د. دندشلي - مفهوم المثاقفة
دراسات /
ثقافية /
2011-08-19
مفهوم المثاقفة
كلّ مجتمع في حالة صراعيّة ، و الصراع هو ظاهرة اجتماعيّة ملازمة بالضرورة لوجود المجتمع . لا وجود لمجتمع دون صراع ، و هذا الصراع الاجتماعيّ قد يكون بطيئاً و قد يكون سريعاً ، قد يكون هادئاً وقد يكون وقد يكون عنيفاً ، وقد يحصل هذا الصراع دون رؤيته بالعين المجرّدة أو إدراكه بصورة حسيّة ، خاصة في المجتمعات التقليديّة ، المجتمعات الريفيّة ، حيث العادات و التقاليد هي الطاغية و المسيطرة حتى في هذه المجتمعات التقليديّة الصراع موجود ، وإن كان من الصعوبة تلمسه بالمشاهدة و بالحسيّة .
هذا الصراع الاجتماعيّ لا بدّ وإلاّ أنّ يؤدّي إلى نتيجة وهي توضيح أو تحديد أو إبراز القوى الاجتماعيّة المتصارعة ، من هي ! تحديد هذه القوى له أهميّة .
الصراع موجود في العائلة و بين أفرادها ، الصراع موجود بين القوى الاجتماعيّة المختلفة والاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة التنظيميّة و... فبين هذه المجتمعات أو القوى المتنوّعة في المجتمع هي دائماً في حالة صراعيّة ، وهذه الحالة الصراعيّة هي التي تؤدّي إلى التغير الاجتماعيّ ، والتغير الاجتماعيّ هو ذاته قد يكون سريعاً فجائياً عنيفاً وقد لا يكون كذلك 0بل بطيئاً ، ليناً ، هادئاً ، أو قد يكون بين بين .
وقد يتمّ هذا التغير الاجتماعيّ بطريقة قسريّة ، أو بالعكس قد يتمّ بصورة طوعيّة ، والتغير الذي هو كما رأينا نتيجة صراع اجتماعيّ يشمل مختلف جوانب المجتمع بنسب متفاوتة بطبيعة الحال، قد يكون هذا التغير قد حصل في جانب أكثر من جانب آخر ، أو ظهر في ناحت دون الأخرى، إلاّ أنّه يعود و يؤثّر في تفاعل عناصر المجتمع و تأثيراتها المتبادلة فيما بينها .
إذا بين القوى الاجتماعيّة العديدة في المجتمع ، فإنّ أيّ تغير اجتماعيّ ، اقتصاديّ ، سياسيّ، ثقافيّ ... لا بدّ والحالة هذه من أن يؤدّي إلى تأثير و تفاعل مر سائر الجوانب الاجتماعيّة الأخرى ، وهكذا فإنّ هذه التفاعلات الاجتماعيّة المتبادلة هي التي تؤدّي بدورها إلى التغير الاجتماعيّ كما رأينا وإلى تغير المجتمع .
لقد أشرنا سريعاً أعلاه وركزنا فقط على عوامل التغير الاجتماعيّ الداخليّة ضمن إطار المجتمع ، ولكن هذه نقطة أساسيّة وخاصة في العصر الذي نعيش فيه ، المجتمعات الإنسانيّة ليست منعزلة بعضها عن بعض ، فهي ليست ( جزرا ) اجتماعيّة أو مناطق لا تواصل و اتصال البتة فيها وبنسب مختلفة قد تكثر أو تقل .
في العصر الذي نعيش فيه أقول وخاصة في القرن العشرين وفي نهاياته ، فإنّ هذه الاتصالات أو ( الصراعات ) تتمّ وتحدث على مرأى من الجميع و بطرق متنوّعة هائلة التنوّع فيما بينها ، وإن ما نعرفه و يعرفه الإنسان العادي في الوقت الراهن .
إنّ هذه الاتصالات بين المجتمعات المتنوّعة وبين الثقافات والحضارات المختلفة تتمّ بسرعة فائقة وعلى وتيرة متلاحقة وتحت أغلفة مرئيّة أحياناً ولا شعوريّة أحياناً أخرى .
إنّ هذا التبادل أو التفاعل الثقافيّ بالمعنى الأنتروبولوجيّ لكلمة ثقافة وهذا التأثير والتأثر لا تتمّ كما نعلم بين قوى اجتماعيّة متساويّة أو متكافئة أو بين قوى اجتماعيّة ذات طاقات وإمكانات اقتصاديّة سياسيّة تكنولوجيّة متعادلة في الأهميّة ، بل أنّ الفوارق في هذه النواحي فيما بين هذه القوى الاجتماعيّة على صعيد العالم بارزة و مرئيّة ويمكن إدراكها بسهولة من هنا ما نريد أن نقوله في هذا المجال هو أنّ التأثيرات الخارجيّة من قبل مجتمعات متطوّرة أو أكثر تطوّراً على الصعيد الاقتصاديّ والعلميّ و التقنيّ والعسكريّ والثقافيّ ... هو الفاعل المؤثر في مجتمعات أقلّ تطوّراً و تقدّماً من غيرها ، فهنا تقع علاقات السيطرة و التبعيّة بين هذه المجتمعات ، و تأثير المجتمعات القويّة على المجتمعات الضعيفة وسيطرة الثقافة ( بالمعنى الأنتروبولوجيّ للكلمة وبمعنى أيضاً الاصطلاح السائد أيّ انتشار الأفكار و العلوم و الفنون و الآداب ... ) على الثقافات الأخرى . وهنا ما نسميه بعمليّة accultration والذي جرى ترجمتها إلى اللغة العربيّة بكلمة التثقّف من الخارج أو المثاقفة على وزن مفاعلة أي (مصارعة ) .
ملاحظة : هل نستطيع في ظرفنا الراهن أن نمنع و نقف حداً فاصلاً دون تسرب هذه التأثيرات الخارجيّة علينا ، فهي تكون جزءاً من حياتنا و تسكن بيننا، الآخر هو جزء فينا شئنا أم أبينا.