الاخبار - سينودس الشرق: ما لا تورده البيانات الرسميّة - جان عزيز
سينودس الشرق: ما لا تورده البيانات الرسميّة
عدد السبت ١٦ تشرين الأول ٢٠١٠
جان عزيز
قبيل بدء الجلسات العامة للسينودس من أجل الشرق الأدنى، اقترب أحد الأساقفة اللبنانيين من البابا بنديكتوس السادس عشر، وقال له: أيها الأب الأقدس، عشية سفري إلى روما، حمَّلني أبناء أبرشيتي رجاءً واحداً: أن لا نعود فارغي الأيدي... ابتسم قداسته، على عكس بعض السحنات المحيطة به، وبدأ السجال المحظور نشرُه، باسم العيب والخجل وعُقد المحرمات...
منذ اللحظة الأولى، ظهر أن الجمعية الخاصة لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية، المنعقدة في روما، بين 10 تشرين الأول 2010 و24 منه، قد خضعت لعملية تسريع شديد. حتى إن البعض يقول إنها «سُلقت»، في الإعداد والانعقاد والمقاربات والمعالجات. فالأعوام الأربعة التي انقضت بين دعوة يوحنا بولس الثاني إلى سينودس لبنان، وانعقاده فعلياً سنة 1995، قابلتها أشهر عدة فقط في حالة سينودس المنطقة. والمقارنة نفسها تصح بين مستوى انتشار المساهمات وتحسيس الناس حيال الحدث وإيصال وثائقه إليهم، ونقل آرائهم إلى الجهات الكنسية المعنية... بين إسهاب في حالة سينودس مخصص لبلد واحد، واقتضاب في حالة سينودس مخصص لشبه قارة... غير أن التبرير جاهز في روما: الوضع في العراق حتَّم الإسراع. ولأن العراق هو المحور، كان واضحاً أن مسألتين ستكونان جوهر النقاش: العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في الشرق، والعلاقة بين مسيحيي الشرق ومسيحيي الغرب. أما الباقي، فمن باب البلاغة وأدبيات المناسبات. ولأن العراق أيضاً هو المحور، بدا واضحاً أيضاً، أن الكلام غير المعلوك سيصدر عن العراقيين. فيما كل الباقي، من النوع الجاهز للاستهلاك السريع، في البيانات الإعلامية...
وسرعان ما تأكد الأمر. فبعد بضع مداخلات تميل إلى اللغة الخشبية، انتظر العراقيون موقفين، جاءا من أسقفين لبنانيين. الأول حاول إعادة طرح مفهوم «الدولة المدنية»، التي قدمها المجمع الماروني الأخير، كمحاولة حلٍّ لأزمة الصراع بين الديني والزمني في المحيط. أما الموقف الثاني، فكان قراءة لاهوتية وإنسانية لأبعاد مفهوم التعايش المسيحي الإسلامي في واقع مجتمعات المنطقة. قراءة خلص منها الأسقف العارف، إلى الاستشهاد بتجربة الأب الراحل عفيف عسيران. ابن العائلة الإسلامية العريقة، الذي قضى حياته خادماً للناس، مثل رجل دين مسيحي. مستخلصاً الأسقف من تلك التجربة، أن التعايش لا يقوم على أفكار مسبقة، من نوع تغيير الآخر، أو تبديل اقتناعاته. بل التعايش مع المسلم يكون بكل بساطة، بأن نحبه كما هو...
واندلعت «الحرب»... على مدى أكثر من يوم، تولت أصوات المعاناة العراقية الرد على «الكلام التسووي». بحدة حيناً، وبتوتر الجريح أحياناً، كانت الردود. لم توفر أحداً: نحن من دفع ويدفع الثمن، لمثل هذه الأفكار والآراء. كنائسنا وأديرتنا هي التي تُهدم. أبناؤنا هم الذين يُقتلون. دمنا هو الذي يسيل، فيما أنتم تكتفون بطرح نظريات التعايش... ولم يخلُ بعض الكلام من نفحات لاتينية، على طريقة مجمع ميديلين وزمن لاهوت التحرير. فعلت أصوات تذكّر بأنّ يسوع لم يكن خانعاً، ولم يسكت عن ظلم، ولم يُسقط حقاً... فلماذا تفعلون ذلك أنتم؟ لماذا تسكتون؟ لماذا تمالئون؟ وفي لحظات نادرة من المزج بين «مسألتي» السينودس، تحدثت أصوات المعاناة تلك صراحةً، عن أن أبناءها باتوا محشورين بين مطرقة الأصولية الإسلامية، وسندان التجاهل الغربي...
في أوقات لاحقة، حاولت أصوات أخرى التخفيف من حدة الاتهامات «الشرقية» للموقف الغربي. فنسجت مطولات عن أفضال الغرب، كنيسة ودولاً ومجتمعات، على مسيحيي الشرق. غير أن المحاولة الخجولة لم تلبث أن انقلبت سجالاً أشد حدة، إذ دارت الهمسات بين «الثوريين»، بأن المجاملين للغرب، ليسوا غير الطامحين الى الألقاب والمناصب، فيما الناس في واد آخر. ولم يكن ينقص غير تلميحات الكاردينال روجر ماهوني، باسم أساقفة أميركا الشمالية، إذ لم ينس المسؤول الكنسي الأميركي الإشارة إلى أن أبرشيته ساعدت على مر الأعوام، عدداً كبيراً من المسيحيين النازحين من الشرق، «بقروض مالية ووسائل أخرى»، قبل أن ينهي كلامه بعظة موجهة إلى هؤلاء، تدعوهم إلى «التسامح» في بيئتهم الجديدة، حيال «أعدائهم الذين غالباً ما كانوا سبب هجرتهم الى الأرض الجديدة»، ليُتبع ماهوني نصيحته تلك، بأخرى أشد غرابة، إذ تساءل عن المطلوب عمله، لتصحيح تلك الاعتقادات الخاطئة «لدى المسيحيين المهاجرين، بأنه يمكنهم «التأثير في أوضاع بلدانهم، عبر المسيحيين المقيمين في الغرب»...
لا يصل أيٌّ من هذا الكلام إلى قاعة الصحافة القريبة من مقر انعقاد السينودس، ضمن مبنى بولس السادس. هناك، لا تظهر إلا الكلمات الصالحة للنشر... هناك، تفرض «الأصول» ألا يعرف العالم أن مشاركاً في السينودس صرخ بصوت عال: تسمّونه تعايشاً بين الأديان؟ بل قولوا إننا محكومون بالتعايش مع المستحيل...
وللحديث صلة.