المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - تصريحات البطريرك تناقض ثوابت إنشاء الكيان اللبناني
دراسات /
دينية /
2011-09-23
الجمعة 23 أيلول 2011
تصريحات البطريرك تناقض ثوابت إنشاء الكيان اللبناني
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حسان القطب - بيروت اوبزرفر
إقامة الكيان اللبناني عقب نهاية الحرب العالمية الأولى جاء تتويجاً وإعلاناً لنهاية المرحلة التي تم فيها إقامة نظام المتصرفية اللبناني برعاية دولية وبموافقة الدولة العثمانية مع نهاية القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت ضعف الدولة العثمانية، وتحضيرها دولياً للتفكك والتشرذم بناءً على اتفاقية (سايكس بيكو) الشهيرة..نظام المتصرفية هذا الذي أنتج واستعمل وطبق في لبنان أسس لأول تدخل دولي في الشؤون الداخلية للإمبراطورية العثمانية تحت عنوان وشعار مشكلة الأقليات الدينية في الشرق الإسلامي..؟.
لبنان الكبير هذا الذي تم الإعلان عن إنشاؤه عام 1920، كان بهدف إقامة نموذج لكيان تعددي يضم مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية في كيان واحد متنوع يعيش في وئام وتناغم ويكون مثالاً على قدرة هذه الطوائف على العيش معاً، وكان لا بد من وضع شروط لنجاح واستمرار هذا الكيان، من أهمها عدم الانخراط في محاور إقليمية أو دولية، تثير حساسيات هذا الفريق أو ذاك، أو قد تؤدي إلى استقواء فريق على آخر، وكان الطرف المسيحي في المعادلة وبالتحديد الطرف الماروني هو ضمانة ورمز العلاقة مع المجتمع الغربي، وبالتحديد الدولة الفرنسية التي قدمت نفسها على أنها حاضنة المسيحيين وحامية وجودهم واستقرارهم، والطرف الثاني هم المسلمون رمز الوجود الإسلامي والعربي في المنطقة وضمان تامين التناغم والتنوع الديني في هذا الكيان حتى لا يصبح الكيان اللبناني كياناً دينياً يمثل لوناً واحداً وبالتالي يكون عرضةً للتحدي والاستهداف من قبل الأكثرية العربية والإسلامية في المنطقة ومبرراً ليهودية إسرائيل التي وعد بإنشائها اللورد بلفور.. لذا قيل وما زال يقال أن لبنان هو جسر التواصل بين حضارتين وقارتين ونموذج التعايش بين الأديان السماوية وما تمثل.
وكان المطلوب من قبل الفريق المسيحي، عدم الاستغراق في ممارسة سياسة التغريب، بحيث يبقى لبنان جزءاً من حضارة هذا الشرق مع حضور مميز، على الساحة الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية.. وفي المقابل كان ينبغي على الفريق المسلم عدم الانغماس في تبني وحمل توجهات القوميين العرب الهادفة إلى إعادة توحيد الأمة العربية تحت لواء دولة واحدة سواء بتوجه قومي عربي أو إسلامي.. وكان من الضروري عدم الانخراط في محاور إقليمية أو دولية تزيد من حدة الوجه والتوجه الغربي لهذا الكيان أو تؤسس لحالة من الاندماج الفكري والسياسي في العالم العربي..
ورغم إسهامات المثقفين المسيحيين البالغة والمهمة في تفعيل النهوض الحضاري والثقافي والفكري في لبنان والعالم العربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، إلا أن المجتمع المسيحي تمسك بمفهوم الكيان اللبناني المميز طوال سنوات ما بعد الاستقلال أي من عام 1943، وصولاً إلى عام 1975، تاريخ اندلاع الحرب الأهلية التي قامت ووقعت نتيجة التناقض بين المفهومين( الكيان الخاص والمميز) الذي حمله المسيحيون، ومفهوم (الأمة الجامعة) التي لا يكتمل حضورها إلا بإنشاء دولة عربية واحدة تجمع شمل الأمة التي مزقها الاستعمار ورسمت حدودها المصطنعة اتفاقية سايكس بيكو..وهذا المفهوم حمله معظم المسلمون وبعض المسيحيين.. وكان الصراع في تلك المرحلة رغم الشعارات التي أطلقت والعناوين التي أعطيت خلاف ذلك، تتركز فعلياً حول موقع لبنان في المنطقة وعلاقته مع العالم العربي، رغم أن لبنان من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية.. والقضية الفلسطينية كانت محور هذا الخلاف، فالقادة المسيحيون في تلك الفترة أصروا على أن لا مصلحة للبنان بكل طوائفه في أن ينخرط في محاور إقليمية أو دولية بغض النظر مع المواقف أو المشاعر التي يختزنها المواطن اللبناني في تأييده للقضايا العربية والإسلامية.. ومن أبرز هؤلاء العميد الراحل ريمون إدة..
من الممكن أن نستنتج مما تقدم أن رؤية الشارع المسيحي وعلى رأسه البطريركية المارونية في تلك المرحلة لدور لبنان في المنطقة، تقوم على دوره المتميز في أن يكون جسر عبور وتواصل وتفاهم بين الشرق والغرب والانغماس في الشأن اللبناني المحلي الداخلي فقط، ولذلك كان التمسك باستقلالية الكيان والحفاظ عليه وعلى استقراره والنأي به عن أية صراعات عربية – عربية.. أو أية صراعات أخرى.. في حين أن الفريق المسلم تجاذبته أهواء الانخراط في صراعات المنطقة باعتباره جزءاً لا يتجزأ منها.. ولكن في العام 2005، وعقب اغتيال الرئيس الحريري ونتيجة شعور معظم اللبنانيين بالغبن والظلم والقهر والتسلط من الوجود العسكري السوري الذي جثم على صدر اللبنانيين طوال ما يقرب من 30 عاماً.. خرج اللبنانيون ليطالبوا بالانسحاب السوري من لبنان، ورفع المسلمون السنة شعار لبنان أولاً والحفاظ على الكيان مع احترام هويته العربية، مما شكل موقفاً غير مسبوق من قبل المسلمين يتناغم مع قناعات وتطلعات المسيحيين، ولكن اطل علينا البطريرك الراعي مؤخراً ليتحدث عن قلقه على مستقبل مسيحيي سوريا وهم في معظمهم من غير الموارنة، وعن خوفه من تحالف سنة سوريا مع سنة لبنان، مع ما يشكله ذا الأمر من خطر على مسيحيي الشرق والمنطقة..
هذا الموقف يتناقض تماماً مع الثوابت التي أشرنا إليها والتي قام عليها الكيان اللبناني والتي تركز على احترام خصوصية لبنان وعدم الانخراط في شؤون وشجون الدول المجاورة، وبذا انتقل البطريرك من الشأن الداخلي اللبناني إلى الإقليمي الواسع مما يتناقض مع الثوابت التي طالما دافعت عنها بكركي والسياسيين المسيحيين، ومن الملفت للنظر أيضاً أن البطريرك الراعي تحدث عن هواجسه ومخاوفه في احتفال مشترك أثناء زيارته مدينة بعلبك، مع ممثل الإمام الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك وهو احد مسؤولي حزب الله، مما يعني أنه حين انخرط المسلمون السنة في عملية الحفاظ على الكيان بتميزه وخصوصيته انتقل بطريرك الموارنة إلى الضفة الأخرى التي طالما تمت إدانة المسلمين السنة على الوقوف عندها، والتي قد تكون هي أحد أسباب خوف البطريرك على مستقبل المسيحيين، ومن المثير أيضاً الإشارة أيضاً إلى أن البطريرك عندما تحدث عن رؤيته كان يشاركه الرؤية ويعلن تأييده لها من هو في موقعه ومواقفه وقناعاته ودوره يتجاوز حدود لبنان بإعلانه الالتزام بولاية الفقيه التي تقوم على خدمة مشروع بناء دولة واحدة في كافة الأصقاع التي تتبنى هذا الفكر وهذه الوجهة والعقيدة..اللهم إلا إذا كان البطريرك يسعى لإقامة تفاهم دولي جديد لرسم حدود جديدة للمنطقة يتم الاتفاق عليه بين مرجعية قم ومرجعية الفاتيكان..!! متجاوزاً بذلك الأمة العربية وعمقها الجغرافي والاقتصادي ودور تركيا المستجد على الساحة، وحينها يكون غبطته قد أدخل الأقلية المسيحية في لبنان والمنطقة في خضم صراع طالما سعى البطاركة السابقون إلى تجنبه ؟؟