العربية - العلاقة السورية اللبنانية من البطرك صفير إلى حزب الله - غسان المفلح
إعلام وصحافة /
سياسية ثقافية /
2005-08-03
الأربعاء 28 جمادى الثانية 1426هـ - 03 أغسطس 2005م
العلاقة السورية اللبنانية من البطرك صفير إلى حزب الله
غسان المفلح
تغير عنوان الصحافة وأصبح الحديث يدور حول التوتر في هذه العلاقة بين سوريا ولبنان, بدلا من الحديث عن توتر العلاقة بين البطرك ودمشق أو بين جنبلاط ودمشق أو بين من تلفظه دمشق من أجندة حساباتها في تلك المرحلة, عندما كانت دمشق تحاول جاهدة عبر تواجدها الأمني والعسكري أن تكون اللاعب الوحيد في الساحة اللبنانية.
أما العناوين الحالية للصحافة باتت تتحدث عن أجواء العلاقات بين دمشق وبيروت , وهذا ما قرأناه في وحول الأجواء المرتقبة لزيارة السنيورة إلى دمشق .
أظن هذا هو التكثيف الأكثر وضوحا في التعبير عن نتائج خروج القوات السورية من لبنان: الأعلام الأكثر حرية الآن مما مضى , والذي بات يتحدث عن مراسيم زيارة بين مسئولين في دولتين متباينتي المصالح بدرجة ما, وعن أجندة للمباحثات بين الوفدين.
وهذا الأمر في الواقع لا تريد القيادة السورية استيعابه أو تفهمه على أقل تقدير, أو حتى لا تريد تصديقه في الحقيقة, حيث لازالت لم تستوعب بعد نتائج خروجها العاصف والسريع من لبنان !!؟.
والسؤال المطروح حاليا في مستهل الزيارة التي سيقوم فيها رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة إلى سوريا هو : ما هي المرجعيات الجديدة والفعلية لهذه العلاقة الجديدة، ومن هي الأطراف المحددة أو الأكثر وزنا في صياغة هذه المرجعيات الجديدة ؟
إن العنوان يشير إلى المرجعية الناشئة في لبنان فبين هذين الحدين للوحة اللبنانية: باتت تقف الدولة اللبنانية لتعبر عن نفسها في أول حكومة منبثقة عن إرادة حرة بالمعنى النسبي للكلمة، فلازال الحديث عن استقلالية الدولة اللبنانية عن توازنات طوائفها وما يترتب إقليميا ودوليا على هذه التوازنات أو ما تستجره هذه التوازنات على المستويين الإقليمي والدولي. باتت هذه الدولة تعبر عن نفسها خارج المرجعيات السابقة، هذه المرجعيات التي كانت السلطة السورية هي المرجعية الأهم في حركية هذه الدولة.
هذا المكسب الأهم من خروج القوات السورية من لبنان حيث باتت الطريق مفتوحة للدولة اللبنانية كي تجد مرجعيتها الذاتية في المجتمع اللبناني بشقيه السياسي والمدني.
لقد تحولت هيبة الشعب اللبناني في حركة استقلاله الثاني إلى: مرجعية سيادية للدولة اللبنانية، رغم كل التراجعات التي حدثت منذ الانتخابات اللبنانية الأخيرة، التراجع في المكتسبات السيادية هذه , وهذا التراجع يعود في الواقع لسببين:
الأول ــ أن التمثيل الحقيقي للطائفة الشيعية والتي تشكل لوحدها ثلث الشعب اللبناني, هذا التمثيل المحصور في حزب الله وحركة أمل: يستنكف عن إعطاء السيادة للدولة اللبنانية خارج النفوذ السوري والإيراني.
الثاني ــ لازالت الطبقة السياسية الفاسدة طائفيا وسياسيا هي اللاعب الداخلي الأهم في الساحة اللبنانية : الخلاف الأخير بين العماد عون والسيد جنبلاط , وصلت إلى حدود المهاترات بين نواب كتلتي الشخصين !!! في البرلمان أثناء التصويت على الثقة في حكومة السنيورة, هذه الطبقة التي تكونت خلال الحرب الأهلية اللبنانية, هي التي تعيق أيضا أن تجد طوائفها مرجعيتها في الدولة اللبنانية الديمقراطية. حتى تيار المستقبل: ما هي المرجعية الفعلية لمجيء سعد الحريري إلى رئاسة هذا التيار, بماذا أختلف إذن عن السلطة السورية !!؟ وهل بهذه الطريقة سيدار مستقبل لبنان؟ هل سيدار بالتوريث؟ إن الشهيد الحريري بنى مشروعيته على عوامل ذاتية وطويلة المدى, ومن خلال مشاريعه على كافة الصعد في لبنان , ومحاولته بناء لبنان دولة ديمقراطية . وهو على عكس الرموز الأخرى فقد جاء من خارج اللعبة السياسية الطائفية بكل توازناتها.
لكنه في مراحل كثيرة شدته إلى حركيتها في الشأن اللبناني ومع ذلك كان الرجل يحاول وهاهو دفع ثمن هذه المحاولة.
وهذا العامل الثاني الذي يمكن أن يساهم في تآكل هذه المشروعية السيادية للدولة اللبنانية هو الأخطر على لبنان : لأنه سيعود إلى لعبة الاستقواء الإقليمية والدولية وتأسيسها من جديد على الطائفية السياسية وهذا يعيد لبنان إلى نقطة الصفر . هل يعرف أحدا هذا الخلاف المستعر بين عون وجنبلاط ما هي أسبابه الفعلية, وما هي المبررات الحقيقية لهذا التغيير الصاخب في التحالفات المبنية على حسابات زعامية بالمعنى الطائفي للكلمة؟ أليس هما عمليا من قادا انتفاضة الاستقلال !!؟ ما الذي حدث إذن !!؟
إن السلطة في سوريا ستجد هذا العامل من جديد مرتعا خصبا للعب في الورقة اللبنانية ــ تلويح عون بالورقة السورية في تصريحاته حول خلافاته مع جنبلاط ــ . لذلك على الشعب اللبناني وفعالياته الديمقراطية الحقيقية العمل حثيثا من أجل استقلال ثالث عن هذه النخب الفاسدة.
لقد تحولت مع الزمن الطائفية في لبنان إلى مهنة سياسية أو أن السياسة تحولت إلى مهنة طائفية . هذا هو الخطر الحقيقي الآن على المنجزات التي تحققت إثر خروج الجيش السوري من لبنان وأهمها العودة السيادية المشروعة للدولة اللبنانية , حيث بدأت تغيب أخبار زيارة المسؤول الطائفي الفلاني أو العلاني إلى دمشق كي يتبارك و يعرف مصيره. وهذا بحد ذاته من الإنجازات المهمة والتي يجب الحفاظ عليها. وتسجل لنيافة البطرك صفير أنه لم يحج ولا مرة إلى دمشق.
والمطلوب الآن من حكومة السينيورة : صياغة هذا الجديد سياسيا وعلى كافة الصعد في العلاقة مع سوريا ومع الشعب السوري , الذي كان غائبا يوم دخل الراحل إلى لبنان وكان غائبا يوم خرج أبنه من لبنان . هذا أولا, وثانيا عليها إفراغ لبنان من مستودعات الأسلحة المخبأة ميلشياوي وطائفيا وفلسطينيا, لم يعد مبررا لوجود مثل هذا السلاح في يد أي زعيم طائفي أو غير طائفي: السلاح في عهدة الدولة الجديدة فقط.
وهذا جزء من الصياغة الجديدة للعلاقة السورية اللبنانية, بل هو من أهم العناصر في صياغة هذه العلاقة الندية المبنية على تبادل المصالح أو تباينها لا فرق . والحديث عن سلاح المقاومة هو حديث يتم لسبب بسيط: إخراج إسرائيل من أجل دخول سوريا وإيران, في الواقع أنا لا أفهم كيف لحزب لبناني: أن يتأسس وفي مجلس الشورى عنده اثنان من إيران ــ حتى وقت ليس ببعيد ـــ هل هي أممية أسلامية مثلا؟
عدم التخلي عن استمرار التحقيق في الاغتيالات التي جرت وراح ضحيتها أهم الرموز الوطنية الجديدة في لبنان بدء بالحريري وانتهاء بسمير القصير.
مطالبة السلطة السورية بتسليم الوثائق الرسمية للأمم المتحدة في قضية مزارع شبعا حتى يتم سحب البساط من تحت الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال المقاوم !!! وجعلها قضية لبنانية دولية وليست قضية: حزب الله والسلطة السورية وإسرائيل, بل قضية الشعب اللبناني.
ألا ينسى ملف الضحايا اللبنانيين والسوريين في لبنان والذي تتحمل مسؤوليته السلطة السورية: سواء من الجنود السوريين الأبرياء الذين ذهبوا ضحية ــ في النهاية ــ خروج مذل للجيش السوري من لبنان, والمعتقلين والمفقودين في السجون السورية وغير ذلك من جرائم ارتكبت بحق الشعبين في قضية الدخول السوري إلى لبنان.
إعادة بث روحية التسامح والأخوة بين الشعبين اللبناني والسوري بعيدا عن هذا الشحن المقيت للكراهية والتعصب. ثم تطبيق القرار 1559 كاملا, والذي لا يحتمل التأجيل حرصا على مصلحة لبنان كي يتم إعادة صياغة جديدة للبنان والشعب اللبناني في المجتمع الدولي وليس عن طريق سوريا وحزب الله.
فليقاوم حزب الله بإشراف الجيش والسلطة المركزية في لبنان: أم أن الجيش اللبناني عميل لإسرائيل؟؟
إن الشبكة السياسية التي بناها حزب الله في لبنان طائفيا هي نتاج استمرار الوضع ــ المستنقع لقضية الجنوب اللبناني وعلى الحكومة الجديدة نزع العوامل التي تؤدي إلى استمرار هذا المستنقع الإسرائيلي السوري الإيراني. وعلى هذه الأسس يتم صياغة علاقة لبنانية ــ سورية. وللحديث بقية لا تنتهي...