محمد حسين - اللغة العربية.. مشاكل وحلول
دراسات /
تربوية /
2010-12-11
اللغة العربية.. مشاكل وحلول
محمد حسين
تعاجمت اللغة العربية على ألسنتنا ، وأصبح أولادنا كأولاد الروم والفرنجة ، لا يستقيم لسانهم بلغة أجدادهم ، والجميع يدرك فداحة الخطر لكنهم يتفرجون ! إلا من رحم ربي ،تعلم اللغة وتعليمها ، وسائل الإعلام ، عامية الحياة اليومية .. ، كلها مؤثرات تدعونا للانتباه وفتح ملف لغتنا الجميلة التي صارت عسراً ، بعد أن كانت زلالاً يسراً.
• المعلم يقيم نفسه
• الحركة التي تضبط حرف الألف
المعلم يقيم نفسه
اللغة إن كانت من وسائل الاتصال اللغوي المهمة بين أفراد المجتمع، فهي أيضًا وسيلة للتعليم تترك آثارًا بنَّاءة في القدرات العقلية وعناصر التفكير؛ إذ إنها تحمل للعقل أنماطًا من الأساليب، وتنقله من تفكير إلى تفكير، وتعينه على الفهم العميق والإدراك الواسع، وتوليد المعاني والأفكار.
وكان يُنظر إلى اللغة العربية قديمًا على أنها عدة فروع مستقلة هي: القواعد النحوية، القراءة، التعبير بنوعيه الشفوي والتحريري، الإملاء، والقصة، الأدب، وعلوم البلاغة. أما الآن أصبح يُنظر إليها على أنها فنون أربعة هي: الاستماع، الحديث، القراءة، والكتابة. وتعليم اللغة يجب أن يتم في ضوء هذه الفنون الأربعة.
ومن هنا اتجهت المدرسة في مرحلة التعليم الأساسي إلى الاهتمام بتعليم فنون اللغة، ومن أهدافها المهمة تزويد التلاميذ بالمهارات الأساسية للغة، مع تنمية هذه المهارات بما يتناسب مع قدراتهم العقلية، بحيث يتمكن في نهاية هذه المرحلة من استخدام اللغة استخدامًا صحيحًا في الاتصال والدراسة؛ لأن مرحلة التعليم الأساسي (6: 15 سنة) قد تكون مرحلة منتهية بالنسبة لعدد من التلاميذ؛ لذلك فهم بحاجة إلى السيطرة على فنون اللغة الأربعة حتى يستطيعوا التعامل مع مجتمعهم بكفاءة، ومن ثَم يمكنهم تحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية الذاتية.
أما الآخرون الذين سيواصلون تعلميهم، فاللغة في غاية الأهمية بالنسبة لهم؛ لأنها أساس المراحل التعليمية اللاحقة، بل إن نجاحهم في المراحل التالية يتوقف على نجاحهم في مرحلة التعليم الأساسي.
وهنا سؤال يطرح نفسه: هل نجحت مرحلة التعليم الأساسي فعلاً في تزويد تلاميذها بالمهارات الأساسية للغة؟ وهل هؤلاء التلاميذ يستخدمون اللغة استخدامًا صحيحًا؟ الواقع يجيب فيما يلي:
- ما سجَّله مُوجِّهو اللغة العربية في كثير من سجلات الزيارات بمدارس التعليم الأساسي من ضعف التلاميذ وتدنِّي مستواهم.
- مقال نشرته جريدة الأهرام في 19/12/1983 للأستاذ أنيس منصور، مما جاء فيه "إن الآباء غاضبون من أن أولادهم عاجزون عن كتابة خطاب واحد يطلبون فيه وظيفة"
- دراسة تمَّت سنة 1984 بجامعة الإسكندرية، تناولت الأخطاء الشائعة في التعبير الكتابي لدى طلاب الصف الثالث الثانوي، جاءت النتائج مؤكدة ضعف وعجز تلاميذ المرحلة الثانوية عن توظيف ما يدرسون من قواعد نحوية في أحاديثهم وكتابتهم؛ فشاع اللحن على ألسنتهم وكثرت الأخطاء في كتاباتهم.
- دراسة أخرى سنة 1991 بجامعة المنصورة، كشفت عن أن الضعف المتفشي ليس قاصرًا على مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي فقط، بل يشمل أيضًا طلاب الجامعات؛ فهم عاجزون عن تدوين مذكراتهم وتلخيص محاضراتهم، عاجزون عن إرسال برقية أو كتابة دعوة أو رسالة.
- دراسة ثالثة سنة 1995 بجامعة الزقازيق، أسفرت عن النتائج التالية:
1- تداخل الألفاظ العامية مع الفصحى في كتابات تلاميذ الصف الثامن من مرحلة التعليم الأساسي، فقد استعار التلاميذ من العامية استخدام جمع المذكر السالم دائمًا بالياء، والأفعال الخمسة محذوفًا منها النون، أما الأسماء الخمسة فهي مرفوعة بالواو واستعملها التلاميذ في الحالات الثلاث، رفعًا ونصبًا وجرًّا، دون مراعاة للوظيفة النحوية للكلمة أو الموقع الوظيفي لها )66%). كما لم يفرق التلاميذ بين جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم.
2- وضع المذكر في موضع المؤنث والعكس، وهو ما يُسمَّى بالتطابق النوعي.
3- كان التلاميذ الذين درسوا الصف السادس أفضل من الذين درسوا الصف الخامس فقط، في احتفاظهم بما تعلموه من نحو في مرحلة التعليم الأساسي، كما كانوا أكثر نجاحًا في توظيف هذا النحو في كتاباتهم.
4- وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى (0,05) بين متوسطي أخطاء البنين والبنات في استخدام الأساليب النحوية والاشتقاق، تؤكد تفوق البنين على البنات.
كيف؟.. ولماذا؟.. والحل
فقام بعض الدارسين المهتمين بظاهرة ضعف التلاميذ وتدني مستواهم في اللغة العربية حديثًا وكتابة، بعدة لقاءات مفتوحة مع مجموعات متنوعة من معلمي اللغة العربية بمرحلة التعليم الأساسي؛ للوقوف على أهم أسباب هذا الضعف.
وأسفرت هذه المقابلات عن أن مُعلِّم اللغة العربية ضمن الأسباب الحيوية والمهمة لتفشي هذا الضعف. وقد أثار هؤلاء المعلمون العديد من الجوانب التي تدين أكثرهم بضعف المستوى العلمي واللغوي.
من أهم هذه الجوانب ما يأتي:
* معلم اللغة العربية درس بكليات الآداب أو التربية قسم اللغة العربية، والغالبية العظمى منهم لم تكن دراسة اللغة العربية هدفهم، ولم يدرسوها حبًّا في دراستها، بل أهَّلهم لدراستها إما المجموع أو الأمل في العمل بعد التخرج بإحدى الدول العربية، أو المكافأة التي كانت تمنح لدراسي اللغة العربية تشجيعًا لهم ولغيرهم حتى يُقْبلوا على دراستها، أي أنهم يدرسون مواد لا تتفق مع ميولهم ولا تشبع رغباتهم؛ وبالتالي فتحصيلهم من أجل النجاح لا من أجل السيطرة على فنون اللغة ومهاراتها، ومن الطبيعي ألا ننتظر من مثل هؤلاء الدارسين أن يكونوا معلمين أكفاء.
* طالب قسم اللغة العربية اليوم هو معلم الغد، من أين يتكلم العربية الصحيحة وهو لم يسمعها من معلمه خلال مراحل تعليمه المختلفة؟!
* في مرحلة التعليم الأساسي والمرحلة الثانوية لغة الدراسة هي اللغة العامية الدارجة حتى في درس القواعد النحوية العربية، ودراسته الجامعية في أقسام اللغة العربية تُلقى فيها أكثر المحاضرات بالعامية الدارجة، أضف إلى ذلك ما عليه عدد لا بأس به من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من ضعف المستوى اللغوي وهشاشة المادة العلمية.
* فإذا كان ربُّ البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت كلُّهم الرقص!!
* ومن الأمور الخطيرة أن ينصرف اهتمام الكثير من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات - خاصة الجامعات الإقليمية - إلى بيع كتبهم ومذكراتهم أكثر من اهتمامهم بالمادة العلمية التي يقدمونها، بل أكثر من مواظبتهم على محاضراتهم؛ فقد لا تتعدى المحاضرات عدد أصابع اليدين طوال العام الدراسي. وحدِّث في هذين الجانبين ولا حرج، نتيجة ذلك يضطر الطلاب إلى الاعتماد على الكتاب يحفظونه عن ظهر قلب دون فهم أو تدريب، فكيف يكون الحال إذا كان هذا الكتاب من كتب النحو؟ إن دراسة النحو لا تؤتي ثمارها إلا لمن وعى مفاهيمها وتمكن من أساليبها وعرف مبادئها وتدرّب عليها.
ولو بحثنا إعداد معلم اللغة العربية بكليات التربية نجد أن:
1- الطالب مشتت بين المواد التربوية والمواد الأكاديمية، كم من المواد الدراسية والكتب التربوية والأكاديمية لا يستفيد منها في وظيفته كمعلم إلا قليلاً.
2- التدريب العملي لهؤلاء الطلاب لا يحقق أهدافه المرجوة لعدة أسباب:
أ- يتم أحيانًا توزيع مجموعات كبيرة من الطلاب على مدارس محدودة الفصول لا تحتمل هذه الأعداد؛ مما يؤدى إلى قصر عملية التدريس على القليل من هؤلاء الطلاب وحرمان الآخرين.
ب- حتى لو كان عدد المجموعات مناسبًا، فلا يمارس الطالب عملية التدريس سوى مرتين أو ثلاث على الأكثر طوال العام.
ج- بعض المدارس لا تسمح للمتدربين إلا بحصة أو حصتين فقط في يوم التدريب، وتعتبر يوم التدريب مضيعة للوقت، هذا بالإضافة إلى أن المدرسين الأساسيين ينتقدون الطلاب المتدربين ويستهينون بهم أمام التلاميذ.
د- تهاون الكثير من المشرفين الفنيين على هؤلاء الطلاب في متابعتهم وتوجيههم وتقويم أدائهم.
ومن العوامل المؤثرة في مستوى المعلم أيضًا - كما يراها المعلمون أنفسهم - قلة الدخل الشهري لهم، خاصة مُدرِّس اللغة العربية بالمدارس الخاصة؛ إذ إنهم يتقاضون مرتبات أقل من زملائهم معلمي اللغات والرياضيات أو العلوم.
ترقية المعلمين تتم وفق الأقدمية لا وفق الكفاءة والتميز؛ مما يدفع الكثير منهم إلى عدم المبالاة وعدم الحماس لتنمية نفسه مهنيًّا وعلميًّا، واكتساب مهارات جديدة لمسايرة التطور التكنولوجي.
الحركة التي تضبط حرف الألف
عندما لاحظت أن ابنتي تلميذة بالصف الثالث الابتدائي تكتب ما لديها من خواطر باللهجة العامية، نبهتها إلى أن هذه اللهجة التي تتكلم بها في حياتنا اليومية ليست لغة تكتب بها، وأننا إذا أردنا التعبير كتابة عما نريد وما يختلج في أنفسنا لَزِمَنا أن نصيغ هذه الخواطر بلغة فصحى وليس بعامية دارجة.
ثم قفز إلى ذهني ذلك المشهد الذي أضحكني وأبكاني، وهو أنني كنت جالسًا بالمدرسة التي أعمل بها بالقرب من موجِّه اللغة العربية والذي يقوم بالإشراف على مجموعة من طالبات كلية الآداب اللائى يتم إعدادهن ليصبحن مدرسات بعد عام أو اثنين على الأكثر، عندما سأل ذلك الأستاذ إحداهن عن اسمها فقالت "أسماء" فسألها عن الحركة التي تضبط حرف الألف الذي يعقب الميم وهل هي الفتحة أو الضمة أو السكون، فتلعثمت مدرسة الغد القريب ولم تسعفها الإجابة الصحيحة.
وكذلك إذا تذكرت ما أشاهده من أخطاء إملائية فيما أقرأ من مجلات حائط أو إرشادات قام بإعدادها مدرسات للغة العربية، ولن أتحدث عن ضياع مخارج حروف كالتاء والذال والظاء والجيم؛ لأن ذلك يُعَدُّ من نافلة القول في بلد كمصر.
كل ذلك أشعرني بشدة أن اللغة العربية من حيث تعليمها وتعلمها تعيش أزمة شديدة؛ إذ مثل هؤلاء المعلمين والمعلمات منوطٌ بهم تعليم أبنائنا، وقد عذرت ابنتي تلميذة الثالث الابتدائي حينئذ؛ إذ استسلمت التعبير عن خواطرها بالعامية، ولكنني بعد مناقشات مع معلمي ومعلمات اللغة العربية رأيت أن في إلقاء اللوم عليهم أو عليهن تجنٍّ شديد، ذلكم أن خريج التربية قسم اللغة العربية لم يدرس كتابًا متكاملاً في النحو، وأنه وحتى تخرجه يكون غير قادر على التعامل مع كتب التراث ابتداءً من "شذور الذهب" - والذي كان منذ عقود يدرسه طلاب الصف الرابع الابتدائي بالأزهر الشريف - وحتى شرح ابن عقيل وحواشيه.
وأنه إذ ينفق كثيرًا من وقت دراسته بالكلية في تعلم مدارس الأدب حديثه وقديمة، فإنه لا يبذل معشار هذا الوقت في تعلم أصول اللغة.
ولا اعتراض لنا بالطبع على أن يحيط معلم اللغة العربية بالمدارس الأدبية والمذاهب النقدية، ولكن عندما تكون المهمة إعداد معلم للغة العربية، فماذا يكون له الأولوية: إحاطته بمدارس النقد الأدبي أم بأصول هذه اللغة وأوجه إعراب كلماتها؟!
قد يستطيع الطالب عقب تخرجه بغير كثير من العناء أن يحيط بمدارس النقد الأدبي إن رأى ذلك متعلقًا بما يقوم بتدريسه، أو رأى مزيد علم ودراسة فيه، لكن قدرته على أن يتعلم النحو وأن يغوص في شروح الألفية دون أن يُعَدّ لذلك يقف دونها كثير من الصعاب.
فإذا كان الطالب الجامعي يُعَدّ للتدريس للمرحلة الإعدادية مثلاً، فإن إحاطته بعلم كالنحو ينبغي أن يخصص لها خلال إعداده أضعاف ما يخصص لإحاطته بمذاهب النقد الأدبي من ساعات.
والحق أن تعليم اللغة العربية في مدارسنا يعاني مشكلات عديدة نتاجها من نراه من متخرجي الجامعات الذين يجهلون قواعد الإملاء بل قواعد النحو وعلم الصرف، وحتى لا ندور في حلقة مفرغة فإن الأهمية الكبرى ينبغي أن توجه أولاً نحو: إعداد معلم اللغة العربية؛ لأنه في ظل مستوى المعلمين الذي نراه في مدارسنا يصبح انتظار مستوى جيد للطالب أملاً زائفًا لا مقدمات تؤدي إليه فإن من زرع الحنظل لا يرتجي أن يجتني السكر من غرسه.
وحتى نكون واقعيين فإننا نتعامل مع طالب متخرج من المرحلة الثانوية لا يعرف جيدًا علامات الفعل من علامات الاسم، ولا يحسن أن يقيم جملة عربية صحيحة ولا يستطيع أن يتحدث الفصحى دقائق معدودة؛ ولذا فإن منهج إعداد هذا الطالب ليكون معلمًا جيدًا يجب أن يتعامل مع هذا المستوى الذي يستقبله، وحبّذا لو عقدنا اختبارًا للراغبين في الالتحاق بقسم اللغة العربية بكليات التربية والآداب، كما يتم ذلك بأقسام اللغة الإنجليزية، ويكون الغرض من هذا الاختيارأمرين:
الأول: التعرف على مستويات الطلاب قبل التعامل معهم.
الثاني: استبعاد من يُرى أن مستواه أدنى بكثير من أقرانه، نحن هنا نقارنه بزملائه وليس ما ينبغي أن يكون عليه.
ثم إن مناهج إعداد الطالب بالكلية يجب أن يكون أكثر ساعاتها تخصصًا لبناء "معلم لغة عربية"، وأعني أنه سيخصص في تدريس اللغة العربية، ومن غير المعقول أن تهتم بإعداد شخصيته المعلم فيه قبل أن يُعِدّ شخصية المتخصص في اللغة العربية، ذلكم أن كليات التربية لا سيما في السنة الثالثة والرابعة تهتم بإعداد المعلم أكثر من اهتمامها بإعداد المتخصص في المادة التي سيقوم بتدريسها، ولا شك في أهمية إعداد المعلم من حيث إحاطته بعلم النفس التعليمي والمناهج وطرق التدريس وتاريخ التعليم وفلسفة التربية، لكنني أرى أن بعض هذه العلوم التربوية يُقال عدم تدريسها من كفاءة المعلم كتاريخ التربية وتاريخ التعليم وعلم النفس العام والاجتماعي، على أن يتخصص فيها من يشاء خلال مرحلة الدراسات العليا، ويكون التركيز الأكبر على تدريس اللغة وعلومها مع ضرورة الاهتمام بالصوتيات، فاللغة أصلاً سماعية ولا يجدي أن يتقن المعلم أصول اللغة وتفهمها مع عدم قدرته على التحدث بها بشكل صحيح.
وهناك اقتراح أراه مناسبًا وهو أن يتفرغ الطالب تمامًا خلال سنوات دراسته الجامعية لتعلم اللغة وآدابها، ثم تكون هناك سنة خامسة بعد التخرج لدراسته العلوم التربوية، مع إعطائه خلال هذه السنة الخامسة مكافأة تعادل مرتبه إذا تم تعيينه؛ وذلك لتحفيز الطلاب وتشجيعهم على الالتحاق بأقسام اللغة العربية.
هذا فيما يتعلق بإعداد المعلم.. أما ما يتعلق بإعداد الطالب في المرحلة قبل الجامعية فلذلك وقفة أخرى.