المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - القوى الشمولية لا تستطيع التعايش مع الآخر
دراسات /
سياسية /
2011-10-14
الجمعة 14 تشرين الأول 2011
القوى الشمولية لا تستطيع التعايش مع الآخر
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حسان القطب - بيروت اوبزرفر
قاسم مشترك يربط كافة القوى ذات الفكر الشمولي سواء كانت دول أو على مستوى الأحزاب، وهو رفض الفكر الأخر وعدم القدرة على تحمل لغة الانتقاد أو عبارات الاعتراض، أو حتى القدرة على التعايش مع الشريك الآخر في الوطن، أو حتى الجوار الإقليمي. ومن المسلم به أيضاً لدى هذه القوى أنها عصية على ارتكاب الأخطاء، والتبرير الجاهز لأخطائها هو أنها عرضة للمؤامرات والدسائس وأحابيل المندسين والمصطادين في الماء العكر..
في سوريا ثورة وانتفاضة مشتعلة منذ أشهر والنظام يعد بإعادة النظر في العديد من القوانين والنصوص الدستورية وصولاً غلى تأليف ووضع دستور جديد للجمهورية السورية، ومجرد الحديث من قبل الأجهزة الرسمية عن ضرورة تطبيق برنامج إصلاحي هذا معناه اعتراف رسمي وصريح بشرعية ومصداقية الانتفاضة والثورة ونضوج وإخلاص قادة الثورة وشفافية الحالة الشعبية التي استجابت لنداء الانتفاضة نتيجة معاناة طال أمدها، وتوق شديد لتغير الواقع السيئ الذي يعيشه الشعب السوري بكافة فئاته وطوائفه ومكوناته.. ومع ذلك يصر النظام والناطقين باسم النظام وعقب كل عبارة تتحدث عن مسيرة الإصلاح في سوريا إلى الإشارة إلى عمالة المعارضة وتعاملها مع قوى الخارجية لتستهدف انجازات النظام وعائلته الحاكمة.. وحتى مسيرات التأييد التي ينظمها النظام ورحلات الترفيه لبعض أتباع الخارج على حساب الشعب السوري تجري تحت عنوان تأييد مسيرة الإصلاح التي سوف يجريها النظام، وليس تأييد النظام وقائده على ما هو عليه..؟؟
والحال نفسه في لبنان، حيث تقوم القوى ذات الفكر الشمولي، برفض كل منطق يدين ما ترتكبه وما تمارسه من تجاوزات وتصرفات تتجاوز القانون وبنود الدستور ومفهوم العيش المشترك.. فهذه القوى لا ترد إلا بلغة التخوين، والاتهام، والتعرض لكل المقامات والشخصيات السياسية وغيرها، دون مناقشة مضمون الكلام، أو الرد بموضوعيه على أي موقف يطلقه هذا الفريق أو ذاك. وهي تسمح لنفسها بالخروج على كل ما هو عرف أو مألوف في الحياة السياسية، وتمارس السياسة بحماية ميليشيا مسلحة تسمح لها بتجاوز كل منطق أو قواعد متعارف عليها للحوار.. وهي ترضى لنفسها بأن تصدر خطابات الوطنية والمقاومة الحرص على المال العام وتنأى بنفسها عن تهم الفساد، لتلصقها جميعها في منافسيها السياسيين بأسلوب مرفوض وممجوج، وبلغة فوقية تتجاوز الأعراف السياسية، وبعبارات تؤجج الخلاف وتعمق التباين بين مكونات المجتمع اللبناني، وترفض أي اعتراض من الفريق الأخر.. وإتباع أسلوب التسريبات الإعلامية عبر وسائل معينة بعينها أصبح أسلوباً متكرراً ودائماً على لسان مراجع ومصادر أمنية واسعة الإطلاع.. وهذه المصادر الواسعة يتفق أنها تتهم دائماً مكوناً لبنانياً أساسياً بشتى أنواع التهم،وخاصةً تلك التهمة الجاهزة لإرهاب باقي مكونات الكيان اللبناني(الأصولية)..فقد: (قال مصدر معني واسع الاطلاع لـ«السفير» أن التركيز الإرهابي عاد إلى ساحة الجنوب لاسيما المنطقة الحدودية وسط معلومات عن استعداد جهات أصولية مرتبطة بتنظيم «القاعدة» لاستغلال الوضع الراهن، والقيام بعمليات إطلاق صواريخ من الجنوب باتجاه فلسطين المحتلة أو عبر استهداف «اليونيفيل» لتخفيف الضغط عن هذه المجموعات عند الحدود مع سوريا» ولفت المصدر الانتباه إلى «تزامن ذلك أيضاً مع حركة تحويلات مالية إلى لبنان لأشخاص معروفي الانتماء والاتجاه وبعض الأموال وصل عبر البريد السريع لتجنب دخوله عبر المصارف ولإبعاد الشبهة عن الجهات المرسلة ). لا ندري مدى صحة الخبر، ولكن ما المقصود بهذا الخبر، الذي نسب إلى مصادر أمنية غير معروفة، وكان من المفترض أن تؤكد المراجع الرسمية صدقه أو تنفيه، فقد سمعنا وقرانا مثل هذا الرواية عشرات المرات وما تتضمنه من تلميحات وإشارات إلى خطر أصولي قادم وأخر على طريق الزوال، ولكن يتبين بعدها أن هذه الأخبار والتسريبات غير صحيحة وهدفها ذر الرماد في العيون ونقل الانتباه من مراقبة ومراجعة حوادث معينة قد جرت هنا أو هناك، أو لتبرير سلوك معين كالتدخل السوري في الشأن اللبناني باختطاف بعض المعارضين وحجز بعض اللبنانيين كالشيخ مشيمش وغيره دون مبرر أو مسوغ قانوني، أواختراق الحدود اللبنانية في منطقة عرسال، واستهداف بعض القرى في وادي خالد وعنجر وغيرها.. وكأن هذه القوى الشمولية في فكرها وممارساتها وسلوكها تتداعى لحماية وجودها والتغطية على ما ترتكبه في لبنان أو خارج الحدود، عبر بث الإشاعات ونشر مذكرات مفبركة للتحريض على أنها يوميات مرجع كبير...
لم ولن يتعلم هذا الفريق من أخطائه، سواء على مستوى لبنان..(الحريري وشهداء سياسيين آخرين) أو في سوريا..(مشعل تمو وإبراهيم قاشوش وآلاف آخرين) وكذلك اليوم في إيران، على أثر الاتهام الأميركي لدولة إيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن. ولا نستغرب هذا الاتهام، فاللغة المستعملة واحدة، والسلوك واحد، والمسار هو عينه، ونظرة بسيطة للخلف في لبنان، لنتذكر معاً كيف تعرض عدد من السياسيين لمحاولات الاغتيال وقد اغتيل بعضهم بالفعل، وبقي معظم السياسيين التابعين لقوى 14 آذار/مارس، في فنادق ومنازل تؤمن لهم الحماية على مدار 24 ساعة دون أن يتمكنوا من الخروج خوفاً على حياتهم..وفجأة توقف هذا المسلسل، فلم يتعرض بعدها احد للاغتيال.. لماذا..؟؟ إذا كان المندسين والمرتزقة والعملاء هم من يمارس سياسة القتل والاغتيال فماذا تغير ليتوقف هذا المسلسل..؟؟ وفي سوريا جرت مسيرة شعبية نظمها النظام الحاكم للتعبير عن ولائها له فلم تتعرض لرصاص أو كمين أو قتل من المندسين والعصابات الإرهابية..؟ لماذا..؟
سياسة إيران تتكامل وتتطابق مع قوى سياسية تتماهى معها في الشكل والمضمون والفكر والسلوك سواء في لبنان أو سوريا وفي العراق.. وهي تهدف إلى زرع الشائعات وحصد الفوضى، نشر القلق ومنع الاستقرار، الحديث عن بناء الدولة، والتهرب من تثبيت وتفعيل مؤسسات الدولة التي لا تتناسب مع مشروعها وطموحاتها..إلا إذا تمكنت من السيطرة عليها بالكامل لتكون في خدمتها والتغطية على ما ترتكبه وما تمارسه.. والصراع قائم اليوم في المنطقة بين منطق الاستقرار وبناء دول ديمقراطية مستقرة تعددية يتم تداول السلطة بين أبنائها، وبين مشروع سلطوي يرفض التحاور والحوار مع أبناء شعبه بل يقوم بالفتك بهم واتهامهم بالخيانة والعمالة فكيف بمن هو خارج الحدود.. ولكن مع الأسف البعض يسعى لنقل وحرف هذا الصراع عن مساره الصحيح وإعطائه بعداً دينياً أو طائفيا ومذهبياً لزرع الرهبة وعدم الثقة بين مكونات الوطن الواحد. وكان لافت بالأمس وجود مطارنة في مسيرة حزب البعث يعلنون تأييدهم لنظام الأسد، إلا أننا نعذر وجودهم وندرك حجم الضغوط التي تمارس عليهم تماماً كما يجري في لبنان وإيران وسواهم، ومع ذلك يعلن الأسد أن دولته علمانية..؟؟
حسان القطب