الجمهورية - واشنطن: هل اغتالت سوريا جبران التويني؟ الأدلة غائبة لكن اصابع الاتهام تشير الى دمشق
ويكيليكس الأربعاء 01 حزيران 2011
واشنطن: هل اغتالت سوريا جبران التويني؟
الأدلة غائبة لكن اصابع الاتهام تشير الى دمشق
هل قتلت سوريا جبران التويني؟ سؤال طرحته السفارة الأميركية في دمشق بعد أيام على عملية الاغتيال، مشيرة إلى أنّ معظم التحليلات تشير إمّا إلى تورّط الرئيس بشّار الأسد مباشرة، وإمّا إلى تورّط حلقة أمنيّة تحيط به ويرأسها صهره آصف شوكت، لكنها في أيّ حال من الأحوال لا تشير إلى أيّ جهة أخرى يمكن أن تكون ذات مصلحة أو ذات صلة في اغتيال الرجل، الذي شكّل اغتياله رسالة حازمة إلى كلّ من المعارضة والولايات المتحدة وفرنسا.
ففي مذكّرة رسميّة تحمل الرقم 05DAMASCUS6579 صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق في 19 كانون الأول 2005 جاء أنّ مع استمرار التحقيقات الأولية في قضية اغتيال المعارض اللبناني والناشر في جريدة النهار جبران التويني في 12 كانون الأول، يرجّح ألّا يصدر أيّ اتهام خلال أشهر أو ربّما أبدا، مشيرة إلى أنّ النظام السوري متّهم بترتيب عملية الاغتيال بغية إسكات انتقاداته اللاذعة وإرسال تهديد إلى المعارضة اللبنانية مفاده أن لا أحد يستطيع حمايتهم، إضافة إلى توجيه ضربة إلى القيادة الفكرية في هذه المعارضة، وربّما تأخير عودة سعد الحريري إلى لبنان.
وأضافت أنّ الهدف من التقويم الاميركي المذكور ليس إثبات أنّ سوريا قتلت التويني، وإنما استنتاج معلومات عن النظام السوري ووضعه الحالي.
لماذا الآن؟
تقول المذكّرة: بدا على النظام السوري في الأسابيع القليلة التي سبقت اغتيال التويني إحساسه بالارتياح من الضغوط، وكأنّما الأزمة انتهت ولو إلى حين، ومن أهمّ أسباب ذلك الزيارات المتكرّرة للأمير السعودي بندر بن سلطان للتشاور مع الرئيس بشّار الأسد، حسب الخبير في العلاقات الخارجية م. ق الذي يفترض أنّ بندر المقرّب من الإدارة الأميركية لم يكن ليأتي إلى دمشق لولا الضوء الأخضر الأميركي، مشيرا إلى أنّ ما عزّز إحساس النظام بانخفاض الضغط عليه كان غياب التصريحات الأميركية الحاسمة، باستثناء تلك المتعلقة بكمال لبواني ووضع حقوق الانسان في سوريا. وتابعت المذكّرة أنّ زيارات بندر دلّت إلى تخطّي السعوديين مرحلة الغضب الشديد من اغتيال الحريري، وإلى أنهم باتوا مستعدّين لإعادة العلاقات استنادا إلى مصالحهم، يضاف إلى ذلك الشعور السائد في سوريا حيال انهماك الحكومة الأميركية في الانتخابات العراقية المقبلة.
وأشارت المذكّرة إلى أنّ في وقت متزامن، وضع النظام السوري نتيجة معركته مع المحقق الدولي التابع للأمم المتحدة ديتليف ميليس في خانة التعادل، لافتة إلى أنّ النظام أرسل المتهمين إلى فيينا واطمأنّ إلى قدرته على دحض فكرة عدم التعاون، وتجنّب في الوقت الراهن أيّ اعتقال للمشبوهين العائدين، وتمكّن من كسب المزيد من الوقت مفترضا امتداد مدّة التحقيق ستة أشهر، والأهم من ذلك هو إحساسه بأنّ حدة التهديد المباشر للعقوبات قد خفّت. وأضافت أنّ عذر النظام الكامل في عدم تورّطه في عملية اغتيال مثيرة للجدل كعملية التويني، ارتكزعلى حقيقة "أنّ النظام ليس غبيّا بحيث ينفّذ عملية كهذه في وقت بات موعد الإعلان عن تقرير ميليس الثاني وشيكا". ولكن حسب مراقبين، كان النظام السوري فعلا قد "هضم" النتائج المتوقعة من تقرير ميليس الثاني وأحسّ بالارتياح، وحتى بالابتهاج حيال تمكّنه من تفادي رصاصة. وخمّن المراقبون أنّ محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها مسؤول في حزب الله في مدينة بعلبك قبل بضعة أيام من مقتل التويني هدفت إلى خلق المزيد من حجج الإنكار لدى النظام من خلال إظهار أهداف موالية لسوريا يتمّ التعرض لها من قبل "هؤلاء القتلة الغامضون".
وتحت عنوان لماذا ؟ نصّت المذكّرة على أنّ في الوقت الذي ترفض بعض المصادر السورية اتّهام الحكومة السورية أو في بعض الأحيان بشّار بمقتل التويني إلّا أنّها بدت أقلّ تحفّظا في الإشارة إلى فوائد النظام المستحَقة من عملية كهذه، وقالوا بصراحة تامة إنّ هذه العملية من الناحية الاستراتيجية، وخلافا لمقتل الحريري ( أو التمديد للحّود) "لم تكن غلطة"، وحسب أحد المحامين ستدفع سوريا ثمن ذلك 40 يوما" ولكن على المدى الطويل سيدمرغياب التويني المعارضة بما أنه كان "القوّة الفكرية " في صفوفها، كما أنّ التأثير الأقليمي في مقتل التويني سيكون أقلّ بكثير من مقتل الحريري لأنه بالنسبة إلى السعوديين والآخرين لم يكن التويني لا شخصيّة حليفة ولا سنّية.
وأشار ق. إلى أنّ مقتل التويني سمح للحكومة السورية بإبلاغ جميع أعضاء المعارضة اللبنانية الآتي : "على رغم كلّ الضغوطات لا نزال هنا ونستطيع الوصول إليكم، ولا يستطيع أصدقاؤكم الجدد حمايتكم". وأضاف: إذا لم تكن الرسالة من مقتل التويني قوية بما فيه الكفاية، فمن المرجّح صدور رسائل جديدة، ومن المحتمل أن يكون القائد الدرزي وليد جنبلاط أو مروان حمادة (للمرة الثانية) الأهداف التالية. وذهب المحامي المذكور أبعد من ذلك واصفا أيّام جنبلاط بالمعدودة، لا سيّما بعد الملاحظات القاسية التي وجّهها إلى الأسد بعد مقتل التويني.
وتابعت المذكّرة: "برزت بعد مقتل التويني الخطورة على حياة سعد الحريري في حال عودته إلى لبنان سعيا إلى زيادة نفوذه السياسي، وقال ق .إنّ أيّ خطوة الآن من أجل الضغط على حزب الله في موضوع نزع السلاح سيتمّ إحباطها، مشيرا إلى أنّ سوريا ترى أنّ عملية الاغتيال نشرت الذعر في صفوف المعارضة التي باتت تؤمن بأنّ عمليات القمع والاعتقال ستزيد بعد مقتل التويني.
وجاء في المذكّرة أنّ هناك رسالة تمّ تمريرها في مقتل التويني وعبر اللبنانيين إلى الولايات المتحدة وفرنسا، ومفادها أنّ الحكومة السورية تعتبر لبنان مصلحة استراتيجية حاسمة، وهي مستعدة لبدء مجازفات ضخمة وخوض "لعبة قذرة" من أجل حماية هذه المصلحة. وأضاف ق. إنّ مقتل التويني يعني قول السوريين "إننا نصرّ على عدم تجاهل مصالحنا هناك". وأضافت أنّ سوريا التي تواجه عراقا مقفلا بسبب الوجود العسكري الأميركي فيه وعملية سلام مجمّدة، لم يبقَ لديها ساحة سوى لبنان لممارسة نفوذها الإقليمي، إذ يبدو وكأنّ سوريا تحاول أن تقول إنها إذا كانت مسؤولة عن مقتل التويني "فهي تستطيع الإفلات من العقاب". وأخيرا، المغزى من عملية الاغتيال هو وجود مجرمين محترفين في لبنان خاضعين للأوامر السورية، قادرين على تنفيذ عمليات بالغة الحساسية من دون ترك أدلّة تُذكر.
وتحت عنوان ماذا تقول الجريمة عن النظام السوري؟ قالت المذكّرة إنّ أيّ قرار من الحكومة السورية في قتل التويني في هذا الوقت الحساس سيصْبغ النظام بالوحشية والقدرة على اتّخاذ قرارات استباقية قاسية وبحسابات وقحة. وتكلّم الكثيرون من مراقبي النظام السوري عن تاريخه الطويل من الاغتيالات السياسية في الداخل والخارج من أجل المحافظة على سلطته ونفوذه الإقليمي، وهو نظام عاجز عن التغيير أو الانخراط في أيّ إصلاح سياسي فعّال. وأضاف ق. أنّ مقتل التويني يفسّر هذه النظرية ويبرهن مدى ترابط النظام تحت سلطة الأسد "المدمن" على العنف، كما لا يجب المراوغة مع هذا النظام ولا حتى موقتا، مشيرا إلى أنّ في حال أفلت النظام من جريمة التويني ستتوالى عمليات العنف في لبنان.
وأضافت أنّ بعض المصادر أقلّ اقتناعا في مسؤولية الأسد عن إدارة هذا النظام المتوّحش، ورجّحوا ضلوع عناصر من قلب الأجهزة الأمنية في عملية اغتيال التويني، مؤكّدين أنّ الأسد لم يكن صانع القرار، ولا يتمتع بالسيطرة التامّة على النظام. ومع ذلك يصف ناشط اجتماعي هذا النظام بـ"القطار الهارب" والأسد بالمهندس المحاصر الذي يخاف القفز منه أكثر من المحافظة على سيطرة رمزية.
وأشار هؤلاء إلى أنّ مقتل التويني خلق لدى البعض شعورا بالاستفزاز الممزوج بالخوف والعار من نظام كهذا يدير بلادهم، مشيرين إلى أنّ الصراع الحاد الحاصل داخل دوائر السلطة ومأزق مواجهة تقرير ميليس يشيران إلى تخبّط الرئيس وحتى فشله في السيطرة على رئيس جهاز المخابرات العسكرية آصف شوكت وحلفائه، ومع كلّ ذلك يناقضون أنفسهم في شكل واضح مؤكّدين أنّ بشّار قادر على إرسال آصف شوكت إلى فيينا وأيّ مكان آخرمن أجل التحقيق معه.
وفي السياق عينه صدر عن أحد المطلعين تقييم مبطّن من أجل الدفاع عن الأسد، جاء فيه أنّ الحكومة السورية ليست المسؤولة عن مقتل التويني، وإنما يُشتبه في تورّط أعضاء من داخل الحكومة. وذكر أنّ آصف شوكت ورئيس مكتب الأمن القومي في حزب البعث هشام اختيار يشكّلان معسكرا داخل النظام السوري يرغب في زعزعة الأمن في لبنان على الأرجح من خلال تنفيذ عمليات اغتيال عبر وكلائهم هناك، وهما بالطبع حريصان على عدم ترك أيّ أدلّة تشير إلى تورّطهما في الاغتيالات "المتناثرة" والتي حسب اعتقادهما تدخل ضمن متطلبات السياسة القاسية المفروضة على لبنان. وأشار إليهما باعتبارهما خصوم جهود الأسد الرامية إلى التعاون مع ميليس ولجوئهما إلى استخدام كلّ الوسائل الضرورية ومن ضمنها زعزعة أمن لبنان من أجل تخريب جهوده. على رغم ذلك بات من الواضح أنّ الأسد يتأثّر كثيرا بالأشخاص المتصلّبين الذين أحاط نفسه بهم وأفراد عائلته مثل شقيقته بشرى وأخيه ماهر.
والجدير بالذكر أنّ هناك تصوّرا عميقا لدى بعض مراقبي النظام أن يكون الأسد غير حاسم في كثير من النواحي، ولكن يبدو أنه مستعدّ لفرض آرائه الجازمة في ما يخصّ الملف اللبناني.
ويعتقد بعض مصادرنا أنّ الحكومة السورية ليست متورطة في مقتل التويني لأنّ سوريا هي أكبر المتضرّرين من عملية الاغتيال، ويصرّون على تقديم سيناريوهات غير قابلة للتصديق إذ إنها تفتقر إلى الإثباتات والبراهين، ومفادها تورّط جهات غير معروفة مثل إسرائيل والولايات المتحدة في مؤامرة تهدف إلى ضرب مصالح سوريا وتدويل الملفّ اللبناني، أما المشكلة في هذه النظرية وعدم واقعيّتها فهي عدم تعرّض المصالح السوريّة حتى الآن إلي أيّ ضرر يذكر نتيجة اغتيال التويني، والدليل إلى ذلك هو تراجع الصيحات السورية المتعلقة بالضرر الذي أحدثته عملية اغتيال التويني عليهم بعد نحو مرور مجرّد يوم أو أكثر من مقتله.
فإذا كانت سوريا وراء مقتل جبران التويني، فذلك يعني أنّ الحكومة السورية مستعدّة لخوض لعبة قذرة جدّا من أجل المحافظة على الورقة اللبنانية والحرص على عدم وقوع لبنان في مدار موالٍ للولايات المتحدة.
قرار اغتيال التويني يشير إلى أنّ حسابات النظام السوري تراهن على انخفاض الضغط الأميركي العام المقبل على أبعد تقدير، وأنّ النظام مصمّم على انتظار نهاية ولاية الرئيس بوش، مؤمنة بأنّها تملك حلفاء قادرين على الدفاع عنها في وجه عقوبات الأمم المتحدة خوفاً من انهيار النظام السوري الذي قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وفي نفس الوقت سيواصل النظام اختبار الضغوط الأميركية (ولبنان في مرماه) وإرسال إشارات تشير إلى حاجة النظام الملحة إلى التعامل مع أميركا، ومن المرجّح أن تمتزج هذه الإشارات الخاصة مع عروض علنية من التحدّي والتهديد في ما خصّ عدم الاستقرار في لبنان وفي مناطق أخرى.
وأوضحت المذكّرة: إذا كانت سوريا هي التي اغتالت التويني فذلك يشير إلى وقاحة شبه متهوّرة (وفي ظل غياب التغييرات أو أيّ قرار رادع) وإلى أرجحيّة حصول المزيد من الاغتيالات في لبنان، ويشير أيضا إلى أنّ الحكومة السورية تعتقد أنّ الارادة الدوليّة مكسورة بما فيه الكفاية، ما يسمح لها بالمضيّ في سياستها القاسية وهيمنتها على لبنان من دون التعرّض لأيّ نوع من العواقب أو العقاب.