الجمهورية - حافظ الأسد كان أكثر انفتاحاً من بشّار الرئيس السوري ضعيف لا يستطيع تأكيد سلطته
الاثنين 13 حزيران 2011
حافظ الأسد كان أكثر انفتاحاً من بشّار
الرئيس السوري ضعيف لا يستطيع تأكيد سلطته
أشار بعض المصادر السوريّة من ناشطين حقوقيين ومعارضين وصحافيين إلى أنّ نظام بشّار الأسد "يعيد بناء جدار الخوف" الذي بناه حافظ الأسد في الماضي، في حين أوضح نائب سوري معارض أنّ النظام سيكون متسامحا مع المصفّقين فقط، ولن يسمح بوجود أي لاعب حقيقي خارج عن سياسة النظام السوري الذي زادت جرأته نتيجة ظروف عدة، منها تحالفه مع إيران، وإعادة تأكيد نفوذه في لبنان، معتقدا أنّه يملك القوام السياسي الضروري للصمود أمام تكاليف انقطاع علاقته بالغرب.
ففي مذكّرة سرّية تحمل الرقم 06DAMASCUS2593 صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق، إثر اجتماعات عدّة بين مسؤولين من السفارة وبعض المصادر من داخل المجتمع المدني والسياسي، جاء نقلا عن بعض هذه المصادر، أنّ حال القمع المفروضة على المجتمع المدني والمعارضة في سوريا تفاقمت إلى حد بدأ الناس يقارنونها بحال الكبت التي عاشوها في الثمانينيات خلال فترة حكم حافظ الأسد، بينما كانت المقارنة في الماضي بين الوالد والإبن تشير دائما إلى ضعف بشّار وتردّده وعدم قدرته على تأكيد سلطته وقلّة خبرته وضعف قراره.
ولكن تبقى هناك شكوك حيال مدى تطور موجة القمع التي يديرها النظام، في وقت أشار بعض أكثر المتفائلين السوريّين إلى أنّ الحكومة السورية قد كفّت عن اعتقال المشاركين في إعلان بيروت-دمشق واستبدلتها باستخدام لهجة التهديد والتخويف. ويرجّح هؤلاء أن في حال أثمرت جهود التهديد في تقليل الدعم لإعلان بيروت-دمشق وشرعيته، فإنّ النظام السوري يمكن أن يعيد حساباته ويطلق الناشطين العشرة عوضا عن الإبقاء على وعده بسجنهم خمس سنوات.
وأضافت المذكّرة أن حتى لو أطلق النظام الناشطين، فإنّ الجو العام السوري الداخلي سيبقى شديد القمع، في حين أكد بعض الناشطين أنّ النظام السوري يستغّل إعلان بيروت-دمشق لخنق المعارضة وحركات المجتمع المدني المختلفة التي أغضبته وأحرجته عندما كان قليل الثقة بنفسه عبر الدعوة إلى إنهاء قانون الطوارىء واحترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية. وبعدما اكتسب النظام القوّة والوقاحة، فهو عازم على مسح ذاكرة الإحراج التي فُرضت عليه.
وأشار بعض الناشطين إلى أن التوقيفات المتعلقة بإعلان بيروت ـ دمشق لأشخاص من أمثال ميشال كيلو وأنور البنّي وآخرين، تعدّ آخر موجة من التوقيفات، ولكن تمت الإشارة إلى أن معارضين بارزين من أمثال كمال لبواني وفاتح جاموس وعلي عبد الله الذين ما زالو مسجونين، قد أوقفوا ضمن حملات توقيف سابقة في العام الماضي.
وأشار بعض المراقبين إلى أنّ موجة التوقيفات هي إعلان واضح وصارخ على أنّ مستوى القمع في سوريا هو الآن أسوأ ممّا ساد خلال حكم حافظ الأسد.
وفي اجتماع مع مسؤولين من السفارة الأميركية، قال أحد أبرز المعارضين السوريين ي .ص إنّ نظام بشّار الأسد "يعيد بناء جدار الخوف" الذي بناه والده في الماضي، متوقعا أن يستمر مسلسل التوقيفات. وأكّد ص. أنّ النظام "يعيد إقحام" أجهزة الأمن السورية في شكل أكثر عدوانية إلى داخل المجتمع المدني السوري، وأطلق على الوضع الحالي صفة الجانب المتكرر من التاريخ السوري الحديث، قائلا: "يمكنك دعوة هذه الأجهزة الأمنية إلى الداخل وإعطاؤهم صلاحيات كبيرة، ولكن لا يمكنكك إرغامهم على المغادرة بسهولة بعد زوال الأزمة". ووصف النظام بالمريض "الذي تغلّب على مرض عضال"، وهو الآن أكثر قوّة من أي وقت منذ إعلان القرار 1559 في العام 2004. و للمرة الأولى منذ إطلاقه بعد سجنه سبع سنوات، يفكّر ص. في مغادرة سوريا بسبب تزايد وتيرة المناخ القمعي.
وفي سياق آخر، أشارت بعض المصادر إلى أنّ جو القمع السائد لا يسكت المعارضة فقط، وإنما بعض المستقلين داخل البرلمان أيضا أمثال النائب باسل دحدوح الذي حاول التشكيك في سياسات النظام السوري طوال العقد الماضي. ويقول دحدوح إنّ النظام لا يقبل الإجابة عن تساؤلاته، مضيفا أن النظام سيكون متسامحا مع "المصفقين" فقط، و"لن يسمح بوجود أي لاعب حقيقي خارج عن سياسة النظام". وأضاف دحدوح أن في ظل الجو الحالي، يخاف السوريون السفر إلى خارج البلاد للمشاركة في ندوات أو اجتماعات "قبل حصولهم أولا على مباركة النظام". وأضاف دحدوح أن الوضع داخل سوريا خلال التسعينيات في ظل حكم حافظ الأسد كان أكثر انفتاحا، أما الآن وفي ظل الجو السائد، فإن أية إصلاحات سياسية ممكنة ستكون أسوأ من الوضع الراهن.
وقد اشتكى الصحافيون أيضا من سياسات القمع السائدة، وقال أحدهم أمام مسؤولين من السفارة الأميركية قبل فترة وجيزة من اندلاع آخر موجة توقيفات، إنّ شخصية "مقربة جدا من الأجهزة الأمنية" نصحت له أن يبقى حذرا جدا من مضمون كتاباته، مضيفا "عندما تكتب، أعتبر إنك تكتب في فترة حكم حافظ الأسد". وقال الصحافي الذي أخذ هذه التحذيرات على محمل الجد إنّ "لا مجال للخطأ".
وأوضح بعض مراقبي المشهد السياسي السوري أنّ النظام يعيد بناء جدران الخوف والعزلة، في وقت يرى النظام السوري أنّ الدول الغربية لا تريد الانخراط معه وترغب في تنحيته عن السلطة. وحسب هؤلاء المراقبين، فإنّ النظام السوري الذي زادت جرأته نتيجة ظروف عدّة، منها تحالفه مع إيران وإعادة تأكيد نفوذه في لبنان، وفي ظل المذبحة المستمرة في العراق (التي تشير إلى تضاؤل الضغط الأميركي) وانتخابات حركة حماس وإعادة تأسيس علاقات متينة مع سوريا، هو نظام يعتقد أنه يملك القوام السياسي الضروري للصمود أمام تكاليف انقطاع علاقته بالغرب.
وفي ضوء هذا التقويم وشعور النظام بوقوعه تحت الضغط والتهديد، فإنّ الكثيرين داخل سوريا يعتقدون أنّ جدران العزلة بين سوريا والغرب من المحتمل أن تزيد مناعتها. وإضافة إلى حال القمع السارية، فإنّ الحكومة السورية متواطئة في تهديم سفارات أوروبية عدة خلال شهر شباط الأخير، وإغلاق مركز حقوق الإنسان المموّل من الاتحاد الأوروبي والضغط على السفارة الأميركية عبر عمليات التقييد على إصدار التأشيرات، وكل ذلك يشير إلى أنّ الحكومة السورية اختارت اتباع سياسة أكثر تصادمية، وأنها لا تكترث بتأثير العزلة الناتج من هذه السياسات.
وقد نقل السفير المصري أخيرا أن سوريا تبدو وكأنّها تبعد نفسها حتى من الحليف الإقليمي مصر من خلال الإشارة إلى عدم اكتراثها بأخذ أي خطوات إيجابية بعد القلق المصري من سياسة الحكومة السورية. وفي السياق نفسه قال المحلّل السياسي سمير الطاقي إن العلاقات السورية – السعودية متزعزعة، مضيفا "في الوقت الحالي ليس لدى سوريا بعد عربي لسياستها الخارجية" بسبب الافراط في لعب ورقتها الإيرانية.
كما أشار بعض المصادر الأخرى إلى وجود انقسام داخل النظام السوري حيال مدى التقدم في عزلة كهذه وتصعيد، وحسب أحد الصحافيين إنّ هناك متشددين من ضمنهم نائب الرئيس فاروق الشرع وشخصيات بارزة داخل الأجهزة الأمنية الذين يجادلون أنّ سوريا تستفيد في كل النواحي من سياسة التصعيد والتصادم مع الغرب. ويرى هؤلاء أنّ كلفة العزلة لا تذكر في ضوء التهديد الذي يواجهه النظام السوري. وأشار إلى وجود آخرين على رأسهم وزير الخارجية وليد المعلّم يضغطون في اتجاه تطبيق سياسة مختلفة بعض الشيء ويسعون إلى مواجهة محدودة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية حتى في ظل "استمرار تصاعد المواجهة".