"ظاهرة السهرات الرمضانية والحشود الجماهيريّة داخل مدينة صيدا القديمة
ندوات /
إجتماعية /
2010-07-17
"ظاهرة السهرات الرمضانية والحشود الجماهيريّة داخل مدينة صيدا القديمة: ما هو تفسيرها ووضع مشروع مستقبليّ لاستمراريتها"، هذا هو موضوع ورشة العمل التي أقامها المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في بلدية صيدا. شارك فيها عدد كبير من المؤسّسات الأهليّة والاختصاصيين والمهتمين بشؤون مدينة صيدا القديمة، وحضور هيئات وفاعليات المدينة، يتقدّمهم وزير الثقافة ممثلاً بغسان أبو شقرا، والنائبان أسامة سعد وجورج نجم والوزير السابق أمين البزري ورئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري ومديرة الحفريات في صيدا كلود ضومط سرحال وعدد كبير من المهندسين وأصحاب المهن الحرّة.
وقد قدّمت مداخلات عديدة في هذه النّدوة الاختصاصيّة الضيّقة وشارك في النقاش والحوار معظم الحضور.
قدّم ورقة العمل رئيس المركز الثقافيّ الدكتور مصطفى دندشلي، طرح فيها من جهة كيفية قراءة هذه الظاهرة الاجتماعيّة الرمضانيّة وتحليلها وتفسيرها ثقافياً واجتماعياً وسياحياً، ومن جهة أخرى استمراريتها ومتابعتها على مدى فصول السنة. كلّ ذلك بُغية طرح تصوّر مستقبليّ لإعادة الدورة الحياتيّة والاجتماعيّة لمدينة صيدا القديمة.
غسان أبو شقرا ممثلاً وزير الثقافة، بعد أن ثمّن عالياً مبادرة المركز الثقافيّ، الهادفة إلى تنشيط الحياة الثقافيّة في صيدا وتعويله على نتائج هذه النّدوة من أجل دراسة وتأمين ما تحتاجه المدينة من دعم ومساعدة، أكّد "أنّ وزارة الثقافة ستسعى إلى تذليل جميع العقبات التي حالت دون إدراج مدينة صيدا القديمة على لائحة المواقع التّراثيّة العالميّة".
أمين البزري اعتبر أنّ الأهميّة الكبرى الآن هو إعادة النشاط إلى المدينة القديمة ودعم الحِرَف الواعدة التي لا تزال ناشطة فيها. ورأى "أنّ البوليفار البحريّ ينبغي إعادة النّظر فيه وأن يخصّص للمشاة والسير البطيء فقط، وأن يمنع مرور الشاحنات فيه". وذَكّر أخيراً "بالتوصيات التي صدرت عن النّدوة الدوليّة التي عقدتها منظمة الأونسكو عام 2001، والتي ركّزت فيها على عدم عزل المدينة القديمة عن بيئتها الطبيعيّة وعن البحر".
جورج نجم، أشار في مستهل كلمته إلى أنّ صيدا كانت تستقطب جميع الجنوبيين من مختلف الطوائف والمذاهب والانتماءات. وأضاف: ينبغي أن تعود عاصمة الجنوب لتلعب دورها الحيوي اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً في محيطها الطبيعيّ ومجالها التفاعليّ حتى جزين. ذلك أنّ صيدا المدينة الضاربة في التاريخ بأبنيتها القديمة وآثارها التّراثيّة ومعالمها التاريخيّة تشهد على ذلـك.
عبد الرحمن البزري، ركّز في مداخلته على ثلاث نقاط وهي التالية: 1 ـ لماذا هذه الظاهرة الرمضانيّة حدثت في هذا الظرف بالذات وكيف يمكن قراءة أسبابها؟… 2 ـ ما هو دور البلديّة في إحيائها واستمراريتها؟… 3 ـ ما هي العِبَر المستوحاة منها والتي يمكن الاستفادة منها مستقبلاً؟… واعتبر أنّ الفضل في ذلك يعود أولاً إلى أهالي صيدا الذين أحيوا هذه المناسبة بحماس واندفاع. وثانياً إلى القيمة الجماليّة التي تتمتّع بها صيدا القديمة.
أمّا لماذا شهدنا هذه الظاهرة الاجتماعيّة الرمضانيّة الآن وفي هذا الظرف بالذات، فإنّما يعود ذلك إلى متغيّرات اجتماعيّة وإلى طبيعة الظروف السياسيّة والأمنيّة المستجدّة في صيدا. وهنا برزت الرَّغبة الدفينة لدى أهل المدينة وسكانها في الخروج من الانغلاق وكسر الحاجز النّفسيّ والانفتاح الاجتماعيّ والنّفسيّ في ما بينهم ومدينتهم والآخر.
ورأى البزري أنّه مع تغيّر المُناخ السياسيّ في المدينة، برزت هذه الظاهرة الاجتماعيّة بانفتاح كبير مع مجيء مجلس بلدي جديد ومُناخ سياسيّ رافقها. وهنا، لا بدّ من التأكيد على دور المؤسّسات الأهليّة ولجان الأحياء الشعبيّة والتجاريّة وهيئات المجتمع الأهليّ التي شاركت البلديّة مشاركة فاعلة في إحيائها.
رهيف فياض، أشار في مداخلة قيّمة إلى أنّ هذه السهرات الرمضانيّة التي عشناها في الأمس القريب في صيدا التاريخيّة، هي بالفعل ظاهرة اجتماعيّة: فالساهرون كانوا في دفء لا ينقطع في الزُّقاق المسقوف، المتعرّج بين القلعة البحريّة والقلعة البريّة، فيسرعون الخُطى أحياناً أو يقفوا ليتأملوا مَعْلَماً تاريخياً تراثياً مضاءً أو في ساحة يقع فيها مقاه ومطاعم وبضعة طاولات تلاصق الجدران الحجريّة. أمّا في باب السراي، فالساحة فسيحة وتحوّل مقهاها التاريخيّ واحتلّ الساحة بأكملها.
وأبدى فياض خشيته من أن تكون في هذه الظاهرة في صيدا وتلك التي حصلت في طرابلس نسخ مبسط لمواسم السهر في شارع المعرض، فيما يسمّى اليوم بأمرك، "مقلَّدة جاهلة"، "ذي داون تاون" في بيروت التاريخيّة. وأشار إلى أنّ قلب بيروت قد أفرغ من سكانه وزنّر بطرق السير السريع وبالأنفاق والجسور وعُزُل عن جسم المدينة.
أما في ما يتعلق بمدينة صيدا التاريخيّة يجب السعي لاستعادة روحها ولبعث العيد فيها، ممّا يفترض قراءة واضحة لدورها ثقافياً واجتماعياً والتأكيد على أنّ البحر هو كلّ شيء لكلّ الناس. أمّا البوليفار الحاليّ فقد شوّه البيئة الطبيعيّة وقزَّم المدينة التاريخيّة وتحوّل إلى مواقف للسيارات في معظم الأحيان. وختم بالقول: "يخطأ واحدنا أو يصيب في ما يقترح، إلاّ أنّ النقاش الحرّ الملتزم، يبقى السبيل الوحيد إلى التصويب".
ثمّ بعد ذلك تتداول على المنصة مديرة حفريات صيدا كلود ضومط سرحال، المهندس محمد دندشلي، الدكتور طلال المجذوب، الدكتور باسل عطا الله، المهندس محمود دندشلي، ممثلة تجمّع المؤسّسات الأهليّة في صيدا وممثل جمعية أهلنا، والسيدة نزيهة السيّد الأنصاري والمهندسة هيفاء الأمين، المهندس كمال النقوزي.
وفي الختام قدّمت اقتراحات عديدة ستنشر مع المداخلات جميعها في كتاب لاحق يقدّم إلى الجهات المسؤولة والمعنيّة بالموضوع في المدينة.