المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - قراءة في خطاب نصرالله الأخير
دراسات /
سياسية /
2011-07-03
قراءة في خطاب نصرالله الأخير
الأحد 3 تموز 2011 12:55 AM
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان الفطب
يعاني حزب الله اليوم من أزمة داخلية صعبة، فمجموعة من قياداته سواء كانت من الصف الأول أم من الصفوف الخلفية متهمة من قبل قيادة حزب الله بأنها متعاملة أو متآمرة على مسيرة حزب الله وجمهور حزب الله بتعاونها مع جهاز مخابرات أجنبي سواء كان إسرائيلياً أم أميركيا...وجاءت المحكمة الدولية لتضيف إلى حالة الإرباك الداخلي التي يعاني منها حزب الله على المستوى التنظيمي أو الأمني مشكلة إضافية باتهام مجموعة من حزب الله بالتورط في عمليات الاغتيال المتعددة التي أصابت لبنان والشعب اللبناني في الصميم.. لذا فإن نصرالله وقيادة حزب الله التي اختصرها بشخصه وبإطلالاته وبخطابه الأخير هذا الذي لم يكن موفقاً على الإطلاق، فالارتياح الذي أبداه نصرالله خلال إلقاء كلمته كان يحاول أن يخفي جرحاً عميقاً نتيجة المشاكل والأزمات التي أشرنا إليها آنفاً والتي وضعت ثقة جمهور حزب الله بهذا الحزب ومستقبل الطائفة الشيعية في لبنان على المحك، باعتبار أن نصرالله قد ربط مستقبل الطائفة بحزبه، وربط مصير حزب الله بشخصه في مشهدٍ قل نظيره يعبر عن حالة ديكتاتورية مثالية، بل ونموذجية، فالحديث عن حزب الله يتراجع أمام الحديث عن شخص نصرالله وكلام نصرالله وخطاب نصرالله وآخر مواقف نصرالله، وهذا ما سنتوقف عنده:
- دأب نصرالله في كل خطاب يلقيه وعند كل استحقاق يخاطبنا خلاله، على التحذير من الوقوع في شباك مؤامرة الفتنة، وعلى إطلاق رسائل في ظاهرها تطمين ولكنها تتضمن في باطنها تحذير، من استحالة حدوث فتنة طائفية بين السنة والشيعة، نتيجة قرارات المحكمة الدولية، وهذا ما أشار إليه في خطابه الأخير قائلاً: (هناك من سيحاول استفزازكم في الأيام والأسابيع المقبلة فلا تصغوا إليهم هم يريدوننا أن ننجر إلى صراع شارع ومواجهة داخلية ونحن يجب أن نصبر على أي استفزاز)، يبدو أن مشروع وطموحات نصرالله تفرض عليه الالتفات إلى هذه النقطة بالتحديد، وذلك حين يتجاهل أن القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية قد ربط جرائم أربعة بالمتهمين الأربعة، والضحايا هم، الرئيس رفيق الحريري وهو مسلم سني، وجورج حاوي وهو مسيحي علماني، ومروان حماده وهو درزي، وإلياس المر وهو مسيحي أرثوذكسي، فلماذا تجاهل التنوع في طوائف ومذاهب الضحايا واكتفى بالتركيز على الرئيس الحريري فقط والتلميح والتلويح بالفتنة المذهبية..؟؟تجاهل طوائف وأحزاب الضحايا هؤلاء مرفوض، اللهم إلا إذا كانت معركته هي مع الطائفة السنية وحدها باعتبارها الحاضر الأكبر على الساحة في لبنان وسوريا، وبالتالي يكون هو من يستدعي ويستحضر الحالة المذهبية من الساحة القانونية إلى الساحة الشعبية كما أشار هو، لاستنفار العصبيات المذهبية تمهيداً لتعطيل تحقيق العدالة، بدلاً من التعاطي مع القرار الاتهامي بموضوعية ومهنية، وهذا ما أشار إليه جنبلاط في مؤتمره الصحافي الأخير حين أكد: (أن تحقيق العدالة بالنسبة لرفيق الحريري ورفاقه الشهداء لا يكون بجر البلاد إلى التوتر والانقسام )؟؟ إنه تناغم وتكامل بين كلام جنبلاط ونصرالله..؟؟
- أعلن نصرالله في خطابه هذا:(لن يكون في الإمكان توقيف المتهمين لا في 30 يوما أو ستين أو ثلاثين سنة أو 300 سنة)، وهذا كلام صحيح، فقاتل الطيار سامر حنا أطلق سراحه، ومن قتل زياد قبلان وزياد غندور لا زالوا طلقاء، ومن قتل جنود الجيش اللبناني في البقاع، ويا للمفارقة جميعهم من شمال لبنان، لم يعتقلوا بعد، ومن أطلق النار على المواطنين العزل فقتل العديد وجرح الكثير في السابع من أيار/مايو من عام 2008، لم يعتقل منهم أحد، بل اعتبر يومهم هذا مجيداً وعلى لسان نصرالله. وكلام نصرالله هذا هو بعهدة المراجع الأمنية التي من المفترض أن تبحث وتنفذ مذكرات الاعتقال منعاً للفتنة وصوناً للعدالة وحمايةً للسلم الأهلي وحفاظاً على هيبة الدولة ولحماية لبنان من العقوبات الدولية في حال التلكؤ.
- وخاطب نصرالله قوى 14 آذار قائلا: ("انتم تعتبرون أنفسكم معارضة لحكومة ميقاتي، وأنا اعرف أنكم ستستفيدون من هذا القرار الاتهامي ومن المساندة الدولية لكم).. ربما نسي نصرالله كيف استفاد هو وحزبه من القرار الدولي 1701، الذي أعطاه الأمان والثقة على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، مما أعطاه الوقت ليعيد تنظيم صفوفه وتسليح حزبه والالتفات إلى الساحة الداخلية ليمارس فيها سياسة تعطيل الحكومات والتعيينات الإدارية والتهويل على القوى الأمنية وإطلاق المواقف السياسية التي لها شأن بدول مجاورة كسوريا وبعيدة كالبحرين واليمن، ولن ننسى ما جرى في مصر من أسماء وهمية وجوازات تتضمن بيانات غير صحيحة لم تتوقف عندها الأجهزة الأمنية والقضائية للتحقيق والمحاسبة والمساءلة..
- في معرض حماية نصرالله لحكومته التي يرأسها ميقاتي قال:(عندما سقطت الحكومة السابقة، وذهبنا للاستشارات النيابية، حركوا القرار الإتهامي من جديد للضغط على مجلس النواب، وعشية الحشد المنشود لـ13 آذار تم تحريك القرار الإتهامي"، ولفت إلى أنه "منذ يومين، بعد انتهاء البيان الوزاري، أصدروا القرار"، لأن المطلوب إسقاط حكومة ميقاتي بأي ثمن)..إذا كان أحد أهداف القرار الاتهامي هو إسقاط حكومة ميقاتي، ألم يكن قرار إسقاط حكومة الرئيس الحريري الذي اتخذه نصرالله وبري وسوريا وإيران هو بهدف تعطيل عمل المحكمة عبر عدم التعاون معها، كما أشار نصرالله في خطابه هذا وبالتالي يكون لبنان كله رهينة العقوبات الدولية وليس حزب الله وحده..؟؟ فهل أهداف نصرالله في إسقاط الحكومة السابقة مشروعة، وأهداف القوى الأخرى باطلة وغير مشروعة..؟؟
- وأشار نصرالله أيضاً إلى رغبته في: (أولاً، نريد إعادة النقاش حول دستورية المحكمة وكيفية تشكيلها، ثانياً، هنالك الكثير من الملاحظات التي تثير الشك حول قواعد الإجراءات والتعديلات التي أجريت عليها)، من الواضح تخبط نصرالله أو بالأحرى الفريق الذي أعد له هذه الكلمة، وبالتحديد في هذه النقطة الهامة، فإما المحكمة أميركية- صهيونية تستهدف المقاومة ونشاطها، وبالتالي لا ضرورة لوجودها والموافقة عليها سواء من خلال مناقشة دستوريتها، أو عبر تعديل تنظيمها الحالي الذي يطالب نصرالله بإعادة النظر به..!! فما الفائدة من طرح هذه النقطة ومناقشتها.. اللهم إلا إذا كان يظن أن المحكمة الدولية من الممكن إعادة تشكيلها على شاكلة تلك التي أفرجت عن قاتل الطيار سامر حنا بكفالة مالية..؟ فيتم التعاون معها على نفس القاعدة وبنفس الطريقة وحتماً الوصول إلى النتائج عينها.؟؟
- في نهاية كلمته طمأن نصرالله جمهوره واتهم مسيحيي 14 قوى آذار/مارس فقال: (لا تصغوا إلى الاستفزازات التي يريدها البعض للوصول إلى الفتنة، لاسيما الفتنة بين السنة والشيعة التي يريدها البعض في قوى 14 آذار، على الأقل بعض مسيحيي 14 آذار، ولا تخافوا على المقاومة ولا تقلقوا عليها).. لقد كان نصرالله وفريقه يتهم جنبلاط بالسعي للفتنة بين السنة والشيعة ويطالب الطائفة السنية بفك تحالفها معه، فإذا به يتحالف مع وليد جنبلاط..ولم تعد مواقف جنبلاط التي أطلقها في ساعة (تخلي) مخيفة وخطيرة، بعد أن أصابته حال من (التجلي) كما قال. ولا أظن أن أحدا من المواطنين اللبنانيين قد سمع برغبة أي فريق في جر البلاد إلى الفتنة سواء كان مسيحي أو مسلم باستثناء العبارات والأوصاف الاستفزازية التي يطلقها حليف حزب الله الاستراتيجي ميشال عون، والتي قد تؤدي إلى فتنة حين قال: (وفي اجتماع آخر كشف رزق انه اجتمع في 7 آب/أغسطس ولمدة ساعتين مع النائب ميشال عون، مشيرا إلى تشابه التعليقات واختلاف النبرة بين عون وشيباني والى صدمته من استعمال عون ما لم يستعمله السفير الإيراني من مفردات "عنصرية" واصفاً السنّة بـ"الحيوانات". كما عبر عن نفوره من النظام السوري، لكنه شرح أن ليس هناك من خيار سوى التعامل مع العلويين من اجل حماية لبنان من السنّة قائلا: لا يجب أن تقع سوريا في يد السنّة لأنهم سيتحالفون مع سنّة لبنان ويطردون المسيحيين من المنطقة). هذا الكلام لم يثر حفيظة نصرالله وفريقه، ولم يستنكره ويدينه، وهو الذي يحذر اليوم من الفتنة ويتهم البعض بالتحضير لها أو باستحضارها ولكنه يتجاهل كلام حليفه ومواقفه وهذه واحده منها وغيرها كثير ويبدو انه يتقاطع معه في بعض جوانبها من الشأن اللبناني إلى التحالف مع نظام سوريا وأسبابه وأهدافه..
في نهاية المطاف يمكن القول أن نصرالله المأزوم لم يستطيع إنكار مضمون القرار الاتهامي بل حاول التشكيك به، ولم يستطع رفض المحكمة الدولية فحاول التشكيك بصدقية ومهنية وعلاقات محققيها وقاضيها، وطالب بتعديل قواعدها وإعادة النظر في دستوريتها، ولكن يبقى المطلوب أن نعرف من ارتكب الجرائم كافة وهذا ما لم يجب عليه نصرالله بالأمس فأبقى نفسه وحزبه في دائرة الاتهام..
hasktb@hotmail.com