كلمة د. كمال وهبي - نادي الشقيف ـ النبطية
مقالات و تحقيقات /
سياسية /
1996-05-04
نادي الشقيف ـ النبطية
بتاريخ 4 أيار 1996
د. كمال وهبي
أمين الشؤون الثقافية
بسم الله الرحمن الرحيم
" والذين جاهدوا فينا لنهديَنَّهُم سُبُلَنا وإن الله لمعَ المحسنين".
أيها الحفل الكريم،
إن من أهم الأمور المُلْفِتَةِ للنظر في محاولة إسرائيل الأخيرة على أرض لبنان البطل أمرين:
الأمر الأول، ويتمثل بوحدة المقاومة الوطنية التي سطَّرت بمرونَتها وحُسْنِ أدائها، في مواجهة "عناقيد الغضب" أروع معاني البطولة والفخار لتؤكد أن شعبنا كالنسور القشاعم التي لا تستطيع الشمس أن تُبهرَ عيونها بالنور ولا ترتضي العيش إلاّ في الأجواء النقية الصافية.
إن هذه الوحدةَ، وحدة المقاومة المتماسكة، المحددةَ الأهداف والآمال، أعادت إلى الأذهان إرادة الله في درء الأخطار ورفع الأذى عن الأبرياء إذ فَيْضَ اللهُ سبحانَه طيور الأبابيل لتُلْقيَ على أصحابِ "عناقيد الغضب" "حجارة من سجّيل" فنجعلهُم "كعصفٌ مأكول".
والأمر الآخر فيتمثّل في صمود اللبنانيين الجنوبيين وتشبّثهم بأرضهم، على الرُغم من مقذوفاتِ الحممِ التي ترميهم بها قوات الصهاينة بحراً وبراً وجواً، بحيث إن هذه المقذوفات لم تستهدفْ إلاّ وجودهم على أرضهم المجبولة بدماء الأجداد لتجمعَ بينهم رايةٌ وطنيةٌ واحدة وكأني بلسان حالهم يهتف مع المرحوم نقولا فيّاض:
لي في هوى وطني كتابٌ خالدٌ يبقى على المسطورِ من أيامي
سجَّلْتُ نصرانيتي فـي متنـهِ ونثرتُ بيـن سطورهِ إسلامي
كما أنه لم تكن عندهم أبداً أيةُ بارقةٍ تدفعهم إلى تركِ الأرض مرابعِ الطفولةِ والأحلامِ والآمال، على الرغم كذلك من عدمِ توافرُ مصادر العيشِ التي قد تعطي للصمود قيمة معنوية أقوى، لأن الأقوى عندهم، في تأكيد عملية الصمود، هو حقُ التشبّت بالأرض إذ إنَ الأرضَ هي المأوى والمنتجع والكساءُ والأم الحانية، ولا يَعْرَى إلاّ من يتخلى عن كسائهِ وما أجرى بهذا الكساء الشريفِ المقدّسِ غيرُ ترابِ الأرضِ يحضنُ الجنوبيين أحياءً ويلعنُهم أمواتاً؟.
أيها الحفل الكريم،
إن للصمودِ مع هذا قيمةً لا يعرُفها حقَّ المعرفة غيرُ الصامدين لأنهم يدْركون حقيقة الرِّباط النفسي الذي يربط المواطنَ بأرض وطنه على الرُغم من المعاناة التي قد يعانيها على تلك الأرضِ التي لا تَبْرَحُ صورتها في مُخَيِّلتهِ في سرّائه وضرّائه لأن حُبَّها قد انغرس في كل غُرْقٍ في بناءِ شخصيته الفردية والاجتماعية والإنسانية.... وأخيراً وليس أخراً ليس لي إلا أن أُحيّي المجاهدين:
يا فتية الوطن المسلوب هل أملٌ على جباهِكم السمراءِ يكتملْ
إن الطريق إلى العليـاء مظلمة ولن نظل وفي أيديَكُم شُعَـلْ