محاولة لتأريخ حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال التجرية الشخصيّة- الرائد يوسف الأمير علي (2)
مقابلات /
سياسية /
1989-08-30
المـقـابـلـة الثانية مـع
الرائد يوسف الأمير علي
الزمان والمكان : 30 آب 1989 ـ دمشق
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
الموضوع : محاولة لتأريخ حزب البعث العربي الاشتراكي
من خلال التجرية الشخصيّة
* * *
سؤال : ... لنتابع في مقابلتنا هذه ما كنا قد وصلنا إليه في المقابلة السابقة ومتابعة تحليل شخصيات بعض القيادات التي لعبت دوراً على مسرح السياسة والجيش في سورية ... وآخر شخصية وصلنا إليها هي شخصية العقيد عدنان المالكي ...
الجواب : عدنان المالكي : في ما يتعلق بالمرحوم الشهيد العقيد عدنان المالكي ، أرى بأنه على قدر عالٍ من الحماس ومن قوة الشخصية ومن الشجاعة التي هي في تلك الظروف استثنائية . وكان على قدر عالٍ أيضاً من الثقافة العسكرية . لكن صلته بالثقافة المدنية ، إذا جاز التعبير ، كانت متوسطة . ثم إنه كان يملك عنفواناً واضحاً . ولقد تعاونا بصدق في مرحلة النضال ضد الديكتاتورية العسكرية لأديب الشيشكلي من أجل إقامة وضع دستوري . وقد تزعم لفترة الكتلة العسكرية التي تتعاطف مع حزب البعث العربي الاشتراكي وتعمل ضمن نطاق رؤيته الاستراتيجية البعيدة . وبعد إسقاط أديب الشيشكلي وعودة الضباط المسرحين، وأنا منهم، وذلك بقانون صادر من البرلمان، استمر تعاطفنا مع تيار البعث العربي الاشتراكي . لكن المرحوم العقيد المالكي كان قد حظي بشعبية واسعة في الجيش وفي المجتمع . في الجيش، تحلق من حوله مجموعة تريد أن تفصله نهائياً ، إذا استطاعت، عن التيار البعثي الاشتراكي . وكان ثمة ، بعد عودتنا إلى الجيش في نهاية عام 1954 وفي مطلع عام 1955، شيء من الفتور بيننا وبينه . وسبب ذلك ، على ما يعتقد البعض ولست أجزم به، أنّ المالكي أخذ على الحزب عدم دعمه لأخيه رياض المالكي في الانتخابات النيابية لعام 1954. وأضيف إلى هذا التحريض والإيقاع الذي كان يعمل له من كانوا قد تجمعوا من حول المالكي لإبعاده عنا . وفي طليعة هؤلاء المحرضين من الضباط الذين كانوا يعملون مع أديب الشيشكلي، ثم ألحقوا أنفسهم في مجموعة الضباط ، التي تتعاطف مع عدنان المالكي...
سؤال : حول هذا الموضوع ، قيلَ لي إنّ العقيد المالكي كان يقوم بحملة ضد انتشار وتوسّع العمل الحزبي السياسي داخل الجيش . فهو لم يقصد أبداً البعثيين بذاتهم، وإنما كلّ من كان يقوم بعمل سياسي حزبي في القوات المسلحة وتأتي في مقدمهم آنذاك الحزب السوري القومي ، حيث فيما يبدو كان أعضاؤه نشيطين جداً . وقيلَ لي تحديداً بأن جورج عبد المسيح كان يأتي إلى بعض الثكنات ويجتمع بالعسكريين الحزبيين القوميين ويلقي فيهم المحاضرات والخطابات ، إلخ ... فما هو رأيك في ذلك ؟...
الجواب : ... ربما كان العقيد المالكي يحمل مثل هذه الآراء حول مسألة الحزبية الدقيقة . ولكن الوضع القائم في الجيش في ذلك الوقت يمكن أن نقول عنه إنه وضع مُسيّس على العموم . الكثيرون يعملون في السياسة ولو أنهم لا ينتمون إلى حزب أو جهة سياسية بشكل منظم ورسمي . الاهتمامات السياسيّة كانت طاغية على الجميع . وهذه مسألة نسبية : البعض يعتبر كلّ من يتعاطف مع اتجاه سياسي بمثابة العضوية والبعض يرى أن الوضع السياسي العام في سورية يقتضي اهتماماً من الضباط بالعمل السياسي . لذلك عندما يقال بأن الهدف هو التوجه ضد العاملين بشكل منظم مع الأحزاب فليست بمتناول اليد تلك الإمكانية للتمييز في ذلك الوقت ما بين المنتسبين أو غير المنتسبين ، فالجميع تقريباً يعملون في السياسة أو لهم اهتمامات سياسية . ونحن ، كبعثيين ، كنا أشرنا من قبل إلى أننا لسنا منظمين تنظيماً دقيقاً ، تراتبياً ، وفق أنظمة الانتساب الحزبي المعروف عند الأحزاب ، إنما كنا نشكل تياراً متعاطفاً ، ولكنه متضامن ومترابط تجاه القضية العربية . لكن يستطيع البعض ، إذا كانوا يريدون بنا شراً ، أن يرمونا بأننا بعثيون ، وبالتالي فيعملون على إصابتنا بضرر .
على أي حال ، مهما كانت الأسباب الدافعة لعدنان المالكي ، فقد وقع شيء من فتور بيننا وبينه في أواخر عام 1954 ومطلع عام 1955. أما قضية مصرع المرحوم المالكي ، ففي تقديري ، ولست أستطيع الجزم بذلك بشكل قاطع ، أن التيار الإنكليزي في الحزب القومي السوري هو المسؤول عن هذا العمل . لأن الحزب القومي السوري كان يومئذ يتصارع فيه تياران : الإنكليزي والأميركي ، وذلك إذا عدنا إلى منظورنا العام ، فإن الصراع في المنطقة كان يدور ضمن النشاط الغربي ككل ، وكان محتدماً يومئذ من أجل احتفاظ إنكلترا بمواقعها ، بينما تعمل الولايات المتحدة الأميركية على إخراجها والإحلال محلها . ولربما قدّر الإنكليز أنّ المالكي إنما يعمل بناء علاقات وثيقة مع مصر . لقد ابتدأ فعلاً في هذا الاتجاه . وبالتالي فإن المحور الهاشمي هو في طليعة المتضررين من هذا الاتجاه . ولذلك عملوا على القضاء عليه . وقد يكون لديهم افتراضات أبعد مدى مما أقول . فقد افترض التيار الإنكليزي ، وربما إنكلترا من خلفه ، أن الغلبة سوف تكون لصالح المالكي وللمحور الذي سوف يبنى بين سورية ومصر ، وبالتالي ربما سوف يكون نهاية النفوذ الإنكليزي في المنطقة ، وسيادة نوع من الرؤية السياسية في شرق بحر الأبيض المتوسط متعاطفة مع التوجّهات الأميركية . هذا هو في تقديري السبب العميق الذي قاد إلى مصرع العقيد عدنان المالكي ... على أي حال، أشير إلى أننا شعرنا فعلاً بخسارة كبيرة ، عندما أقول إنه بدأ ينعطف قليلاً عنا . لكن هذا الانعطاف، لم يكن نهائياً ، وربما سحابة صيف قد تنجلي ونعود إلى سابق عهدنا ...
سؤال : ... أريد فقط إيضاحاً بسيطاً حول نقطة أساسية : في المرة الماضية ، قلت لي بأن محاولة انقلاب كانت تدبَّر ضد أديب الشيشكلي في عام 1952 وفشلت هذه المحاولة . واليوم صديقنا عدنان حمدون ألمح بأنه هو الذي أفشل هذه المحاولة، ماذا يقصد أو كيف كان ذلك ؟..
الجواب : ... لا ، ليس هو ، ربما تكون قد فهمت الموضوع بشكل غير دقيق ... الحقيقة المحاولة كان يشارك فيها عدد لا بأس به . ولم تكن منظمة بالقدر الكافي ، وفيها شيء من الارتجال . وربما تسربت معلومات كثيرة . مثلاً جرى الإيقاع بي وأخذت رؤوس نقاط ... بالإضافة إلى ضباط آخرين، تسربت معلومات منهم ، ويقال بأن الشيشكلي قرر القبض علينا بأيام قليلة بعد عودته من مصر، ويقال بأن المخابرات المصرية قد زودته بمعلومات أيضاً ساعدته على الإيقاع بنا . على أي حال، فشل الانقلاب لم يقض على قوانا العسكرية ، بقي المعتقلون قلة وبقيت قوتنا العسكرية قائمة في الجيش، رغم وجودنا في المعتقل . ولما كان الشيشكلي لا يعرف تماماً عناصرنا وضباطنا الفاعلين ، تردد كثيراً في طريقة التصرف معنا. فبحسب الوضع السياسي الذي يحيط به، كان يراوح ما بين أن يوقِّع الإعدام بنا وما بين أن يعتبرنا كرهائن للمساومة السياسية مع القيادة السياسية التي كانت ملاحقة في الخارج . فترك الأمور معلقة ومشى بنوع من التحقيق وأحالنا إلى المحاكم . ثم بعد أن ثبَّت الأوضاع لنفسه عن طريق صيغ شكلية بواسطة حزب مرتجل أنشأه، وهو حزب حركة التحرير ، وبواسطة صيغ دستورية رشح نفسه للانتخاب الرئاسية وأصبح رئيساً للجمهورية . وأراد أن يخفف الأجواء من حوله ويرطبها ، عمد إلى إصدار عفو عام ، كنا من المستفيدين منه ...
سؤال : ... يشير عبد البر عيون السود في ملاحظاته حول كتابي بأن الشيشكلي ، قبل أن يغادر البلاد ، كان يميل إلى تقديم السلطة إلى البعثيين وذلك ، بحسب ما يقول عبد البر ، عند قراءته أحد البيانات الصادرة عن حزب البعث ، مما جعل الشيشكلي يقول بأن الوطنيين الحقيقيين هم البعثيون، فإلى أي مدى هذا الرأي صحيح ؟... ولماذا لم يتمِّم هذه الخطوة ؟... هل لديكم معلومات حول الموضوع ؟...
الجواب : ... الذي أعرفه أن الشيشكلي بعد أن قامت عليه الحركة العسكرية في حلب وفي سائر المناطق السورية ، باستثناء منطقة دمشق ، كان لا يعرف بالتحديد كيف يتصرف . بعض المقربين منه ، كانوا يشيرون عليه بالتصدي والمقاومة المسلحة لحركة العصيان العسكري المنتشرة . ولكنه كان يدرك جيداً أن قواه لا تسمح له بذلك ، وأنّ هؤلاء الذين يشيرون عليه هذا الرأي ، إنما يصدرون من موقف شخصي من جهة وموقف انفعاليّ من جهة ثانية . أما موازين القوى داخل الجيش ، فلم تكن لتسمح له بمثل هذا العمل . لكنه كان في تقديري أشبه بالضائع لا يدري لمدة يومين أو ثلاثة كيف يتصرف . وفي ظني أنه لو قرر أن يسلم السلطة إلى البعث العربي الاشتراكي ، الظروف الموضوعية في ذلك الوقت لم تكن تمكنه من عملية النقل والتسليم بطريقة سليمة . لذلك آثر أن ينسحب تاركاً الأمور أن تجري بشكل الذي تجري فيه بعد انسحابه وبعد مغادرته البلاد. هذا رأيي، ولا أظن أنه كان يملك تصميماً على موقف سياسي نهائي ، فآثر الانسحاب وحماية نفسه ...
سؤال : ... في تلك الفترة ، ماذا كانت ـ إذا استعرضنا معاً ، موازين القوى الإقليمية والدولية ؟... ألم يتلقى الشيشكلي دعماً في اللحظات الأخيرة أميركياً عربياً سعودياً ، لمواجهة حركة الانقلاب التي لا شك في أنها كانت تصبّ موضوعياً لصالح العراق الهاشمي والبريطاني في نهاية التحليل ، وهم لعبوا دوراً فاعلاً لإسقاطه مادياً وسياسياً ...
الجواب : ... في رأيي، إن القوى العسكرية الرئيسية التي كانت في الجيش في مواجهة تيار البعث العسكري ، كانت هي القوى المتعاطفة مع إنكلترا والاستعمار القديم ، ولم يكن بعد للولايات المتحدة الأميركية قوى متبلورة تستطيع أن تستخدمها لحسم الصراع والنزاع فيما بينهما . ولمّا كانت القوتان الرئيسيتان : قوى البعث الوطنية والقوى المتعاطفة مع الهاشميين وإنكلترا، قد اتفقتا موضوعياً على نقطة تقاطع وهي إسقاط نظام الشيشكلي ، فما كان يومئذ بمقدور الأميركان أن يبدلوا من هذا الواقع . فيتركون الأمور للزمن ، ريثما يستميلون أو تستدرجون بعض قواعد الاستعمار القديم العسكرية الإنكليزية ـ الفرنسية ، عندئذ يكون لهم دور . فلم يكونوا متعجلين .
سؤال : ... شكراً لهذه الإيضاحات المهمة ، ننتقل الآن إلى النقطة التي انتهينا منها في الجلسة السابقة . وصلنا لعام 1957، وتحدثنا عن عصيان قطنا والصورة وضحت . وتحدثنا قليلاً عن ظروف قيام الوحدة ، هل هناك إضافات حول حيثيات إتمام الوحدة في ذلك الحين ؟... حول الوفد العسكري ؟... حول ما يكتبه محمد حسنين هيكل حول هذا الموضوع ؟... لا شك في أنكم قرأتم ما يكتبه هيكل حول الجيش وأن الجيش وصل إلى درجة كبيرة من التفسخ وأن فيه 22 كتلة عسكرية متناحرة متصارعة متضاربة . وعندما وصلوا إلى القاهرة ، أشهروا مسدساتهم : إما أن ينتحروا وإما أن يقبل عبد الناصر بالوحدة ... هذه هي الصورة الكاريكاتورية والمسرحية التي رسمها هيكل ، فأنتم كضباط في الجيش السوري وعايشتم عن قرب ، بشكل أو بآخر ، هذه الأحداث ، فيمكنكم أن تعطونا صورة تحليلية ومعلوماتية ، إذا أمكن ، حول هذا الحدث التاريخي المهم ...
الجواب : ... يا سيّدي ، إنّ ما كتبه هيكل حول قضية الوحدة عند قيامها، إنما كتبه بعد فترة من الزمن تحت وهج النزاع السياسي الذي نشأ بين مصر الناصرية وبين الإقليم الشمالي ، عندما انفصل عن ج. م. ع. ولذلك كان التوجه الرئيسي لهيكل هو التشهير والاستهانة بالتضحيات التي قدمتها سورية باتجاهاتها المختلفة من أجل قضية الوحدة، والتركيز بتشهيره على اتجاه البعث العربي الاشتراكي، وإظهار أن عملية الوحدة هي عملية هروب من قِبَل السوريين باتجاه مصر لتلقي الحماية. وهذا التصوير ، أعتبره جارحاً وتزويراً محضاً . لأنّ هذا الشيء لم يكن قائماً . فقلت من قبل بأن القوة الرئيسية العسكرية في الجيش كانت بعد عصيان قطنا هي البعث العربي الاشتراكي بلا جدال . كان عصيان قطنا دليلاً ملموساً مادياً لعرض هذه القوة . أما المجلس العسكري الذي ساهم مع تيار البعث ، فكانوا متعاطفين بشكل عام مع خط البعث ولم يكونوا يشكلون كتلاً متراصة متجانسة تستطيع أن تتحالف ضد حركة البعث العربي الاشتراكي . وكانوا أيضاً ، على العموم، يدخلون في سياق التيار العام للبعث ، ولو أنهم يملكون حساسيات شخصية مع التيار العسكري الملتزم أكثر بحزب البعث . فهم موضوعياً لا يستطيعون أن يكونوا ضد التوجه نحو الوحدة . عندما طرح حزب البعث بجناحيه المدني والعسكري مسألة وقضية الوحدة ، فهؤلاء لم يكن لهم أي مبرر من أجل الوقوف في جهة أخرى ، وهم يعرفون أنهم غير قادرين ، عند ساعة الحسم ، على المجابهة المسلحة ضد الاتجاه البعثي ، ومن مصلحتهم أن يسايروا هذا التيار لكي ينسجموا مع ما يقولون ومع ما يسعون إليه . وبالتالي ، فإن قضية الوحدة قد أولتهم أيضاً فيما أولت سمعة وطنية ، لأن المشاركة والإسهام في هذا الموضوع القومي هو مفخرة لأي إنسان في الوطن.
أما الزعم بأن ثمة شللاً بلا حدود ، هذا نوع من التشهير بالدرجة الأولى وليس له صحة . والقول إن الجيش كان في حالة من التسيُّب أو كان يتمادى على المجتمع ويتجاوز على الناس ، فهذا غير صحيح . كان الجيش يُلزم ضباطه، رغم اهتماماته السياسية ، بمسلكية فردية انضباطية صارمة. فلم يكن يتسامح مع أي ضابط يمكن أن تبدر منه إشارة تجاوز خارج نطاق القطاعات أو خارج نطاق الساحة العسكرية . كانت هذه مسألة مبتوتة . ولا يُعرف أن ثمة ضباطاً قد تجاوزوا حدودهم ، أو أن هيكل إذا كان يستطيع أن يورد حادثة يشتم منها تجاوز ضابط من الضباط الساحة المدنية ، كما يزعم. هذا شيء لم يكن له وجود إطلاقاً قبل الوحدة .
أما مسألة الهروب واللجوء إلى مصر ، لأن سورية كانت معرضة لخطر الشيوعية، فأظن أن هناك قوى كثيرة كان لها مصلحة بإنجاز الوحدة ، قوى وطنية ... وقوى أخرى غير وطنية خارجية، ولكنها تلاقت حول هذا الهدف . والكل كان يعمل بطريقة خاصة من أجل خلق الأجواء المساعدة والمضي بقضية الوحدة إلى غايتها . فالزعم بأن سورية كانت مهددة بخطر الشيوعية ، إنما هو زعم كاذب تماماً . لم يكن الشيوعيون يملكون موضوعياً كتلة عسكرية متجانسة ، بل إن الضباط الشيوعيين لا يستطيعون ولا يجرأون على أن يعلنوا عن أنفسهم كذلك . فليسوا قادرين إطلاقاً على القيام بأي عمل عسكري بأي شكل . ولم يكونوا يجرأون على أن يقفزوا هذه القفزة الخطرة ، حتى لو كان لديهم شيء من التنظيمات المستترة ، وهذا ما استبعده . هذا شيء ، بتقديري ، أكاد أجزم به بشكل كامل ...
سؤال : ... حول مسألة توزيع قطع السلاح على الناس في سورية عام 1957 ؟...
الجواب : ... عندما برز خطر التدخل الغربي في أعقاب " مبدأ أيزنهاور "، كان البعث العربي الاشتراكي قد خلق حركة وطنية واسعة على ساحة الوطن بكامله ، هو وحلفاؤه المتعاطفون معه . وكانوا على قدر عالٍ من الثقة بالنفس وكذلك من الشجاعة والتصميم على مواجهة كل الضغوط الخارجية . وكانوا يحسون ، وهم محقون في هذا بتعاطف جماهيري حقيقي وأن الوطن أصبح فوق الخلافات السياسية البسيطة، حتى الاتجاهات المتباعدة إلى حدّ كبير ، كانت تلتزم بأخلاقيات وطنية واضحة في ذلك الوقت . ولذا الزعامة العسكرية والسياسية البعثية أقدمت مع حلفائها في الجيش وفي الساحة المدنية على توزيع السلاح على الجمهور بكمية كثيفة. وقد بلغني رقم من الأرقام ، لست متيقناً تماماً من أن عدد قطع السلاح التي وزعت تبلغ 110 آلاف قطعة . ومع ذلك فلم يقع حادث واحد . وكان الشعب مقبلاً تماماً على التدريب العسكري وفي حالة فورة وطنية واستعداد كامل لمجابهة التحدي الخارجي مهما بلغت التضحيات . ومجرد الإقدام على مثل هذا العمل يدل على أكذوبة الدعايات التي أشيعت عن الجوّ العام الذي كان سائداً في سورية قبل الوحدة . فلو كان الوضع مفكاً والصراعات حادة والناس تهرب من مشاكلها لكي تحتمي بقطر عربي آخر أو بآخرين ، فما كان من الممكن أن يوضع السلاح بأيدي الشعب العادي في مثل هذه الأجواء . إذن وضع السلاح وتوزيعه على الناس دليل على وجود عافية وصحة في الوضع السياسي العام واتجاهاته وكذلك في المجتمع . وقد وزعت قطع السلاح على جميع الاتجاهات السياسية . وكان التدريب يتخذ شكلاً حماسياً، ولم يكن من الممكن أن نتقصّى انتماءات الناس في ذلك الوقت . كان الوضع يأخذ شكل احتمال وجود خطر داهم . فعلى الناس أن يهبوا جميعاً للدفاع عن الوطن وعدم النظر إلى الانتماءات السياسية . والأفراد في تلك الظروف نسوا انتماءاتهم المحدودة والحزبية الضيقة واتجهوا نحو هذه الفورة الوطنية . هذه تجربتي الواقعية ومن خلال الممارسة ...
سؤال : ... هنا ، في هذا السياق ، يُطرح سؤال حول المجلس العسكري وقيامه بالخطوة الوحدوية التي قام بها بذهابه لمقابلة عبد الناصر . البعض يوجه انتقاداً حول هذا الموضوع ويعتبر هذه الحركة بمثابة حركة انقلاب عسكري ضمنياً ، لأنه ليس هناك ما تصرّف به المجلس العسكري والضباط، يدخل حكماً ضمن اختصاصاته خاصة وأن الحكومة آنذاك كانت تسعى حثيثاً لتحقيق الوحدة بين سورية ومصر . أولاً ، ما رأيكم بهذا العمل ؟... وهل خطوة المجلس العسكري تعتبر حركة انقلابية ، بالإضافة إلى إرسال البيان الصادر عنهم إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيس المجلس النيابي وإلى رئيس الحكومة ، ووفد عسكري أخذ معه إلى القاهرة نسخة منه إلى الرئيس عبد الناصر ؟!...
الجواب :... في رأيي إنّ الذي يرى في خطوات المجلس العسكري نوعاً من الانقلاب ، ليس على معرفة دقيقة بالنشاط السياسي والاتصالات السياسية التي كانت على الساحة ما بين سورية ومصر قبل هذه الخطوة . كان الاتصال السياسي قد بلغ أوجه والوضع في المجتمع وفي الإعلام وفي القطريين بلغ أيضاً ذروته من حيث التحضير لفكرة الوحدة بينهما . والأحزاب السياسيّة قد هيأت نفسها لهذه الخطوة . وتفسيري لإقدام المجلس العسكري على هذه الخطوة أن الرئيس عبد الناصر كان يعرف أنّ القوة الرئيسية في سورية القوة الفاعلة والمؤثرة هي للمؤسسة العسكرية ، ولذلك يريد منها إقراراً علنياً وواضحاً، ويربط هذه المؤسسة بإقرار بالتزامها بالوحدة ، حتى لا يكون هناك ، فيما بعد، ما يقال حول هذا الموضوع . لهذا استجابت المؤسسة العسكرية ، ربما لهذا الطلب غير العلني ، من خلال الاتصالات السياسية أو الأمنية ، وكذلك لم تكن الساحة السياسية ترفض كلياً مثل هذا الأمر . فالمجلس العسكري أراد بخطوته أن يحسم الجدل حول هذه النقطة وأن يسحب من يد الدولة المصرية والنظام الحاكم في مصر. التحفظ الذي وضعه حول مسألة الوحدة ويلعن مباركته لهذه الخطوة بلا تحفظ .
أما ما تمّ فيما بعد ، حول الصياغة والشكل وحول التنفيذ وحول الخطوات ، فأظن أن المسؤولية تقع على السياسيين ، لأنهم لم يؤطروا ولم يضعوا الأسس أو الصياغة أو الشكل المحدد للنظام السياسي ، إما لأنهم كانوا يقدرون أن هذه الخطوة سوف تتم بعد وقت أطول مما حصلت فيه وإما لأن عبد الناصر لم يكن في وارد قبوله لأي شكل من أشكال الاقتراحات، وإنه كان يريد وحدة موافقة كلية لطريقة تفكيره وتصوره لنظام الدولة الجديدة ...
سؤال : ... نحن الآن في عام 1957 ـ 1958، سننتقل فكرياً إلى هذا الظرف التاريخي : كيف يمكن أن تصوّر لي نظرة الضباط إلى شخصية عبد الناصر ، بمعنى آخر كيف كنتم تنظرون آنذاك إلى هذه الشخصية الوطنية ؟...
الجواب : ... الحقيقة ، إني لا أستطيع أن أعطى تصوراً دقيقاً يشمل جميع الضباط . ولكن، أظن أنّ الضباط الذين نهلوا من مدرسة البعث ، كانت تأخذهم فكرة الوحدة مأخذاً سحرياً . ومن خلالها، لم يكن لديهم من الحكم والمحاكمة ما يستطيعون أن يصبّوه على أيّ اعتبار آخر . ولذا ، لا أظن أنّ الكثيرين قد ناقشوا شخصية الرئيس عبد الناصر ، إنما كانوا يلتقون حول الثقة به وحول الإعجاب وحول أنه يمكن أن يكون أمل العرب في تزعم حركتهم نحو تحقيق الوحدة العربية. لكنهم لم يخضعوا شخصيته للنقد ( بالمعنى الدقيق والعميق لكلمة نفد)، حتى يكتشفوا بموضوعية الإيجابيات أو السلبيات. فلم يكونوا في وارد فكري ( ونفسي من أجل فهم وتفهم ومحاكمة شخصية عبد الناصر)، من أجل فهم عبد الناصر فهماً موضوعياً ( وإحاطة شخصيته وسياسته بتصور عقلاني ). ويتخذوا على ضوء ذلك القرارات السياسيّة.على أية حال ، هذه المسألة تمتد إلى ما بعد عبد الناصر ، إلى النظام المصري ككل . النظام الناصري ككل، لم تخضعه الأحزاب السياسيّة والحركة السياسيّة في سورية إلى ميزان النقد . إنما كان الجوّ الإعلامي ورياح الإعلام هي التي تتحرك بالناس تارة في هذا الاتجاه وتارة في الاتجاه الآخر ، صعوداً أو هبوطاً ...
تعليق : ... هذا صحيح ... سوى الشيوعيين ، سوى بعض القوى الأخرى ، وذلك لأسباب سياسية ـ الأخوان المسلمون ، الكتلة الديمقراطية البرلمانية برئاسة خالد العظم ـ ( وكذلك لأسباب ضيّقة ، فئوية بالدرجة الأولى ... وظهرت هذه القوى ، وكأنها قوى فئوية أكثر منها قوى طرحت للمناقشة النقدية القضية العامة )...
لنتابع التطوّر الحدثي . ونحن الآن في عام 1958، لقد قامت الوحدة . ويبدو في الشهور الأولى ابتدأ ما يمكن أن نسميه ـ تعبير يستعمله توفيق الحكم ـ " عودة الوعي "، أي " شيء من اليقظة :... ماذا فعلنا وأين نحن الآن ؟... بصفتكم العسكرية، أودّ لو أعطيتموني صورة عن السياسة التي اتبعت في زمن الوحدة ، في ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية وبالضباط المنتسبين إلى التيار العروبي عموماً والبعثيين بشكل خاص ؟..
الجواب : ... قامت الوحدة ومن حولها آمال عراض بحيث إن البعض كان يراهن على إنجاز الوحدة العربية الشاملة مندفعين بحماسهم في وقت قصير لا يتجاوز العقد أو العقدين من السنوات . لكن عند التطبيق العملي تبين أنّ عبد الناصر قد أرسى دولة الوحدة وفق تصوره الخاص للدولة . فمن خلال الممارسة أيضاً تبين أنّ هناك تبايناً واسعاً بين البنية الفكرية السياسية للبعث العربي الاشتراكي بجانبيه المدني والعسكري وبين الإجراءات الميدانية والتوجّهات وصياغة دولة الوحدة وفق الطريقة الناصرية . وبالضرورة، لا بدّ من وقوع الفتور والتباعد ، ثم التنافر في وقت لاحق ، لأنه على ما يبدو أن الدولة لم تكن في وارد أن تأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر الآخرين ، ولا أن تراجع سياساتها ومواقفها ، كأنما قرَّرت لنفسها طريقاً سوف تسلكه وفق تصورها ... وبعد قيام الوحدة مباشرة ، بدا كأنما دولة الوحدة سوف تستغني كلياً عن الكوادر العسكرية القائمة . وهذا ، تحت ذرائع مختلفة ، بدعوة أن هذه الكوادر مسيّسة . فمن لا يسرح بتهمة الشيوعية ، يسرح بتهمة الانتماء الديني ، ومن لا يسرح بهذا ، يسرح بتهمة الفئوية المناطقية أو بتهمة الانتماء إلى البعث ... على أيّ حال ، كان من نتيجة ذلك أن جرت عملية تسريح عدد كبير من كوادر الجيش الأول أي الجيش السوري في الإقليم الشمالي من الـ ج. م. ع. ( أو قسم آخر نقل إلى مناصب أخرى ، سواء عسكرية أو إدارية أو سياسية ). بدأت العملية منذ عام 1958 بقوائم متلاحقة تصدر بتسريح كوادر الضباط ، أو نقلهم إلى وظيفة مدنية أو سياسية ... المهم أن المؤسسة العسكرية قد أُفرغت تدريجاً من كوادرها المسيّسة ...
سؤال : ... هنا تطرح مسألة تاريخية والأخ عدنان حمدون أشار إليها بوضوح ، بأن البعثيين وتحديداً العقيد مصطفى حمدون كان قد قدم قوائم بأسماء الضباط المنتمين إلى تيارات سياسية متنوعة ، ومن ضمن هذه القوائم قائمة بأسماء البعثيين ، هذه الناحية التاريخيّة المهمّة ، أريد أن تلقي بعض الأضواء عليها ...
الجواب : ... أرى أنّ في هذا الأمر خطأ من جهة وسوء نيّة من جهة أخرى . فمن جهة الدولة الجديدة الموحدة ، ارتكبت خطأ يقوم على سوء نيّة . فكان عليها إما أن تتسامح مع هذه الاتجاهات ، وإما أن تجد صيغة مقبولة ليس فيها طابع العسف ، وتتصرف مع العسكريين بطريقة مختلفة ، لا أن يأخذ الأمر مسألة تسريحات واسعة وشاملة . وكان من الممكن للكثيرين أن تتفاهم معهم ، بل كانت تستطيع أن تحاسب أو أن تتفاهم مع الذين لهم فعالية بارزة في المجال السياسي ، فتصل إلى صيغة توافقية مرضية من التعامل . أما الآخرون فيندرجون في المؤسسة العسكرية ، إذا كانت النيّة سليمة . ومن جهة أخرى ، فبالنسبة إلى ، الضباط الذين تعاونوا مع دولة الوحدة ، كانوا يتعاونون من منطلق حسن نيّة ، فلم يكونوا يتوقعون الإيقاع بهم وتطلب منهم أسماء وقوائم ، ومن ثم ترشيحها لأغراض مختلفة ، طبعاً ، وليس منها غرض التسريح كما أظن. أما هذه الأسماء التي طُلبت والتي تعطي نوعاً من التصور لواقع الكوادر العسكرية ـ واعتبر هذا الخطأ مزدوجاً من الطرفين ومسيئاً، لأن كثيرين من الضباط الذين ماشوا التيارات السياسية قبل الوحدة ، كانوا قد وطنوا (وطدوا) أنفسهم على الوضع الجديد . وكان من الممكن أن يلتزموا التزاماً تاماً بالدواعي العسكرية. لكنهم عندما ألقوا خارجاً بطريقة استفزازية ، لا بد إلاّ وقد ينشأ لديهم نوع من ردود الفعل ، إن لم يكن عاجلاً ففي المدى الآجل .
تعليق :... فإذن ارتكبت القيادة السياسية ومعها القيادة العسكرية خطأ: تقديم قوائم بالأسماء..
الجواب : ... إذا سمحت ، أريد أن أضع هذه المسألة العسكرية في الإطار العام للدولة . فدولة الوحدة التي يقودها القطر المصري ، هذه الدولة كانت تنظر إلى سورية وإلى فهمها للدولة بشكل مختلف عن فهم السوريين . القطر المصري والقيادة الناصرية ، كانت ترى أن سورية مسيّسة . فيجب تخفيض درجة تسييسها ، سواء عند الجمهور حتى يصبح أكثر طواعية لخطط وبرامج القيادة ، أو سواء في المؤسسة العسكرية ، أو حتى في المؤسسة العسكرية ... يعني ، هذه المؤسسة العسكرية ينبغي أن تنحل سياسياً لأن الزعامة المصرية ما زالت تحمل لها ريبة وشكاً مستقرين في أعماق النفس. العمل القومي لا ينبغي أن يقوم على الريبة والشك ، فذلك سوف تكون نتائجه فاجعة .
الأمر الآخر وهو أنه كان من المفترض بدولة الوحدة أن تنهض بالوعي القومي العربي والسياسي في القطر المصري إلى مستوى الوعي السياسي في القطر السوري . ولكن الذي حصل هو أن قيادة دولة الوحدة تعمل على العكس ، على تخفيض الوعي السياسي في القطر السوري لكي نتحول إلى رعيّة ، وليس مواطنين نملك من الوعي والإرادة والخيار ...
سؤال : ... إذن ، حصل ما حصل بين حزب البعث ونظام الوحدة ، ابتدأ البعثيون ـ يبدو ابتداء من عام 1959 ـ يبتعدون تدريجاً عن عبد الناصر ونظامه ، انطلاقاً من الموقف من انتخابات الاتحاد القومي ، وتقديم الاستقالة المعروفة ، وإلى مراجعة سياساتهم السابقة، وإلى محاولات لإعادة شكل من أشكال التنظيم الحزبي في القطر السوري . هذه ناحية مهمة جداً ، أود بتسلسل منطقي وبتسلسل تاريخي أن تحدثني عنها ...
الجواب : ... لا يمكن لدولة أن تأخذ هوية بلد ، إلاّ أن تعتمد على دعم دعاة هذه الهويّة . فالدولة عندما تكون وحدويّة ، يجب أن يدعمها الوحدويون ، وعندما تتوجه نحو الاشتراكية فيجب أن تعتمد أساساً على المؤمنين بالاشتراكية ، وإلاّ يحصل التناقض في هذا النطاق . هنا دولة الوحدة قامت برغبة حقيقية عميقة من سورية بتوجهها نحو الوحدة ، ولا سيما الاتجاهات الوحدوية . فبدلاً من أن تبحث عن صيغة (معينة جديدة) لإحتواء هذه التيارات الوحدوية وتوظيفها في خدمة الوحدة ، كان همها منذ البداية أن تُبعد هؤلاء بدعوى أنهم يهتمون بالسياسة . لذلك نقلتهم من خانة الصديق قسراً إلى خانة غير الصديق ( إذا لم يكن إلى خانة العدو ). واستمرت على هذا الخط . قربت منها الذين يعرف عنهم عدم الإخلاص للوحدة . وكانوا سبباً في ممارسات كثيرة تُظهران دولة الوحدة تتجه نحو سياسات استبدادية في الداخل ، وغير وحدوية نحو الوحدويين .
جرى التباعد بين البعث العربي الاشتراكي وبين النظام الناصري . البعث ، سواء في سورية أو خارجها ، كان يلاحظ هذا الأمر ويشعر بالقلق . وفي الداخل اشتد الضغط على البعثيين الاشتراكيين . صار الناس (البعثيون) يتناقشون ويطرحون انطلاقاً من اهتماماتهم التقليدية بالقضايا العامة ويبحثون عن الحلول، وقد طرحت أفكار منها أفكار إعادة تنظيم الحزب ... هنا يطرح سؤال : متى ابتدأ التفكير جدياً وعملياً بإعادة التنظيم في القطر السوري ؟... فأرى أنّ التفكير ابتدأ في عام 1960. واستغرق النقاش حول هذه النقطة زمناً أو فترة طويلة . وكانت الاتصالات تجري ما بين الحزبين سابقاً في الداخل والقيادة القومية التي ما زالت ترأس تنظيمات حزب البعث في الأقطار العربية الأخرى من أجل هذا الأمر . وكانت القيادة القومية مترددة في هذا الأمر . ثم ، على ما أعلم، أن القيادة القومية أعطت موافقتها في أواخر عام 1960 ومطلع عام 1961 من أجل المضي في عملية إعادة تنظيم الحزب . فاختار البارزون أو أناس بارزون من قادة الحزب في داخل سورية ، اختاروا عدداً من أعضاء القيادات لكي يجتمعوا على شكل مؤتمر عام . هذا المؤتمر العام أخذ يناقش هذه المسألة بالتفصيل ، جوهرياً ، ويأخذ على عاتقه مهمتين : المهمة الأولى، دراسة المبادئ النظرية للحزب ومراجعتها وتثبيتها على ضوء المعطيات الجديدة، بمرتكزات وبأبعاد أكثر وضوحاً . ثم المهمة الثانية وهي دراسة الواقع السياسي وعلاقة تيار حزب البعث بالسلطة ، واقتراح السياسة الواجب اتباعها إزاء هذا الموضوع . وقد اختير على ما أذكر عدد يبلغ (22) من قادة الحزب في داخل سورية . وعلى ما أذكر منهم : صلاح الدين البيطار ، أكرم الحوراني ، منصور الأطرش ، وهيب الغانم ، رياض المالكي ، عبد البر عيون السود ، عبد الفتاح زلط ، علي عدي ، عبد الغني قنوت ، يوسف الأمير علي ، فايز الجاسم ، حافظ الجمالي ، عبد الله عبد الدايم ، المحامي غنوم ، خالد الحكيم ، محمد الكفري ، سليم حبي ، سليمان الخش ... إلخ ... إلخ ... في ذلك الوقت ، لم يكن البعث قد انقسم على نفسه . وهؤلاء يمثلون مختلف مؤسسات البعث ومناطقه ... ولم تكن هناك بوادر أي انقسام على الإطلاق . ويمثلون حزب البعث وقواعده في سورية تمثيلاً حقيقياً . وهذا المؤتمر جرى بمباركة وموافقة من الأستاذ ميشال عفلق الذي كان يومئذ مقيماً في بيروت، ويقود القيادة القومية. ثم ، فيما بعد ، دعا إلى مؤتمر محدود من القيادة القومية في لبنان لتغطية هذا النشاط بداخل سورية من أجل إعادة تنظيم الحزب . وهو مؤتمر برمانا ... وكانت تعقد الاجتماعات في دمشق ، وعلى ما يعتقد الحاضرون سريّة ، في بعض البيوت ...
عندما وجهت الدعوة إلى الأعضاء ، وجهت إليهم أسئلة مكتوبة على الأعضاء ، ولعدد معيّن ومن يجد نفسه القدرة أو الرغبة أن يأتي إلى حضور الاجتماع الذي حدّد بعد فترة شهر من الزمن ، وأجوبة مكتوبة على هذه الأسئلة . منها أسئلة نظرية ومنها أسئلة عملية تتعلق بالوضع السياسي . لا أذكر بالضبط عدد الأسئلة ، لكني أظنها تتجاوز الستين سؤالاً ... وأظن أن المرحوم عبد البر عيون السود هو واضع هذه الأسئلة . وكان مضمون هذه الأسئلة هو تصور الأعضاء حول قضية الوحدة : كيف يتصورون الوحدة ، هل يتصورونها وحدة في دولة موحَّدة أم دولة اتحادية . ثم ما هي الصيغ الدستورية المقترحة لها على مستوى الوطن العربي . وأشكال المؤسسات والعلاقات التي تقوم ما بين أجزاء دولة الاتحاد ... وكذلك أسئلة حول قضية الحرية : ما هي حدود مفهوم الحرية على النطاق الشخصي أو على النطاق الاجتماعي أو على النطاق السياسي أو على نطاق الصحافة ... وأسئلة حول الاشتراكية ومدلولها وإيضاحات تفصيلية أخرى . وبالتالي ما هي العلاقة بين مفهوم الاشتراكية وما كان يسمّى بالاشتراكية العربية وبين الماركسية . وكيف نستطيع أن نقرّب أو نوفق أو نستفيد من الماركسية لإغناء الفكر الاشتراكي العربي أو التطبيق الاشتراكي الذي نحن بحاجة إليه في دولة الوحدة... هذه لمحة عن نماذج من الأسئلة التي طرحت على المؤتمرين .. أما حول القضايا الأخرى، مثلاً السياسة الخارجية ، فلم يكن مطروحاً ، وقد ترك ذلك لمناقشة مؤتمرات الحزب ... وبنية الحزب التنظيمية : كانت هذه المسألة بعد الاتفاق على عملية إعادة تنظيم الحزب ، على ضوء هذه المناقشات، عندئذ تدرس مسألة طريق التنظيم وأسسه ...
كان على رأس هذه الاجتماعات ، على الغالب ، الأستاذ صلاح الدين البيطار والأستاذ أكرم الحوراني . وكانت المناقشات مكتوبة ومسجلة وتدوَّن في محاضر الجلسات . وكان كاتب ضبط المحاضر وتسجيل المناقشات الأستاذ حافظ الجمالي . أما جمال الأتاسي وعبد الكريم زهور، فلم يؤت على ذكريهما . فقد اعتبرا قد اتجها اتجاهاً ناصرياً وكانا حَريصيْن على إظهار تباعدهما عن تيار حزب البعث . كانا قد أخذا منحىً جديداً لذلك لم توجه إليهما الدعوة . جلال فاروق الشريف، لم يحضر ، وقد اُعتبر من العناصر البعثية التي وسّطت نفسها لخدمة النظام الناصري .
وقد تجاوزت المناقشات ثلاثة أو أربعة أشهر ، بشكل مستمر ومواظب مع فترات توقف قصيرة . وانتهى هذا المؤتمر إلى الاتفاق حول مسألة إعادة تنظيم الحزب . واتفق المجتمعون على مبادئ ستة رئيسية ، لست أتذكرها بالتحديد ، ولكنها كتبت وصيغت وكتب محضر بها لكي ترسل إلى القيادة القومية للحصول على موافقتها . ومن هذه المبادئ الرئيسية والمبدأ الأول هو اتفاق الجميع على إعادة تنظيم الحزب في سورية . المبدأ الثاني اعتماد هذه المناقشات لكي تكون الضوء اللازم لوضع دستور الحزب الجديد . وغير ذلك من النقاط الأخرى التي لا اتذكرها ...
سؤال : ... ما هي النقاط الساخنة التي أثارت نقاشاً جاداً ؟...
الجواب : ... النقاط الساخنة ، أو المناقشات دارت حول السبيل لتحقيق الوحدة ، السبيل إلى الوحدة العربية . هل يتم ذلك عن طريق دولة قطرية تتولى المهمة نيابة عن بقية الأقطار أم أن الفكر الوحدوي يتجه إلى إقامة وحدات إقليمية في المناطق العربية المختلفة : مثل وادي النيل، بلاد الشام أو الهلال الخصيب ، المغرب العربي ، شبه جزيرة العرب . ثم يجري ربط بين هذه الوحدات ... أو أن يُعتمد على انتشار حزب ثوري وحدوي في كل الأقطار ، بناء على قاعدة دولة الوحدة ـ التعاون مع قائد دولة الوحدة ـ لكي تُجر هذه الأقطار قطراً بعد آخر ، أو تميل هذه الأقطار إلى الوحدة قطراً بعد الآخر ، عندما يتحقق لهذا الحزب الثوري على مستوى الوطن العربي ، الذي كان من المفهوم أنه حزب البعث العربي الاشتراكي ، عندئذ يساعد على تحقيق الوحدة ...
على أن هذه المناقشات كانت ساخنة ، ولا سيما الرأي الذي طُرح أو اُقترح ، وهو مسألة الوحدات الإقليمية التي يمكن أن تكون منطلقاً لتحقيق الوحدة العربية . لكن المؤتمر لم يتبن هذا الأمر. وظل الأعضاء ، وفيما بعد ، في آخر المطاف يميلون إلى أن حزب البعث ينبغي أن ينتشر في الوطن العربي وأن يساعد دولة الوحدة على انضمام الأقطار قطراً قطراً إليها . لكن مجرد طرح فكرة الوحدات الإقليمية... (تعليق : يقال بأن طرح هذا الموضوع جاء من طرف الأستاذ أكرم الحوراني وتياره ) فأنا على ما أذكر أن أول من طرحها بشكل نظري للبحث فقط الأستاذ عبد البر عيون السود... وأظن أن المحاضر المدونة ، إذا أمكن الوصول إليها ، تبين بالضبط من طرحها ومضمون المناقشات التي دارت حولها ... ولأن الأقوال جميعها مكتوبة ولا يستطيع أن يتنصل منها قائلها ... على أي حال ، قلت إن المؤتمر تجاوزها ولم يتبناها كمنهج من مناهج الوحدة العربية .ومع ذلك ، فعندما تباعد أعضاء المؤتمر زمنياً ، والخلافات السياسيّة في المرحلة اللاحقة ، في زمن الانفصال ، ثم بعد 8 آذار ، صار البعض يحمل على من اقترح هذا الاقتراح، ثم إن هذا الاقتراح هو اقتراح أولي وليس اقتراحاً قطعياً ...
سؤال : ... الموقف من نظام الوحدة وأخطائها ، وحول عملية إصلاح هذه الأخطاء وكيف يمكن أن تتم من داخل الوحدة أم من خلال فصل سورية عن مصر ؟!...
الجواب : ... المؤتمر ، عندما عقد سراً ، كانت دولة الوحدة قائمة وبالتالي لا يمكن الجزم بضرورة الانفصال أو ما يشبه ذلك . إنما الموقف من الدولة القائمة وجهاز الدولة أو النظام الحاكم ، هذا هو الموقف الذي كان يبحث : ما هو الموقف من النظام الناصري ؟... هذا الموضوع جرى البحث فيه . وكان الأستاذ صلاح الدين البيطار مع بعض من مؤيديه ، يلح على مسألة إصلاح الدولة من الداخل ، وبعد نقاشات كثيرة تبين أنه يريد الرهان على بعض الأسماء من ضمن نظام دولة الوحدة منهم : كمال الدين حسين وكمال رفعت واسم أو اسمين من كبار أعضاء مجلس الثورة، كان يرى فيهم الأستاذ صلاح الدين البيطار قابلية للمساعدة على تقويم النظام السياسي من الداخل، وبالتالي ينبغي أن يبني حزب البعث معهم جسوراً والوصول إلى اتفاق بقصد القيام بعملية التقويم هذه . ولم يكن المؤتمر مقتنعاً بهذا الرأي ، وقد نوقش به الأستاذ البيطار كثيراً وبيَّن المؤتمر له ولأصحاب هذا الرأي أن الأسماء التي ذُكرت ما هي إلاّ من صلب النظام وقد تمترست في مواقع فكرية وسياسية لا تستطيع أن تغادرها، والحوار معها غير مجد ولن تخرج على إدارة قادة النظام وإرادة الرئيس عبد الناصر بأي حال من الأحوال . إذن ، كأنما طرح مثل هذا الموضوع هو طرح عبثي ...
أما الرأي الآخر فهو أنه بعد القيام بإعادة تنظيم البعث وعودته كقوة سياسية ، ممكن في الساحة الوطنية أن تُرسم سياسات تكتيكية ، تستطيع أن تضغط على الدولة من أجل تقويم سياساتها ... وذلك عن طريق العمل السياسي وعن طريق المعارضة ، ولكن هذا الشيء لا يمكن استباقه قبل أن يتم إعادة تنظيم الحزب ...
سؤال : ... وعملية فك الوحدة والانفصال : كان هناك رأي رُوّج له وهو أنه : ولو أدّى الانتقاد إلى فصل سورية عن مصر، فليكن، فتكون تلك مسؤولية الحاكم أو مسؤولية النظام..
الجواب : ... إنّ ذلك يدخل في بحث نظري . لكن المسألة وضعت كالآتي : هل يجب السكوت على الممارسات وعلى السياسات الداخلية القائمة وكذلك السياسات الخارجية التي كانت في رأي قسم كبير من أعضاء المؤتمر مرفوضة ، ولا سيما السياسات بالنسبة إلى القضية الفلسطينية . أريد أن أؤكد على هذه النقطة . هل من الضروري وضع الخيار : أما السكوت وإما التأييد . فلا بدّ من النقد مهما كان من النتائج . إذ إنه إذا لم تنشأ معارضة حقيقية وفاعلة، فالمساوئ سوف تزداد وتشتد .
هنا يجب ان أشير إلى نقطة وهي أن الخلاف الأساسي بين البعث كجسم وكفاعلية سياسية ، رغم تفككه التنظيمي ، وبين زعامة الدولة الواحدة ، وهي الزعامة الناصرية ، ليست خلافاً على المسألة الداخلية فحسب ، إنما الخلاف الأشد هو حول السياسة الخارجية وبالتالي حول تناول القضية الفلسطينية . فهذا الخلاف نشأ حول معالجة قضية تحويل نهر الأردن من قبل إسرائيل. وتفرع منه اختلاف الرؤية ، رؤية البعث إلى المسألة الفلسطينية وطرائق معالجتها ، عن رؤية الزعامة المصرية إليها . فحزب البعث أو ممثلو الحزب ، اختلفوا مع النظام حول مسألة تحويل مجرى نهر الأردن . فقد كانوا يرون ( بعض قادة البعث وأكرم الحوراني تحديداً ) أن على دولة الوحدة أن تحول دون هذا التحويل ولو بالسلاح ، ولو أدّى الأمر إلى حرب ... وقد بحثت هذه المسائل من قبل . وهذه من أسباب استقالة الوزراء . وهذه من المسائل التي بحثها وكانت سبباً لصراع أكرم الحوراني مع عبد الناصر . والرئيس عبد الناصر لم يكن يرى هذا الرأي .
بالنسبة إلى البعثيين الاشتراكيين، كانوا يرون أن المسألة خطيرة جداً ، لأنه ينجم عنها تعاظم قوة إسرائيل الاقتصادية والعسكرية والبشرية في فترة زمنية قصيرة ، يعني أساس تنمية سريعة ، وبالتالي يجب وقفها حتى تبقى إسرائيل بحجم محدود . بالنسبة إلى دولة الوحدة والسياسة الناصرية لم تكن تقدر المسألة بهذا القدر أو المنظار. وترى أنها مضخمة ويمكن أن التفاهم حولها مع الدول الكبرى وإسرائيل لا تشكل هذا الخطر الضخم الذي يتصوره البعثيون الاشراكيون (أو أكرم الحوراني). أول خلاف في السياسة الخارجية بين البعث الاشتراكي والناصرية هو حول هذه المسألة..
سؤال : ... أين موقع الثورة العراقية عام 1958 وما بعد ، في هذا الموضوع وتأثيرها في نظام الوحدة ، وتعاون أو تقرّب نظام الوحدة مع القوى الأخرى ، البرجوازية الوطنية والفئات الأخرى في سورية ، التي هي معادية لحزب البعث واليسار عموماً ...
الجواب : ... الحقيقة أن العلاقة ما بين الثورة العراقية ودولة الوحدة ، كانت عملية متروكة لمعالجات الرئيس عبد الناصر. ودولة الوحدة استأثرت بهذه المعالجة ولم يشأ البعثيون الاشتراكيون(؟) أن يمدوا اتصالاتهم بشكل واسع مع العراق لكي لا يستفزوا نظام الحكم الناصري ...
سؤال :... هذا صحيح ، وقيادة البعث كان لها سياسة عربية وحدوية في هذه القضية... وإنما ما أقصده هو الشكل التالي : أولاً التغيُّر في السياسة الناصرية ، تقرب من أميركا لمواجهة نظام عبد الكريم قاسم والشيوعيين في العراق ... وعلى الصعيد الداخلي ، التقرب إلى القوى البرجوازية والقوى السياسية التقليدية ... ولكن هنا يطرح سؤال : هل جرى تفكير في إقامة اتصالات مع قوى سياسية معارضة لنظام الحكم داخل سورية ، وأعني بهم الشيوعيين ، أو الضباط الآخرين المعارضين لنظام الوحدة ...
الجواب : ... على ما أعلم ، لم يكن هناك محاولات جادة لإجراء مثل هذه الاتصالات . ولست على علم بوجود اتصالات مع قوى سياسية مفترضة ، لأنّ الحزبيين البعثيين السابقين كانوا مشغولين بأمر تنظيم أنفسهم وترتيب بيتهم بالدرجة الأولى . وبالتالي لا يمكن أن يكونوا بموقف قادر على إجراء الحوار السياسي مع الآخرين ، إن لم يتبلور لهم رأي سياسي وموقف سياسي ... هذا ما أنا على بيّنة من أمره . لكن عندما بدأت تظهر نشاطات مريبة في الساحة الداخلية السورية في عام 1961، ربما في نهاية عام 1960 وفي بداية عام 1961، كان هؤلاء البعثيون معنيين بها ، ويتنصتون لكي يتبينوا ابعادها .
سؤال : ... ما هي قصة محاولة الاتصال بين عفلق والمشير عامر والسراج ، من أجل تحضير عملية انقلاب ، فكيف تمّ ذلك ؟!...
الجواب : ... حسب ما أعلم ، وهي معلومات لست متيقناً منها كلياً ، ولكن هذا ما استقر في ذهني ، وقد تباعد الزمن عنها ... الذي أعلمه أنّ ضابطاً مصرياً وهو مسعد زغلول فؤاد ـ كما أذكر اسمه ـ الملحق العسكري في السفارة المصرية في بيروت، قد أجرى اتصالات منتظمة مع الأستاذ عفلق . ومن خلال هذه الاتصالات ، كما يبدو أن دولة الوحدة أرادت أن تسبر نوايا الأستاذ عفلق أو تستطلع عما إذا كانت لديه برامج ضد دولة الوحدة . واتصالات هذا الملحق العسكري كانت تسير في خط إقناع عفلق بأن الانحرافات موجودة ، وأن مسؤولية كاملة في هذه الانحرافات تقع على عاتق الرئيس عبد الناصر والمنفذين لأوامره مباشرة، وأن في دولة الوحدة من معاوني الرئيس أناساً يقبلون بالتصحيح وبالتحوير، ويمكن أن يكونوا بديلاً عن الرئيس عبد الناصر وعلى رأسهم المشير عامر . ويبدو أن الأستاذ عفلق قد ابتدر منه ما يُظن أنه تعاطف مع هذا الاتجاه الذي كان عملية تضليل كاملة. ووصلت أخبار هذا التعاطف (الاتصال)، ولا أقول الاتفاق أو التواطؤ ، لا أقول ذلك ، إلى الرئيس عبد الناصر . مما اضطر عفلق أن يهرب من سورية إلى لبنان من منطقة تلكلخ ، صافيتا ، طرابلس ، بيروت . ولكن لمّا كان الأمر أو المسألة لم تدخل في حيّز العمل التنفيذي ، بقيت عبارة عن حوارات سياسيّة ، إنما تعبّر عن مواقف غير مؤيدة ، لذلك زادت في التباعدات والشك بين نظام دولة الوحدة وقيادات حزب البعث . هذا ما لدي أن أقوله ولا أذكر أن هذا الموضوع يمتد غلى شخص عبد الحميد السراج ، إنما كان ضمن الهيئة العليا لدولة الوحدة ما بين عبد الناصر من جهة وما بين عبد الحكيم عامر وأعوانه من جهة أخرى . والأستاذ عفلق لم يتجاوب بعيداً مع هذا الموضوع .
تعليق : ... يقال ، وهذا مسجل لدي بأن من منع الأستاذ عفلق من الاستمرار في هذا الاتجاه هو الأستاذ أكرم الحوراني الذي قال له : هذا مقلب ، هذا فخ ينصب لك ...
الجواب : ... هذا صحيح ، ونحن جميعاً أرسلنا إليه مثل هذا التحذير وساعدناه على الهرب من منطقة صافيتا باتجاه بيروت . الأستاذ عفلق ليس له اتصالات ميدانية ، إجرائية دقيقة. ( أي ليس لديه خبرة في مثل هذه المواضيع ). فهو بمثابة المنظر والأستاذ والموجه . والآخرون هم الذين يقومون بالعمل الميداني . هذا صحيح ، إن الجميع كانوا متفقين على أنه عمل من عمل المخابرات . والمراد به الإيقاع بالأمين العام للحزب وبقيادة البعث ...
سؤال : ... ننتقل الآن إلى نقطة أراها مهمة كثيراً ، ويمكن تلخيصها بالشكل التالي : ما هو وقع تطوّر الأحداث الداخلية للوحدة السورية ـ المصرية وحركة الانفصال على الجسم العسكري بشكل عام والضباط البعثيين بشكل خاص، كيف كان الموقف ؟... هذا من جانب والجانب الآخر، كما كان هناك من محاولات لإعادة تنظيم الحزب على الصعيد المدني والسياسي ، هل كان هناك محاولات بين الضباط لإيجاد شكل من اشكال التنظيم داخل الجيش من قبل الضباط البعثيين؟!...
الجواب : ... ذكرت شيئاً عن المؤتمر الذي عقد بغرض إعادة تنظيم الحزب على الساحة السورية . وقد اتجه التفكير بشكل متوازن إلى أنه من الواجب ، إذا كان لا بد من قيام تنظيم الحزب على الساحة المدنية ، من الواجب إعادة تنظيم ( التيار البعثي ) في الساحة العسكرية . ومع تقدم الم