المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - حزب الله يتخذ مواقف متناقضة من الثورات العربية..؟؟
دراسات /
سياسية /
2011-11-29
الثلاثاء 29 تشرين الثاني 2011
حزب الله يتخذ مواقف متناقضة من الثورات العربية..؟؟
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
لم يكن وزير خارجية سوريا وليد المعلم موفقاً في إطلالته الإعلامية الأخيرة حين استعان بمشاهد مصورة للدلالة على تورط ثوار سوريا في ارتكاب جرائم حرب، ليتبين لاحقاً أنها غير صحيحة وفي غير محلها، وهذا يذكرنا بما جرى مع حليف سوريا في لبنان حسن نصرالله، حين أشار في إحدى إطلالاته إلى خطورة مضمون رسالة وجهها هنري كيسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة إبان عقد السبعينات من القرن الماضي. ليظهر بعد ذلك أن من كتب الرسالة هو صحافي لبناني وقد كانت عبارة عن مقالة كتبت في شكل رسالة مفترضة.. طبعاً من يتحمل المسؤولية الفعلية هو الفريق الوزاري والحزبي الذي زود كلاً من الرجلين بمعلومات مغلوطة جعلتهما معرض انتقاد من خصومهما وكذلك موضع تشكيك بقدرتهما على اتخاذ قرارات مصيرية في حال كانت كفاءة الفريق الاستشاري الذي يواكبهما بالمعلومات والتوجيهات والخطابات والإطلالات في هذا المستوى من سوء القدرة على قراءة المعلومات أو مراجعة مصداقيتها ومدى جديتها، هذا إذا لم يكن يتلاعب بهذه الوثائق لاستخدامها في غير محلها ولكن على لسان مسؤولين بارزين..؟؟؟؟
المشكلة عينها يواجهها هذا الفريق، وذلك حين يتحدث عن مؤامرة أميركية تسعى لإشعال فتنة سنية - شيعية في المنطقة، (العراق وسوريا والبحرين والمملكة السعودية ولبنان واليمن) وغيرهم... لن ندافع عن المشروع الأميركي في المنطقة فهو يخدم المصالح الأميركية وتحالفاته الإستراتيجية مع إسرائيل وغيرها ولا يهتم بالوحدة الإسلامية أو العربية أو بتداعيات تدخله العسكري في دولة العراق التي أصبحت نتيجتها ضحية فوضى الميليشيات والتجاذب والتدخلات من قبل دول الجوار وعلى رأسها إيران، وبعد أن كانت دولة العراق تشكل العمق الاستراتيجي للأمة العربية والإسلامية أصبحت دولة تحكمها الفوضى والصراعات الداخلية..وساحة صراع بين مشاريع دولية لا تخدم وحدة الأمة العربية والإسلامية ولا مصالح الشعب العراقي.. ذلك أن إعلام هذا الفريق يشكل الأداة الحقيقية للتمييز بين مكونات المجتمع وبين مذاهبه وطوائفه رغم كل ما يعلنه من عناوين وشعارات الوحدة والتحذير من الفتنة.. لأن السلوك السياسي والإعلامي لهذا الفريق يخدم هذا التوجه في حقيقة الأمر أكثر مما يعمل على تحقيقه أصحاب مشروع الفتنة إذا صح وجودها.. مراجعة بسيطة للمواقف السياسية والإعلامية لفريق حزب الله من أحداث المنطقة التي نعيشها اليوم ونرى أنه متورط سياسياً وإعلامياً في دعم قوى معينة بناءً على ارتباطها الديني وخلفيتها المذهبية وعلاقتها بدولة إيران وليس بناءً على مشروعية مطالبها، فدولة البحرين تتهم حزب الله بالتدخل في شؤونها بناءً على شهادات واعترافات بعض الموقوفين، لكننا نترك ملف التورط الأمني لأربابه، ونلقي الضوء على التورط السياسي والإعلامي، وللدلالة على هذا فقد نشر موقع تابع لحزب الله ما يلي: (أصيب عشرات المتظاهرين بحالة اختناق في بلدة العالي البحرينية جراء إطلاق قوات الأمن المدعومة من قوات درع الجزيرة القنابل المسيلة للدموع على المشاركين في مسيرة تشييع الشهيد عبد كاظم العاقل.وشهدت البلدة اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وعناصر الأمن) كما كان قد أصدر بياناً سابقاً قال فيه: (إزاء التطورات الأخيرة الحاصلة في البحرين لجهة دخول قوات من بلدان عربية مجاورة إلى الأراضي البحرانية واستخدام العنف ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى لا يمكن لحزب الله إلا أن يعبّر عن قلقه البالغ واستنكاره الشديد لاستهداف المدنيين المسالمين. ويرى حزب الله أن التدخل العسكري واستخدام العنف في مقابل حركة شعبية سلمية لا يوصل إلى نتيجة، وإنما يعقّد الأمور ويلغي فرص الحل)..هذا الموقف الذي أطلقه حزب الله من الشأن البحريني والتعريف الإعلامي لما يجري بين المتظاهرين وقوى الأمن والذي يناصر المتظاهرين على قوى الأمن يختلف عما يعلنه حزب الله في وسائل إعلامه عن الشأن السوري ومن قراءته وتعامله مع الواقع السوري الذي جاء معاكساً تماماً لما أعلنه حول الشأن البحريني.. فورد موقفه كما يلي: (اشتبكت القوى الأمنية السورية في محافظة حمص خلال ملاحقتها للمجموعات الإرهابية المسلحة مع عدد من عناصرها في ريف القصير وتمكنت من قتل 12 مسلحاً بينهم أخطر المطلوبين وضبط أسلحتهم.كما داهمت الجهات المختصة بناء على التحري والمتابعة أحد أوكار المجموعات الإرهابية المسلحة في المدينة واعتقلت عدداً كبيراً منهم إضافة إلى ضبط كميات من الأسلحة والذخائر). وهذا المشهد البحريني هو نفسه الذي نقرأه في مواقف حزب الله مما يجري في العراق حيث نرى تدخل حزب الله ظاهر للعيان في تبنيه كافة مواقف وتوصيفات حكومة المالكي العراقية وكذلك مواقف مقتدى الصدر وسياساته، وحين يتحدث إعلام هذا الحزب عن أحداث أمنية تجري في العراق يشير إلى قتلى وشهداء ومثال على ذلك البيان التالي: (يدين "حزب الله" بشدة التفجيرات المجرمة التي استهدفت مواطنين عراقيين أبرياء أثناء تأديتهم واجباتهم الدينية ما أدى إلى سقوط المئات بين شهيد وجريح، ويرى في هذه المجازر الجماعية المتواصلة إرهابا أعمى ووحشية لم تعد تنفع معها مواقف الإدانة والاستنكار.إن "حزب الله" إذ يستنكر هذه الجرائم المروعة، فانه يضعها في إطار السعي لإذكاء نار الفتنة المذهبية في العراق، ما يسهم في خدمة أهداف الاحتلال الأمريكي). في حين انه وفي مناسبة إرهابية أخرى نشر الخبر على الشكل التالي:(قتل مسلحون عضوا في مجالس الصحوة مع خمسة من أفراد أسرته بالقرب من الفلوجة غربي بغداد، "عبوة ناسفة انفجرت إلى جانب الطريق السريع في قضاء أبو غريب غرب بغداد أثناء مرور سيارة مدنية، ما أسفر عن مقتل مدني).. والموقف مما يجري في البحرين والعراق، يتكرر حين يتحدث إعلام حزب الله عما يجري في منطقة القطيف السعودية، حيث أذاعت إذاعة النور التابعة لحزب الله ما يلي: (شيع أهالي القطيف في السعودية جثمان الشهيد السيد منيب آل عدنان الذي سقط برصاص قوات الأمن السعودية بمشاركة جماهيرية واسعة). كذلك في اليمن وفي معرض تأييد حزب الله للحوثيين، أورد إعلامه الخبر التالي: (ارتفع عدد أسرى الجيش اليمني لدى الحوثيين إلى 200 ينتمون إلى الحرس الجمهوري).. أما في سوريا حيث يؤيد النظام ومواقفه وممارسته ضد الشعب السوري فالقوى الأمنية تتعرض للاعتداءات والقتل بل وتختطف أيضاً ولا تتعرض للأسر كما اليمن فقد ذكر موقع تابع لحزب الله ما يلي:(روى عدد من تلاميذ الشرطة الأغرار في مدرسة الشرطة بحلب تفاصيل اعتراض حافلتهم من قبل عدد من المسلحين الإرهابيين الذين اقتادوهم تحت تهديد السلاح وأجبروهم على قول ما تناقلته الفضائيات حول انشقاق عناصر من المدرسة وذلك في استمرار لحملات وسائل الإعلام التضليلية واختلاق الأكاذيب وضخ المزيد من التحريض وإثارة الفتن خدمة للمؤامرة الكبرى). لماذا يؤسر الجندي اليمني على يد الحوثيين في اليمن، ويختطف الجندي على أيدي الثوار ولا ينشق في سوريا...؟؟ وكذلك كما في العراق يسقط في سوريا قتلى من المواطنين الناشطين، وشهداء من الأمنيين وأتباع النظام.. والأمثلة كثيرة لا عد لها ولا حصر..
السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح.. هل مشروع الفتنة الأميركية في المنطقة هو الذي دفع وسائل الإعلام هذه للقيام بتصنيف الضحايا بين شهداء وقتلى، وهل إعلام حزب الله يتناغم مع هذا المشروع ..؟؟ وما هو المعيار الذي يتبعه حزب الله وإعلامه في سياق قيامه بتحديد كيفية وصف الضحايا..ومن هو المسؤول عن هذا النهج الإعلامي.. كان من الممكن أن نحمّل المسؤولية لوسائل إعلام حزب الله في نهجها هذا ولكن حتى بيانات حزب الله الرسمية لم تبتعد عن هذا السلوك فجاءت السياسية الإعلامية لوسائل إعلام حزب الله وحلفائه متناغمة مع توجهاته الفكرية وطموحاته السياسية المرتبطة بفكره الديني، وهذا السلوك لا بد أنه يخدم مشروع الفتنة بين الطوائف والمذاهب عن قصد أو دون قصد إذا كان هناك من مشروع فتنة..
من السهل إطلاق الاتهامات وإعلان المواقف وتعميمها وجعلها جزءاً من ثقافة المجتمع ولكن يجب التفكير طويلاً وكثيراً في تداعياتها ونتائجها وانعكاساتها على علاقات مكونات مجتمعاتنا مع بعضها البعض، سواء في لبنان أو في العالم العربي.. صحيح أن إطلاق صفة شهيد أو قتيل على هذه الضحية أو تلك لا تقدم أو تؤخر في نتيجة حدوث فعل القتل وأثره على الأزمة الداخلية في هذا البلد أو ذاك، ولكنها تكشف عن عمق وخطورة التباعد الثقافي والفكري والنفسي والديني، بين مكونات المجتمع وتترك أثرها على العمل السياسي والقوى الحزبية الناشطة في مجتمعاتنا، فحينها تصبح أحزابنا طائفية ومذهبية وتعاملنا مع هذا الفريق أو هذا الحزب، ينبع من تطلعاتنا الهادفة لخدمة فريقنا وحده من دون سائر مكونات المجتمع مما يعمق الانقسام ويباعد بين مكونات الكيان والمجتمع وتتعاظم حينها عوامل الفتنة وأسبابها..ويكون تحالفنا مع مكونات المجتمع الأخرى سواء كان بعناوين سياسية أو دينية، ظرفي ومرحلي ومؤقت وتشوبه حالة من عدم الثقة التي سرعان ما تنهار عند أول مفصل أو استحقاق جدي، وحينها تنكشف الأهداف الحقيقية لهذا الفريق.. فلا الكيان ولا بناء الدولة ومؤسساتها هو الهدف المنشود بل تغليب فريق على فريق وهيمنة قوى معينة على أخرى ، ويتضح أيضاً أن الشعارات الكبيرة والإستراتيجية التي أطلقت ورفعت كانت لإخفاء الأهداف الحقيقية لهذا الفريق وطموحاته وحينها لا بد من أن تقع الفتنة، وذلك حين تتصارع الثقافات والنظم الفكرية وتتناقض وتتصادم الأهداف السياسية التي تخدم طموحات المذاهب والطوائف لا الوطن والدولة والكيان والشعب والمؤسسات.. وهذا ما نخشاه ونخشى الوصول إليه في لبنان وعالمنا العربي والإسلامي.
hasktb@hotmail.com