النهار - رد على كمال وهبي: تصويب على التصويب
إعلام وصحافة /
فكرية /
2010-10-17
الأحد 17-10-2010
رد على كمال وهبي: تصويب على التصويب
بقلم يوسف معوض
تقويم وأيّما تقويم، شكّلته مداخلة الدكتور كمال وهبي(1). فلقد أدت لكل مشارك في محور "علاقة الشيعة بلبنان"، حصته من التصويب الدقيق والتلقين المنهجي. وبنتيجة التمحيص، وجد الدكتور كمال "أن بعض الأقلام التي شاركت في المحور قد ابتعدت عن الموضوعية ونأت بنفسها عن المحطات والوقائع التاريخية الثابتة في تاريخ الشيعة وجبل عامل". وقد أصابتني بعض شظايا مراجعته، وإذ أشكره على فتح باب النقاش، انتهز الفرصة المتاحة وجوابي يأتي على صعيدين:
1- في قضية "كامل بك،
شنقنا لك عبد الكريم"
يقول الدكتور وهبي: "أما اذا طالعنا مقالة السيد يوسف معوض "عطوفة كامل بك والثورة المستحيلة" فإنه ذكر كلاماً خطيراً نسبه الى مرجع تاريخي، إنه أمام جمال باشا، المتفوه أسعد الشقيري في دار آل الفضل، "كامل بك شنقنالك عبد الكريم"، والشهيد عبد الكريم الخليل هو أحد خصوم كامل بك في تلك المرحلة. هذا الكلام فيه الكثير من المغالطات، لأن أحد رجال الدين(2) المعادين لكامل الاسعد آنذاك قد أطلق هذه التهمة. مع احترامي للاستاذ معوض وللمرجع الذي عاد اليه: هل تآمر كامل بك الجد مع العثمانيين من أجل شنق عبد الكريم الخليل؟"، أي بمعنى آخر، هل من وشاية؟
هذا التساؤل هو بيت القصيد وها قد وضع الدكتور وهبي الاصبع على الجرح! أما الجواب فليس عندي بل عند جمال باشا بالذات، وتحديداً في ثنايا كتاب مذكراته الذي صدر باللغة الانكليزية في لندن عام 1922. يذكر هذا "القومندان" الملقّب بالسفاح، أن أسعد الشقيري، مفتي الجيش العثماني الرابع، دخل عليه محذّراً من بوادر فتنة في بعض الانحاء السورية، ولافتاً أن كامل بك الأسعد على استعداد لتزويد المسؤولين العثمانيين بالخبر اليقين. وكان ذلك في ربيع 1915. ويتابع جمال باشا على هذا النحو: "استدعيت كامل بك الأسعد بواسطة التلغراف، فلحق بي الى القدس. وهذا ما صرّح لي به عند قدومه: "أفندم! إن سعادتكم وضعت ثقتها الغالية بالاصلاحيين وتركت لهم حريّة النشاط المطلق في البلاد. واني فيما أخشى أن يستغلوا هذه الثقة التي أوليتهم ايّاها. وها هو رضا بك الصلح ومعه عبد الكريم الخليل يقومان في هذا الوقت بالذات بتنظيم انتفاضة في منطقة صور وصيدا. ليت سعادتكم تقوم ببعض التحريات للتثبّت ممّا أقوله"(3). بالنتيجة ألقي القبض على عبد الكريم الخليل وحكم عليه بالاعدام ونفّذ به شنقاً.
هذه الاحالة إلى نص يعود إلى 1922 ليست بنية افحام مصدر أو إحراج آخر ولا بهدف كسر المحرّم tabou ، وعذري أني أتساءل كيف للباحث أن يجعل من نفسه طرفاً في نزاع قام منذ حوالى قرن! ولذلك أجد لزاماً على من تابع أخبار جبل عامل وتاريخ "الأمة القلقة" مطالعة كتاب صابرينا مرفان، وفيه الكثير الكثير. ومنه انه عندما "قرر بشارة الخوري مدير جريدة البرق، ان ينشر على حلقات ترجمة عربية لمذكرات جمال باشا، بعد انتهاء الحرب، فما كان من كامل الأسعد إلا أن عرض عليه مبلغاً كبيراً من المال ليثنيه عن قصده، فلم ينجح في ذلك" (4).
2- "في التجني والتسرع
والأحكام الخاطئة"
على مقلب آخر، يقول الدكتور وهبي "ثم ان محاولة الدكتور يوسف معوض الايحاء بالاغتيال السياسي والتشفّي من الأخصام كما حدث في عهد الشهابيين مع الجنبلاطيين واعدام بشير جنبلاط وغيره، ومقارنة تاريخ جبل عامل بتاريخ جبل لبنان فيه الكثير من التجنّي والتسرّع والأحكام الخاطئة". وهنا يتعرّض الزميل الأستاذ كمال الى موضوع سوسيولوجي أوسع من التدقيق في وقوع حادثة، وجوابنا:
في التجني: هل يقصد الدكتور كمال أن أهل جبل عامل منزهون عن تلك الشيم التي طبعت الحياة السياسية أيام الامارة الشهابية كالغدر و"التسلبط" والنكث بالعهد إلخ؟ ألسنا جميعاً "بالهوى سوا"؟. ألم يقل نزار قباني فينا أبناء جلدته: "فنحن شعوبٌ من الجاهلية ونحن التقلبُ ... نحن التذبذبُ ... والباطنية ..." (5).
ان أبناء جبل عامل أبدوا ما أبدوه من البأس وقدّموا كل الدعم للمجاهد أدهم خنجر، الثائر على الاحتلال الفرنسي! وهذا أقل الايمان فهم قوم من صفوة العرب ومجتمعهم ريفي أو عشائري ان شئنا. إلا أن بعض زعاماتهم مارست الازدواجيّة و"التذبذب والباطنية" في التعاطي مع الانتداب. وبالتالي لا نستغرب قصيدة هجاء نظمها عبد الحسين عبد الله حول دور بعض الذوات في تجمّع وادي الحجير الذي شكل رمزية الوحدة والقدرة في ميثولوجيا "عاملة":
"وادي الحجير ولست أذكر يومه
أخشى فضيحة سره المستور"(6) في التسرع: هل ان مجرد المقارنة بين جبلين متاخمين يشكل ضرباً من التسرّع ؟ وكيف يسلخ تاريخ بلاد بشارة عن تاريخ "الامارة" والعلاقات كانت قائمة على كل المستويات وإن لم يؤرخ لها بشكل منتظم؟ واني لأورد حادثة تشكل دليلاً على تشابك العلاقات: فعندما انسحبت جيوش نابوليون بونابرت من أمام أسوار عكا (1799)، انصب غضب الجزّار على كل من الأمير بشير وعلى زعماء جبل عامل! فيخبرنا حيدر الشهابي في هذا الخصوص أن "خاف الأمير بشير وجميع الناس من الجزّار لعدم سعفتهم له، وهربت المتاولة (هكذا) وحضروا الى عند الامير بشير فلم يقدر يحميهم خوفاً من الجزّار"(7). فالظلم يجمع ضحاياه كما الاقتصاد يوحّد المستهلكين. وقافلة الحنطة التي أرسلها آل الزين إلى دير رهبان أنقذته إبان الحرب العالمية الأولى من بلاء المجاعة. فنتعاضد بيننا وتنكيل ببعضنا البعض.
في الأحكام الخاطئة: وبالنتيجة فإن سلك الدكتور وهبي طريق المفاضلة بين جبل لبنان وجبل عامل "المبتلع"، وهذا أسلوب أدبي لم يعد دارجاً، فإني أحيله إلى رسالة الشيخ ناصيف اليازجي وفيها أن: "هذه البلاد (أي الامارة الشهابية، أي حكومة الدروز) أعظم بلاد العشائر قدراً وأشدها بأساً وأكثرها اشرافاً وأوسعها بقعة وحاكمها أكبر حكّام العشائر. وكلّهم ينتمون اليه ويعظّمونه ولا سيما أصحاب جبل عامل ووادي التيم وبعلبك، فانهم يعتبرونه كحاكم عليهم ولا يصدرون في العظائم الا عن أمره"(8).
ومجدّداً كلنا في الوطن الواسع "نبايع أربابنا في الصباح، ونأكلهم حين تأتي العشيّة"(9). وما قولي المركز على القواسم المشتركة بضائر!
مراجع
1- كمال وهبي: "كامل الأسعد والعصبة المأزومة"، "النهار"، 3 تشرين أول 2010، "قضايا النهار"، ص .9.
2- وهو السيد حسن الأمين الذي أبى الدكتور وهبي ذكر اسمه لأسباب تتخطانا.
3- Djemal Pasha, Memories of a Turkish Statesman, London, 1922, p. 206
4- صابرينا مرفان، حركة الاصلاح الشيعي، ترجمة هيثم الأمين، "دار النهار"، بيروت، 2003 ، ص 409.
5- نزار قباني، قصيدة جمال عبد الناصر، ديوان "لا"، بيروت، 1973، ص. 14.
6- صابرينا مرفان، المرجع نفسه، ص. 5 ـ 424
7- حيدر الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، أسد رستم وفؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1969 . ص 193.
8- الشيخ ناصيف اليازجي، رسالة تاريخية في أحوال لبنان في عهده الاقطاعي، مطبعة القديس بولس، حريصا، ص. 20.
9- نزار قباني، المرجع نفسه.
(محامٍ واستاذ جامعي)