الوفــــاق الــــدولي وتأثيره في القضية اللبنانية
محاضرات /
فكرية /
1989-06-30
الوفــــاق الــــدولي
وتأثيره في القضية اللبنانية
بتاريخ 30 حزيران 1989
* * *
كلمـــة التقديــــم
ألقاها رئيس المركز الثقافي
الدكتور مصطفــى دندشلــي
أيها الحفل الكريم،
يسرّني أن ابتدأ محاضرتنا لهذه الأمسية، بالترحيب بسيادة المطران إبراهيم الحلو وبالسيدات والسادة الكرام وبالأصدقاء الأعزاء. وأشكر لكم جميعاً حضوركم وأشكر في الوقت نفسه الدكتور جورج ديب لتلبيته دعوتنا هذه وتحمّله مشقّة السفر للمجيء إلى صيدا، التي كان قد سكن فيها ولا يزال يكنُّ في نفسه حبّاً لهذه المدينة. وهو سيحدّثنا في هذه الأمسية عن "الوفاق الدولي، أو الصراع الدولي، وتأثيره في القضية اللبنانية".
ومسألة الصراع الدولي، كما هو معروف لدينا، مسألة تمتد بعيداً في التاريخ، في التاريخ القديم منذ قبل العهد اليوناني ومروراً بعهود القرون الوسطى ووصولاً إلى العصر الحديث. العلاقات بين الدول هي علاقات الصراع بين المصالح. وهذا الصراع يظهر بأشكال متنوعة ومختلفة ودائماً كان الأقوى يُخضع لسيطرته ويمارسها على الأقل قوة أو على الأضعف.
من هنا، وفي العصر الحديث، ابتدأت التأثيرات الدولية تأخذ أبعاداً جديدة وظهرت بأشكال متنوعة، نعرف منها أشكال الاستعمار بشكله القديم، أي سيطرة الدول الكبرى في مختلف مناطق العالم. وفي القرن العشرين، كذلك أخذ هذا الصراع أبعاداً كبرى وواسعة جداً، وعميقة ومؤثّرة، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وقد ظهر هذا التأثير الدولي في العالم الثالث: في أفريقيا وفي الشرق وفي أميركا اللاتينية، بصورة متعدِّدة سياسية، اقتصادية، فكرية أدبية ... طبعاً، في هذا القرن نعيش نهايته، نهاية القرن العشرين، ظهر ما بين الدول والمجتمعات المختلفة سهولة الاتصال والانتقال. وأصبح العالم يصغر أكثر فأكثر. والتأثير الخارجي، خاصة من الدول المتقدمة، أخذ يمارس بطرق متعددة على الدول الأخرى بصورة واضحة كذلك أكثر فأكثر، وأصبح تأثير الدول الكبرى على الدول الصغرى يظهر للعيان واضحاً وجليّاً.. كل ذلك، مع هذا التقدُّم الصناعي الهائل، هذا التقدم التكنولوجي، فازداد النفوذ الاقتصادي والنفوذ السياسي بالتالي...
وهذا الصراع الدولي وتأثيراته في العالم، وفي العالم الثالث بوجه خاص، وفي البلاد العربية ومنها لبنان، أصبح يأخذ أبعاداً لم تكن معروفة في السابق. فإذا أخذنا لبنان، نجد بشكل واضح بأن التدخلات الخارجية المتنوعة والتي ليست من وقتنا الحاضر، إنما تمتد إلى القرن الماضي، أواسط القرن الماضي ونهايته، فإننا نجد التدخلات الخارجية وتحديداً الغربية في منطقتنا عموماً وفي لبنان بوجه خاص.
أكثر من ذلك، الكيانات الموجودة في منطقتنا، في منطقة الشرق الأوسط، إذا حصرنا حديثنا فقط في منطقة الشرق الأوسط، والدول الحديثة القائمة فيها، نجد بأنّ هذه الدول وهذه الكيانات، هي نتيجة معادلة دولية، صراع دولي، ويخضع وجودها للمصالح الدولية. ولن أدخل في هذا الموضوع وأتوسّع فيه، فهو معروف لدينا جميعاً... إنما سأُشير فقط إلى الأزمة اللبنانية، أو ما نُسمّيه الحرب اللبنانية أو كما يجب أن يُسمّيه البعض بحروب الآخرين على أرض لبنان، فكل ذلك يعود إلى وجود الأزمة اللبنانية الكامنة في النظام اللبناني أو المجتمع اللبناني.. وهنا المشكلة...
فالمأساة اللبنانية، إذا أردتم تسميتها بمأساة، تُظهر أو تُعرّي ما كان يتمّ في الخفاء على صعيد العلاقات بين القوى السياسية في الداخل وعلاقات هذه القوى السياسية بالقوى السياسية في الخارج.. وأبرزت هذه الأزمة اللبنانية كيف يتمّ التأثير الخارجي وعَبْر قنوات متنوعة سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وكيف يتمّ التفاعل، التأثير والتأثّر بين القوى الداخلية والقوى الخارجية. والعكس أيضاً صحيح... القوى الخارجية، هي بدورها تُمارس تأثيرها القوي والفعَّال في الوضع الداخلي...
أكثر من ذلك، وهذا ما كنا نتحدث عنه مع الدكتور جورج ديب منذ لحظات: الأزمة اللبنانية أظهرت كذلك مدى علاقة الطوائف والمذاهب اللبنانية بعضها ببعض، وعلاقات كل منها بالقوى الخارجية، وما مدى تأثير هذه القوى الخارجية في السياسة الداخلية، ومدى ارتباط هذه الطوائف والمذاهب الدينية، سياسياً، إيديولوجياً وعلى صعيد موازين القوى في الداخل والعلاقات التي تقيمها مع القوى المتنوعة في الخارج.. لن أُسمّي الأشياء بأسمائها، فهي معروفة ومتداولة بيننا جميعاً...
كذلك القوى السياسية في الداخل لها علاقات وارتباطات بِقوى خارجية وعلى مختلف المستويات، إقليمياً ودولياً. وليس هناك مِن فرق بين قوى يمينية أو يسارية. الجميع يبنون أو يبحثون عن "غطاء"، كما نقول في اللغة العادية، عن غطاء سياسي لتحرّكهم على الصعيد الداخلي.. وأصبحت جميع هذه الأشياء تتمّ بصورة علنية وواضحة يعرفها الجميع ويتحدث عنها الجميع: القوى السياسية في الداخل، كيف تبحث عن المال وعن السلاح... مِن أين تجد المال والسلاح، طبعاً، مِن مصادره الخارجية... وليس هناك مِن فرق بين قوى اليمين وقوى اليسار في هذا المضمار بالذات، الفروقات السياسية والإيديولوجية لها تفسير آخر طبعاً... على هذا الصعيد، على صعيد العلاقات بين القوى في الداخل وبينها وبين القوى في الخارج...
وقبل أن أعطي الحديث إلى الدكتور جورج ديب، أودّ فقط أن أطرح عليكم، وعلى نفسي، سؤالاً مقلقاً وحرجاً، ويمكن صياغته بالشكل التالي: هل يستطيع مجتمع مكوّن من طوائف، مذاهب دينية، أو تحديداً، دولة مكوّنة من طوائف ومذاهب دينية متعدّدة، هل لها أن تقوم هذه الدولة وتحيا وتعيش وتستمر دون أن يحصل هذا التأثير الخارجي المباشر والفاعل والعلن، من الخارج إلى الداخل؟ هل تستطيع هذه الدولة المكوّنة من طوائف دينية متعدّدة وبالتالي مِن قوى سياسية متنوّعة، هل تستطيع أن تقرّر سياستها انطلاقاً من مصالحها الداخلية، وبالاعتماد على مصالح شعبها بمجمله، دون أن يكون لهذا التأثير الخارجي أيّ أثر سلبي في وجودها. للحديث عن هذا الموضوع، نُدرك تماماً بأنه يحتاج إلى ندوات عدّة ومحاضرات ولقاءات ثقافية وسياسية، لكي نبحثه بالعمق..
ومحاولة منا لطرح هذا الموضوع على بساط البحث وبشكل علمي وموضوعي دعَونا الدكتور جورج ديب، وهو كما تعلمون قدير، ومتخصّص في الموضوع، طلبنا منه أن يطرحه أمامنا في هذه الأمسية، وهو اختصاصي في الدولية وأستاذ في الجامعة اللبنانية ومستشار للمغفور له الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وهو لا يزال مُستشار في العلاقات الدولية لرئاسة الوزارة، طلبنا منه أن يحدّثنا عن هذا الموضوع الشائك والصعب والمهم في آن معاً وهو: "العلاقات الدولية وتأثيرها في القضية اللبنانية".
كلمة الدكتور جورج ديــب
سيدي المطران
سيداتي وسادتي
.. أولاً أودّ أن أشكر الزميل الدكتور مصطفى دندشلي على هذه المقدمة القيّمة في العلاقات الدولية. ثانياً أودّ أن أشكره وأشكر المركز الثقافي الذي أتاح لي أن أقوم معكم هذا المساء بنزهة، تتخلّلها دردشة. سأُحاول أن أجعلها دردشة مُمتعة. وسأحاول أيضاً أن أجعل هذه الدردشة تُجيب على كل سؤال، أو تقريباً كل سؤال قد يخطر في بال أحد منكم حول موضوع: "الوفاق الدولي وأثره على الصراعات في الشرق الأوسط وخصوصاً القضية اللبنانية".
وأبدأ بالقول إنّ مِن أهم الأحداث التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولعله الحدث الأهم هو وصول شخص "غورباتشيف" إلى الحكم في الاتحاد السوفياتي. فقد جاء غورباتشيف إلى سدة الحكم في الكرملين بتصميم عنيد لتطبيق فلسفة البرسترويكا وغلاسنوست أي لإعادة البناء والانفتاح، أيّ تحسين الوضع المعيشي المادي والمعنوي والنفسي للمواطن السوفياتي. يعني، إنتاج أكثر زبدة، أكثر سكر، أكثر قمح، أكثر طحين، إلخ...
طبعاً، واجه الاتحاد السوفياتي من الجهة الأخرى دولة كبرى الولايات المتحدة الأميركية التي قد توصّلت إلى نموّ في التكنولوجية المتطوّرة الحديثة، لدرجة أنه لم يعد عندها شيء سوى أن تجلس وأن تضع خطة دفاعية استراتيجية عُرفت بِحرب النجوم، تقضي بوضع شبكة من الصواريخ في الفضاء تُغلّف الكرة الأرضية قادرة على منع أيّ تعدِ سوفياتي، لا على الولايات المتحدة الأميركية وحسب، بل على أي بقعة في الدنيا، لا تريد الولايات المتحدة أن تضرب.
المشكلة كانت واضحة إمّا أن يصرف الاتحاد السوفياتي جهده ويقابل هذا التحدّي في حرب النجوم وبالتالي سيكون ذلك على حساب البرسترويكا والغلاسنوست، أي على حساب رفع مستوى المعيشة للمواطن السوفياتي. وإما أن يترك الولايات المتحدة تمشي في هذا البرنامج ويمشي غورباتشيف في برنامجه. والنتيجة واضحة أنّ الاتحاد السوفياتي بعد مدّة من الزمن سيصبح لا دولة ثانوية بل ربّما دولة ثالثة في العالم ويصبح العالم كله للولايات المتحدة الأميركية...
كيف حلّ غورباتشيف هذا المشكل؟ هجم على الولايات المتحدة الأميركية لإقناعها بعقد مؤتمر دولي هدفه إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالتخلّي عن حرب النجوم. استلم الحكم غورباتشيف في ربيع عام 1985 وانعقدت القمّة الأولى بعد ثمانية أشهر في خريف عام 1985. وهذا يُعتبر سرعة صاروخية للدبّ الروسي أن يمشي بهذه السرعة ليقابل رئيس الولايات المتحدة الأميركية في القمّة الأولى.
أنا من القائلين أنّ جدول أعمال أية مفاوضات يتحكّم بالنتيجة التي تُفضي إليها المفاوضات. لذلك يمكننا أن نتبيّن أهمية هذين التوجّهيْن إن نحن عرضنا إستراتيجية التي وضعها كل فريق لوضع جدول أعمال للقمّة الأولى التي انعقدت في جنيف في خريف عام 1985 فقد طالب الاتحاد بأن يكون البند الأول على جدول أعمال القمّة الأولى: حرب النجوم، باعتبار أنّ الاتفاق بين الجبارين حول هذا الموضوع يسهل الانتقال والاتفاق حول الموضوع الثاني وهو تخفيض الأسلحة الإستراتيجية النووية عند الجبارين وذلك باعتبار أنّ الاتفاق حول هذَيْن الموضوعَيْن يسهّل الانتقال إلى الموضوع الثالث وهو الصراعات الإقليمية في العالم.
الولايات المتحدة الأميركية عرضت العكس تماماً: كان يهمّها انسحاب روسيا من أفغانستان، كان يهمّها أنغولا، كان يهمّها نيكارغوا، فقالت جدول الأعمال الذي نريده هو أولاً الصراع الإقليمي باعتبار أنّ الاتفاق حول الصراعات الإقليمية يؤدّي إلى حلحلة الوضع وإمكانية اتفاق على الموضوع الثاني: تخفيض الأسلحة، باعتبار أنّ الاتفاق على هذَيْن الموضوعَيْن يسهّل الاتفاق على طريقة حلّ المشكلة. (حرب النجوم).
والواقع أنّ القمّة الأولى أخذت بالرأي السوفياتي وابتدأت المفاوضات بحرب النجوم. بالطبع، هكذا اجتماعات، على هامش القمّة يجلس الخبراء لدراستها أشهر، فيدرسون كل كلمة وكل فاصلة وكل شاردة وواردة. فانفرط عقد الاجتماع من الجلسة الأولى ولم تؤد القمّة الأولى إلى أية نتيجة. يكفي: تبيّن عند درس الخبراء لموضوع القمّة الأولى، أنّ هناك مجالاً للاتفاق على تخفيض الأسلحة النووية الإستراتيجية بحوالي 50% وكان هذا النور البصيص هو الدافع الرئيسي لــــ "غورباتشيف" لأن يُطالب بعقد قمّة ثانية باعتبار أنّ الموضوع الأهم للاتحاد السوفياتي هو عدم صرف المال والقدرة على العسكر وصرفها على تحسين الوضع الاجتماعي للمواطن السوفياتي.
فعُقدت القمّة الثانية في كييف، إسكندة في تشرين الثاني عام 1986 أي بعد سنة من القمّة الأولى، وكان جدول أعمال القمّة الثانية العكس ممّا حصل في القمّة الأولى وهو: ابتدأ الاجتماع بدراسة الصراعات الإقليمية. طبعاً، عندما وافقت أميركا على هذا الجدول للأعمال، أعلن البيت الأبيض بأنّ كل الصراعات الإقليمية مطروحة للبحث بين الجبارين باستثناء الصراع العربي الإسرائيلي. عندما عُرضت الصراعات الإقليمية في القمّة الثانية، تبيّن أنّ هناك مجالاً واسعاً للاتفاق، تبيّن مثلاً أنّ هناك إمكانية اتفاق على انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان. تبيّن أيضاً أنّ هناك إمكانية ورغبة في حصر حرب الخليج وعدم توسّعها. وعندما تمّ الانتقال إلى الموضوع التالي، تبيّن أنّ مجال الاتفاق حول تخفيض الأسلحة النووية الإستراتيجية واسع جداً لدرجة أنّ وزير خارجية أميركا جورج شولتز خرج من الاجتماع وقال كلمته المشهورة: كان الاتفاق مذهلاً. إذ إنه عندما تمّ الوصول إلى حرب النجوم اختلف الجباران على نقطة واحدة وهي أنّ حرب النجوم يستغرق إنجازه عشر سنوات، فيما إذا أجرت الولايات المتحدة الأميركية تجارب داخل المختبرات وخارج المختبرات أي في الفضاء. أما إذا حصرت تجاربها داخل المختبرات فسيستغرق حرب النجوم عشرين سنة بدلاً مِن عشر سنوات لذلك طالب غورباتشيف بحصر التجارب في الداخل وليس في الفضاء. رفضت الولايات المتحدة الأميركية وانفرط العقد وفشلت القمّة الثانية وخرج غورباتشيف من الاجتماع وهو يقول كلمته الشهيرة: لا يوافق على إجراء تجارب في الفضاء إلاّ المجانين. وقد استعمل هذا التعبير حرفياً: إلاّ المجانين. وانهارت القمّة الثانية، وانهارت كل الاتفاقات السابقة الخاصة بتخفيض الأسلحة النووية، والصراعات الإقليمية.
أيضاً ليس من المعقول أن يفترض المرء أنّ هذه الاتفاقات تُمسَك وتُرمى في سلّة المهملات. بالعكس. باتصالات خفيّة، بدأت تظهر أهمية الاتفاقات التي توصّل إليها الجباران في قمّة "كييف"، بالرُّغم مِن فشلها... في مجالَيْ تخفيض الأسلحة والصراعات الإقليمية.. وكان مطلع سنة 1987 هو المؤشر لهذا التغيير في سياسة الجبارين. ذلك أنّ الجبارين اتّفقا في سنة 1987 على إدارة الصراعات الإقليمية بهدف عدم توسّعها وكان من نتيجة هذا الاتفاق قرار وقف إطلاق النار 598 في تموز لإنهاء حرب الخليج تموز عام 1987... في آخر سنة 1987، في آخر سنة 1987، يعني في 8 كانون أول 1987، عقدت القمّة الثالثة في واشنطن وتمّ توقيع أول ثمرة جهود السعي للوفاق بتوقيع معاهدة إزالة الصواريخ النووية الإستراتيجية المتوسطة المدى وقريبة المدى.. هنا، تطوّر الوفاق في مطلع عام 1988 ونهاية عام 1987، تطوّر من إدارة الصراعات الإقليمية بهدف عدم توسّعها إلى إدارة الصراعات الإقليمية بهدف إقناع مَن لم يقتنع بعد بأنّ المفاوضة لا العنف هي السبيل الوحيد لحلّ الصراعات الإقليمية.. وكرّس هذا المبدأ رسمياً في القمّة الرابعة التي انعقدت في 29 أيار وأول حزيران 1988 في موسكو. ولا تزال هذه القاعدة تتحكّم بالعلاقات الدولية إلى وقتنا الحاضر، أضيف إليها جرعة قوية بالبيان الذي صدر عن شفارندزة وزير خارجية الاتحاد السوفياتي وبيكر وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية في 10 أيار الماضي، الخاص بلبنان..
إذن الموقف الدولي والوفاق الدولي قائم على إدارة الصراعات الإقليمية بهدف إقناع مَن لم يقتنع بأنّ المفاوضة لا العنف هي السبيل لحلّ الصراعات الإقليمية. لنطبّق ما قلته على الصراعات الموجودة في المنطقة وأبدأ بحرب الخليج لأنها أقصر وصغيرة حتى أنتقل إلى الصراع العربي الإسرائيلي وأنتقل بعد ذلك إلى القضية اللبنانية..
1) حرب الخليج: قمّة في تموز عام 1987، يعني عندما كان سائداً بين الجبارين الوفاق القائل بإدارة الصراعات الإقليمية بهدف حصرها... هنا أمر يجب أن أذكره وهو أنّ ميثاق الأمم المتحدة يتضمّن فصلَيْن لحلّ النزاعات الدولية: الفصل السادس الذي يطلب ويوصي بحلّ النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية يعني عن طريق المفاوضة، عن طريق التحكيم، عن طريق اللجوء إلى المحاكم الدولية، عن طريق اللجوء إلى منظّمات إقليمية أو الوساطة أو التوفيق، إلخ.. جميع القرارات الصادرة ضمن الفصل السادس هي توصيات ليست ملزمة للأطراف المعنيين، بكلام آخر، القرار الصادر ضمن الفصل السادس تنفيذه يتطلّب أولاً قبول الأفرقاء المختصين بهذا القرار، ضمن هذا الفصل، صدر القرار 242 الخاص بفلسطين، ضمن هذا الفصل صدر القرار 425 الخاص بالجنوب اللبناني. قرار 598 الخاص بحرب الخليج، صدر ضمن هذا الفصل أيضاً، إنما لأول مرة جاء فيه نص يقول: إنّ مجلس الأمن سيعود إلى الاجتماع ويأخذ عقوبة ضد الفريق الذي لا يقبل بوقف إطلاق النار. والعقوبة تداولت فيها الدول بين بعضها آنذاك هي حظر بيع أسلحة إلى الفريق الذي لا يوقف النار. القرار المتّخذ ضمن الفصل السابع هو مُلزم. عكس القرار المتّخذ ضمن الفصل السادس. إذن، القرار في حال عدم تطبيقه ضمن الفصل السادس، سيتمّ اللجوء إلى الفصل السابع.. ماذا حصل حتى استطاعوا أن يطبّقوا القرار؟..
لقد حصل أنّ الاتحاد السوفياتي فكّر ملياً ــــــ لا ننسى أنّ في تموز 1987 لم يتمّ بعد توقيع معاهدة تخفيض الأسلحة النووية في واشنطن.. وقعت المعاهدة في آخر عام 1987ــــ لقد قال الاتحاد السوفياتي إذا كنت أنا سأطبّق حظر أسلحة على إيران ـــــــ وقتها كانت إيران لا تريد وقف إطلاق النار ــــ يوقف الحرب ويبقى الحلف الأطلسي خصوصاً أميركا وأساطيلها في الخليج. والخليج بالنسبة للاتحاد السوفياتي، هو بمثابة "الجنينة وراء البيت"... فقال الاتحاد السوفياتي، أتّخذ موقف آخر وأضاف: نحن نريد أن نطبّق ونؤكد على تطبيق القرار 598. لكن كخطوة أولى لتطبيق هذا القرار يجب أن يؤسّس قوات طوارئ دولية. تماماً كما القرار 425 في الجنوب، أسّس قوات طوارئ دولية، تحلّ محلّ الجيوش الأطلسية والقوات الأطلسية الموجودة في الخليج، حتى تضمن حريّة الملاحة.. هذا كان موقف الاتحاد السوفياتي وهو ينسجم مع القرار 598...
كان ذلك في عام 1987. إذن، واضح أنّ الأفرقاء الجبارين غير قادرين على منع الحرب، لا أن تتوسّع أو غير قادرين حتى يوقفوها.. من الذي كان قادر في المنطقة، ويكون فاعلاً أكثر من الاثنين في هذا الموضوع بالذات: سوريا دولة عربية، لها صلة مع إيران. لذلك سنة 1987، سوريا كانت تلعب دوراً حتى أكبر من حجم سوريا الحقيقي ـــــ والآن نلاحظ كيف بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي أنها كانت تمسك بين يديها الخيط الأساسي... بالنسبة لحرب الخليج كذلك بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي، سوف أتحدث بعد ذلك عن هذا الموضوع...
في آخر عام 1987، وقعت معاهدة واشنطن والثمرة الأولى للوفاق وانتقل من عدم التوسّع إلى إقناع: لا عنف، المفاوضة هي الأساس... الطلائع ابتدأت في أول عام 1988ـــــ وكيف ابتدأ ذلك... سهل. كان يحاول العراق استرداد فاو منذ أكثر من سنتين. أليس كذلك؟ فجأة، وبأقل من 48 ساعة، تمكّن العراق من استعادة فاو. هذا يتطلب تكنولوجيا متطوّرة لدرجة حتى نرى أين النقطة (الضعيفة) لتحديدها حتى يقول له انتبه!! وليس هناك سوى الروسي أو الأميركاني الذي يستطيع أن يقوم بذلك. الروسي يمكن أن يقول للإيراني.. اعملها...
فإذن، هناك اتفاق عليها... بعد ذلك بمدة قصيرة، هناك قضية ثانية: شلبجة، سقطت شلبجة في يد الإيرانيين دون تقريباً أن تطلق طلقة واحدة.. أصبح إذن واضحاً في عام 1988، وأنا قلت ذلك في التلفزيون اللبناني في 28 أيار، يعني قبل قمّة موسكو بيوم واحد، أنّ حرب الخليج بسبب اتّفاق الدولتَيْن الكبيرتَيْن على المفاوضة هي السبيل لا الحرب، هذا الوفاق سيؤدّي حتماً إلى إيقاف حرب الخليج قبل نهاية هذا الصيف وفي الواقع بعد شهرين، توقّفت حرب الخليج.. هذا بالنسبة إلى حرب الخليج.
2) الصراع العربي الإسرائيلي: انتقل إلى الموضوع الثاني، الذي هو مشوّق أكثر وله علاقة بنا أكثر مِن الموضوع الأول وهو: الصراع العربي الإسرائيلي. الموقف العربي منذ سنة 1998 بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي هو اللاآت الثلاث لا مفاوضة، لا صلح، لا اعتراف. شذّ عن هذه القاعدة طبعاً مصر كامب ديفيد عام 1978. في عام 1982، اجتمع الملوك والرؤساء العرب في قمّة فاس. واتّخذ قرار لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بأنّ العرب يقبلون بالمفاوضة كوسيلة لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي. أي حتى عام 1982 لا مفاوضة، لا اعتراف، لا صلح. لأول مرة المفاوضة هي سبيل مقبول للدول العربية لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي.
بعد ذلك فوراً، بعد عام 1982، بعض الدول العربية خصوصاً المعتدلة، باشرت بالمفاوضات أو بخلق جوّ المفاوضات مع إسرائيل فوراً، كان كامب ديفيد قد انعقد في عام 1978. وكامب ديفيد يقوم على نقطة أساسية وجوهرية في المفاوضات وهي المفاوضات الثنائية.. يعني كما حصل مفاوضات بين مصر وإسرائيل، كذلك سيكون هناك مفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بين سوريا وإسرائيل، بين الأردن وإسرائيل، يقوم على المفاوضات الثنائية.. نتيجة هذا الامتداد والتوجّه دخل لبنان في مفاوضات مع إسرائيل في خلدة وكريات شمونه وكانت النتيجة اتفاق 17 أيار.. وبنفس الاتجاه، تمكّن السيد ياسر عرفات والملك حسين مِن التوصّل إلى اتفاق عُرف باتفاق عمان 11 شباط 1985 يدعو إلى المفاوضات مع أميركا كخطوة أولى مقدّمة للتفاوض مع إسرائيل..
فئة من الدول العربية كانت تمشي في هذا الاتجاه. كان هناك اتجاه مُعاكس وهو اتجاه بقيادة سوريا ومساعدة بعض الدول العربية الأخرى بدرجات متفاوتة مثل ليبيا، بعض المنظّمات الفلسطينية... سوريا قالت: صحيح أنا وافقت على المفاوضة كوسيلة لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي. إلاّ أنّ الصحيح أيضاً هو أنا الذي أُقرّر متى أُفاوض وكيف أُفاوض وأين أُفاوض. وأنا لا أُفاوض إلاّ إذا تمكّنت من التوصل إلى التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل. حينذاك، يمكنني أن أُفاوض إسرائيل مِن موقع قوة.
هنا، يجب أن نوضّح ونفهم ما المقصود / بالتوازن الاستراتيجي / لأنه أردنا أم أبَينا: طالما هكذا السياسة التي تؤثّر في السياسة الخارجية السورية، سياسة سوريا الخارجية تؤثّر في المنطقة فينا، يجب أن نعرفها ما هي. ما المقصود بالتوازن الاستراتيجي! أولاً شيء أريد أن أقوله: التوازن الاستراتيجي هو غير توازن القوى... توازن القوى هي سياسة أوجدتها بريطانيا. بعد حرب الثلاثين سنة في أوروبا، من عام 1618 إلى عام 1648، عقد مؤتمر وسفليا westphalid، لترتيب الأوضاع الأوروبية... هنا، هذا المؤتمر أخذ ست سنوات. ذلك أنه قبل هذا الوقت، لم يكن هناك دولة حديثة سيّدة، مستقلّة متساوية مع الدول الأخرى، كالدولة التي نعرفها اليوم.. ما كان معروف وقتها أنّ شخصاً يملك أرضاً ويملك الناس الذين يعيشون عليها، هو الملك. الدولة الحديثة ظهرت في القرن السابع عشر، كالدولة التي نعرفها اليوم. 1648 مؤتمر وسفليا... لنبتعد قليلاً عن الموضوع لأخبركم شيئاً طريفاً... هذا المؤتمر استغرق ست سنوات لأنّ هذه الدول، مثلاً، اختلفوا من الذي سيجلس على رأس الطاولة.. الطاولة كانت مستطيلة... وكان معتبراً من الناحية البروتوكولياً أنّ المقعد الأهم هو المقعد الذي على رأس الطاولة والذي أقرب إلى الباب. ذلك أنّ الآخرين ينتظرون وهو لا ينتظر... ملك فرنسا قال: أنا الملك الأهم فأنا الذي أجلس على رأس الطاولة. السويد كانت آنذاك دولة جبارة وقوية، فقال ملك السويد: أنا أجلس على رأس الطاولة. ملكة بريطانيا قالت: لا، أنا التي أجلس على رأس الطاولة... بقي المؤتمر مؤخّر شهرين بسبب عدم الاتفاق على من يجلس على رأس الطاولة.. بعد ذلك، أحدهم قال: هل مِن الضروري أن تكون الطاولة مستطيلة. لماذا لا تكون مستديرة. لأنّ الطاولة المستديرة متساوية الأطراف..... من هنا جاء التعبير الشائع الذي نسمعه اليوم: الطاولة المستديرة: أي المفاوضة بين المتساوين. فلنتابع قليلاً هذه القصة لنصل إلى مفاوضات خلدة وكريات شمونه ــــ مفاوضات 17 أيار... أنّ الطاولة في خلدة كانت مثلّثة الأضلاع.. في كريات شمونه كانت الطاولة مستديرة. لماذا كان ذلك؟ لأنّ لبنان كما أعلن المرحوم السفير أنطوان فقال، رئيس الوفد اللبناني، في الافتتاح ـــــ دخل إلى المفاوضات من موقع اتفاق الهدنة لعام 1949. والهدنة توقف إطلاق النار. لكن حالة الحرب تبقى قائمة في ظل المفاوضات... يعني: أنا أفاوضك من حالة حرب وبالتالي الخلاف بيني وبينك حاد، كحدّ الضلع في المثلّث للطاولة..
الإسرائيلي بالعكس في كريات شمونة.. أكلوا خيراً وملحاً.. أنا أحبكم، أنا صديقكم... فرفض إلاّ أن تكون الطاولة مستديرة على أساس أنه متساو وحميم... أنظروا كيف الأمور تتفسّر رأساً...
نعود إلى التوازن الاستراتيجي، بريطانيا في عام 1648، قرّرت شيئَيْن: الأول، المحافظة على الوضع القائم والوصول للمحافظة على الوضع القائم هو أن تبقى كل دولة بقوّتها الموجودة لديها... إذن توازن القوى يقوم على نقطتَيْن: الأولى هي القوة العسكرية بكل ما في الكلمة مِن معنى وما هو في حكم القوة القوة العسكرية والثانية: المحافظة على الوضع القائم statuquo ولا يزال هذا المبدأ لتوازن القوى يعمل به حتى اليوم....
التوازن الاستراتيجي كما طبّق وكما مورس هو العكس: أولاً المقصود بالتوازن الاستراتيجي أنه يؤكد على القوة العسكرية وما هو يحكم القوة العسكرية.. ولكن يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول:statuquo بتنمية تامة شاملة للموارد البشرية والطبيعية كي تصبح للدولة القدرة على إقامة توازن استراتيجي.. إذن، ليس فقط المسألة مسألة عسكر، وإنما هناك أيضاً تنمية الإنسان والموارد البشرية والطبيعية.. الهدف ليس المحافظة على الوضع القائم، وإنما الهدف هو تغيير الوضع القائم. بالعكس تماماً... لتغيير الوضع القائم...
طبّقت مِن قبل سوريا هذه السياسة بالتشديد على القوة العسكرية ودعم القوة العسكرية بتضامن عربي. باعتبار أنّ المفاوضة بالتضامن العربي أقوى، مما إذا كان العرب متفرّقين.. وإذا لم يكن ذلك ممكناً المفاوضة ضمن مؤتمر دولي. والفكرة أساساً سوفياتية، يؤمن فيه، في هذا المؤتمر، الاتحاد السوفياتي توازن الاستراتيجي المطلوب مع الولايات المتحدة الأميركية..
لِنر الآن كم كان لهذا الوضع من تأثير علينا نحن. أميركا أعلنت أنها مستعدّة أن تدخل في قمّة مع الاتحاد السوفياتي وتبحث كل الصراعات الإقليمية باستثناء الصراع العربي الإسرائيلي.. إذن، أميركا تهدف إلى إبعاد الاتحاد السوفياتي عن لعب دور في حلّ الصراع العربي الإسرائيلي عن طريق خلق قناة من المفاوضة بين الدول العربية المعتدلة ومِن جهة أخرى، الاتحاد السوفياتي يهجم كي يلعب دوراً في حرب الصراع العربي الإسرائيلي عن طريق سوريا...
والمأساة في ذلك هي أنّ حافظ الأسد وياسر عرفات كل واحد منهما مشي في طريق، ودفع اللبنانيون ثمن الخلاف بينهما في عام 1984و 1985 ــــ 1986 وليس يوجد من أحد دفع ثمن هذا الخلاف كاللبنانيين، بسبب الخلاف حول: كيف نفاوض مع إسرائيل: بين ياسر عرفات مِن جهة وحافظ الأسد مِن جهة ثانية.. بقي أنّ لبنان أصبح في فوهة المدفع: بين الجبارين، أميركا تريد إبعاد روسيا وروسيا تهجم حتى تدخل... وهذا ما يفسّر كل حدث خلال السنين الماضية حتى آخر عام 1986. وفي مطلع عام 1987جدّ شيء جديد.. رأساً لاحظنا ذلك.. فقد أعلن في البيت الأبيض في مطلع عام 1987، أنّ أميركا تقبل بالمؤتمر الدولي، ولو كفكرة. ثمّ تبع ذلك التصريح تصريح آخر مِن قِبَل وزير الخارجية في نفس المعنى.. ثمّ تبع ذلك زيارة كارتر، رئيس أميركا السابق، إلى سوريا ومقابلته للرئيس حافظ الأسد. وخرج من مقابلة حافظ الأسد وهو يؤكد ذلك أيضاً.. إذن أصبح واضحاً أنّ الوفاق الدولي الذي كان آنذاك يمشي في سبيل حصر الخلافات وعدم توسّعها، توصل إلى درجة أنّ أميركا تقبل ولو كفكرة، المؤتمر الدولي الذي يعني على الأقل شيئَيْن: الشيء الأول أنّ أميركا أصبحت منفتحة للتعامل مع بديل لكامب ديفيد، (الكامب ديفيد، ثنائي..) والشيء الثاني أنّ أميركا أصبحت منفتحة على إعطاء دور للاتحاد السوفياتي لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الدور هو عن طريق المؤتمر الدولي... بمعنى آخر، أنّ أميركا قد خطت خطوة كبيرة تجاه سوريا. لأنّ هذا هو الموقف السوري. أذكر أنه في نيسان عام 1987 قلت للرئيس المرحوم رشيد كرامي إنه يجب علينا أن "نُدَوزن" سياستنا الخارجية باتجاه هو أنّ أميركا ستفتح مع سوريا فتحة كبيرة... فقال لي: أذهب وأقنع أمين الجميّل... وبقيت خمسة أيام من أجل أن أقنعه.. وكما تذكرون، كان هناك مفاوضات بين لبنان وسوريا يقودها إيلي سالم، سيمون قسيس ونقولا نصر. والمفاوضات وصلت إلى عشرة جلسات ووقفت شهرين آذار ونيسان فقلت لفخامة الرئيس هي الطريقة حتى نستأنف المفاوضات (مع سوريا) وحاولت أن أقنعه بأن يطرّي المسألة قليلاً لأنّ أميركا سوف تفتح مع سوريا... طبعاً لم أستطع أن أقنعه سوى أنه أخذ الإستراتيجية التي قلتها له حتى يستأنف المفاوضات... وكما تذكرون، عقدت جلسة واحدة بعد ذلك ومِن ثمّ تدهور الوضع..
في الواقع، في صيف 1987، فتحت المحادثات بين أميركا وسوريا وتوّجت هذه المحادثات باتفاق غلاسبي أو مورفي ــــ الأسد في صيف 1988.. طبعاً هذه المحادثات كانت تضمّ أكثر من قضية لبنان، ولكن فيما يتعلق بلبنان، كان جزء منها الاتفاق على ترشيح الشيخ مخايل الضاهر لرئاسة الجمهورية...
أين نحن في كل هذه الأمور؟ أولاً، صدر بيان بعد لقاء شفاردندزه وبيكر الذي أتيت على ذكره سابقاً، وهو لا يتجاوز العشرين كلمة، فيه عدة أمور، شيئان واضحان: الشيء الأول أنّ الجبارين اتفقا على أعطائهما مساعيهما الحميمة لمساعدة اللبنانيين على الوصول إلى الحوار والمصالحة الوطنية نلاحظ أنّ الاثنين اتفقا على أهمية الحوار لحلّ القضية اللبنانية. النقطة الأولى، انسجاماً بالطبع أنه بالمفاوضة وليس بالعنف ما يؤدّي إلى الحل.. فإذا كان الحوار هو الأساس، رئيس الجمهورية لا يحقّ له أن يُحاور. لأنّ رئيس الجمهورية هو ملك اللبنانيين جميعاً. المحاورة تكون بين أفرقاء. لذلك الاتفاق كما ظهر في البيان يعني تكوين قوى وفاعليات دولية وإقليمية لتسهيل الطريق إلى اللبنانيين للوصول إلى الحوار، ثمّ المصالحة الوطنية...
معنى ذلك أنّ الوفاق الدولي، في هذه النقطة، ميدانه الأساسي هو المنظمات الدولية والمنظمات الإقليمية. وكان أول ثمرة: مؤتمر القمّة في الدار البيضاء الذي ساعد الاتحاد السوفياتي وأميركا كثيراً على إخراجه إلى حيّز الوجود.. الطريق الحوار ترجمته مؤتمر القمّة.. طريق الحوار.. الحوار هو حول وثيقة إصلاحية ثمّ إقرارها من البرلمان (التشديد على دور النواب) ثمّ انتخاب رئيس ثمّ حكومة لتنفيذ الوثيقة.. التراتبية موجودة وواضحة. لأنّ الحوار يفرض هذه التراتبية.
في هذه النقطة بالذات، ماذا حصل؟ أميركا أعلنت أنها تساعد العماد ميشال عون. ومساعدة أميركا للعماد عون محصورة ومحدودة بنقطة واحدة لإيصاله إلى طاولة الحوار، باعتبار أنه هو الموجود في شرقي الساحة والعامة.. هذه واحدة. النقطة الثانية: لا أستبعد أن ينضمّ الاتحاد السوفياتي إلى أميركا في نفس الاتجاه باعتبار أنهما اتفقا على الحوار...
أين الخطر في هذه الناحية؟ الخطر هو أنّ سوريا تريد الحوار بين اللبنانيين، لكن أيّ حوار بين اللبنانيين نتيجته معروفة: ميشال عون في الخارج ليس له دور في الوفاق والحوار. النواب يقيّمون وثيقة إصلاحية، ما هو دور عون؟
لذلك يهدف ميشال عون إلى شيء آخر وهو الفرض على السوريين أن يتفاوضوا معه هو. والسوريون يرفضون هذا. فنقطة الخطر إذن هو أن يفسّر ميشال عون الدعم في هذا الاتجاه (من قبل أميركا) له شخصياً: أنا المفاوض وليس غيري. فأنا أريد سوريا أن تفاوضني. وواضح ذلك في المدة الأخيرة من خلال التصريحات الأخيرة فهو ضد توجُّه اللجنة العربية العليا إلى دعوة النواب للقاء.. هناك فرق بين جلسة على الأراضي اللبنانية وبين لقاء في الخارج. اللقاء يحصل في أيّ مكان..
هذه النقطة، أعتقد أنه يجب أن ننظر إليها بشكل جيد.. نقطة الخطر فيها هي أن المدعوم حتى يحاور الفئة الثانية، يريد شيئاً آخر غير الحوار يريد أن يحاور سوريا مباشرة لكي يكون له حصة الأسد في هذا الحوار... والبيانات الخاصة بلبنان لها تعابير محدّدة عند الدول الكبرى: مثلاً مسألة الانسحاب، البيان الخاص بلبنان، أميركا تستعمل تعبيراً: انسحاب جميع الجيوش الأجنبية من لبنان. الاتحاد السوفياتي لديه تعبير آخر: تطبيق القرار 425 وانسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط وعدم تدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
ومن الملاحظ أنه في اتفاق شفاردندزه ـــــ بيكر لم يؤت على ذكر الانسحابات لا من قريب ولا من بعيد. ولا كلمة عن الانسحابات. هذا الشيء يحتاج إلى تفسير. لماذا؟ المسألة تخص لبنان. الواقع أن هناك خلافاً بين الدولتَين حول هذه النقطة بالذات. أميركا لا تقبل أن تضغط على إسرائيل أن تنسحب من لبنان، طالما الوضع في لبنان هو بالشكل الموجود عليه الآن. فاتفقت الدولتان على ما يلي: تقسيم حلّ الصراع العربي الإسرائيلي إلى مرحلتَين: المرحلة الأولى: التحضير للمؤتمر الدولي. وإن هذا التحضير لا يستبعد الاتصالات الثنائية أو أي صيغة أخرى للأطراف. وفي هذه المرحلة من الممكن أن تجزّأ إلى عدة مراحل... ومرحلة ثانية وهي المرحلة النهائية وهي انعقاد المؤتمر الدولي بالذات.
فكيف انعكس ذلك علينا نحن؟ انعكس علينا أن اتفاق أميركا وروسيا في البيان هو ترتيب البيت اللبناني. في المرحلة الأولى يعني: وثيقة دستورية، إقرار الوثيقة، انتخاب رئيس الجمهورية.... أما الانسحابات فستنتظر ويجب أن تنتظر حل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي...
من هنا، يمكننا أن نرى ما حدث في قمة الدار البيضاء. ماذا حدث في قمة الدار البيضاء؟ مصالحة وتضامن عربي، مع دعم مطلق من كل العرب للانتفاضة وللمقاومة في الجنوب وفي الجولان. يعني ذلك أن هذا تهيئة الجو للتفاوض من موقع قوة، للتفاوض بتوازن استراتيجي في الواقع. لكن شامير فهو يخطو خطوة الانتخابات التي هي مرفوضة فلسطينياً وعربياً، أي أنه يريد أن يجري انتخابات تؤدي في النهاية إلى بلدية: مستشفيات ومجارير لا أكثر من ذلك.. والعرب أخذوا الموقف الانتخابات مقبولة أذا كانت خطوة في برنامج أقرّ مسبقاً الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين. معنى ذلك أنّ المؤتمر الدولي سوف يطول عقده. لأنه يجب أن يجرب الوقت حتى يظهر إذا كانت خطة شامير سوف تنجح أم لا. وهذا يحتاج إلى الوقت... فالمؤتمر الدولي، في سنة وليس أقل من سنة هذا إذا لم يكن أكثر من سنة إذا كان سوف ينعقد..
بالنسبة للبنان، جزّئت القضية تماماً إلى جزأَين جزء ترتيب البيت الداخلي الذي هو آنيّ والذي يجب أن يعمل.. والجزء الثاني هو الانسحابات. فلا ننسى أنّ مسألة الانسحابات: من سترسل إلى الجنوب: ليس هناك من دولة، لا يوجد سلطة...
لذلك اللجنة العربية العليا من الضروري أن تطالب بتنفيذ القرار 425 وانسحاب إسرائيل. ومن الوطنية أن نطالب بذلك. ولكن يجب أن لا تقيم شرطاً إذا لم ينفّذ القرار 425، أكون فشلت. أبداً. فإذا لم ينفّذ القرار 425 على اللجنة العربية / واجب ترتيب البيت اللبناني الداخلي / ـــــ وهو الجزء الأول من الاتفاق/ لأنّ الجزء الثاني سوف ينتظر.
أعتقد أنه هذه الصورة التي حاولت أن أقدّمها إليكم يمكن أن تجيب عن الأسئلة في أذهانكم. وقبل أن أختم، أريد أن أقول كلمة هي أنّ الوفاق الدولي رجع إلى مبدأ أساسي قامت عليه الأمم المتحدة التي كانت نتيجة التفاهم بين دول الحلفاء، والتفاهم هذا أنّ الأمن والسلم الضرورَيْن لا يقومان على العسكر فقط، إنما يقوم على تعاون دولي في مجال القضاء على الأمراض، منظّمة الصحة العالمية. على التعليم، منظّمة الأونسكو. على رعاية الأطفال، اليونيسيف على القضاء على الجوع، التأكيد على حرية الإنسان منظّمة حقوق الإنسان.. وأنه من ضمن هذا التوجّه، كل دول قريبة لبعضها إثنياً أم لغوياً أم تاريخياً، لازم أن تدخل في منظّمات تكون مكمّلة للمنظّمة الكبيرة وبالتالي الجامعة العربية أوروبا الغربية، سوق الأوروبية المشتركة، إلخ...
نلاحظ أنّ الوفاق الدولي قد أدّى: مجلس تعاون الخليج، كان موجوداً قبل ذلك، أدّى إلى ماذا؟ مجلس تعاون العربي. اتحاد دول المغرب. يجب أن لا نخاف أبداً، الاتجاه التاريخي يسير، أن نقيم علاقات مع سوريا.. لأنه لم يبق لنا أن نقيم علاقات إلاّ مع سوريا. والتاريخ نفسه يسير في هذا الاتجاه. والعالم يسير في هذا السبيل أيضاً. والاتفاقات لا تعني أبداً إنقاصاً من السيادة. أوروبا الغربية تفكر أن تصبح دولة واحدة بعد سنوات معدودة.. فنحن ليس لنا سوى هذه الحدود 260 كلم..57 كلم مع إسرائيل و203 كلم مع سوريا... فليس من حل إلاّ بخلق جوّ من الثقة والتفاهم بين السوريين وبين الفئات التي تريد سوريا..(تصفيق)
وما أحب أن أؤكد عليه هو أنّ اتجاه العالم يسير نحو التقارب وليس نحو التباعد. نحن على عتبة علاقات دولية جديدة في تاريخ البشر، فيجب أن نرتّب أوضاعنا حتى نستطيع أن نسير. لم يحصل أبداً في السابق، في العلاقات الدولية، ما حصل في السنتَيْن الأخيرتَيْن، وهذا ما سيزيد في هذا الطريق... وهو أنّ العنف ليس الوسيلة لحلّ الصراعات بل السّلم، المفاوضة والحوار.
المناقشــة العامــة
الأسئلــــــة
مصطفى عنتر: بالنسبة للوفاق الدولي هل للاتحاد السوفياتي في نظرته لإيقاف حرب النجوم هو مِن ضمن التوازن الاستراتيجي وليس مِن ضمن توازن القوى، كما تفضّلتم فأرجو توضيح هذه النقطة، لأنه مِن ضمن توازن استراتيجي وليس ضعفاً لتركه لتوازن القوى...
د. فايز فياض: الحقيقة أكثر الزعماء اللبنانيين يطرحوا مشروع كسنجر ويعتبرونه قد أدّى إلى الحالة التي وصلت إليها لبنان، نطرح مثال رأي العميد ريمون إدة ورئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية وغيرهما، فحضرتك لم تعلّق في أي شيء على هذا المشروع، فهل هناك حقيقة مشروع لتفتيت البلد لم ليس هناك أي مشروع بهذا الخصوص؟
رولا أنصاري: هل يوجد في العالم جبار ثالث في العام 1998، وهو مجموعة الدول الأوروبية التي سنقيم فيما بينها جواز سفر واحد.. هل الدول العربية تقدر وتريد أن تواجه هذا الجبار الثالث... الدول الأوروبية.. بمعنى هل ستصبح أوروبا جباراً ثالثاً في العالم إلى جانب أميركا وروسيا؟
د. جمال حنينه: هل ممكن أن نعرف الدور الذي لعبته سوريا في حرب الخليج في صيف 1987؟...
الإجابــــــة
د. ديـب: بالنسبة إلى حرب النجوم، السؤال هو: حرب النجوم وموقف السوفياتي منه، هل هو توازن قوى أو توازن استراتيجي، لا شك أنّ الاتحاد السوفياتي أراد أن يقنع الأميركيين بالإقلاع عن حرب النجوم لكي يتسنّى له هو أن ينمي بلده ويصرف جهده. بدل أن يضع ذلك في الجهد العسكري يصرفه، كما قلنا، تحسين وضع المواطن السوفياتي المادي والاجتماعي والمعنوي والنفسي. لأنه مع الغلاسنوست (الانفتاح) تعني الحرية... أليس كذلك مع إعادة البناء ـــــ البروسترويكا.. الغلاسنوست الانفتاح.. فهي في الواقع مِن باب إستراتيجية التقوية... وهذا ما قلته إنّ مِن أهم حدث هو وصول غورباتشيف إلى الحُكم.. فهو يغيّر المعادلات والعلاقات الدولية رأساً على عقب. نحن اليوم داخلون في عالم جديد للعلاقات الدولية في الواقع.
مشروع كسنجر، لا شك في أنّ في عهد كسنجر كان هناك سياسة قائمة وواضحة جداً وهي أنه تكنولوجياً العالم يتطوّر بسرعة، لكن هذا التطوّر السريع، خصوصاً في الزمان والمكان، اليوم بالطائرة "سوبر سونيك" تقدر أن تترك باريس الساعة السادسة صباحاً الأربعاء ــــ فرق 6 ساعات مع نيويورك، تحتاج الطائرة إلى 3 ساعات فتصل الأربعاء الساعة الثالثة صباحاً.. فتعود وتنام... وتفطر من جديد.. لذلك الطيار لا يسمحون لهم بالطيران أكثر من 12 ساعة.. لأنّ نفسية الإنسان وعقله يضيع، حتى يتعوّد على الشيء الجديد.. نذهب إلى مكان باعتباره نهاراً، فيكون ليلاً.. وهذا شيء غير معقول..
هذا التطوّر السريع لم يرافقه تطوّر في صقل النفس البشرية لأنّ صقل النفس البشرية تحتاج إلى زمن، وقت، وليس بهذه السرعة. لذلك اخترعنا قنبلة ذرية، ولكن لم نصقل أنفسنا حتى لا نستعمل هذه القنبلة أصبح هناك ارتباك عند كل البشر نحو إيجاد الضمانة في الدين. لأنّ الدين يعطيك هذه الضمانة النفسية التي تحتاج إليها.. التي لا يعطيك إياها العالم في الخارج، الذي كل يوم يعطيك شيئاً جديداً. لا تستطيع أن تسرع سلمك أسلحة فتاكة، ولكن ليس عندك تمسّك بالدين والأخلاق حتى لا تستعمل هذه الأسلحة.
إذن، ما حصل أنّ أميركا استفادت من هذه الهوّة ودعت إلى إقامة تجمّعات بشرية أساسها الدين وأميركا هي التي زرعت إسرائيل... لأنه اليوم إذا نحن لم نعمل على بناء لبنان موحداً بين الإسلام والمسيحية لأنّ الإسلام والمسيحية هدفهما واحد هو قيمة الإنسان بذاته، بصرف النظر عن لونه، عن دينه وعن لغته، فالإنسان له قيمة بذاته.. فإذا كنّا نحن لم نقم، لم نعمل وطبّقنا ومارسنا حقوق الإنسان في لبنان ـــــ وهذا هو مبرّر وجودنا في الحقيقة ـــــ وأقمنا دويلات طائفية، وعملنا صيغة في لبنان غير موحّدة فأنا أريد أن أسأل سؤالاً: كم من الوقت سوف يستغرق لإعلان دولة علوية في سوريا، كم من الوقت يستغرق لإعلان دولة شيعيّة في العراق، كم من الوقت يستغرق لإعلان دولة درزيّة، لإعلان دولة كرديّة، إلخ... وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل، لأنه خلق دويلات طائفية هي (إسرائيل) بينهم الأقوى. إذن هي القائدة وهذا ما كان يريده كسنجر، وهذا هو ردّي عليه..
أميركا... كثير مهمّ لبنان الموحّد. إنّ ذلك أمانة في عنقنا لأنه لم يكن هناك لبنان الموحّد، والعيش المشترك بين الإسلام والمسيحية، أنا لا أعتقد أنّ سيأخذ ذلك وقتاً طويلاً لإعلان دويلات أخرى، خاصة وأنّ هناك أقليّات موجودة حولنا...
د. فايز فياض: أريد أن أستتبع الجواب على السؤال وأقول: أصبح هناك ظاهرة أو محاولة من أجل ترتيب البيت اللبناني. بينما في الواقع وما يحصل على الأرض هو "فركشة"، البيت اللبناني وتهديمه بالكامل. يعني أنّ العرض الذي عرضته يدل على أنّ هناك محاولة من أجل المفاوضات التي هي السبيل لحلّ المشاكل وليس العنف هذا هو ظاهر، وإنّما في باطن الأمور هو العكس تماماً ما يجري على الأرض. فكيف تفسّر الوفاق بشكله الظاهري مع الأشياء التي تحصل على الأرض في الواقع..
د. ديــب: التأثير كان، كما قلت، أولاً نحن لا نزال في البداية. هذا الاتفاق الذي حصل هو في 10 أيار الماضي أي منذ شهرين فقط، ومن نتائجه كان عقد القمّة في الدار البيضاء. والبرنامج الذي تبنّته القمّة بالنسبة إلى لبنان.. هناك فئات متضرّرة في لبنان.. أشرت إلى نقطة وهي أنه يمكن ـــــ ربما أنا على خطأ ـــــ أن يكون هدف العماد عون أكثر من أيّ شيء آخر هو أن يلزم السوريين لمفاوضته، ليس هناك غيري المفاوض في لبنان، فهذا الوقت يحمل في طيّاته خطر "لفركشة" ما يجري في الواقع. خصوصاً أنّ عنده سبب آخر وهو يفسّره على هذا الشكل، وهو أنّه يلقى داعماً أميركياً، ويمكن أن يأتي فيما بعد دعماً سوفياتياً له، ولكن ليس لهذا الهدف. لذلك الحوار يخرج منه العماد عون لأن اللجنة العربية العليا حصرت الحوار وجعلته أساساً في يد مجلس النواب اللبناني.. فلأنه ليس له دور في الحوار، ويأتيه هذا الدعم، هناك خطر في أن يفسّر هذه الأمور أنه قوي ـــــ وهو يقول أنه قوي: أريد سوريا أن تأتي إليّ كي تفاوض، هنا يكمن الخطر.. خطر فركشة للموضوع كلّه. إنني أقول ذلك بكل موضوعيّة فليس لديّ شعور ضدّ أحد أبداً. أنا أقول ذلك كما أقرأ الأحداث.
محمد علي الشماع: قال حضرة المحاضر أنه ضدّ الدويلات فهل هو مع الولايات؟
د.ديب: أنا مع الولايات العربية المتحدة (تصفيق) ذلك أنه من نتائج الوفاق الذي حصل، هو عودة روسيا إلى المسيحية من أجل جعل أوروبا دولة كفريق ثالث، يعني دولة جبارة كفريق ثالث. ومن هذا الوفاق أهمية مصر. لأنّ مصر هي التي فاوضت في العالم العربي ومن هذا الوفاق، أهمية الصين ومن بعدها اليابان.
فنحن سنشهد في العالم الجديد، ليس جبارين، وإنما سنشهد جبارة... في الحقيقة ما أريد أن أوصله إليكم هو أننا دخلنا في عالم جديد جداً. لازم أن نهيّأ له لهذا العالم الجديد.. فإذا لم نتهيّأ فسوف يدعسنا ويمشي..
أنا قلت لمن يهمّه الأمر والذي أنا مستشاره أنه لازم نقنع الملك الحسن والملك فهد والرئيس الشاذلي أن يقنعوا الأميركان أنّ الخط الذي يدعمونه في لبنان سوف يوقف العملية، وليس يدعم الحوار... يعني، إذا دعمتم ميشال عون، فعملية الحوار سوف تقف وتتعطّل أو إفهامه أنّ الدعم إلى حدود معيّنة. لا: أنا أريد كل شيء وأريد سوريا أن تفاوضني. لبنان سوف يدفع الثمن... يهمّني في الدرجة الأولى بعد كل ما نراه بعد 15 سنة أن نعيش بأمان وكرامتنا محفوظة...
سؤال: هل هناك دولة فلسطينية في المستقبل، في قِسم من فلسطين وكيف تتصوّر مصير الفلسطينيين في لبنان؟
د.ديب: للحقيقة، أنا لم أتحدّث كثيراً عن هذا الموضوع لأنه دهمني الوقت وأردت أن أصل إلى قضيّتنا: أولاً نحن مرتبطين بالمؤتمر الدولي إن قلنا نعم وإن قلنا لا، لا لسبب إلاّ لوجود أكثر