المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- التغيير في سوريا حاجة تركية ..
دراسات /
سياسية /
2011-08-16
الثلاثاء 16 آب 2011
التغيير في سوريا حاجة تركية ..
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
قصف المخيمات الفلسطينية في سوريا أفقد النظام السوري الورقة الأخيرة والوحيدة التي استعملها على امتداد سنوات، وأحرج حلفاء الأسد من الفلسطينيين وبالتحديد قوى الفصائل الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، التي طالما تجاهلت معاناة الشعب السوري واللبناني والفلسطيني في كلٍ من لبنان وسوريا تحت عنوان أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية وان كل التضحيات تهون أمام الحفاظ على مشروع المقاومة وحفظ خط الممانعة الذي تقوده سوريا برعاية إيرانية ومواكبة من حزب الله في لبنان.. وهذا الحزب هو الأخر محرج أمام جمهوره لتناقض العناوين والشعارات والادعاءات مع المشاهد والممارسات القمعية للنظام السوري بحق الشعب السوري والفلسطيني التي تنشر بشكل متواصل على كافة المواقع الإخبارية رغم محاولات حلفاء سوريا في لبنان من اللبنانيين والفلسطينيين الحثيثة للتخفيف من حدتها أو لإعطاء التبريرات والمبررات لضرورة ممارستها.. والشعب اللبناني والفلسطيني في مخيمات لبنان، كان قد خبر وعايش وعانى من هذه الممارسات حين كان الوجود العسكري السوري في لبنان يحظى برعاية أميركية وأوروبية وعربية تعطيه الغطاء الشرعي لوجوده وتتجاهل كافة ممارساته وجرائمه..
لقد عملت إيران على بسط نفوذها ووجودها في المنطقة وصولاً للبحر الأبيض المتوسط مستندةً لنتائج الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق والتي أسفرت عن تغيير النظام العراقي الذي كان يناصب إيران العداء وتم حينها استبداله بتجاهل أميركي مقصود بنظام مؤيد وموالي لإيران بل يمكن القول انه تابع لها بكل ما تعنيه الكلمة، فقد تم استنساخ النظام السياسي الطائفي اللبناني وإسقاطه على دولة العراق بشكل معكوس بحيث يعطي مؤيدي إيران من الطائفة الشيعية السلطة التنفيذية المتمثلة بموقع رئاسة الوزراء، مع صلاحيات واسعة، وتم إعطاء رئاسة الجمهورية للأكراد وهم أقلية ولكن مع تهميش موقع رئاسة الجمهورية ودور الرئيس، والطائفة السنية خصص لها موقع رئاسة المجلس النيابي الذي يفتقد كل صلاحية ودور فعلي وفاعل.. كما أنشأ حلفاء إيران في العراق وعلى غرار الحرس الثوري الإيراني وبإشرافه مجموعة ميليشيات (جيش المهدي، كتائب حزب الله العراق، عصائب أهل الحق) تحت عنوان حماية الكيان من عودة (فلول البعث وهجمات مجموعات القاعدة التكفيرية، ومحاربة الاحتلال) لتشكل هذه الميليشيات في حقيقة الأمر عصب السلطة وحماتها من أي تغيير ديمقراطي قد يحدث مستقبلاً، قد يحد من سلطة أو دور حلفاء إيران في دولة العراق، وهذا النموذج هو عينه المتبع في لبنان اليوم، حيث تلعب ميليشيا (حزب الله) الطائفية الدور عينه تحت شعار (المقاومة) وهي الآن قوة عسكرية ضخمة تفوق في قدراتها قوة الجيش اللبناني العسكرية، وما مارسته خلال الأيام الماضية من منع قوى الأمن من التحقيق في عدد من الإشكالات الأمنية والتفجيرات التي وقعت، يؤكد قدرتها على لعب دور توجيهي للسلطة السياسية الرسمية من خارج الإطار الرسمي للمؤسسات وتستند في حضورها إلى حماية شعبية مسلحة في مناطق انتشارها..
هذا المشهد هو عينه ما نراه اليوم في سوريا حيث يستند النظام السوري في عمليات قمع المتظاهرين إلى ميليشيا علوية يطلق عليها الشعب السوري لقب (الشبيحة) تجنباً لتعميق الخلاف والصراع الطائفي والمذهبي بين مكونات الشعب السوري وهذا صحيح أيضاً لأنه كما في لبنان حيث هناك شريحة واسعة من أبناء الطائفة الشيعية التي تعاني من ممارسات حزب الله وحركة أمل وترفض هيمنة هذا الفريق على حاضر ومستقبل الطائفة الشيعية في لبنان والزج بها في آتون صراعات تخدم مخططات خارجية والمشروع الفارسي في منطقة الشرق الأوسط، كذلك هناك في سوريا الكثير من وجهاء وعقلاء الطائفة العلوية التي ترفض أن تكون الطائفة في خدمة مشروع العائلة والحزب والسياسة الإيرانية في سوريا ومحيطها. وقد كشف موقف أحد المرجعيات الدينية الإيرانية موقفه ودوره عندما نشر ما يلي: (وفي السياق نفسه دخلت مدينة قم، الدينية الإيرانية، على خط الأزمة في سوريا، بإعلان أحد مراجعها الكبار، وهو آية الله العظمى ناصر مكارم شيرازي، أن دعم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في مواجهات الاحتجاجات المناوئة له هو «واجب ديني»).. فالصراع السياسي في سوريا والمواجهة البطولية التي يخوضها الشعب السوري بكل مكوناته ضد الطغمة الحاكمة، أعطي بعداً دينياً خطيراً على لسان هذا المرجع الديني ومع الأسف فإن موقف حزب الله في لبنان يتناغم مع الموقف الإيراني في دفاعه العلني عن نظام الأسد في كافة التصريحات العلنية لقادته والممارسات التي تستهدف كل من يتظاهر في لبنان ضد ممارسات السلطة السورية ومع تسخير الإعلام التابع لهذا الفريق للدفاع عن نظام الأسد وتجهيل المواطن العربي بحقيقة ما يجري في سوريا..
إذا المشهد الممتد من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان والذي يفيد بسيطرة إيران على دول وحكومات هذه المنطقة قد أصبح واقعاً ملموساً وضمان الهيمنة يتطلب إنشاء ميليشيات وحالات طائفية ومذهبية في المنطقة ترعى وتحمي هذه الحكومات والسلطات وتؤمن لها الديمومة والاستمرار والاستقرار، وهذا ما نشهده ونعيشه، وهذا ما يخشى نظام إيران من فقده نتيجة هذه الثورات والانتفاضات. لذلك نراه متورطاً في دعم نظام سوريا في قمعه للمتظاهرين لأن سقوط هذا النظام هو سقوط المشروع وانفراط عقد الحلقة التي تعزل تركيا عن العالم العربي وتقطع العالم العربي كذلك إلى نصفين، ونظرة بسيطة لامتداد دول هذا المحور نرى أن الرابط بين دول الشرق الأوسط العربية قد انقطع، وان تركيا قد أصبحت مطوقة من جهات ثلاث، إيران والعراق وسوريا، والعلاقة المميزة التي تربط إيران بدولة أرمينيا يزيد من أزمة عزلة تركيا، والعداء التاريخي بين تركيا ودولة اليونان، ومع التقارب بين إسرائيل واليونان الذي يتطور اليوم سوف يعمق من هموم تركيا مع محيطها..
لذلك فإن التغيير في سوريا ليس ضرورة وطنية سورية فحسب بل هو رغبة دولية وإقليمية وفوق كل هذا رغبة وطموح تركي أيضاً، فانتقال الدولة السورية من حال التبعية لدولة إيران، يفقد إيران عمقاً استراتيجياً هاماً ويضعف حلفاء إيران في المنطقة وتصبح سوريا بجمهورها وشعبها عمقاً استراتيجياً للبنان وتركيا والسعودية والأردن وفلسطين، ويعود الربط والارتباط المباشر بين دول وشعوب الشرق الأوسط العربية.. لذلك فقد قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، في مؤتمره الصحافي الأخير:( إن العمليات العسكرية ضد المدنيين في سوريا ينبغي أن تتوقف على الفور ودون شروط، محذرا الرئيس السوري بشار الأسد من أن هذه هي «الكلمات الأخيرة» لتركيا).. إن من الضروري الأخذ بعين الاعتبار جدية هذا التحذير التركي. فقد سعت إيران وعلى امتداد عقود من سلطة المجموعة الدينية الحاكمة في طهران على تعميق الشعور الديني والمذهبي في المنطقة وإلقاء اللوم على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة التي تؤدي إلى هذا الواقع المؤلم، ولكن الصحيح هو أن مصلحة الولايات المتحدة في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق قد استثمرتها إيران بشكل يتناسب مع طموحاتها التوسعية مستندةً إلى فكرها وثقافتها الدينية التي تستند إليها في رسم سياساتها وتطوير علاقاتها مع محيطها وفي نسج تحالفاتها، ولهذا نرى أن النموذج الإيراني في السلطة هو المتبع الآن في هذه الدول الثلاث (العراق وسوريا ولبنان) بإشراف وتمويل ورعاية إيرانية تحت عناوين دينية، ومع ذلك فالاتهام بالطائفية والمذهبية توجه للآخرين.. وهذا ما لا تحتمله المنطقة وشعوبها بل وترفضه، وعلى رأسها تركيا التي تشهد تحولاً تاريخياً وملموساً نحو الديمقراطية واحترام الأقليات والتعددية..