د. دندشلي - جولة في دور النشر اللبنانيّة - دار العلم للملايين
إعلام وصحافة /
أدبية /
1972-02-18
جولة في دور النشر اللبنانيّة (1) ..... تحقيق :مصطفى دندشلي
2ـــــ دار العلم للملايين :
رئيس نقابة الناشرين يقول :
* المناهج التربويّة سيّئة التخطيط .
* اللبنانيّ لا يقرأ ؟... وغالبية المحامين والأطباء لا يقرأون حتى في تخصّصهم !!...
* بعض دور النشر ترتكب عمليات قرصنة وتزوير .
تحدثنا في الحلقة السابقة عن دار الحقيقة ، وعن نشاطها واتجاهها الثقافيّ . وذكرنا بأنّها لا تزال حديثة العهد في عالم النشر والتأليف والترجمة . أمّا دار العلم للملايين ، موضوع حديثنا اليوم، فتملك على عكس ذلك ، تجربة غنية نسبياً في هذا الميدان . فهي قد تأسّست في عام 1945 بإشراف أربعة أساتذة : منير بعلبكي ، بهيج عثمان ، عفيف ومحمد بعلبكي . ثمّ استقلَّ بها الأستاذان منير بعلبكي وبهيج عثمان ، صاحباها حالياً .
ويجيب الأستاذ بهيج عثمان رئيس نقابة الناشرين في لبنان عن سؤالنا الأول حول تعريف القارئ العربيّ بالدار فيقول : « منذ بداية عمل دار العلم للملايين، اهتمت فقط بترجمة الكتب الأجنبية ، وخاصة منها الكتب السيكولوجيّة، ثم لم تلبث أن تطور نشاطها وتنوّع حتى شمل سائر فروع المعرفة ، في علم النفس والفلسفة والاجتماع والسياسة والمؤلفات الأجنبيّة التي تتحدّث عن التاريخ العربيّ والتّراث العربيّ .
وتفسير هذا الانكباب على الترجمة هو أن المكتبة العربيّة كانت ( ولا تزال ) بحاجة ماسة إلى الكتب العلميّة الموجودة في اللغات الأجنبيّة ، ونقل التيارات الفكريّة من الحضارة العالميّة (والغربيّة منها على وجه الخصوص ) إلى اللغة العربيّة ". [...]
وبإلقاء نظرة سريعة على بيان الدار الذي وزعته في عام 1971 ، نلاحظ أن مجالها في النشر والتأليف والترجمة قد عمّ حتى شمل ميادين مختلفة ومتنوّعة في : القوميّة العربيّة ، مذكرات ويوميات ، دراسات إسلاميّة ، كنوز القصص الإنسانيّ العالميّ: تاريخ ، أدب ، شعر ، اقتصاد سياسيّ، فلسفة ، تشريع وقانون ، علم، صحة ، السلسلة الرياضيّة ، قصص أطفال شهرزاد ، كتب مدرسيّة ، إلخ...
ويذكر الأستاذ بهيج عثمان صاحبها ومديرها المسؤول ، في حديثين طويلين معه ، أنّ منشورات دار العلم للملايين بلغت الآن ما يقارب من 1500 كتاب ، هذا عدا الكتب المدرسية 0 أي أنّ الدار قد طبعت بمعدل وسط ، منذ وجودها إلى الآن ، ما يقارب من 60 كتاباً سنوياً .
اللبنانيّ لا يقرأ
هناك إجماع من أصحاب دور النشر على أنّه لا يحسب أي حساب للسوق اللبنانيّ . إنّ الاستهلاك المحليّ من مجموع نسخ الكتب التي توزّع لا يتجاوز في أحسن الحالات 10 بالمئة . إنّ تفسير ذلك ، كما يؤكّد الأستاذ عثمان رئيس نقابة الناشرين في لبنان ، " هو أنّ اللبنانيّ لا يقرأ ، وإذا قرأ، فإنّه يفضل القراءة في اللغة الأجنبيّة ". ويضيف قائلاً : " من المؤسف أن أقول أنّ الكتب العربيّة التي تباع في لبنان يقتني أوفاها الوافدون من البلاد العربيّة . فمن المعلوم أنّ بعض ما ينشر من الكتب في لبنان يمنع في بلد عربيّ أو آخر . فإذا ما جاء المصطافون العرب مثلاً أقبلوا على شراء هذه الكتب التي لا توجد في بلادهم ".
ولكن لماذا لا يقرأ اللبنانيّ ؟... وما سبب ذلك ، مع العلم بأنّ نسبة المتعلمين في لبنان عالية بالمقارنة إلى بقية البلدان العربيّة ؟...
إنّ الأستاذ عثمان يوعز ذلك " إلى سوء التخطيط في المناهج التربويّة ". فهو يقول : " لقد أدخلت المدرسة في ذهن الطلاب أنّ الكتاب ، هو هذا الكتاب الذي يقرأ في الصف . فلم توجههم إلى كتاب المطالعة الذي يزيد من ثقافتهم ويوسع آفاق معرفتهم . فما أقلّ المحامين الذين يقرأون أو يقتنون الكتب التي تصدر حتى في الحقوق ، في ميادين تخصّصهم نفسها ؟!... وكذلك الأطباء ، وكم عدد الذين يحجزون منهم نسخهم من الكتب الطبيّة ؟!"...
إنّ متعلمينا ، للأسف ، يعتقدون أنّهم قد ملكوا علم الأولين والآخرين ، عندما ينالون الشهادة. إنّني أزور أصدقائي من المحامين والأطباء فلا أجد إلاّ قليلاً منهم من يملك مكتبة في بيته . وهذا فيما أعتقد راجع إلى أساس التوجيه التربويّ في مناهجنا ...".
هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنّ عمر القارئ العربيّ ، برأي الأستاذ بهيج عثمان ، يتراوح ما بين 17 و25 سنة . وما أن يتجاوز هذه المرحلة حتى ينصرف إلى شؤون الحياة ويخف اهتمامه بالقراءة كثيراً .
والسبب في ذلك هو أن أكثر القراء في اللغة العربية لا يقرأون إلاّ بوحي من أساتذتهم في المدارس الثانوية أو في الجامعة . ومن هنا كثرة الإقبال على الكتب ذات الصلة بالمناهج المدرسيّة أو الجامعيّة...
وعن سؤال عمّا إذا تطوّر وازداد عدد القراء في العالم العربيّ ، فإن مدير دار العلم للملايين يجيب بأنّ " نسبة القراءة قد ازدادت من غير شكّ منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية حتى يومنا هذا . ولكن هذه النسبة لم تزدد بنفس نسبة المتعلمين ، أي أنّها غير متوازية في تصاعدها مع عدد المتعلمين في العالم العربيّ .
أمّا في ما يتعلق بتطوّر ميادين القراءة ، فإنّ الإقبال كان شديداً في الأربعينات على الكتب التي تتناول موضوعات القوميّة العربيّة . وكان " سيّد السوق " آنذاك ، الباحث الكبير ساطع الحصري. فلما طُويت الأربعينات ، بدأت الكتب الاشتراكيّة تحل محلّها . فأقبل عليها القراء إقبالاً شديداً . وفي الستينات ، أخذت مواضيع الاشتراكيّة الثوريّة في الانتشار وكثرت الكتب التي تتحدّث عن الثورة في جميع ميادين الحياة العربيّة ".
ثمّ يؤكّد الأستاذ بهيج عثمان أنّه " بعد حرب حزيران 1967 ، أصاب القارئ العربيّ نوع من القرف . ولا أجد تعبيراً أدقّ من ذلك . فأهمل كلّ هذه الموضوعات السابقة ــــــ القوميّة العربيّة والاشتراكيّة والاشتراكيّة الثوريّة وزهد حتى في القراءة . وحلّ محله موجة أخرى من جمهور القراء رأى ضالته في هذه الكتب الجنسيّة الرخيصة التي تنسيه ما حوله من أحداث وتشبع نهمه الشخصيّ . فإذا بالكتاب الجنسيّ يرتفع مبيعه إلى عشرات الآلاف . وبقي الكتاب القوميّ أو العلميّ أو الأدبيّ على الرفّ ، ينتظر قارئه الذي لا يحضر ".
ولكن إلى جانب ذلك ، هناك كتب الجنسيّة العلميّة ، ويعطي الأستاذ عثمان مثلاً كتاب "حياتنا الجنسيّة " للدكتور صبري القباني ( دار العلم للملايين ) الذي طبع منه 13 طبعة وكلّ طبعة عشرة آلاف نسخة ، وكذلك أيضاً كتاب " أطفال تحت الطلب " ( لنفس المؤلف والدار )، الذي طبع منه 17 طبعة وكلّ طبعة 10 آلاف نسخة أيضاً .
وهنا يشير الأستاذ عثمان إلى ناحية وهي أنّ الفتيات ، بشكل عام ، يقبلن على قراءة الشعر، وبصورة خاصة ، شعر نزار قباني ، وهنّ في هذا الميدان يزدن عن الشباب .
اللصوصيّة العصريّة في النشر
مَهمة دور النشر مبدئياً هي أن تقوم بصلة الوصل بين الكاتب أو المفكر وبين القارئ أو السوق . وهي لا تفعل ذلك " لوجه الله " أو لتأدية " رسالة ثقافيّة ". بل هناك أيضاً وخاصة هدف الربح والتجارة . والغاية المثلى هي أن يكون هناك توافق بين نشر الثقافة والمعرفة من جهة وبين الكسب الماديّ المعقول الذي بدونه ــــــ في أوضاعنا الحالية ــــــ لا يمكن تأدية الهدف الأول من جهة أخرى .
ولكن ما يجري عادة ــــــ عدا دور النشر الملتزمة سياسياً ــــــ هو أن يطغى عامل الربح والتجارة على كلّ ما سواه وتنقلب دور النشر والترجمة والتوزيع إلى مؤسّسات تجاريّة رأسماليّة همها الأساسيّ ــــ كأيّ مؤسّسة رأسماليّة ــــــ الكسب السريع والكبير وبأيّة طريقة كانت .
ولهذا السبب يثار حول أعمال ونشاط بعض دور النشر في لبنان لغط كبير ، وتطلق الاتهامات وتقام الدعاوي . بل ولا يُخفى على أحد أنّ هناك عملياتِ سرقة وتزوير ترتكب بالنسبة للكتب العربيّة ، وخاصة منها ما يسمّى بكتب التّراث العربيّ .
وليس هناك أجدر من الأستاذ بهيج عثمان ، رئيس نقابة الناشرين اللبنانيين ، ليجيبنا عن هذه التساؤلات : " لا ريب بأنّ بعض الناشرين وأكثرهم غير منتمين إلى نقابة الناشرين اللبنانيين ، يصدرون بين حين وآخر كتباً لا يملكون حقوق نشرها . أمّا الكتب المترجمة، فمن الواضح أنّنا بموجب ارتباطنا باتفاقيّة " بِرْن " ( عاصمة سويسرا ) يتوجّب علينا أن نؤدّي للمؤلِّف الذي تترجم آثاره حقوق التأليف . وهؤلاء الذين يقومون بهذا العمل دون أداء هذه الحقوق ، يخالفون قانون النشر. وأمّا الذين ينشرون كتب التّراث العربيّ ــــــ إن نقلوا عن طبعة لغيرهم ــــــ فإنّما يعتدون على حقوق الطبع للناشر ".
" ولكن الأخطر من هذا كلّه أن يوجد في لبنان وسوريا وإيران من ينشر كتباً ما زال أصحابها أحياء يعيشون من إيرادها الضئيل ، وهذا أشنع ضروب القرصنة واللصوصيّة ". " وعلى الدول العربيّة وسائر الدول الأخرى أن تتعاون لمكافحة هذا النّوع من اللصوصيّة العصريّة وذلك بأن تسنّ القوانين الرادعة وأن يحسن تطبيقها ، وهذا أهمّ شيء ".
" ومن المؤسف أن أصرّح بأنّ في السوق اليوم عدداً من هذه الكتب التي يستثمرها مَن لا صلة شرعيّة لديها ، في الوقت الذي يحتاج مؤلفها إلى ما يسدّ به رمقه . ومن المؤسف أيضاً أنّ هؤلاء المعتدين قد أفلتوا من رقابة القانون التي هي عندنا كالغربال الكثير الثقوب يستطيع أن يتسرّب منها المعتدون كأنّهم أبرياء . وتدرس نقابة الناشرين اليوم وسائل جديدة تؤدّي إلى الحدّ من هذه الآفة، ونرجو أن تلقي المعاونة المنشودة من السلطة اللبنانيّة ، لكي تحتفظ لبلدنا سمعته في عالم الفكر ، هذه السمعة التي طالما تبجحنا بها ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[1] ) أنظر ، جريدة " المحرر "، 18 شباط 1972