تاريخ نشوء وتطور الحزب الشيوعي - عدنان آغا سليمان
مقابلات /
سياسية /
0000-00-00
مقابلة مع
الأستاذ عدنان آغا سليمان
تاريخ المقابلة: الجمعة في 29/2/1993
المـوضـوع : تاريخ نشوء وتطور الحزب الشيوعي
في الجنوب اللبناني
قام بالمقابلـة : سكنـه حيـدر
* * *
بطاقـة هُويـة
الاسـم الكـامـل: عدنان آغا سليمان
الوضع الاجتماعي: متزوج وعندي ثلاثة أولاد
المهـنــــة : أستاذ ثانوي في الوقت الحاضر مواليد (1931)
س: … كيف تم الانتساب للحزب؟
ج: قبل انتسابي للحزب الشيوعي اللبناني، كان لي علاقات جانبية معه، أثناء وجودي في فلسطين قبل عام 1948. هذه العلاقات كانت عابرة.. كانت هناك مجلة يصدرها الحزب الشيوعي، لم يكن يُسمَّى الحزب الشيوعي، إنما كان اسمه حركة التحرير الوطني، وكان لها مجلة اسمها "الاتحاد"، أعتقد بقيت لفترة طويلة حتى بعدما صارت الهجرة من فلسطين، بقيت مجموعة من العرب يصدرونها في فلسطين وكنت من مطاليعها، ولكن لم أنتسب حزبياً إلا عندما بدأت أتصل بأعضاء من الحزب الشيوعي في صيدا. وكأن ذلك في أواخر عام 1948 وأوائل عام 1949 وانتسبت فعلاً للعمل السياسي في الحزب الشيوعي في عام 1948.
صار عندي انقلاب كلي في حياتنا بين الفترة والحياة التي كنا نعيشها قبل الهجرة وبعد الهجرة في صيدا (انقلاب كلي بين مَن هو يسكن في بيته، مستقر بين أهله وأرضه وشغله ووضع مادي مستقر ومريح وبين إنسان يسكن عند أقربائه وأهله في صيدا (وضع ـ رُحَّل) حتى يتأمن نومه ومسكنه وعدم استقرار…
الانتساب للحزب كان دافعه غير طبقي، لا حاجة طبقية، ولا 100% ثقافة هي، لها جذور ثقافية، أي عملية الاتصال الفكري، أي مطالعة جرائد الحزب وبعض المطبوعات له.
إنما السبب الأساسي للانتساب للحزب كان سياسي: الهجرة والنقمة العامة على نتيجة هذا الوضع والأوضاع العربية كلها وعلى القوى العالمية التي ساهمت في نشوء هذه الأوضاع أكثر من أنها دافع طبقي.
س: … كيف كانت البدايات الأولى لنشوء هذه المنظمة؟
ج: … قبل انتسابنا للحزب في صيدا كان هناك جذور للعمل السياسي في صيدا للحزب الشيوعي قبل الأربعينات، كان يوجد حركة بسيطة امتداد من الحزب الشيوعي العلني الذي كان موجود في بيروت أيام الفرنسيين. إذاً كان يوجد مرحلة علنية للحزب الشيوعي قبل عام 1948 في أوائل الأربعينات وكان لهم بطاقات إنتساب.
في المرحلة العلنية للحزب كان يقام مهرجانات في بيروت في مسرح الأوبرا… يتحدث فيها كل من نقولا شاوي ومصطفى العريس، هذه البدايات الأولى العلنية لم نرافقها… إنما أعرف إناس كانوا يقولوا لنا نحن نحمل بطاقات انتساب للحزب الشيوعي من أيام فرنسا (الأربعينات) ومنهم من كان أكبر سناً. هناك يستنجي أي يعمل في البستان هؤلاء الأشخاص ليس لهم أي علاقة بالحزب الشيوعي إطلاقاً كانوا ينتسبوا لتلوين سياسي فلان انتسب بالحزب القومي وفلان آخر انتسب للحزب الشيوعي لأنه ليس من قناعة ولا كان هناك من ثقافة وأشخاص كُثُر أعرفهم هنا. إنما الحركة الصحيحة بفترة 1948 ـ 1949 كان هناك فئة تعمل في الحزب الشيوعي وكان لها نشاط بارز وثابت في الحزب وعلى رأسها المحامي عاكف عسيران وزميلنا كان طالب متخرج جديد من مدرسة الأميركان سعد الدين الحبال، انتسب قبلي إنما نعتبر من المؤسسين الأوائل لمنظمة الحزب في صيدا (البدايات الأولى كانت على أيدينا…). وكان هناك معاناةً وكانت فترة المعاناة وقتها تعتبر طويلة جداً مثلاً عاكف عسيران أيام رياض الصلح في الحفل المشهور عندما كانوا يريدون وضع حجر الأساس للمجلس البلدي (حادثة مشهورة) قام عاكف عسيران واعتلى الميكروفون وصار يخطب وأنزل بالقوة وأثار هذا الموضوع ضجة كان هذا قبل تعرفي عليه، إذن قبل اتصالي بالحزب كان أعضائه في معاناة حقيقية واضطهاد: ممنوع يدخل العضو في العمل الوظيفي فكانوا يلاحقوا ويضطهدوا كثيراً. مثلاً عاكف عسيران بالرغم من صلته الوطيدة بعادل عسيران كان مؤهل أن يدخل وظيفة جيدة كونه محامي في تلك الفترة. وتقدم إلى القضاء ليحصل على وظيفة ورفض عدة مرات ولم يستطع حتى بعد ما ترك الحزب الشيوعي وبقي يحارب حتى بالقضايا العادية البسيطة من طرف القضاء، حتى أنه يوعظ من الناس بأن هذا الإنسان شيوعي بأن لا يسلم أي قضية لأنه لا يربح قضايا… فكان يعيش بخنقة مادية ينتظر أهله حتى يرسلوا له زوادته من الطعام والشراب إلى مكتبه قرب سرايا صيدا القديمة بالرغم من أنه من آل عسيران ومحامي وعنده مكتب، كان يتحمل ويقاسي، هذه البداية…
س: … كيف بدأ العمل على صعيد الطلاب والعمال؟…
ج: … بدأ العمل على صعيد الطلاب والعمال والمحامين، كان هناك المرحوم محمد سعود من العمال العاملين في البحر والبساتين هو من الأساسيين الذين ساهموا في العمل السياسي في صيدا.. ثم محي الدين حشيشو… أنا بقيت حتى سنة 1953 في العمل السياسي، تركت كلياً عندما أصبح في ملاحقات واضطريت أن أتنكر بالاسم وبالوظيفة وأبتعد عن المسرح السياسي في صيدا وعملت في البقاع كمدرس باسم مستعار حتى هدأت الأمور ونزلت إلى الجعفرية وعملت كمدرس وانقطعت عن العمل السياسي. وبدأت في التدريس عام 1953 في الجعفرية.
إذن كانت الفكرة الأولى أنه يجب توقيف نشاطك السياسي حتى تنتهي ملاحقتك وتهدأ الأمور، لكن عندما وقفنا النشاط وقفت العجلة على طول ولم يعد في نية ولا رغبة في المتابعة. تقريباً بنفس الفترة الزمنية مع سعد الدين الحبال (بدأ قبلي بشوية وخلص قبلي بشوية)
تركت فلسطين وكنت شاب بعمر 16 ـ 17 سنة وكان عندي ارهاصات أولية للعمل السياسي والأفكار….
س: … كيف كانت العلاقات الداخلية في منظمة الحزب في صيدا؟
ج: … نوعين من العلاقات الداخلية:
1 ـ علاقات داخلية شخصية
2 ـ علاقات داخلية رسمية
هذه العلاقات الشخصية والرسمية مختلطة كثيراً نتيجة معاناتنا هذه العلاقات كادت تكون واحدة يعني المعاشرة اليومية: يعني بيت الرفاق الذين يعملوا اجتماعاً على صعيد صيدا كانت تمتد أحياناً حتى الأكل والنوم في محل واحد أو مهرب واحد كناية عن غرفة تستأجر في حارة صيدا وفي القناية أو عند بعض الرفاق في بيت سعد الدين الحبال أو في مكتب عاكف عسيران وأحياناً في بيتي..
س: … كم كان عددكم تقريباً؟
ج: … لم نحدد العدد لأنه كان في نظام الحلقات ولأنه نظام سري، وملاحقة دائماً من قِبَل السلطات. فكانت أسلم طريقة نعتبرها هي نظام الحلقة، الحلقة المركزية. يعني اللجنة المحلية معروفين من بعض كل واحد فينا يؤلف حلقة. الحلقة لا تعرفه إلاّ هو وإذا كان موجود في الحلقة نشيط يعود ويؤلف حلقة ويصبح سكرتير الحلقة هو الوصل بحيث أنه إذا صار في ملاحقة أو تحت ضغط التعذيب لا يفشى بسر. فإذا اختفى سكرتير الحلقة انقطعت الحلقة كلها سوى عن الاتصال بالبقية يعني ما عاد في ضرر. لم يكن عدداً كثيراً إنما بالعشرات.
س: … كيف كان يتم التثقيف الحزبي الداخلي؟
ج: … كيف كان يتم الانتساب لمنظّمة الحزب؟…
هناك مرحلة يمرّ بها الإنسان يمر فيها كصديق للحزب تعتبر فترة تمرين هذه المرحلة هي اختبار وتجريب له وأحياناً يعمل في المنظمات الرديفة مثل أنصار السلم. واتحاد العمال والفلاحين أو نقابات عمال البحر أو اتحادات الطلاب وعندما يتبين لنا عنصر جيد يتم انتسابه لمنظمة الحزب ويترشح واحد من أعضائها.
س: … برأيك تأثرت تركيبة النظام الداخلي للحزب بتركيبته؟
ج: … النظام الداخلي للأحزاب الشيوعية العالمية خاصة الاتحاد السوفياتي؟..
الحقيقة النظام الداخلي المكتوب هو المركزية الديمقراطية، إنما الواقع الذي كان المركزية بدون الديمقراطية فكانت الديمقراطية اسمية. فكان هناك رهبة من القيادة يعني يوجدها له ورهبة بأن القيادة العليا فوق والقيادة هي الرفيق خالد بكداش والرفيق نقولا شاوي.
عندما ينزل أي عضو من اللجنة المنطقية أو اللجنة المحلية للاجتماع بالقيادة يعتبر شىء عظيم جداً مهم.
إذن القرار اتخذ من اللجنة المركزية تركيز على القيادة مثل ما كان بالاتحاد السوفياتي عندما كنا في الحزب آنذاك يضعوا "ترجومة" لكل ما ورد "اسم ستالين" قائد الشعوب السوفياتية العظيمة، ربان سفينة السلام، المناضل الرفيق.. الرفيق ستالين العظيم صرح ما يلي: … أي يضعوا له مقدمة (ديباجة) طويلة مثل ما كان أيام السلطان عبد الحميد في تركيا هكذا كان الرفيق خالد بكداش والرفيق نقولا شاوي. بالفترة الذي كنا فيها كان الحزب الشيوعي اللبناني ـ السوري، لا يزال موحداً. ويصدر عنه مجلة إسمها نضال الشعب السريّة. وتوزّع بسريّة. كذلك كان يوجد مجلة تصدر عن الكوفترن أو من الأحزاب الشيوعية العالمية في سبيل سلم دائم يكتب فيها قادة من خارج الاتحاد السوفياتي يكتب فيها مثل مارلو بونتتي سكرتير الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوعي الفرنسي، أي مقالات على مستوى عالمي، هذه مجلة عالمية تصدر وتوزع سراً ونحن كنا أحياناً نقوم بتوزيع النشرات التي يطبعها الاتحاد السوفياتي التي هي جريدة الأنباء السوفياتية التي يصدرها الملحق الثقافي في السفارة السوفياتية باعتبار أن هذه المجلة، مجلة مصورة ومجانية وتعمل دعاية للحركة الشيوعية ليس للاتحاد السوفياتي إنما للشيوعية. كذلك نشرة تاس للأنباء كانت توزع وهذه عوامل مساعدة…
س: … كيف كان يتم توزيع نضال الشعب بما أنها سريّة؟
ج: … الجريدة السريّة أحياناً نطويها بشكل معيّن نسلمها لأشخاص موثوق بهم، يطويهاويضعها بزنار في القشاط، بمخبأ أمين، أو بطرف الجاكيت لأنه أحياناً يتعرّض للتوقيف بدون أي سبب، يعني مثلاً: مدرج على لائحة الأمن العام في صيدا اسم فلان وفلان. إن هؤلاء شيوعيين خطرين وسيأتي مثلاً الملك السعودي أو أي شخص ممثل لدولة من الدول سيأتي لزيارة لبنان. فيقوم الأمن العام بحملة مداهمات واعتقالات حتى يضبط الأمن…
وكان وقت صعود التلاميذ إلى الصفوف وعندما يشاهدونا مارّين في تلك الفترة أي شخص مننا فيعتقلوه ويأخذوه إلى دائرة الأمن العام للتحقيق معه. ويتعرّض للتفتيش (تفتيش ثيابه وجيابه…) إذا كان يحمل معه أشياء تدينه بدون أي داعي لاعتقاله، دائماً كنا نعمل بحذر كبير…
س: … أذكر لنا مجالات عمل المنظمة في صيدا….
ج: … في اللجان العمالية أحياناً كنا نصعد إلى النبطية حتى نعمل في مجال عمال التبغ وهذا عمل واسع كثيراً.
كان الحزب في الجنوب ينظّم مؤتمرات.. تعني تنظيم العلاقة مع الدولة وأحياناً تنظيم عمليات المبيع. وإنشاء الاتحاد، إتحاد مزارعي التبغ (كانوا يقولوا عن الحزب الشيوعي حزب العمال والفلاحين، لأنه يعمل على صعيد العمال والفلاحين طبعاً المزارعين غير ملاكين كبار (أغنياء) إنما المزارع عنده قطعة أرض يعمل فيها هو وعائلته. يحكم وجود بعض الأشخاص الذين كانوا في نقابة عمال البساتين وفي نقابة عمال البحر (محمد السعود كان يعمل في البحر والبساتين، أيام الشتاء لا يستطيع العمل في البحر، يضطر للعمل في البساتين. إذن عدد كبير من العمال يعمل في المهنتين:
كذلك في عمال المطابع كان يوجد لنا حلقة وأحد الشباب اسمه عادل الهواش كان نشيطاً في عمال المطابع في صيدا. إذن علاقة الحزب بعمال المطابع هي علاقة تاريخية. وكانوا لهم صلات قوية بنقابة عمال المطابع في بيروت. كذلك العمل باتحادات الطلاب..
س: … كيف يتم إيصال طروحات الحزب؟
ج: … البرنامج المرحلي للحزب فهو مرن كثيراً مقبولاً من فئات واسعة من الناس، إضافة إلى الجرائد السريّة التي كانت توزّع على الناس ثم بعدها بدأ يصدر جرائد علنيّة منها جريدة الصرخة، فهي جريدة محلية طرابلسية صاحبها محمد زكي الأفيوني (من طرابلس) إستأجرها الحزب منه أي استثمار ويعطيه أسبوعياً مبلغ وتصدر مجلة أسبوعية باسم الحزب أي مجلة سياسية وطنية صاحبها فلان لكن هيئة التحرير ولكنها موجهة بأنها مجلة باسم الحزب. مجلة أسبوعية لكنها ليست ضخمة بحجم الجريدة، إنما بحجم أصغر من الجريدة تصدر بـ 8 أو 10 صفحات.
بعد جريدة الصرخة بدأت جريدة النداء بالصدور على نفس الطريقة لجريدة "الصرخة". هذه وسيلة من وسائل الاتصال بالناس. ثم بعد النداء بدأت مجلة الطريق بالصدور وتطبع في بيروت وكان رئيسها إنطوان ثابت رئيس حركة أنصار السلم في لبنان، كان عضواً بالحزب الشيوعي. طبعاً هذه وسيلة من وسائل العمل للحزب عندما كان سري، أي العمل بالمنظمات الرديفة.
من ضمن العمل بالمنظمات الرديفة. العمل بحركة أنصار السلم التي كانت دائماً لهم تصريحات بأنها ليست منظمة شيوعية، إنما بالحقيقة كان وراء تأسيسها والإشراف عليها وتسيير عملها الحزب الشيوعي اللبناني ومن وراء الستار هم الشيوعيون.
إذن، التركيز في البداية بالقضايا الاجتماعية والسياسية والسلمية والإنسانية، مثلاً: من بدايات العمل بالحزب الشيوعي كنا ندور بالأسواق لنوقّع عرائض يسموها نداء ستوكهولم لتحريم التجارب بالقنابل النووية والذرية. هذه وسيلة من وسائل الاتصال بالناس. فهي وسيلة عالمية، كل الأحزاب الشيوعية رافعة شعار تحريم التجارب بالقنابل النووية… إلاّ أن الاتحاد السوفياتي استطاع تفجير أول قنبلة ذرية. سكتوا عن هذا الموضوع ولم يتكلم أحداً عنه (تحريم التجارب بالقنابل…).
منظمة أنصار السلم، كانت تتصل بالناس وبرجال الدين شخصياً في صيدا وأنا أخذت موضوع تحريم القنابل الذرية وأتيت بتصريحات من رجال الدين. مثلاً الشيخ المدني كان مشهوراً (والد المصور هاشم المدني) والشيخ أحمد عارف الزين.
ملاحظة: والدي كان شيخاً ولم آخذ منه أي تصريح لأن الخلاف في هذه النواحي أي بيني وبينه موقف… موقف تمرد، كان في حرب خفية بالوضع العائلي.
إنما الشيخ أحمد عارف الزين أخذنا منه تصريح جميل وجيد وأتذكر جيداً عندما وصلنا لعند أنطوان ثابت. فتكلم معنا وقال: الشيخ أحمد عارف الزين ومجلة العرفان يجب علينا تقوية صلتنا فيه وبالفعل أخذنا ورتبنا موعداً معه وعقدت معه عدة لقاءات ومع أنطوان ثابت وشخصيات أخرى في بيروت واهتموا واحتفوا فيه كثيراً وقد سافر معهم للمشاركة في مهرجان في بوخارست. وقد كتب الشيخ أحمد الزين في مجلة العرفان حول موضوع أنصار السلم، أي مفهومه لأنصار السلم بالمفهوم الذي كان يطرح بأن حركة أنصار السلم حركة إنسانية سلمية تؤدي إلى خير البشرية.
كما كان للحزب نشاط كبير في حركة أنصار السلم كذلك عملنا هنا كان على صعيد الحركات الطلابيـة.
الحقيقة طالما الحزب قوي بين الطلاب هؤلاء الطلاب يبقوا مثاليون كثيراً، لكن عندما يخرجوا للحياة العملية كل منهم يذهب باتجاه. وكان لنا في صيدا أصدقاء كثر معي في المقاصد والأميركان مجرد ما يتمّ تخرجهم من الثانوية في تلك الفترة كان التخرّج من الثانوية كأنه تخرّج من الجامعة (عام 1949 ـ 1951) والذين يتابعون عملهم هم قلّة ومعظمهم ينزل إلى سوق العمل كموظفين وأساتذة وكتبة أو يسافروا إلى الخارج. إذاً مطلوب خريجي الثانويات للعمل مجرد التخرّج كلٌ منا أمن وظيفة واشتغل وعمل في وظيفته عندئذ يخفّ نشاطه ويقلّ وكان في صيدا أساتذة في المدارس أصدقاء للحزب نوزع عليهم الجريدة (الصرخة). ومنهم المرحوم محي الدين حشيشو (هؤلاء انتسبوا إلى الحزب في المرحلة اللاحقة عندما كنا نحن في تلك الفترة…)
كانت الصلات عن طريق المنظمات الرديفة… كذلك عن طريق من يشجع الجريدة باستمرار وعنده اتجاه ويشتريها باستمرار أو الذي يقرأ مجلة الطريق وأكثر من ذلك المثقف الذي يحب مطالعة كتب حول الأفكار الماركسية. كان هناك ناس تتصل بنا ونحن نتصل بهم نجد عندهم ثقافة ماركسية عن طريق الكتب والمطالعات.
س: … الانتماء الاجتماعي لمنظمة الحزب في صيدا؟
ج: … منهم من انتمى بدافع سياسي ودافع ثقافي مثل المحامي عاكف عسيران وسعد الدين الحبال. والبعض ينتمي انتماء طبقي أي بدافع طبقي مثل العمال. انتسبوا لمنظمة الحزب عن طريق نضالاتهم العمالية. كانوا يعملوا بالبحر والبساتين أو بالتبغ. وكان يتم الاتصال بهم لوجود حركات تدافع عنهم، هذه الحركات ينظمها الحزب التي كانت تسعى ليبقى عملها اجتماعي وأحياناً تطال الحياة والنواحي المعيشية. فكان يتألف لجان، لجنة الدفاع ولجنة المياه ولجنة الكهرباء وغيرها… أي قضية من القضايا الحياتية تطرح بالأول نتصل بأشخاص ويكونوا النواة لهذا العمل، إذن نحمل منظمة الحزب كان بالقضايا المطلبية والوطنية والإنسانية مثل محبة السلام والأرض وضد الحرب.. مجالات عمل الحزب ونشاطه في قلب الميادين الاجتماعية السياسية.
س: … الكوادر المؤسسة في الحزب…
ج: … كوادر المنظمة في صيدا كان عددهم قليل ـ طلاب وعمال وعدد من المثقفين الذين هم أصدقاء للحزب ـ منهم من انقطع عن الحزب فجأة وكانوا قد انقطعوا عن طبقتهم عندما التزموا بالحزب علنية مثل أنا وسعد الدين الحبال وعاكف عسيران ـ تركوا الحزب لأنهم لا يستطيعوا التخلي عن الوظيفة. ولم يكن هناك نظام التفرغ في الحزب وإذا كان هناك في حينها فلم يطالنا أي شىء لأنه كنا متفرغين للعمل لكن مفلسين في الحزب ويمول من مصادره الخاصة أحياناً يضعها في سبيل دعم وضعه في الحزب إيجار غرفة ونقليات ولا أحد يريد مساعدته، لأنه منقطع عن طبقته وأهله لأنه صار إنسان حزبي (بالأنظمة الجديدة يقولوا إنسان حزبي محترف). إذن نحن كنا متفرغين فارغين…
س: … هل كان التمويل ذاتي للمنظمة؟..
ج: … تمويل الصحف والمجلات من بيروت فهو مركزي وأحياناً ثمن المجلات لا نرسل الثمن كله إلى المركز (بيروت) لأننا نحتاج إلى نقود كثيراً، نأخذ جزء من ثمن المجلات ونرسل الجزء الباقي وهذا لا يوفي جزء قليل من التمويل، وأحياناً يتراكم علينا أسعارهم ونبقى فترات طويلة حتى نسدّها. كنا دائماً تحت عجز مثل كل ميزانيات الدول (هنا في صيدا..).
س: … كيف كانت العلاقة بين منظمة الحزب في صيدا والمركز؟..
ج: … كانت علاقة طبيعية، المندوبين يذهبوا إلى بيروت للاجتماع في القيادة وأحياناً يأتي من بيروت إلى صيدا للاجتماع بمندوبي المنظمة وللإشراف على العمل. وفي تلك الفترة كان يوجد مندوب شبه دائم من قِبَل اللجنة المركزية وأقام في صيدا والجنوب. وجوده للمساعدة في تنظيم العمل والإشراف عليه، كان رابط بين صيدا والجنوب وبين المركز، اسمه السري "رفيق رأفت" واسمه الحقيقي "رفيق رضا" وهو من أوائل الذين عملوا في الحزب وهو من أصدقاء خالد بكداش وقد كان لامعاً في الحزب لفترة. وبعدها صار حوله قصة عندما اعتقل فرج الحلو وهو (رفيق رضا) في الشام واتهموه بالوشاية باسم فرج الله الحلو للجهات الرسمية… بعدها لم نعرف شيئاً لأننا تركنا الحزب. لكن في تلك الفترة كان رفيق رضا يعيش حياته مثلنا إعانة محلية وأحياناً مساعدات للحزب من أصدقاء وأطباء ومحامين… كان يعيش في غرفة في القناية ينام شخصين أو ثلاثة أو أكثر. والعمل كان يومي متواصل ومهمات يومية لكل الأعمال والاتصالات.
س: … برأيك، ما هي المناطق الأكثر إنتشاراً في الجنوب؟
ج: … المناطق الجغرافية الأكثر انتشاراً، كانت في النبطية مركّزة في كفرمان وفي مرجعيون وعين إبل… في هذه المناطق أسباب نشأة الحزب فهي مختلفة ومتناقضة مثلاً في مرجعيون وعين إبل، الأسباب لأنهم روم أرثوذكس هذا ساعد على انتشار الحزب في تلك المناطق ووجد محبة قوية لروسيا والحديث عن التاريخ ساهم كثيراً بنظر عدد من الشباب الموجودين في المنطقة بربط عدد منهم، في تلك الفترة كان للحزب قيمته وصداقته…
س: … هل من دور للمرأة في منظمة الحزب في تلك الفترة (1949 ـ 1953)؟
ج: … بدأنا بتأسيس لجنة حقوق المرأة، أخوات، الأعضاء في المنظمة مثلاً: أخواتنا عندما كنا عزاب، أنا فكانت أختي عضو في لجنة حقوق المرأة كذلك أخت سعد الدين الحبال. واتصلوا بعدد من النساء، أي كانت ارهاصات أولية للجنة حقوق المرأة. فدعيت مرة للاجتماع وقد زارهم مندوبين من بيروت ـ إذا كانت في عملية مد وجزر حسب نشاطنا ووضعنا في منظمة الحزب في صيدا، إذا كنا ملاحقين ومعتقلين بالفترة التي شهدت ملاحقات. فكان على النساء تجميد عملها ـ وإذا كنا مرتاحين في العمل السياسي فكان ينشط عملهم.
س: … برأيك، ما هو دور الحزب في الانتخابات النيابية والبلدية؟
ج: … فترة الانتخابات النيابية لم أتابعها.. لكن الانتخابات البلدية وقتها نزلت اللائحة الشعبية، نزيه البزري ومعروف سعد بقائمة واحدة ضد صلاح البزري. ومشينا فيها..
الحقيقة الأحزاب الوطنية كلها لم يكن لها دوراً كبيراً، إلاّ في الانتخابات التي جرت في سنة 1957 بعدما تركت الحزب، عندما ترشح معروف سعد، في تلك الفترة تركت الانتساب للحزب، لكني كنت حول الحزب وأعرف أخباره… ومن جملة الناس الذين اتصلوا بمعروف سعد وشجعوه للترشيح للانتخابات الحزب الشيوعي وحزب البعث ضد نزيه البزري وطبعاً في تلك الفترة خدمت الظروف الدولية ومشروع إيزنهاور والوقفة الجماهيرية الكبيرة مع عبد الناصر ضد مشروع إيزنهاور، وفي تلك الفترة كان نزيه البزري متحالفاً مع كميل شمعون، هذه عوامل ساهمت وساعدت معروف سعد على الفوز في الانتخابات وربح المعركة الانتخابية. (الحزب كان يحلم في إيجاد ركيزة للمعارضة ضد نزيه البزري وجماعته…) إذن الفضل في نجاحه الموجة ضد مشروع إيزنهاور والظروف السياسية، هذه موجة ركبتها الأحزاب السياسية وسارت بها، إنما لا أتذكر إننا اشتركنا في انتخابات أخرى، إنما انتخابات 1947 كانت انتخابات مزورة نزل فيها صلاح البزري… لم يكن في صيدا عمل سياسي له قيمته لا بالنسبة للحزب الشيوعي ولا بالنسبة لحزب البعث العربي والأحزاب الوطنية الأخرى…
الانتخابات البلدية:
شارك الحزب في الانتخابات البلدية: بطريقة ما يفرض بعض الأشياء. وبالقائمة فرض أن يكون حوالي 10 أو 12 شخصاً وقد فرض أن يكون مرشح واحد من العمال وثبتت الفكرة بأن ينجح مرشح عن العمال وكان هذا المطلب مستهجن في تلك الفترة. ومع أن الحزب الشيوعي لم يستطع فرض أي مرشح، إنما كانت الفكرة بأن يترشح عن العمال مرشح فعرضوا اسمين أو ثلاثة من جملتهم أشخاص حزبيين ورفضوا طبعاً ومن بينهم مرشح اشتراكي اسمه عبد اللطيف البوبو، إنما الفكرة بأن يكون مسؤول عن العمال في المجلس البلدي.
س: … ما هو دور الحزب في العمل النقابي؟
دور الحزب في النقابات، كان عندما يدخل في أي نقابة ينشطها ويأمن لها الاستمرارية الثقافية والتواجدية وأحياناً المطبوعات. فكان عنده جهاز اتصالات ومعرفة بين الناس وأحياناً البيانات عن طريق عضو فيكون المنظم والمحرك وأحياناً كثيراً ما يبقى دور الحزب الشيوعي خفي وإنما هو الأساسي والمنظم والمحرك ويؤمن كوادر لتوزيع البيانات أو يشجع على توزيعها…
ساهم في نشوء كثير من النقابات وأحياناً نقابات موجودة، إنما يدخل فيها عنصر أو عنصرين فينشطها وينسق العمل النقابي. فأنشأ نقابة عمال المطابع ونقابة عمال البحر ونقابة عمال البساتين.
حاولنا أن نتدخل ونحسن العلاقة مع المخاتير، إنما في المخترة في عرف اجتماعي الناس الذين كانوا مرشحين للمخترة عرفاً واجتماعياً كانوا مقبولين من الناس ولما عرضنا أسماء شباب من قِبَلنا لم تقبل الفكرة ولم تنجح، حتى مثلاً: عمال البساتين ألّفنا قائمة منهم، بعدها ضغط علينا هم ذاتهم المرشحين الذين كانوا ما راحوا، انتهت التجربة ولم تنجح أبداً مع أنها صارت بعد الانتخابات البلدية وأخذ الحزب فيها أوجه ووهجه، لأنه استطاع أن يعمل ويضغط لقبول مرشح عن العمال بعد هذه التجربة أظهر أن الحزب يجب عليه أن يقف بحركة يواجه فيها الأفكار السائدة حتى أقرب المقربين ممكن الضغط عليهم، يبقى أن عدد قليل منهم يمكن أن يقف بوجه التيار وهذا خطأ في تلك الفترة أن يقف بوجه التيار بقضية مثل قضية مختار في الضيعة ممكن، أما في صيدا ليس له دور أساسي في صيدا…
س: … ما هي المنظمات الرديفة التي عمل بها الحزب؟
ج: … أنصار السلم وبعض المنظمات الطلابية، فهناك منظمة طلابية كانت بين الفلسطينيين وكان لها جريدة أسمها جريدة "العودة" ومؤتمر المشرّدين تضم هذه الشيوعيين، الفلسطينيين والذين انضموا لها وللمؤتمر خطوا شعارات محلية مثل كل المنظمات الرديفة، يقولوا هذه المنظمات ليست تحمل شعارات تابعة للحزب الشيوعي وليس المنتسبين لها شيوعيين، إنما الحقيقة عمل المنظمات الرديفة هي تابعة للحزب الشيوعي وفي تلك الفترة أصدرت مجلة "طريـق العـودة" عملت لفترة 1948 ـ 1949 ـ 1950، مثـل كل المنظمـات تتألف منظمات وتزول لا يوجد استمرارية، إنما المنظمة التي استمرت هي حركة أنصار السلم عملت على صعيد إنساني وعالمي وأحياناً أعضاء حركة أنصار السلم كانوا يشاركوا في مؤتمرات في الخارج منها مؤتمر برلين بعدها مؤتمر بوخارست ثم مؤتمر موسكو. إذن عدة مؤتمرات، هذه الحركة لها امتداد عالمي. والذين يعملون فيها على صعيد علني في بيروت وفي المجتمع اللبناني ككل وعلى رأسها إنطوان ثابت. فكان يحرك الناس. والذين كانوا في المؤتمر الوطني الذي هيّأ له في فترة الاستقلال. وعقد مؤتمر وطني حبيب الرباعي وعبد الله العبيدي واستطاعت حركة أنصار السلم أن تجري اتصالات معهم مع جماعة المؤتمر الوطني، هذه الحركة كانت الأكثر والأوسع انتشاراً باعتبار بأن مجلة الطريق هي مجلة علنية والعمل بها أسهل والانضمام فيها ومبادئها معلنة وبسيطة كثيراً، ليس بها أي إدانات سياسية للحزب الشيوعي، العمل أسهل فيها ديمومة أكثر ونشاط اجتماعي أوسع…
س: … برأيك، ما هي المفاهيم والمصطلحات السياسية التي أدخلها الحزب في الواقع المحلي؟
ج: … لأول مرة يدخل الصراع الطبقي والفئات الشعبية الكادحة، الجماهير، البروليتاريا، البرجوازية، الإنتهازية والوصولية مثلاً عبارات عن الناس أو الأشخاص الذين كانوا ينضموا إلى العمل السياسي (إجر لقدّام وإجر للوراء…) في بعض الأحيان متشجعين للعمل وفي بعض الأحيان يتخلوا عن هذا العمل، يسموا بالانتهازيون والوصوليون… كثيرٌ من الشيوعيين كانوا على مستوى فكري وثقافي عالي مثل قدري قلعجي في الشام وهاشم الأمين ورئيف حوري لم ينسجموا مع القيادة ولم يبرزوا، فأعطوهم صفة تيتاويون ومنحرفون، في تلك الفترة كان هناك حركة إنفصال تيتو عن قيادة الكومنترن. إذن أي شيوعي لا يجاري ويوافق القيادة يسمى تيتوي ومنحرف. في هذه المرحلة وهذا الخط لقد خسر الحزب على مراحل متعددة كثيراً من الأعضاء كان ممكن أن يساهموا حواليهم ويؤلفوا حركة نشيطة داخل الحزب…
س: … ما هو موقف رجال الدين من الحزب الشيوعي في منطقة صيدا؟
ج: … أعتقد أن رجال الدين السنّة في صيدا إجمالاً لهم موقف رافض كلياً، لا يوجد خلفية ثقافية واعية مجرد ما يسمعوا بكلمة شيوعي، هذا يعني الالحاد، إنما رجال الدين الشيعة في الجنوب بحكم انفتاحهم وبحكم الاجتهاد كان هناك الكثير منهم إذا لم يؤيدهم كلياً، إنما يقف موقف مؤيد للطروحات التي كان يطرحها الحزب، مثل اتحاد المزارعين. مثلاً الشيخ محمد جواد معنية دائماً يذكر اسمه وشعبيته لدى الشيوعيين ويتغنوا بمواقفه الوطنية كذلك الشيخ أحمد عارف الزين وبالنسبة لبيروت الشيخ عبدالله العلايلي، هذا كان على صلة بحركة أنصار السلم والمؤتمر الوطني…
س: … كيف كانت تتعاطى منظمة الحزب مع رجال الدين فكرة الالحاد؟..
ج: … كنا نتخفى وراء البرنامج المرحلي للحزب الشيوعي هذا البرنامج هو الذي نعرضه للناس، لأن المنتسبين للحزب الشيوعي كثير منهم كانوا مؤمنون ويصلون ولا يجدون أي تعارض بين البرنامج المرحلي وبين الاتجاهات الدينية، ليس لأنهم مقتسعين بالشيوعية… إنما الإنسان المثقف يعرف أن الفكرة هي إلحادية… إنما لم تطرح هذه الفكرة، إنما الذي يعني الحزبيين البرنامج المرحلي لخطة واحدة ويكفي حتى يكون إنسان شيوعي أن يؤمن بالرنامج المرحلي… ويدور النقاش بين الشيوعيين حول المادية والمادية التاريخية والمادية الديالكتية… وكنا نعتمد على كتاب رأس المال…. وكتاب لستالين اسمه المادية التاريخية وكتاب رأس المال يترجم منه بعض المقاطع للغة العربية ويوزع على الأعضاء. ولم نركز في تلك الفترة على الفكرة الماركسية إلاّ عند المثقفين ولم تخوف كثيراً في وقتها، لأن المد الديني القوي لم يخوّف كثيراً ولم تكن المشكلة كبيرة إلاّ عند الناس العاديين، لكننا نحاول تجنبها ونركز على القضايا المطلبية والبرنامج المرحلي للحزب الذي هو برنامج التحرر الوطني والاجتماعي… إذن فكرة الإلحاد نتجنبها دائماً ولم نركز عليها…
س: … علاقة الحزب مع الأحزاب والحركات السياسية؟..
ج: … كان الحزب دائماً يُطرح شعار الجبهة الوطنية والعمل على التعاون مع الأحزاب الأخرى على الأقل كستار وكسياسة عامة بحاجة لها يضع مطالب كحد أدنى للاتفاق عليها مع الأحزاب الوطنية الأخرى ومحاولته للسعي بتأليف جبهة وطنية وينضموا تحت برنامج معين، كان هذا نتيجة حاجته للعمل بأحد القضايا ونتيجة أنه كان ملاحق باستمرار.
ومحاولة التخفيف من العلاقة النافرة مع الحزب القومي السوري وأن يضعوا كحد أدنى في سبيل تخفيف هذه العلاقة، أما مع حزب البعث كان يوجد صراع فكري. كذلك مع القوميين العرب، إنما يحاولوا أن يضعوا حد أدنى للقاء في سبيل برنامج مشتركاً كان دائماً همّه العمل واللقاء بالجبهة الوطنية والعمل السياسي.
علاقته بالأحزاب المحلية تتراوح بين المد والجذر، الأحزاب المحلية فأصدرنا مجلة عن نضال الفلاحين وكنا نذهب إلى القرى لتوزيعها في تلك الفترة كنا نهاجم الإقطاع السياسي وبالذات أحمد الأسعد وكنا نوزعها في مناطق إقليم التفاح. وإذ مرة طلب اتحاد العمال جريدة "نضال الفلاحين" أن تهاجم عادل عسيران وإذ بنفس الأشخاص الذين نوزعها عليهم قالوا لنا هذه القرى تقوم عليك فالأفضل أن تأخذوا المجلات ولا توزعهم… في تلك الفترة عملنا في توزيع المجلات في مناطق عندما تهاجم أحمد الأسعد وهي مناطق لعادل عسيران ترحب بنا وإذا هوجم عادل عسيران لا يشتروا المجلات… وتبيّن فيما بعد أنه هذا ليس بخط عام، هذا التأييد نتيجة التقاء مصالح مع الحزب المحلي في موضوع معين أو في مرحلة من المراحل…
س: … لماذا كان الخلاف مع الحزب القومي؟
ج: … هذا الخلاف ورثناه من بيروت، كانت هذه الفترة فترة اضطهاد للأحزاب ككل في 1946 ـ 1948 في هذه الفترة عُدم أنطوان سعادة، إنما العداء الظاهر هو عداء تاريخي بين الحزبين ورثناه من القيادات السابقة في بيروت وتوجيهها في الحزب. كذلك موقفه من الاتحاد السوفياتي نتيجة موقفه من قضية فلسطين.
أنا وبعض الشباب عايشنا القضية الفلسطينية والتجربة النضالية بأوائلها في فلسطين. فكان المفروض أن موقف الاتحاد السوفياتي من قضية فلسطين أن يزعزع هذه العلاقة، إنما نحن تجاوزنا هذا الموضوع لاعتبارات كثيرة ومنها بأن الذي ساعد على إنشاء إسرائيل هو الغرب ومشينا بهذا الخط، إنما القوميين بقيوا متحفظين لموقف الاتحاد السوفياتي بتأييده لتقسيم فلسطين وهذا الموقف هو استراتيجي بالنسبة لهم وهو سبب من أسباب الصراع المحلي بين الحزبين (القومي ـ الشيوعي) الصراع من بداية نشوء الحزبين، عندما كان الحزب علني في بيروت إذاً دائماً في البداية في صراع، صراع عقائدي بين حزب له عالميته (الشيوعي) فيقولوا عنهم عملاء الاتحاد السوفياتي.. والحزب القومي متقوقع حزب فاشيسَي نازي وتأكيده على النظام بيقول شعار عاشت سوريا يتشابه كثيراً عندما كانت الحرب العالمية الثانية، تنظيم الحزب القومي السوري تنظيم أقرب إلى تنظيم الحزب النازي حتى أن شعار عاشت سوريا يتشابه مع شعار هتلر، أما الحزب الشيوعي كان مع الاتحاد السوفياتي يسير في خطاه والحلفاء….
إذن، الخلاف له جذور مع الحزب القومي السوري، إنما بالنسبة للأحزاب الأخرى لم يكن هذا النفور قوياً ولم يكن الخلاف قليل ما يكون…
س: … برأيك ما هو الحزب من القضايا القومية وخاصة قضية فلسطين؟
ج: … وجد صراع داخل الحزب وكثير من علامات الاستفهام بيننا حول موقف الاتحاد السوفياتي وموقف الأحزاب الشيوعية من إنشاء دولة إسرائيل والاعتراف بها وكيف كان الاتحاد السوفياتي موافق على دولة فلسطينية عربية ومن ثم وافق على التقسيم وكان يعطي تفسيرات متعددة أحياناً تقتنع فيها وأحياناً تبقى بدون تفسير، هذه مصلحة الثورية العالمية أو الثورة العالمية وإذا تعارض الجزء مع الكل، يجب التضحية بالجزء في سبيل الكل والتفسير الثاني التي أثر فيما بعد وكأننا نعرف الذي سيحدث وكان التفسيم أفضل من الذي سيحدث فيما بعد… فيعطوا تبريرات لمواقفهم، إنما الموقف الأساسي التضحية بالجزء في سبيل الكل…
كانوا يعطوا مثالاً أحياناً وقفوا الشيوعيون ـ الفرنسيون ضد مصلحة فرنسا عندما وقع الاتحاد السوفياتي إتفاق مونوتوف ووقفوا إلى جانب الاتحاد السوفياتي ضد الحكومة الفرنسية… هذا موقف تعارض الجزء مع الكل يجب أن يقف مع المصلحة العامة ولو كانت فيها الخسارة محلية… هذا تفسير لم نقبله كثيراً، كانت نقطة سوداء وبقيت عالقة ثابتة في ضميرنا للموقف السوفياتي وصارت تتوسع حتى ابتعدنا عن الحزب، إذن مواقف الاتحاد السوفياتي ساهمت كثيراً في تركنا للحزب.
س: … هل كان لمنظمة الحزب موقف خاص من المركز في بيروت؟
ج: … لا يوجد مواقف، القيادة كلمتها مقدسة، الموافقة السريّة إرهاب من السلطة، وهج القيادة من بعيد، انبهار بالقيادة ومواقفها، سلطة عليا خفية من جملة وسائل السلطة كانت لضعضعة الشيوعيين، يقولوا لهم: (أنتم هنا عم تتعذبوا وشوفوا زعمائكم كيف هم بالشام وبيروت عايشين مرفهين)، نحن هنا لا نصدق فنقول لهم هذه دعاية وغير معقول، مع أننا كنا نذهب إلى بيروت في اجتماعات اللجنة المركزية ونرى كم هم مرفهون ولا نقتنع بهذا الشىء بالرغم من مشاهدتنا لكل شىء، عندما يدخل بقضية معينة لا يستطيع المشاهدة بوضوح العين لا ترى، إنما الذهن هو الذي يوجه وليس العين…