مرور أربعة وعشرين عاماً على تدير كفرشوبا وأحياءً لذكرى شهدائها
دعوات /
سياسية /
1999-01-10
برعاية
دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص
ممثلاً بالدكتور مصطفى دندشلي
عضو اللجنة التنفيذيّة في ندوة العمل الوطنيّ (1)
أيّها الحفل الكريم ،
اسمحوا لي ، في مستهل كلمتي ، أن أنقل إليكم تحية دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص ، و اعتذاره لعدم تمكّنه من أن يكون بيننا في هذا اليوم المجيد ، كما كلّفني أن أنقل ، ومن خلالكم ، تحية وفاءٍ و عرفانٍ وتقديرٍ إلى روح شهداء كفرشوبا الأبرار ، في هذه الذكرى التاريخيّة الأليمة ، ذكرى مرور أربعٍ وعشرين سنة كاملة ، على تدمير منازلها في مثل هذا اليوم بالذات ، وتهجير أهلها من قِبَل دولة العدو الإسرائيليّ الظالمة …
فالتحيةُ كلّ التحية القلبيّة ،
إلى أهلنا في كفرشوبا وعوائل شهدائها الأبرار ، ومنطقة العرقوب الصابرة الصامدة المناضلة ، وإلى جميع أهلنا في أرض الجنوب والبقاع الغربيّ المحتل ، وإلى أهلنا في الجنوب اللبنانيّ عموماً ، الذين عرفوا النضال وخبروه وتمرسوا به ، ضد دولة البغي والعدوان ، سنين طويلة وعقوداً من الزمن مديدة ، حتى أصبح النضال والكفاح من أجل تحرير الأرض ورفعة شأن المواطن والإنسان ، جزءاً من شخصيتهم وروحهم النضاليّة وثقافتهم الوطنيّة .
أيّها الحفل الكريم ،
في مطلع هذا العهد الجديد ، ثمّة قضيّتان أساسيّتان تشغلان الآن ، وبحقّ ، تفكير حكومته الأولى وعملها السياسيّ الإصلاحيّ :
القضية الأولى : و هي تعتبر ، بنظر حكومة الرئيس الحص ، التحدّي الكبير في انطلاقتها الأولى ، تتعلّق في ما يسمّى " بالملف الإداريّ " ومعه الاقتصاديّ والسياسيّ . فكلّنا يعلم ، ولا حاجة بنا إلى التذكير كثيراً والتوقّف طويلاً ، أنّ الإدارة ، وهي نقطة الانطلاق في أيّ عمليّة إصلاح جذريّة حقيقيّة ، قد شابها قدر كبير من العقم و الفساد . فالحاجة هنا ملِحّة إلى تحقيق برنامج واسع وجذريّ للإصلاح الإداريّ واتخاذ مواقف جريئة وشجاعة ، مواقف موجعة وربّما غير شعبيّة ، كما يشير الرئيس الحص ، في تصريحاته ومواقفه اليوميّة ... و لربّما الأصح القول : تثير حفيظة وغضب ومخاوف أصحاب المصالح الخاصة المشبوهة ... ذلك أنّ المواطن كان يشكو دائماً وأبداً وما زال يشكو حتى الآن ، من " عقم الإدارة وفسادها "، فيجب إذن إصلاحها حتى تنطلق مسيرة " الإنقاذ والتغيير "…
بل أكثر من ذلك ، فإنّ " التركة ثقيلة " ومثقلة ، خطيرة ومفجعة ، وعلى الصّعد كافةً، تلك التركة التي ورثتها الحكومة الحالية من العهد السابق ، ممّا نتج عنها أزمة خطيرة وخانقة ، أزمة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وحياتيّة ومعيشيّة ، لخصها البيان الوزاريّ في أمور يأتي في مقدّمها :
قضية المهجرين ومعضلة عجز الموازنة ، ومشكلة الدين العام المتفاقم ، ووطأة الوضع المعيشيّ والاجتماعيّ المتدهور ، وقضايا الإصلاح السياسيّ والإداريّ والقضائيّ ، وتنمية القطاعات الزراعيّة والصناعيّة ، والقطاعات الإنتاجيّة في الاقتصاد الوطنيّ ، ومن ثمّ القضاء على آفة البطالة ، إلى آخر ما هنالك من قضايا يعيشها المواطن يومياً …
أيّها الأخوة الأعزاء ،
إنّنا نمرّ الآن في مرحلة انتقاليّة صعبة ، مرحلة تاريخيّة خطيرة. وهنا لا أريد أن أزيد على ما كان يصرّح به ، مراراً وتكراراً ، رئيس ونائب رئيس المجلس النيابيّ ، وكلّنا يعرف ذلك وقد حفظناه عن ظهر قلب ، حول هيمنة " دولة المزارع " سيّئة الذكر وبسط سلطتها الواسعة في السنين الأخيرة … في حين أنّنا الآن في بداية مرحلة أخرى ، جديدة ، واعدة ، ننتقل عَبرها إلى عهد بناء دولة القانون والمؤسّسات ، الدولة القادرة والعادلة …
فلا يمكن أن تتحقّق هذه الغاية المرغوب فيها ، في ظلَ إدارة غير فاعلة ، وغير مجدية . فلا بدَ والحالة هذه من أن يكون ثمة متضرَرون . فترتفع أصواتهم ، عَبر مراكز قواهم الإعلاميّة ، وعصبياتهم الطائفيّة والمذهبيّة ، فيهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور ، ذلك أنّ مصالحهم الخاصة، في الحقيقة ، مصالحهم السياسيّة والماليّة والاقتصاديّة قد وضعت ولربّما لأول مرة منذ زمن بعيد ، موضع المساءلة والمحاسبة والمحاكمة .
فالتحدّيات إذن أمامنا كثيرة . فعلينا أن نقبلها وأن نستجيب لها ، ونتحمل مسؤوليتنا كاملة، بجرأة وشجاعة وإقدام .
أمّا القضيّة الثانية ، القضيّة الوطنيّة اللبنانيّة الأولى ، فهي قضية الجنوب والاعتداءات الإسرائيليّة المتكررة على لبنان وشعبه في كلّ مكان ، قضية الاحتلال الإسرائيليّ لأجزاء واسعة من أرضنا… فأنظارنا وأنظار الوطنيّين اللبنانيّين الأحرار ، تتجه نحو هذه القضيّة ويعيشونها بكلَ جوارحهم يومياً .
وآخر الجرائم وليس آخرها ، ما قامت به دولة إسرائيل المحتلة ، من قصف وتدمير منازل في " أرنون "، وضرب الحصار على بلدة شبعا من قِبَل قوّة عسكرية إسرائيليّة ومتعاونين معها ، واعتقال عدد من أبنائها وإبعاد خمسة وعشرين مواطناً . إنّنا إذ نستنكر عمليات القمع والإرهاب الموصوف والاعتداءات التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيليّ وأعوانها ، فإنّنا نعتبر ذلك عملاً في "حجم جريمة إنسانيّة ، يدفع ثمنها الأطفال والنساء والشيوخ "…
أيّها الحفل الكريم ،
إنّ الرئيس لحود في خطاب القسم الدستوريّ قد أشار ، بكلّ صراحة و وضوح ، إلى موقع منطقة الجنوب في سياسة العهد الجديد ، وأكّد ذلك عندما قال :
" أكثر ما يريده اللبنانيون هو الجنوب ، وأهلَ الجنوب . نعم ، الجنوب وأهلَ الجنوب ". وهو يضيف :" فمن على هذا المنبر (أي من على منبر مجلس النواب)، أحيّي الصامدين والمقاومين، أحياءً وشهداء ، والداعمين لجيشهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّ . و إليهم أقول :" ( والكلام دائماً للرئيس لحود ) إنّ القضية الكبرى هي أنتم ، أهلَ الجنوب ، وإزالة الاحتلال الإسرائيليّ عنكم ". ( انتهى قول الرئيس لحود ).
فمن ضمن هذا " الخطاب – الرؤية "، وفي إطار هذا التوجّه الوطنيّ العام ، وإنّما الواضح والصريح، فقد حدّدت حكومة الرئيس الحص في بيانها الوزاريّ ، أولوياتها الوطنيّة وأهدافها الأساسيّة في هذه المرحلة بالذات في الأمور التالية :
دعم المقاومة الناشطة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ ، حتى إرغام دولة العدوّ تنفيذ قرارات مجلس الأمن ، وفي مقدمتها القرار 425 دون قيد أو شرط ، ودعم صمود أبناء المناطق المحتلة بما يوفّر لهم قدرة البقاء ، والتشبث بالأرض ، ونصرة قضية المعتقلين الرهائن في السجون الإسرائيليّة ، كونها قضيّة وطنيّة وقوميّة وإنسانيّة ذات أولوية ...
إنّ مواجهة أطماع دولة إسرائيل العدوانيّة واعتداءاتها واحتلالاتها ، لا يتأتّى في الظروف الراهنة ، الداخليّة والإقليميّة والدوليّة، إلاَ عن طريق تعزيز التحالف القوميّ مع سوريا ، وذلك بتفعيل معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق معها ، وتأكيد وحدة مصالح الشعبين ، ووحدة المسارين ، ووحدة المصير المشترك بين البلدين .
هذا ما جاء في مضمون البيان الوزاريّ ، في حين كان قد شدّد قبل ذلك الرئيس لحود في هذا الصدد أيضاً على أنّ " علاقتنا بسوريا هي علاقة تاريخ وأرض وشعب . فلا يمكن أن تكون مراهنة أو مسايرة ، بل مصيراً وخياراً . إنَ تجربتي في بناء الجيش زودتني بالإيمان والبرهان بأنّ سوريا بقائدها وشعبها وجيشها تريد الخير للبنان ، وتدعم الدولة اللبنانية دون حدود . فهل عرف اللبنانيون ( أي المسؤولون ) في موقع الحكم والسلطة، أن يوظفوا هذا الدعم لبناء دولتهم ومؤسّساتهم. فيحبهم الناس ويحبون سوريا من خلالهم ، بدلاً من توظيف هذا الدعم لأنفسهم ، فيدينهم الناس ، ويساء إلى سوريا ؟!… ".
أيّها الحفل الكريم ،
لقد انبثق العهد الجديد وحكومته الأولى من أجل : الإنقاذ والتغيير والإصلاح وتحقيق الديمقراطيّة والشفافيّة وحقوق الإنسان . وقد اتخذ ذلك شعاراً ومطلباً عاماً للشعب اللبنانيّ ، بمختلف فئاته وهيئاته الاجتماعيّة ، وكان صدىً لآمال المواطنين وتطلعاتهم المستقبليّة… فذلك العنوان الكبير للعهد الجديد وحكومته الأولى :" الإنقاذ والتغيير والإصلاح "، إنّما يحمل معاني الرفض للوضع الراهن … فليس من أحد راضٍ عمّا هو فيه ، " من ضيق عيشٍ وهشاشة أمل " …
غير أن هذا الإصلاح ، أو أيّ إصلاح كان ، سياسيّ ، اقتصاديّ ، اجتماعيّ ، إداريّ ، لا يكتمل حقيقة ، ولا يمكن أن يكتمل بصورة صحيحة وسليمة وشاملة للوطن ككلّ ، طالما جرح الجنوب والبقاع الغربيّ ينزف والاحتلال الإسرائيليّ البغيض رابض على صدورنا يهدّدنا في وجودنا وحياتنا وكياننا صباح مساء …
فلا إصلاح إذن حقيقيّاً، ولا سيادة ناجزة، ولا استقلالاً بمعناه الصحيح، دون تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيليّ . ولا تحريراً للأرض عن طريق المفاوضات الدبلوماسيّة أو السياسية وحسب ، دون دعم مقاومة شعبنا لهذا الاحتلال ، المقاومة السياسيّة ، والمقاومة المدنيّة والمقاومة بالروح والسلاح ، ودون تقديم قوافل الشهداء الأبرار ، ودون التضحيات الجسام ، وبذل الدم الزكيّ الطاهر المدرار …
فالمقاومة في الحقيقة وواقع الأمر ، إنّما هي التي فرضت على العدو التنازلات المتتالية ، وأرغمته على التراجع التكتيكيّ المناور، وخلقت في نظامه السياسيّ وفجّرت أزماته الداخليّة، ومآزقه الحادة والعميقة .
وكما يقول الرئيس الحص مرة أخرى ، ويشير إلى أنّ جيوش الأنظمة العربيّة ، عندما خاضت معاركها العسكريّة الكلاسيكيّة التقليديّة ضد دولة إسرائيل ، قد انهزمت أمام الآلة العسكريّة الإسرائيليّة الحديثة والمتطورة تكنولوجياً … ولكن هذه الآلة العسكريّة التكنولوجيّة المتطوّرة لدولة العدو الإسرائيليّ ، قد انهزمت شرَ هزيمة في معركتين :
الأولى : قد انهزمت في معركتها أمام الانتفاضة الجماهيريّة ، أمام ثورة الحجارة في فلسطين المحتلة .
ثانيها : أمام المقاومة الباسلة في الجنوب اللبنانيّ .
* * *
من هنا وانطلاقاً من كلّ ذلك ، فقد دقّت الآن ساعة العمل الجديّ ، العمل الديمقراطيّ الحقيقيّ ، العمل الإصلاحيّ والتغييريّ : الإداريّ والسياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ .
ومن هنا أيضاً ، دورنا كبيرُ ، دور المنتـديات الثقافيّة والاجتماعيّة ، والقوى الوطنيّة والديمقراطيّة .
دورنا الآن كبير وملحّ ، وليس غداً ، لتنظيم صفوفنا ورصّها ، وتنسيق عملنا في ما بيننا من أجل تحقيق أهدافنا في عملية التغيير الديمقراطيّ والإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ على حدّ سواء …
وشكراً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا1) كلمة دولة الرئيس الدكتور سليم الحص ، ألقاها الدكتور مصطفى دندشلي ، في الاحتفال بمناسبة مرور أربعة وعشرين عاماً على تدير كفرشوبا وأحياءً لذكرى شهدائها ، وذلك بتاريخ الأحد الواقع فيه 10 كانون الثاني 1999 .