د. دندشلي للراية - النموّ الثقافيّ والفكريّ يجب أن يكون هو الموجّه للتنمية الاقتصاديّة
إعلام وصحافة /
سياسية ثقافية /
1981-10-17
الدكتور مصطفى دندشلي لـ" الراية ":
النموّ الثقافيّ والفكريّ يجب أن يكون هو الموجّه للتنمية الاقتصاديّة .(1)
الدكتور مصطفى دندشلي رئيس المركز الثقافيّ للتعليم والدراسات الجامعيّة في صيدا . يحدّثنا من موقع المسؤول المباشر عن نشاطات هذا المركز وأهميته على صعيد الثقافة والاجتماع والتربية في صيدا والجنوب .
وهو إضافة إلى مهامه المسؤولة هذه أستاذ في الجامعة اللبنانيّة ، فروع صيدا لمادة "الأنتروبولوجيا " وعلم اجتماع الشرق الأوسط .
صدر له كتاب هو عبارة عن أطروحة دكتوراه عن حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ 1940 ـ 1963 ويعمل حالياً على تنمية هذا البحث وإصداره عدّة أجزاء منه ، إضافة إلى عدّة دراسات عن عبد الناصر والتجربة الوحدويّة في الفكر العربيّ .
وعن نشاطات المركز وأهميته حدثنا الدكتور دندشلي في حوار مسهّب سألناه فيه :
* كيف تمّ تأسيس المركز الثقافيّ للتعليم والدراسات الجامعيّة في صيدا ؟…
ـ لقد تأسس المركز الثقافيّ للتعليم والدراسات الجامعيّة في صيدا منذ ما يقارب من ثلاث سنوات وهو يضمّ مجموعة من مثقّفي صيدا ومربيها ومن الفعاليات الاجتماعيّة فيها . وقد وضع له جملة من الأهداف يسعى إلى تحقيقها . أهمّها :
1 ـ تقديم سلفة ماليّة للطلاب والطالبات المجتهدين والمبرزين دراسياً في صيدا والجنوب والذين تحول أوضاعهم الماديّة ، وظروفهم الاجتماعيّة من متابعة تحصيلهم العلميّ الجامعيّ .
لذلك فالمركز الثقافي في صيدا وفي هذا المجال هو أول مؤسّسة تربويّة ثقافيّة فتحت الباب على مصراعيه للشبان والشابات ذوي الكفاءات العلميّة ، من أجل متابعة تحصيلهم الدراسيّ .
فهناك فكرة إنسانيّة وراء ذلك تتلخص في أنّ ذوي المواهب العلميّة كانوا يتساقطون وتقف أمامهم الموانع الماديّة في صعودهم التعليميّ في حين أنّ من هم أقلّ منهم كفاءة وعلماً كانوا يواصلون تعليمهم بسبب ظروفهم وانتماءاتهم الاجتماعيّة الميسورة .
لهذا أستطيع أن أؤكد بأنّه مع تأسيس المركز الثقافيّ في صيدا لم يبق التعليم حكراً لفئة دون أخرى . ولم يستطع أحد أن يقول بأنّه لم يتابع تحصيله الجامعيّ بسبب من عائق ماليّ . إذا كانت تتوفر فيه الشروط الأخرى وإنّنا نقدّم قروضاً ماليّة للطلاب والطالبات على أن يسددوا تدريجياً ما تقاضوه من المركز الثقافيّ بعد انتهائهم من دراستهم الجامعيّة وبالفعل فقد قرر المركز تقديم واحداً وعشرين سلفة ماليّة لطلاب وطالبات موزعين في مختلف جامعات العالم ، في فرنسا ، أميركا ، لندن، بلجيكا ، رومانيا ، بلغاريا إضافة إلى الجامعة الأميركيّة في بيروت ، واليسوعيّة ، وجامعة بيروت العربيّة وغيرها .
2 ـ إنشاء مركز ثقافيّ في مدينة صيدا يضمّ مثلاً ، قاعات للمحاضرات والندوات والمعارض والمسرح . كذلك مكتبة عامة في المدينة . إذ أنّ صيدا تفتقر أشدّ الافتقار خاصة إلى وجود مكتبة عامة فيها .
لا شكّ في أنّ هذه الاهتمامات يجب أن تكون من اهتمامات الدولة ، أو على أقلّ تقدير من المؤسّسات الرسميّة ، أو شبه الرسميّة ولكننا نعلم خاصة في ظروفنا الحاليّة أنّ آخر ما كان يفكر فيه المسؤولون هو الأمور الثقافيّة والفكريّة ، لذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف الحيويّ بالنسبة لصيدا أو منطقتها والجنوب أيضاً نعمل الآن على إخراج هذا الطموح إلى حيّز التنفيذ ذلك لأنّنا نعتقد وكما أشرنا في العديد من بياتنا ونشراتنا السابقة أنّ التنمية الاقتصاديّة يجب أن يسبقها ويرافقها تنمية على صعيد الفكر والثقافة .
بل أكثر من ذلك النموّ الثقافيّ والفكريّ يجب أن يكون هو الموجّه للتنمية الاقتصاديّة أو العمرانيّة . فتجربتنا المتواضعة في هذا النطاق تريد أن تشدّد على التوافق العضويّ بين الثقافة وبين التنمية الاجتماعيّة الحقيقيّة .
ولا بدّ أن أشير في هذا المجال أيضاً بأنّه مع وجود ما يزيد من أربعين مدرسة ابتدائيّة ومتوسطة وثانويّة في صيدا يضاف إليها مدارس الأونروا وأخيراً تأسيس فروع للجامعة اللبنانيّة في صيدا ، أقول مع وجود هذا العدد الضخم من الطلاب والطالبات في صيدا ومنطقتها ، ليس هناك من مكتبة عامة يأمّها خاصة الطلاب الذين ينتمون إلى بيئات اجتماعيّة فقيرة ومتواضعة . والذين لا يتوفر لهم الحدّ الأدنى من شروط الأجواء المناسبة للدراسة والمطالعة ، يضاف إلى ذلك " طبعاً " عدم امتلاكهم للقدرة الماليّة لاقتناء الكتب والمجلات ، أو حتى الصحف اليوميّة .
* ماذا حقّق المركز بالنسبة لهذه المشكلة ؟...
ـ بالنسبة للمركز الثقافيّ ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد باشر هذا المركز بتأسيس نواة مكتبة عامة ( أعتقد إذا توفر لنا الحدّ الأدنى من الشروط الماليّة ستكون الأولى من نوعها في صيدا والجنوب ).
بمعنى أنّنا بدأنا منذ عام بتأسيس نواة لمكتبة عامة تضمّ أحدث الإنتاج الفكريّ والثقافيّ في لبنان ، يضاف إلى ذلك أهمّ المجلات الأسبوعيّة والدوريات الشهريّة ، والصحف . وابتدأنا بتجميع الصحف الأجنبيّة خاصة الفرنسيّة والإنكليزيّة . إذ أنّه لا يعقل للطالب الجنوبيّ خاصة الجامعيّ أن يذهب إلى بيروت حتى يطلع على الصحف الصادرة أو الكتب خاصة إذا كان بصدد تحضير بحث أو دراسة في أيّ جانب من الجوانب الثقافيّة .
3 ـ أمّا الهدف الثالث فهو تشجيع الدراسات والأبحاث العلميّة التي تتعلق بواقع صيدا والجنوب . ووراء هذا الهدف فكرة أساسيّة تحرك المركز الثقافيّ بل وأكاد أن أقول بأنّها كانت وراء تأسيس المركز الثقافيّ وتلخيصها بأنّه لا يمكن تغيير المجتمع نحو الأفضل إلاّ إذا انطلقنا من معرفة هذا الواقع معرفة علميّة ميدانيّة تفصيليّة . إذ أنّه من العسير أن نعمل على تغيير ما لا نعيه فيؤدّي بنا ذلك إلى الغوص والتخبط في المتاهات ، فلذلك عملنا في المركز على تشجيع هذا النوع من الدراسات التي لها علاقة بالواقع الحيّ الملموس الذي نعيش فيه والابتعاد عن الغيبيات والأمور العامة .
إنّنا نعتقد بأنّه هناك ما يمكن أن نسميه بنوع من الطلاق ما بين الفكر العربيّ والواقع الماديّ المحسوس . وإنّنا نميل خاصة المثقّفين منّا إلى طرح الأمور في العموميات وفي صورتها الكليّة والابتعاد لأسباب كثيرة عن معالجتها المعالجة الإحصائيّة الملموسة .
* وما معنى ذلك ؟...
ـ إعطاء صورة عمّا أسميه بالطلاق ما بين الفكر والواقع . وهو أن نلقي نظرة سريعة على إنتاجنا السياسيّ أو الاجتماعيّ ، حتى نجد بأنّ معظم هذه الأبحاث تنقصها التجربة والبحث الميدانيّ القائم على المعلومات والإحصائيات والدراسات التفصيليّة .
وهنا نحن لا ندعي بأنّنا نريد أن نضع حلاً لهذه المعضلة ، وإنّما نسعى إلى أن نبرهن بأنّ العمل الفكريّ والثقافيّ الصحيح هو الذي ينطلق من جزئيات الواقع الذي نعيش فيه من معرفة هذا الواقع الذي نستأثر به ويؤثّر فينا .
لذلك ومن أجل هذه الغاية ، عمل المركز على إصدار أول دراسة من نوعها تتعلق بقضايا التعليم في مدينة صيدا .
وقد شدّدنا على أن تكون هذه الدراسة ميدانيّة إحصائيّة تعتمد على المعلومات الواقعيّة أكثر من التحليلات العقليّة . وقد كلفتنا في الحقيقة جهداً مادياً ومعنوياً من أجل إخراجها وتعميمها على أكبر نطاق كما أنّنا نسعى إلى إصدار دراسات متتالية تتعلق جميعها بالواقع الصيداويّ ومنطقة الجنوب .
إنّنا نريد أن نقول من خلال هذه الدراسات والأبحاث الاجتماعيّة والتربويّة بأن الانطلاق من الواقع الحيّ الذي نعيش فيه .
أمّا نجاحنا أو عدم نجاحنا فذلك يتوقف على الإمكانيات الماليّة التي قد تتوفر لنا . وهذه الدراسات تريد أن تقول : عدّة أمور هي :
1 ) إنّ أيّة عملية تغيير حقيقيّ في الواقع الاجتماعيّ الذي نعيش فيه يجب أن تنطلق من معرفة هذا الواقع بكلّ تفصيلاته وجزئياته حتى تكون عملية التغيير عملية واعية سليمة وصحيحة .
2 ) إذا استطعنا أن ندرس صيدا ومنطقتها اجتماعياً ، وأن نضبط عوامل التغيير والتطوّر فيها ، نستطيع في ذات الوقت أن نكون فكرة ولو بسيطة عن العوامل التي تتحكم في تطوّر المدن اللبنانيّة .
3 ) العمل على تنظيم سلسلة من الندوات والمحاضرات ، وإذا أمكن المؤتمرات الثقافيّة والتربويّة والاجتماعيّة . والمقصود من ذلك ، هو إشاعة جوّ من الثقافة في الجنوب . إذ أنّه من الأهميّة بمكان أن تعمل كمركز ثقافيّ للإسهام في إشاعة الأجواء التربويّة والثقافيّة ، والذي يساعد على ذلك هو وجود فروع للجامعة اللبنانيّة في الجنوب . إضافة إلى إرساء نواة لمركز للتوثيق تابع للمركز الثقافيّ ، وهذا المركز يهتمّ ضمن الروحيّة أو الفكرة الأساسيّة التي ذكرت سابقاً بجمع المعلومات في الدرجة الأولى عن مدينة صيدا ومدن الجنوب فلدينا الآن " موثقة " جميع الأحداث التي وقعت في منطقتنا من اعتداءات إسرائيليّة على صيدا إلى مختلف المظاهر الثقافيّة والسياسيّة . كما يصدر قريباً ملفان يتعلقان بمدينة صيدا والثاني بالجنوب يضمان مجمل الأحداث التي حصلت في العام الماضي .
هذا العمل إذا قدر له النجاح وإذا تأمن له الداعم الماديّ الكافي يمكن أن يعتبر مشروعاً لا بدّ من أن يكون من نتائجه العمل على فهم واقعنا الذي نعيش فيه صحيحاً ودقيقاً ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1) أنظر ، مجلة " الراية "، 17 تشرين الأول 1981 .