الجمهورية - لبنان أو النقطة الخلافيّة الأكبر بين سوريا وإيران: دمشق تريد حزب الله ضعيفاً وطهران لا تخاف المحكمة
الأربعاء 15 حزيران 2011
لبنان أو النقطة الخلافيّة الأكبر بين سوريا وإيران:
دمشق تريد حزب الله ضعيفاً وطهران لا تخاف المحكمة
في أعقاب زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد لإيران في شباط العام 2007، رفعت السفارة الاميركيّة في دمشق تقريرا عن وضع سوريا الإقليمي وعلاقتها مع الدول المجاورة، مشيرة إلى أنّ الاختلافات بين كلّ من إيران وسوريا ازدادت في الفترة الأخيرة. وسلّط التقرير الضوء على الرفض السعودي والمصري دور سوريا التي تُعتبر متواطئة مع النفوذ الشيعي والإيراني في المنطقة، لافتا إلى أنّ لبنان يعتبر أكبر نقطة اختلاف بين سوريا وإيران، إذ إنّ كلّا من الدولتين تستعمل حزب الله أداة لتحقيق مآربهما المختلفة والمتناقضة على المدى الطويل.
وأضاف أنّ موقع سوريا الاستراتيجي متوقّف على الوضع اللبناني في شكل كبير، لا سيّما أنّ حال الفوضى وعدم الاستقرار اللبناني يعزّزان من موقع سوريا، في حين يزعزع مسار المحكمة الدولة مكانتها.
ففي مذكّرة سرّية تحمل الرقم 07DAMASCUS196 صادرة عن السفارة الأميركيّة في دمشق في الأوّل من آذار 2007، جاء أنّ زيارة بشّار الأسد المحوريّة الأخيرة لإيران في 17-18 شباط، طرحت أسئلة كثيرة عن نقاط الاختلاف بين البلدين في وقت حسّاس جدّا لسوريا وعلاقاتها مع الدول المجاورة.
وعلى رغم أنّ سوريا وإيران حاولتا الإعلان عن جبهة مشتركة خلال الزيارة، إلّا أنّ من الواضح الآن أنّ الاختلافات باتت أكثر من الماضي، في شكل يطرح تساؤلات عن موقع سوريا الإقليمي الذي أصبح ضعيفا في الفترة الأخيرة.
العراق مشكلة أكبر
من المتوقّع
وجاء في المذكّرة: بينما تبدو إيران مطمئنّة إلى علاقتها الوطيدة مع الشيعة في العراق، أصبح الأخير وفي شكل واضح، بالنسبة إلى سوريا مشكلة أكبر ممّا توقّعت، مشيرة إلى وجود عوامل إقليميّة متعدّدة تُعتبر تهديدات جوهريّة بالنسبة إلى الحكومة السوريّة، ومنها حركة اللاجئين العراقيّين، ووجود متشدّدين يدعمون التمرّد العراقي ويضمرون مشاعر معادية للنظام السوري، إضافة إلى تصاعد قوّة الشيعة وإيران في العراق. وأضافت: في الوقت نفسه لم تنجح جهود الحكومة السوريّة للعمل مع حزب البعث ورعاية قادة القبائل العراقيّين وبعض العناصر السنّة، ولا حتى وفّرت الراحة لـ بشّار الأسد، فضلا عن أنّ الحكومة السوريّة تشعر بالإحباط من تعثّر العلاقات الدبلوماسية والمباحثات الرفيعة مع العراق.
وتجد الحكومة السوريّة نفسها في وضع أكثر صعوبة مع العالم العربي والسنّي في ظل مساعيها المبذولة لإظهار هويّتها "العربية"، بينما تبدو متواطئة مع التوسّع الشيعي والنفوذ الإيراني في العراق. وخاب ظنّ الحكومة السوريّة من تقرير بايكر وهاميلتون الذي لم يؤدِّ كما كان متوقّعا إلى الدفع في اتّجاه التعاون الأميركي مع سوريا، بل على العكس، أدّى هذا التقرير إلى ما يعتبره السوريّون تصعيدا عسكريّا في العراق.
تبايُن الآراء حيال لبنان
وجاء في المذكّرة أنّ لبنان يعتبر أكبر نقطة خلاف بين سوريا وإيران، وأنّ بشّار الأسد قلق من نجاح الإيرانيين والسعوديّين في التوصل إلى إبرام صفقة في لبنان تقوّض موقعه المتصلّب المعارض لتأسيس محكمة دوليّة (ودعم سقوط حكومة السنيورة)، فضلا عن أنّ السوريّين قلقون من أنّ القيادة الإيرانية لا تشاركهم خوفهم من المحكمة الدوليّة (تعليق: سينظر السوريّون إلى سوريا بتعاطف أكبر إذا ما اكتشفوا أنّ تحقيق الأمم المتّحدة والمحكمة ستهدّدان وجود حزب الله).
وأشارت المذكرة إلى أنّ سوريا تعتبر حزب الله أداة يمكن استعمالها لتحقيق أهداف الحكومة السوريّة الاستراتيجيّة، إضافة إلى أنّها لا تمانع في أن يضعف الحزب داخليّا اذا كان ذلك يساعد على إيقاف أو حتى تأخير المحكمة الدوليّة وحكومة السنيورة.
ومن جهة أخرى، تعتبر إيران حزب الله أداة لإبراز النفوذ الشيعي في لبنان وكلّ المنطقة، كما أنّ إيران لا تريد لـ حزب الله أن يتضرّر من أجل تحقيق أهداف سوريا الضروريّة والضيّقة كإيقاف المحكمة.
وبالنظر إلى المأزق الحالي في لبنان، فإنّ سوريا تريد له أن يستمرّ بينما تنظر إيران إلى سبل لإنهاء الاحتجاج الحاصل الذي لا يحظى بشعبيّة متزايدة، والذي أصبح يُعتبر حملة صليبيّة شيعيّة من أجل حماية مصالح حزب الله السياسيّة وشرعيّته المستقبليّة (واستعمال الحزب لاحقا في خلافها مع أميركا). وفي السياق نفسه، يعتبر السوريّون حزب الله أداة لمواصلة الضغط على إسرائيل بهدف استرداد هضبة الجولان. وعلى المدى الطويل، فإنّ إيران لا تشارك سوريا النظرة ذاتها بالنسبة إلى حزب الله، فإيران تعتبر أنّ وجود الحزب المتنامي في لبنان ضروري لمساعدتها على إبراز النفوذ الإيراني في المنطقة والحفاظ على دور إيران الحسّاس في الصراع العربي – الإسرائيلي، وعلى رغم أنّ اختلاف وجهات النظر بالنسبة إلى لبنان وحزب الله كان موجودا دائما بين سوريا وإيران، إلّا أنّ حدّة الاختلاف في شأن المحكمة قد زادت التوتّر بينهما.
وبعيدا من تحالفها مع إيران، فإنّ الحكومة السوريّة التي تتبجّح بأنها تتغلّب على العزلة الدوليّة، تواجه حقل ألغام في علاقاتها مع الدول الإقليميّة الأخرى. وأوضحت المذكّرة أنّ سوريا التي تسعى في شكل يائس إلى إعادة انضمامها إلى العالم العربي لا تزال تواجه عداء من الجانب السعودي ورفضا مصريّا، وكلّ ذلك الرفض يتزايد بحجّة أنه جبهة أماميّة "لمكافحة إيران" في العالم العربي، مشيرة إلى أنّ سوريا انزعجت في البداية من نجاح الملك عبد الله في اجتذاب حركة حماس في اتفاق مكّة، لكن يبدو أنّ التداعيات الدبلوماسيّة لم تؤثر على المدى الطويل في مصالح سوريا في الملفّ الفلسطيني ولم تغيّر حسابات الحكومة السورية الأساسيّة، وكلّ ذلك يفسّر ردّة الفعل السورية الحذرة والداعمة الاتفاق. وفي هذه المرحلة فإنّ سوريا تريد أن تشهد تحرّكا على أيّ مسار في عمليّة السلام.
ومن ناحية أخرى، تفيد المذكّرة أنّ العلاقات السوريّة – التركيّة تبقى جيّدة، إضافة إلى أنّ مناورة بشّار مع إسرائيل تبدو ناجحة، قائلة إنّه مؤمن بأنّه رمى الكرة في الملعب الإسرائيلي.
تآكُل في موقع سوريا الإقليمي
ليس من الواضح في الوقت الحالي إلى أيّ درجة تراجع موقع سوريا الإقليمي في الأشهر الخمسة الأخيرة، في ظلّ المشاكل الكثيرة التي يواجهها النظام في فترة ما بعد تقرير بايكر- هاميلتون، وفي غياب الدعم الأميركي ومصاعب إعادة العلاقات الدبلوماسيّة مع العراق وظهور الخلاف مع إيران والخوف من تراجع موقع سوريا المتشدّد داخل لبنان بسبب الضعف الذي لحق بموقف حلفائها. وهناك أحداث عدّة لاختبار سوريا في الأشهر القليلة المقبلة، والتي ستوضح هل ستظهر سوريا منتعشة بسبب نجاح موقفها الحازم أو سيتداعى موقعها وستسعى إلى تبنّي موقف أكثر مرونة لتتكيّف مع الظروف المتطّورة. ولفتت المذكّرة إلى أنّ القمّة العربية ستقدّم امتحانا جيّدا لتقويم أداء سوريا الإقليمي خلال الأشهر الستّة الأخيرة، وفي حال شارك بشّار في القمّة وتمّت إعادة استقباله في حرارة إلى العالم العربي، فذلك يعني أنّ الحكومة السوريّة ستشعر بأنّ تبرئتها قد تمّت.
والأهمّ من ذلك، في حال تمكّنت الحكومة السوريّة في الأشهر المقبلة من الإبقاء على حال الفوضى وعدم الاستقرار في لبنان، فمن المرجّح أن يعزّز ذلك موقفها، ومن ناحية أخرى فإنّ أيّ تطوّر في اتّجاه تأسيس المحكمة الدوليّة أو الإعلان عن أيّ نتائج تحقيق للأمم المتحدة تشير إلى تورّط النظام، فسيكون ذلك مزعزعا.
وفي نهاية المذكّرة الأميركيّة ورد أنّ سوريا لا تزال واثقة من أنّ أرصدتها المتمثّلة في موقعها الاستراتيجي وقيادتها السياسية والإيديولوجيّة لقضايا الفلسطينيّين والقوميين العرب الممانعة، إضافة إلى "الورقة العراقية" التي يمكن استغلالها للتأسيس لعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة، ستثبّت قيمتها وستسمح للسوريّين بإعادة ضبط علاقاتهم مع إيران بطرق أكثر ملاءمة لمصالحهم. أمّا في الوقت الراهن، وبِغضّ النظر عن الشكوك المرحليّة، لم يُعِد السوريّون النظر في أيّ من حساباتهم الأساسيّة، ولا يزالون مؤمنين بأنّ الوقت في مصلحتهم.