كلمة الدكتور مصطفى دندشلي في عيد العشرين للمركز الثقافي للبحوث والتوثيق
لقاءات /
ثقافية /
1999-05-02
كـلمـة
الدكتور مصطفى دندشلي (1)
أيّها الحفل الكريم
يسعدني ، في هذه الأمسية الكريمة ، أن أتقدّم إليكم بأسمى عبارات الترحيب وأجملها ، بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين لتأسيس مركزنا ، المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا .. وتكريم صديقنا العزيز العضو المؤسّس السيّد محمد علي الشمّاع للعطاءات السخيّة ، الماديّة والمعنويّة ، التي قدّمها لمركزنا ..
عشرون سنة كاملة أو يزيد تكون قد مضت الآن وكأنّها البارحة . فتمرّ في خاطري الذكريات الحميمة ، وتتداعى في ذهني البدايات الأولى .. وأتذكّر ، في ما أتذكّر ، عقد الاجتماعات التأسيسيّة تلو الاجتماعات ، هنا وهناك ، طوال شتاء 1977 ، في منازل الأصدقاء المؤسّسين ، قبل أن ننتقل من مقرّ موقت إلى مقرّ موقت آخر ، بسبب الاضطرابات العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة .. حتى استقرّ بنا المقام أخيراً ، هنا ، في هذا المركز الذي نجتمع الآن في رحابه بعد أن اشتريناه عام 1986 . ولكنّنا لم نستطع تأثيثه بالشكل المطلوب ، إلاّ في العام 1992 وذلك بسبب ضعف في الإمكانات الماليّة اللاّزمة . فملكيّة هذا المقرّ بكلّ محتوياته هي ملكيّة للمركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا . وذلك بفضل تبرعات واشتراكات الأعضاء ، وتبرعات الأصدقاء من أهالي مدينة صيدا.. كذلك ملكيّة المركز للعقارين في " درب السيم " اللذين تبرع بهما السيّد محمد علي الشماع في بداية مرحلة التأسيس .
وللحقيقة أقول ، على الرغم من الصعاب الكبرى التي واجهتنا وهي صعاب متنوّعة ، ماديّة ومعنويّة ، وعلى الرغم من الاضطرابات الأمنيّة وعدم الاستقرار السياسيّ والاجتياحات العسكريّة الإسرائيليّة المتكررة منذ أعوام 78 ، 82 ، 96 ، 96 وما سبقها وتخللها من قصف لمدينة صيدا من قِبَل ميليشيا سعد حداد ، إلاّ أنّنا كنّا قد صممنا على أن نستمر في عملنا الثقافيّ والوطنيّ والديمقراطيّ ، وأن نكون في صميم الحدث وفي قلبه ، لا خارجه أو بعيداً عنه . فكان أحد شعاراتنا الأولى هو : الاستمرار ، الاستمرار ، الاستمرار .. فلا يجوز بأيّ حال الانكفاء أو الابتعاد : لقد كان ممنوع علينا الاستسلام أو الاستقالة أو الهروب .
أيّها الحفل الكريم
اسمحوا لي أن أشير إشارة سريعة إلى أنّ مركزنا هو حركة ثقافيّة ، ديمقراطيّة ، حواريّة، من منطلقات وغايات وطموحات تغييريّة ثابتة ، وهي مستقلة تمام الاستقلال مادياً وسياسياً . وقد كنّا نحاول منذ مراحل التأسيس الأولى ، ومن خلال الممارسة العمليّة ، ولا نزال نحاول حتى الآن ، أن نعطيَ للثقافة معنىً جديداً ، معنىً ملتزماً بقضايا المجتمع وقضايا حياة الناس وقضايا الإنسان . كذلك وفي المنحى ذاته ونتيجة لذلك ، فقد أردنا أن نعطي لمفهوم المثقّف معنىً جديداً أيضاً ، معنى ملتصقاً بالواقع الاجتماعيّ من أجل إحداث عمليّة التغيير الاجتماعيّ أقلّه على صعيد الفكر والتصوّر النظريّ ، التغيير نحو الأفضل ولمصلحة الإنسان . فأطلقنا ، منذ ذلك الحين ، مفاهيم الثقافة الملتزمة والمثقّف الملتزم ، تمييزاً لهما عن الثقافة المزيّفة والمثقّف المزيّف .
ومن جهة أخرى ، ثمّة ملاحظة استقرائيّة مبدئيّة تشير إلى أنّ الفكر عندنا إنّما هو فكرٌ مجردٌ ، فكرٌ غيبيّ ، بعيد إلى حدٍ صارخٍ عن الواقع الحيّ المعيوش ، بعيد عن معاينة هذا الواقع ومعاناته . فهناك هوّة كبيرة بين ما هو فكر نظريّ وما هو واقعيّ .. لذلك فقد تحدّدت منذ بدايات التأسيس الأولى أهدافُنا في محاولة إعادة التفاعل الجدليّ بين الفكر النظريّ والممارسة الواقعيّة العمليّة، بمعنى العودة المستمرة إلى الواقع الاجتماعيّ ، عودة الفكر النظريّ إلى الواقع الاجتماعيّ لفهمه وإدراكه ومعرفته بكلّ تفصيلاته وجزئياته .
فمن ضمن هذه المبادئ النظريّة وانطلاقاً منها ، فقد تسمّى مركزنا الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا . فكانت ممارساته ونشاطاته الثقافيّة والاجتماعيّة والوطنيّة ترجمة لهذه المنطلقات المبدئيّة ، ترجمة عمليّة وفعليّة . فأقمنا منذ مراحل التأسيس الأولى مركزاً متخصصاً للبحوث والتوثيق والمعلومات حول المجتمع المحليّ بالدرجة الأولى. لذلك وعن طريق عمل تطوعيّ بمجمله، عمل دؤوب ومثابر ، فقد توافر لدينا الآن معلومات وافرة ومتنوّعة عن المجتمع المحليّ الصيداويّ في حركته التاريخيّة والاجتماعيّة الحديثة ، وقضاياه السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والتربويّة والعمرانيّة . وقد احتلّ هذا الجانب اهتماماً كبيراً في نشاطاتنا من ندوات ومحاضرات ومؤتمرات ولقاءات دراسيّة ومنشورات وهي تنتظر في أرشيفنا الفرصة المناسبة والإمكانيّة الماليّة الضروريّة كي تُنشر وتُعمّم على الرأي العام .
وكما نعلم ، فإنّ أمور الثقافة ومراكز البحوث والدراسات والمعلومات ، إنّما هي أمور مُكلفة لغاية ، فلا تستطيع بأيّ حال تحمل أعبائها جمعيات ثقافيّة تطوّعيّة وأن تؤدّيها على وجهها الأكمل . لذلك يجب أن ينظر إلى قسم التوثيق والمعلومات لدينا ، وإلى ما قمنا ونقوم به في هذا المجال ، على أنّه رمز أو معنى أو إشارة إلى منحى وإلى توجّهات عامة لا أكثر ولا أقلّ .
أيّها الأخوة الأعزاء
اسمحوا لي مرة أخرى أن أقدّم إليكم بعض المعلومات المختصرة عمّا قمنا به طوال السنين الماضية ، وذلك على الشكل التالي :
أولاً ، قام مركزنا بنشر ما يقرب من عشرين بحث ، ما بين كتاب وندوة دراسيّة ..
ثانياً ، عقدنا حتى الآن نحو مايتي ( 200 ) ما بين ندوة ومحاضرة ولقاء ثقافيّ في مختلف الميادين والاختصاصات .
ثالثاً ، عقدنا أكثر من خمسة وثلاثين ( 35 ) ما بين مؤتمر عام ومعارض للكتاب وللفنون التشكيليّة وحفلات موسيقيّة وخلافه .
رابعاً ، بلغ عدد المشاركين في هذه المؤتمرات والندوات أكثر من ستماية ( 600 ) شخصيّة معروفة من تيارات فكريّة وفلسفيّة وثقافيّة واجتماعيّة وتربويّة متنوّعة . وعلى سبيل المثال فقط لا الحصر ، أقول :
في السياسة ، يأتي في المقدّمة الرئيس سليم الحصّ ، الرئيس إيلي فرزلي ، الدكتور نزيه البزري ، بطرس حرب ، إيلي سالم ، حسن الرفاعي ، عصام نعمان ، جوزيف مغيزل ، بهاء الدين البساط، محمد قبانب ، أمين البزري ، بشارة مرهج ، أحمد سويد ، إلخ .. إلخ..
في الاقتصاد والمال ، جورج قرم ، هشام البساط ، إيلي يشوعي ، الياس سابا ، كمال حمدان ، مروان اسكندر ، نجيب عيسى ، غالب أبو مصلح ، حسن عواضة ، سهام البواب، إيلي عساف ، عبد الرؤوف قطيش ، إلخ .. إلخ ..
ومن رجال الدين ، المسلمين : السيّد محمد حسن الأمين ، المفتي الشيخ جلال الين ، المفتي خليل الميس ، القاضي الشيخ أحمد الزين ، السيّد هاني فحص ، الشيخ ماهر حمود، إلخ .. إلخ ..
المسيحيين ، المطران بشارة الراعي ، المطران غريغوار حداد ، المطران كورللس سليم بسترس، المطران جورج كويتر ، المطران جورج خضر ، الأب سليم غزال ، إلخ.. إلخ..
مثقّفون عرب ، محمد عابد الجابري ، علي عقلة عرسان ، أنطوان مقدسي ، حافظ الجمالي ، وليد اخلاصي ، نعيم اليافي ، محمد جمال باروت ، ميشال كيلو ، إلخ.. إلخ ..
ومن النقابيين ، حسيب عبد الجواد ، محمد سعيد المكاوي ، حسن شومان ، إلخ ..
ومن القضاة ، أنطوان خير ، حسن القواس ، طارق زيادة ، غسان رباح ، إلخ ..
من الأساتذة الجامعيين والمثقّفين ، أنطوان مسرّة ، عصام سليمان ، ضاهر غندور ، سامي مكارم، رهيف فياض ، سامي أبي طايع ، ميشال جحا ، زهير حطب ، عباس مكي، خيرية قدوح ، ياسين سويد ، ناجي قديح ، محمود سويد ، سهيل الناطور ، إلخ .. إلخ..
وهناك عدد كبير من الأدباء والشعراء والفنانين والمموسيقيين ، لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً ، وأسماؤهم موجودة في البيان الذي وزّع عليكم .
لذلك فقد اتخذنا شعاراً لهذا الاحتفال وصغناه كما يلي :
هـذه آثـارُنـا تـدلّ عـليـنا وتـنطـق بحـالِـنا .
لقد حاولنا بصدق وإخلاص وتفان ، حاولنا أن نترجم آراءنا ومبادئنا وأهدافنا وطموحاتنا ، عملياً، ومن خلال الممارسة الدؤوبة .. فهل وفينا بعهـدنا ؟!.. سـؤال مطروح علينا وعليكم جميعاً !!..
* * *
ومهما يكن من شيء ، فإنّ استمراريّة المركز الثقافيّ واستمراريّة نشاطاته وتحقيق طموحاته أو نجاحاته ، إذا كان هناك من نجاح ، فإنّما يعود الفضل الأوّل والأخير إلى جميع الأصدقاء ، أعضاء الهيئات العامة المتعاقبة الذين دعموا المركز منذ تأسيسه حتى الآن ، دعموه مادياً وهذا شيء أساسيّ للاستمرار ، ودعموه أيضاً وعلى الأخص معنوياً ، فالشكر لهم جميعاً . والشكر أيضاً إلى جميع أعضاء اللجان الإداريّة السابقين فرداً فرداً دون استثناء ، وإلى أعضاء اللجنة الإداريّة الحالية الذين يعملون بصمت ، وهدوء ، وتعاون كامل .. لأنّ عملاً ونشاطاً بهذا المستوى ، لا يمكن أن يتحقّق وأن يقوم به فرد لوحده مهما كان وأن يحقّق نجاحاً ولو ضئيلاً إلاّ عَبْر العمل الجماعيّ ، فتحيّة صادرة من القلب إليهم جميعاً الذين أولوني ثقتهم الغالية على قلبي ، وإنّني من جهتي أحاول بكلّ صدق وإخلاص أن أكون عند حسن ظنّهم بي وأهلاً لهذه الثقة ولهذه المحبة .
* * *
وإذا كان لي من كلمة أخيرة أعلنها من على هذا المنبر وأمامكم ، فهي كلمة محبة وتقدير واحترام عميق لزوجتي آمال ، ذلك أنّه لولاها ، لولا مساعدتها وتضحيتها وتشجيعها ، لما كان في استطاعتي أن أقوم بجزء ممّا قمت به : فهي التي قد تحملت عني ، طوال هذه السنين ، شؤون الحياة اليوميّة والمنزليّة وشجونها ، وشظفها وقساوتها دون كلل أو ملل ، وبكلّ كبرياء وشمم .. فكانت لي المساعد الأوّل ، المساعد الصامت ، الناقد ، الداعم من أجل المتابعة والاستمرار ، وذلك بتوفيرها لي كلّ أسباب الجوّ المريح والملائم كي استمر في العطاء ومتابعة العمل والنشاط .
* * *
وأخيراً وليس آخراً ، يسعدني أن أعلن أمامكم قرار اللجنة الإداريّة ، الذي اتخذ بالإجماع في اجتماعها المنعقد في العاشر من نيسان 1998 ، وأعلنت فيه تكريم العضو المؤسّس للمركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا السيّد محمد علي الشماع ، وذلك بإطلاق اسمه الكريم على قاعة المحاضرات هذه التي نحتفل نحن فيها الآن والتي ستسمّى من الآن فصاعداً " قاعة محمد علي الشماع "، وبالمناسبة نفسها ، تقديم الدرع التذكاريّ له ، وذلك للعطاءات الجلّى ، الماديّة والمعنويّة التي قدّمها لمركزنا الثقافيّ . فالتحية له من القلب بالنيابة عن مركزنا الثقافيّ وبالأصالة عن نفسي.
وإنّنا وفي هذه المناسبة أيضاً وعلى الأخص ، نتقدّم بكلّ صدق ووفاء ومحبة إلى دولة الرئيس سليم الحص ، الذي نعتبره مثالاً ونموذجاً للمثقّف السياسيّ ، والسياسيّ المثقّف الذي يرى إلى السياسة على أنّها مبادئ وقِيَم وأخلاق لخدمة الشعب وتحقيق طموحاته في العيش الكريم ..
فلذلك ، قد استحقّ عن جدارة ، ومن خلال تحمله المسؤوليّة السياسيّة ، داخل الحكم أو خارجه لقب : ضمير الشعب اللبنانيّ قاطبة دون استثناء ، ضمير الوطن اللبنانيّ ، ضمير لبنان الحرّ الديمقراطيّ المستقل .
فعربون محبة وتقدير ووفاء واحترام ، نقدّم له هذا الدرع التذكاريّ والرمزيّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الكلمة التي ألقاها الدكتور مصطفى دندشلي في احتفال العيد العشرين للمركز اثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا بتاريخ 2 أيار 1999 .