قسم من شهادة المقدّم مصطفى حمدون أحد الضباط الذين أعلنوا الوحدة مع مصر
مقابلات /
عسكرية /
0000-00-00
قسم من شهادة
المقدّم مصطفى حمدون
أحد الضباط الذين أعلنوا
الوحدة مع مصر
... استقبل الوفد العسكري السوري المشير عبد الحكيم عامر وقال لنا إن الأمر معه . وقد أدلى الحاضرون بدلوهم مؤكدين ضرورة إقامة الوحدة الفورية بين البلدين وأنه مطلب سورية الشعبي والعسكري .
تظاهر المشير عامر بعدم الاكتراث أو على الأقل بعدم التلهُّف للوحدة وقال بأنه شخصياً يفضل تحقيق الوحدة بالتدريج مبتدئين بالقضايا الاقتصادية والعلاقات الخارجية ومن ثَمَّ بشؤون الدفاع ... وأشار إلى ردود الفعل المعسكرَيْن الاشتراكي والغربي وجعلَ ردود فعلهما متساوية وأن المعسكرَيْن يخشيان وحدة مصر وسوريا . وأشار إلى الفروق القائمة بين المجتمعَين وبين النظامَين السوري والمصري .
وأمضى المشير معنا قرابة الساعتين ، واعتذر عن عدم تمكن الرئيس جمال عبد الناصر الاجتماع بنا قريباً بسبب انشغاله بترتيبات زيارة الرئيس سوكارنو إلى مصر .
الاجتماع مع الرئيس عبد الناصر :
وفي اليوم الثالث أو الرابع من وصولنا إلى القاهرة ، بلغنا بأننا سنجتمع مع الرئيس عبد الناصر في بيته في منشية البكري في الساعة الخامسة مساءً . حضر الاجتماع كافة أعضاء الوفد وكان المشير عامر فقط من الجانب المصري مع الرئيس عبد الناصر .
رحَّب بنا الرئيس ترحيباً طيباً وتعرَّف علينا واحداً واحداً وعلَّق بعد التعارف بأنه لم يسبق له أن اجتمع مع أيِّ من أعضاء الوفد في السابق عدا المقدم مصطفى حمدون ( حيث كنت في أواخر عام 1954 ومطلع عام 1955 في القاهرة ، وكنت قد نقلت تفاصيل هاتين المقابلتين في السابق إلى الأستاذ أكرم الحوراني وبعض المسؤولين في الحزب آنذاك ).
أبلغنا عبد الناصر أن المشير عامر نقل إليه الحديث الذي دار بيننا وبينه في مصر القاهرة وأعاد تقريباً نفس تعليق المشير عامر على مطلبنا بتحقيق الوحدة الفورية بين البلدين وتخوفه من ردود الفعل الخارجية ، كما أوضح بإسهاب ما يلي :
1ـ أن في سوريا أحزاب وهذا غير موجود في مصر .
2ـ أن الجيش السوري مُسيَّس وأن هناك عدة تنظيمات فيه لعدة أحزاب .
3ـ إنه غير مطلع كفاية على شؤون سورية وأحوالها ومجتمعها وشخصياتها السياسية.
ثمَّ عاد وركَّز حديثه على الأحزاب والحزبية ، ثم وجه الكلام إليَّ مباشرة : هل تعتقد أن حزب البعث العربي الاشتراكي يرضى بحل نفسه ؟...
أدركت المغزى من توجيه السؤال إليّ بالذات فأجبته على الفور : ليس من حقي الإجابة عن هذا السؤال لأنني عسكري ، ويمكن لسيادتك أن تبحث هذا الموضوع مع زعماء الحزب خاصة وأن السيد صلاح الدين البيطار سيصل غداً إلى القاهرة ...
التزم عفيف البزري في أقواله جانب الهدوء بشكل ظاهر ولم يتعد حديثه جانب المجاملة للرئيس المصري وإعجاب الضباط السوريين بشخصيته ، غير أن التأكيد على ضرورة إقامة الوحدة الفورية كان جَماع ما تحدث به بقية أعضاء الوفد . كما ردوا على تحفظات الرئيس المصري بوجود الحزبية في الجيش وعن الأحزاب في سوريا وبأنها جميعها لا تشكل عائقاً أمام تحقيق الوحدة ، وقالوا إننا نضع أنفسنا تحت تصرفك يا سيادة الرئيس ولك أن تتصرف بنا كما تشاء وأن بإمكانك أن تجري كل التنقلات التي ترتئيها في صفوفنا من فيق إلى أسوان ( أمين الحافظ ) وأن الاستعمار أقام جداراً بيننا وجئنا لنهدم هذا الجدار ، إلخ ...
لم يطل النقاش كثيراً ، فقد فاجأنا الرئيس عبد الناصر بموافقته على تحقيق الوحدة بين البلدين وأكّد على ضرورة ( الوحدة ) بالذات وليس الاتحاد أو الاتحاد الفدرالي . ولم يكن بين الضباط السوريين من يميز بوعي الفروق الواضحة بين الوحدة والاتحاد والاتحاد الفدرالي أو الكونفدرالي ...!!!. وقد يكون عفيف البزري الوحيد الذي كان يعي ذلك ... شاع السرور والفرح بين الجميع وأبلغنا الرئيس عبد الناصر بسرور واضح أنه في هذه الليلة بالذات سيكمِّل الأربعين من العمر ولا يدري كيف يفسِّر هذا التطابق أو هذه الصدفة مع القرار بإقامة الوحدة بين البلدين ...
هل كان يعني تحقيق الرسالة التي نهض بها النبي محمد عند بلوغه الأربعين ، لا أدري ولكننا هكذا فسرنا ما يعنيه الرئيس عبد الناصر . وطلب منا أن نقرأ جميعاً الفاتحة . وبعدها خرجنا معه إلى سلم داره حيث أُخذت لنا الصُّوَر التذكارية ، وكان كل ضابط يتناوب الوقوف إلى جانبه ويبدو في الصورة إلى جانب الرئيس .... عدنا مرة أخرى للاجتماع ، فاقترح علينا الرئيس عبد الناصر تشكيل لجنتَيْن عن الجانبَين المصري والسوري تتولى وضع الأسس والمبادئ الأولية للوحدة والتفاصيل والقرارات التي يجب أن تُتخذ لإعلان الوحدة وإقامتها بشكل رسمي .
* فكان عن الجانب السوري على ما أذكر : عفيف البزري ـ بشير صادق ـ مصطفى حمدون ـ أكرم الديري ـ حسين حدّة ـ عبد الغني قنوت .
* وعن الجانب المصري : المشير عبد الحكيم عامر ـ خالد محيي الدين ـ عبد اللطيف البغدادي ـ أنور السادات .
هنا ، دبّ الخلاف بين اللجنتَين منذ أول اجتماع حين بدأ عفيف البزري يعرض مفهومه للوحدة مستعرضاً أشكالها التي قامت في سويسرا ويوغسلافيا والاتحاد السوفياتي . وكان واضحاً أن عفيف البزري بعد أن وقع في الفخ الذي نصبه جمال عبد الناصر ، أراد أن ينقذ ما يمكن إنقاذه عن طريق طرح أشكال الاتحادات التي مارستها الشعوب الأخرى . سيطر جو من الكآبة على الجلسة . فاستأذن الجانب المصري بالاتصال بالرئيس عبد الناصر ليأخذوا رأيه بما اعتبروه موقفاً جديداً . وبعد قليل أبلغونا بأن الوحدة التامة أُقرِّت مع الرئيس عبد الناصر أول البارحة وهذا موقف جديد . وتوجهوا لعفيف البزري قائلين : إن كنت تريد الاتحاد فهذا مرفوض من قِبلنا ، كما أنه لا يجوز لك أن تنفرد بطرح اقتراح الاتحاد بعد أن أجمع الضباط على الوحدة وما عليك إن كنت تصر على ذلك إلاّ أن تعود فتجمع كافة أعضاء الوفد من مجلس القيادة لإقرار ذلك . والجدير بالذكر أن معظم الضباط الذين شاركوا في الاجتماع الأول مع الرئيس عبد الناصر ، كانوا قد عادوا إلى دمشق ولم يبق إلا أعضاء اللجنة ، بالإضافة إلى عبد الحميد السراج الذي عاد إلى القاهرة مرةً أخرى ...