قيادات المعارضة الإيرانية والمتظاهرين الإيرانيين عملاء للمخابرات الأميركية والموساد الإسرائيلي، ويستنكر غضب الشارع اللبناني في 25 كانون الثاني/يناير، من الانقلاب السياسي الذي نفذه حزب الله ونظامي سوريا وإيران في لبنان، ويصفها بتحركات وممارسات جاهلية وعصبية ومذهبية، في سيناريو متكرر وممجوج ومرفوض.. وفي الوقت عينه نرى هذا الإعلام يتجاهل الإشارة إلى الدعوات التي تم توجيهها للمواطنين السوريين عبر الانترنت والصحافة والرسائل النصية القصيرة عبر الهاتف المحمول للتظاهر ضد الظلم الاجتماعي والتراجع الاقتصادي والفقر المنتشر والبطالة المتفاقمة والمتزايدة بوتيرة مرتفعة بين الشباب السوري ونهج التوريث السياسي في سوريا والذي مضى عليه ما يقرب من أربعة عقود..وقد أشارت جريدة الرأي العام الكويتية إلى هذا الوضع بالقول.. (هذا يجعل من حالة سورية الكترونيا، حسب المسؤولين، مشابهة للحالة المصرية: «كل ما تحتاج إليه هكذا أحداث هو شرارة، وإذا ما أدى العنف إلى مقتل احد المتظاهرين، تتحول عمليات التشييع إلى تظاهرات اكبر». وتضيف: «نقاط ضعف الأسد تتضمن أن السوريين رأوا هشاشة الأنظمة التي تقمعهم في تونس ومصر، وانه على عكس أحداث حماه في الثمانينات لا يمكن للنظام السوري الحالي ممارسة العنف على نطاق واسع، إذ إن العالم بأكمله سيشاهد ما يحدث... والتجربة المصرية أظهرت أن إغلاق الانترنت والفضائيات لم ينفع»... وما يؤكد هذا الكلام هو الواقع الاجتماعي والمعيشي الصعب في سوريا، حيث كشفت في 15/1/2011، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية ديالا الحج عارف، عن وجود أكثر من مليوني سوري فقير يحتاجون إلى دعم مالي ومعونة حكومية. وأوضحت أن 420 ألف أسرة سورية، جميعها تقدمت إلى المسح الاجتماعي (الذي أجرته وزارة العمل) موزعة على أربع شرائح بحسب المستوى المعيشي لكل أسرة، حيث يتفاوت مبلغ المعونة بين شريحة وأخرى. وقالت "إن التكلفة التقديرية للمعونات النقدية التي ستصرف للمستحقين خلال هذه السنة تبلغ ما بين 10 و12 مليار ليرة سورية (الدولار يساوي نحو 47 ل. س.) ويتم الدفع من خلال 170 مكتب بريد منتشرة في جميع المحافظات"...
لماذا وصل الوضع السوري الاقتصادي والاجتماعي إلى هذا الحد من التراجع والتقهقر، ألا يحق لهذا الشعب أن يحاسب قادته على سياساتهم التي أوصلته ..وبالرغم مما تقدم نرى الرئيس السوري منشغلاً بل يتلهى في العبث بالبيت الفلسطيني، واللبناني، والعراقي، متجاهلاً الاحتلال الإسرائيلي للجولان، والوضع الاقتصادي المتأزم في الداخل وتراجع الدخل الفردي للمواطن السوري.. هذا الواقع السوري المؤلم، هو عينه ما تعيشه إيران وشعب إيران وبالأمس دعا زعيما المعارضة في إيران، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، النظام، إلى السماح بتنظيم تظاهرات في الشوارع، على غرار ما يحصل في دول أخرى في المنطقة. وجاء ذلك خلال اجتماع بين الرجلين في منزل كروبي قبل أيام، حضره رجل الدين المعارض بيات زنجاني... ونقل موقع «كلمة» التابع لموسوي، عن الرجلين قولهما: «في مصر الآن، وعلى رغم التوتر والعنف، سُمح للمحتجين بالتظاهر لإظهار أي طرف يحظى بمساندة أكبر. ونعتقد بالتالي انه إذا سُمح للمعارضة في إيران بالتظاهر، سيتّضح أي طرف يحظى بقاعدة وتأييد شعبيين»... وكانت السلطات الإيرانية تجاهلت دعوات سابقة لموسوي وكروبي، للسماح للمعارضة بالتظاهر... وأشاد موسوي وكروبي بحركة الاحتجاج في مصر، والتي اعتبرا أنها أوجدت وعياً «سياسياً وديمقراطيا»، مؤكدين أن «الديكتاتوريات سيُقضى عليها عاجلاً أم آجلاً». وقالا في بيان: «الدعوات الثورية إلى الحرية من شعوب مصر وتونس واليمن، ستصل إلى الطغاة والمستبدين في المنطقة والعالم».
التغيير قادم لا شك في كل دول المنطقة، وما شاهدناه في تونس، وما نشاهده اليوم في مصر، وما افتتحه الشعب اللبناني في 14 آذار/ مارس من عام 2005، في ثورته الشعبية السلمية، سيتكرر في كل عاصمة ووطن يعاني الظلم والقهر وفي مواجهة كل ديكتاتور وطاغية، وما نجح اللبنانيون في إنجازه عام 2005، في مواجهة سلطة غاشمة، سينجحون أيضاً في تحقيقه في مواجهة الميليشيات والأحزاب الشمولية التي نفذت الانقلاب الأخير، بالتهديد والوعيد، لأنها تفتقد لرؤية سياسية ومشروع اقتصادي وكذلك القدرة على الحكم بثقة وعدالة ونزاهة.