رئاسة مصر وانتخاباتها تحت مجهر أميركا
إعلام وصحافة /
إعلامية /
2010-01-02
رئاسة مصر وانتخاباتها تحت مجهر أميركا
الانتخابات الرئاسية في مصر والتي تشغل بال كثيرين من شعبها وفي العالم العربي والعالم الاوسع فضلاً عن الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة لا تزال تفاصيلها غامضة اذا جاز التعبير على هذا النحو، رغم ان موعدها هو شهر ايلول من السنة المقبلة 2011 اي بعد اقل من سنة. والسبب الابرز لهذا الانشغال هو انها هذه المرة ربما تكون مختلفة عن الانتخابات السابقة التي تحولت روتينية الى حد كبير، وخصوصاً بعدما انحصرت في التمديد للرئيس حسني مبارك الذي خلف الرئيس انور السادات بعد مقتله قبل "عقود". والاختلاف قد ينجم عن قرار الاخير عدم ترشيح نفسه للرئاسة مرة جديدة سواء لتقدمه في السن او لاعتلال متفاقم في صحته. كما قد ينجم لا سمح الله عن تعرّضه لحادث صحي مفاجئ وخطر يمنعه من العمل. وذلك كله يعني ان مصر لا بد ان تشهد في حال كهذه انتخابات رئاسية رغم خصوصية الانظمة التي ترعاها. ولا بد ان تشهد تحديداً نوعاً من التنافس كي لا نقول الصراع بين "اهل البيت" اي اهل الحكم لاختيار الشخص الذي سيخلف مبارك. ذلك ان الانتخابات الرئاسية تُحسَم اولاً داخل هذه الدائرة التي تضم الرئيس الحالي واسرته والحزب الوطني الحاكم الذي يتزعمه وقيادات الجيش المصري الذي محضه الولاء الكامل على مدى سنوات طويلة، والذي يبقى الضامن الاساسي للاستقرار في مصر. وبعد ذلك يكرّس الشعب المصري الانتخابات بالمشاركة في استفتاء رئاسي. والعامل الكامن وراء هذا الامر هو طبيعة النظام الحاكم في مصر وابتعاده عن جوهر الديموقراطية رغم ممارسته عدداً من مظاهرها.
هل بدأت عملية الحسم داخل "اهل البيت"؟
لا شيء يشير الى ذلك حتى الآن. فالوقت لا يزال متوافراً لاختيار الخليفة الذي تقتصر مهمة الشعب على تثبيته اذا كان منفرداً، او على تفضيله على مرشح آخر او مرشحين آخرين اذا شهدت الانتخابات الرئاسية ترشيحات عدة. فضلاً عن ان الانشغال الرسمي الآن داخل مصر يكاد ان يكون محصوراً في اجراء الانتخابات التشريعية المقررة في الثامن والعشرين من تشرين الثاني المقبل. ذلك ان نتائجها لا بد ان تعكس في صورة او في اخرى امراً من اثنين. الاول، المواقف الحقيقية للشعب المصري بكل احزابه وتياراته من النظام الحاكم ومن ممارسات قائدها على مدى السنوات الماضية ومن سياسات حكوماته و"مجالس شعبه". وغالبيتها ليست مؤيدة او متعاطفة. والثاني، المواقف التي اراد النظام دائماً ان تعكسها نتائج الانتخابات والتي اظهرت في استمرار تأييداً شعبياً كاسحاً له ولرئيسه ولكل ادارات حكمه واجهزتها. طبعاً يعرف الحكم في مصر ان الانتخابات النيابية المقبلة لن تعكس الامر الأول، لأنه سيحاول ومن خلال ممارسات معروفة نفذت سابقاً اكثر من مرة الحصول على اكثرية مؤيدة كبيرة. ومحاولته هذه ستكون جدية لأن "التساهل" المحدود الذي ابداه المرة السابقة كاد ان يعطي "الاخوان المسلمين" المعارضين ثلثاً وربما معطلاً داخل مجلس النواب. اما بعد الانتخابات النيابية فإن البحث سيبدأ جدياً: اولاً في الخيار الذي سيعتمده الرئيس مبارك اي الترشح او الامتناع عنه. وثانياً في المرشح الذي سيتولى مواصلة مسيرته السياسية داخل بلاده ومسيرته الاقليمية وحتى الدولية. طبعاً يستبعد متابعو الاوضاع في مصر وتطوراتها ومنهم اميركيون وبعض هؤلاء ديبلوماسيون سابقون حسم الامرين المذكورين من الآن. لكنهم لا يستبعدون ان يبدأ البحث فيهما بعد افتتاح البرلمان المصري الجديد اعماله في الثالث عشر من كانون الأول المقبل، ولكن داخل الدوائر المغلقة والحلقات الضيقة القريبة من مركز القرار الاول ومن المراكز المساعدة له من عسكرية وسياسية وحزبية وحتى عائلية.
هل من اسماء "رئاسية" مصرية يمكن الحديث عنها منذ الآن؟
يقول المتابعون المتنوعون انفسهم جواباً عن ذلك ان هناك جمال مبارك ابن الرئيس والذي يعتبر من زمان الخليفة شبه الحتمي لوالده. وهناك اسماء من داخل القيادة الحالية للحزب الوطني الحاكم ابرزها: الامين العام صفوت الشريف ورئيس الوزراء احمد نظيف. وهناك اسماء مستقلة يمكن ان يرشحها الحزب الحاكم مثل اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة، واحمد شفيق وزير الطيران المدني والقائد السابق لسلاح الجو، ووزير الدفاع محمد حسن طنطاوي. وهناك اسماء قيادية من احز اب اخرى يمكن ان تخوض الانتخابات منافسة لمرشح الحزب الحاكم مثل رئيس حزب الوفد السيد البدوي ورئيس حزب التجمع رفعت سعيد.
الا ان كل ذلك على اهميته ليس الشغل الشاغل للمعنيين بالانتخابات الرئاسية في مصر وخصوصاً للولايات المتحدة التي صارت حليفاً استراتيجياً لها منذ تحوّل الرئيس الراحل السادات في اتجاهها كما في اتجاه السلام مع اسرائيل اواخر السبعينات من القرن الماضي. بل هو (اي الشغل الشاغل) حصول الانتقال الرئاسي من مبارك الى خلفه بسلاسة وهدوء بحيث لا يتأثر الاستقرار السائد حالياً. وهو ايضاً طريقة المحافظة على المصالح الاميركية الكبيرة داخل مصر وفي المنطقة والتي تنامت منذ التحول الساداتي المشار اليه. طبعاً لا يمكن منذ الآن التكهن في هذا الشأن رغم ان المنطق يقول انطلاقاً من الواقع السائد في مصر ان الخلافة ستكون سلسة و"دستورية" وسلمية وانها لن تهدد تالياً المصالح الاميركية. لكن المتابعين المتنوعين انفسهم يدرسون احتمالات عدة. منها ان الرئيس الجديد لمصر سيكون حريصاً على المحافظة على علاقات وثيقة واستراتيجية مع اميركا، وسينجح في ذلك وخصوصاً اذا كان من الفاعلين في "المؤسسة المصرية" الحاكمة منذ عقود (Establishment) نظراً الى اتصالاته بالاميركيين ومعرفته بهم بحكم عمله السابق. ومنها ايضاً ان الرئيس الجديد وخصوصاً اذا لم يكن "مسيساً" بالكامل قد يحاول تعزيز شرعيته الشعبية عبر اتخاذ مواقف سياسية "شعبوية" قد توتر العلاقة بين القاهرة وواشنطن في شكل او في آخر. وربما يكون مثله على هذا الصعيد قادة تركيا الاسلاميين الحاكمين اليوم وفي مقدمهم رجب طيب اردوغان.
وعلى هذا، ينهي المتابعون اياهم، أن "الانتقال" المرتقب السنة المقبلة في الرئاسة المصرية يتطلب ديبلوماسية اميركية نشطة ومرنة وحكيمة. ذلك ان على واشنطن ان تتماهى مع تطلعات الشعب المصري من جهة وان تؤمن بقاء او استمرار (Survival) الشراكة الاستراتيجية مع مصر والتي كانت منذ تأسيسها بالغة الاهمية للامن القومي الاميركي.
سركيس نعوم