ندوة صيدا حول كتاب الدكتور عصام سليمان - تقديم سليمان تقي الدين
ندوات /
فكرية /
2011-06-25
ندوة صيدا
حول كتاب الدكتور عصام سليمان
سليمان تقي الدين
يسعدني أن أُلبّي الدعوة لمناقشة كتاب الصديق الدكتور عصام سليمان "الجمهورية الثانية بين النصوص والممارسة". لقد نشأت بيننا صداقة تزامنت مع عهد الجمهورية الثانية وبالأصح الثالثة وترافقنا كثيراً في لقاءات وحوارات تعرفت من خلالها على الرجل الذي يمتاز بصفاء في التزامه الوطني وصدقية عالية في معالجته الشؤون الوطنية فضلاً عن الأخلاق الرفيعة وإلى ذلك كلّه هو أحد القلائل جداً الذين يساهمون في تجديد وتطور الفكر السياسي سيّما الفكر الدستوري. وقليلةً جداً في النصوص التي لم يسبق أن قرأتها في الصحف أو سمعتها في مداخلات وندوات شارك فيها الدكتور عصام سليمان. وأنا من المؤيِّدين والمشجّعين لجمع المداخلات والمساهمات الصحافية أو الندوات في كتاب رغم أن البعض يرى في ذلك منحى يختلف عن التأليف الذي يركّز الجهد على موضوع واحد.
إن أهمية كتاب الدكتور سليمان تنبع من كونه يتعامل مع القانون الدستوري ليس كنص تقني بل كمعطى أوّلي يأخذ أبعاده ويستمد معانيه من أسبابه الموجبة وظروفه التاريخية وتتحدد قيمته في ضوء الممارسة السياسية. أنه من مدرسة رباط وإلى حد من سياق محاولات الدكتور محمد مجذوب الربط بين الدستور كنص والسياسة.
كما أن تفسير الدستور سواء بقصد أكاديمي أو تعليمي أو سياسي لا يمكن أن يكون شاملاً وعميقاً ما لم يوضع على محك الممارسة العملية. بهذا المعنى أن كتاب الدكتور سليمان هو مجموعة فتاوى إذا جاز التعبير تعالج المشكلات الأساسية التي تجلّت في الممارسة بعد الطائف وبعد التعديلات الدستورية عام 1990.
ولعل الفكرة العامة الأخيرة على هذا الصعيد الإجمالي العام التي ينبغي ذكرها أن مساهمات الدكتور عصام سليمان تنتمي إلى الفقه الدستوري الحديث المعاصر الذي يرى إلى النظام الدستوري تحلّل متكامل مع البنية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع ويلحظ التفاعلات بين التيارات والقوى والاتجاهات سيّما مع الخصوصية الطائفية اللبنانية. ولعله يجب أن نذكر كيف أن الدكتور سليمان أفرد فصولاً أو إذا أصح التعبير مداخلات ومقالات لبعض العناوين التي لا يطرحها عادةً الفقه الدستوري التقليدي. لأن هاجس الدكتور سليمان هو هاجس عملي وله موقف ويهدف إلى الإصلاح وإلى جعل الدستور والحياة الدستورية إطاراً لبناء دولة القانون والمؤسسات وتعزيز الديمقراطية اللبنانية وتوسيع نطاقها وتعميقها وإلى تخطِّي الطائفية مع كل الضمانات للحفاظ على العيش المشترك. وهنا نلاحظ أن الكتاب جاء في أبواب ستة هي:
1) المؤسسات الدستورية والحياة السياسية.
2) التجربة الديمقراطية اللبنانية.
3) قانون الانتخابات والانتخابات النيابية.
4) الطائفية والتوافقية.
5) الدولة بين الواقع والمرتجى.
6) المجلس الدستوري والضعف في دستورية القوانين والطعون الانتخابية.
في موضوع المؤسسات الدستورية والحياة السياسية.
1) يُلاحظ تبدُّل القوى السياسية.
2) الوحدة الوطنية قلقة.
3) الممارسة أفرغت المؤسسات في مضمونها (المذهبية-الترويكا-اختزال المؤسسات-شخصنة الحكم).
4) غياب الكتل السياسية المتماسكة حزبياً وبرلمانياً.
5) الذهنية السياسية تعطل العمل الديمقراطي.
يُلاحظ مثلاً أنّ بنية الجمهورية الأولى بنية مركّبة – فيدرالية طوائف. يأخذ على فكرة مجلس الشيوخ في الطائف أنه سيرسّخ الفيدرالية الطائفية.
وأنا أعتقد أن الديمقراطية كنظام سياسي هي النظام الأفضل أوالأقل سوءاً ولكنها تحمل أيضاً المعطيات المناقضة لبعض القيم الإنسانية من هنا يُعاد النظر في فكرة الديمقراطية البسيطة حيث تتساوى الأصوات لمصلحة المشاركة الحقيقية الفعلية للناس وحيث تكون المجتمعات مركّبة من شرائح أو فئات أو طوائف أو إثنيات أو غير ذلك يجب أن يكون هناك ضماناً للتمثيل والمشاركة خاصةً وأن المجتمعات البسيطة التركيب تلجأ إلى التمثيل النسبي منعاً لطغيان الاتجاه السياسي والواحد على الدولة.
من هنا أدعو الدكتور سليمان للتفكير مجدداً في الديمقراطية اللبنانية من زاوية الحفاظ على العيش المشترك وربما إقترحنا كلبنانيين صيَغ أفضل عما هو موجود في الدستور.
وأود أن أشير إلى الدكتور سليمان نفسه عالج لاحقاً مسألة الطائفية السياسية وأكّد على أن هذا هو مسار تاريخي يطاول بنية المجتمع وليس فقط الدولة. وهو على حق في ما ذهب إليه.
عالج الدكتور سليمان موضوع الترويكا (الحكم الثلاثي) بوصفه منافٍ للديمقراطية وللمؤسسات وهو على حق بذلك. وقد وصف النتائج المترتبة على ذلك وصفاً دقيقاً. وطرح السؤال عمّا إذا كانت الترويكا من صلب الدستور الطائف أم هي ظاهرة طارئة عليه. وأنتقد ظاهرة المعارضة والموالاة في الحكومة. وأنا أميل أكثر للقول أن تصحيح الممارسة الدستورية تحتاج إلى تصحيح الحياة السياسية وتحديدها. لأن الدساتير والقوانين محكومة دائماً بالتوازنات السياسية ولا أعتقد أن الدكتور سليمان يعارض هذه الفكرة. ولكن ما المطلوب إذن. المطلوب هو نظام انتخابي يساعد إلى تفعيل المؤسسات وإخراجها من وطأة ضغوط موازين القوى الطائفية والسياسية والمالية كما أشار في أعطاب الديمقراطية اللبنانية. حتى أن الدكتور سليمان عندما يلاحظ أن التوافقية الوطنية في لبنان المهمة للديمقراطية اللبنانية خرجت عن إطارها الصحيح لكي تصبح محاصصة وتقاسمها للنفوذ. وهو يطرح حلاً لذلك في تحديد الوفاق الوطني وفي ضرورة قيام معارضة وطنية حقيقية برنامجية وطبعاً يركز على أهمية الحياة الحزبية كشرط من شروط معالجة المسألة الديمقراطية في لبنان من الوسائل التي أولاها الدكتور سليمان أهتمامه موضوع النظام الانتخابي لإدراكه أنه الدستور قيد الممارسة أي هو الذي يجسّد ممارسة الدستور وينشئ المؤسسات الدستورية فعلياً وهو صاحب اقتراح عملي مهم على هذا الصعيد يهدف إلى تحقيق تمثيل صحيح ويؤمّن الوفاق. وعندما نقول التمثيل الصحيح فلا يقصره الدكتور سليمان على الطوائف بل يلحظ موقعاً مهماً للمجتمع المدني الحديث للفئات الاجتماعية على مستوى الوطن وهناك كان اقتراحه الصيغة الانتخابية المركّبة (دائرة متوسطة) ودائرة على مستوى الوطن. وهذا الاقتراح جدير بالاهتمام كأحد الحلول للنظام الانتخابي وإن كنت من القائلين بأن من الأفضل أن نبحث عن حل يؤكد المساواة الشكلية أكثر. فلا يكون لدينا تمثيل عام وخاص.
ولكن الأهم في إقتراحات الدكتور سليمان وهو من أول المبادرين إلى ذلك هو تنزيه العملية الانتخابية الديمقراطية من بعض العوائق الأساسية التي برزت في الحياة المعاصرة مثلاً سلطة المال وسلطة الإعلام. لذا هو يقترح رقابة على هاتين السلطتيْن لتأمين العدالة والمساواة. وأظن أن الدكتور سليمان كانت له مساهمات جدية في تركيز فكرة أن الطائفية لا تُعالج إلاّ على مستوى المجتمع بسلسلة من الإجراءات لا بإجراء واحد. وله مقالات عديدة مهمة.
وطبعاً أنه من المدافعين النشطين عن فكرة دولة القانون وقد كتب الكثير عن شروطها.
أخيراً:
قدّم الدكتور سليمان عدة مداخلات حول أهمية المجلس الدستوري وضمن الكتاب مراجعات طعن شارك فيها أمام المجلس. ولحسن الحظ أن المجلس الدستوري أخذ بهذه الطعون ما يؤكد صوابية الآراء التي طرحها الدكتور سليمان.
أن الدكتور عصام سليمان قيمة علمية وأخلاقية ونضالية تستحق التقدير، أقول هذا الكلام لأنني خبرته وعرفت كم هو قليل عدد الرجال الذين يلتزمون بأن يضعوا علمهم في خدمة الحقيقة والوطن ولا يتردّدون في إبداء الرأي بمعزل عن الحسابات السياسية الضيقة.