حفل توقيع كتاب مقدمة في علم الاجتماع العام - تأليف غي روشيه - تعريب د. دندشلي
لقاءات /
فكرية /
2001-12-05
حفل توقيع كتاب
مقدمة في علم الاجتماع العام
(في جزأيه)
تأليف غي روشيه
تعريب الدكتور مصطفى دندشلي
المكان: قاعة محاضرات كلية الحقوق ـ صيدا
الزمان: بعد ظهر يوم الأربعاء الواقع فيه 5 كانون الأول 2001
* * *
كلمة التقديم: الشيخ صادق النابلسي
الأساتذة الأكارم، الحضور العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في هذا اللقاء أكثر من مناسبة فعلية.. بل مجموعة مناسبات تتزاحم في تشكيله، وإسباغ ومضاتها المعرفية الفكرية عليه… وأكثر من كلمة يمكن إلقاؤها في فيئه وظلاله.. بل في هذا اللقاء يمكن أن نضيف كلمات وكلمات تمتد إلى الإنسان والمجتمع وإلى غيرها من الموضوعات المغلقة على الحياة والمنعزلة حتى عن الزمن والطبيعة والذاكرة، ذلك أن علم الاجتماع يحاول ملامسة المستحيل من المسائل، والغريب من الأحوال والتحولات والبعيد عن أعين الناس والعلماء، إلى جانب التماسه المعروف والمعلوم والمتداول والمشاهد عن قرب. وعلم الاجتماع يقف عند الظواهر في المجتمعات المتحركة والفاعلة حتى الغليان، والنائمة والساكنة حتى الموت، يمحض حقيقتها ويدرس انفلاتها وانزواءها، برودتها وصرارتها، عمقها وبساطتها، ميدانها ودائرة مسارها، عللها وتباين الطرق والمناهج فيها، وتضارب المصالح بين فئاتها وجماعاتها في عملية واعية تستهدف كشف الحجاب والوصول إلى النهاية المسؤولة.
وإذا كان الكتاب الذي بين أيدينا وإيديكم واحداً من الكتب التي تنظر إلى وضع الأطر العملية لما هي عليه هذه الظواهر، فإن مقدار صحة النظريات التي جاء بها هذا الكتاب أو عدمها، يلاحظ عند محاكاتها للواقع بأبعاده الحقيقية ـ الراسخة في بواطنه. ويلاحظ أيضاً عند مواكبتها للقضايا الطارئة مع كل اكتشاف أو تقدم جديد وفي تكيُّفها مع المستقبل بتنقلاته المتوترة ومشاهده المتبدلة. ولا شك أن واضعه قد بذل جهداً فكرياً كي يستطيع إثبات نتائجه وخلاصة ما توصل إليه راغباً بصميم الفائدة والاستجابة لما طرحه من تصورات وأفكار.
وفي هذا السياق ومن وحي علم الاجتماع وعلمائه تخرج إلى الواقع نظريات جديدة أو مستجدة لها امتدادتها المجتمعية والسياسية والاقتصادية وتشكل إحدى أوجه الصراع القائم في عالم اليوم بين الشرق والغرب أو بين الإسلام والمسيحية أو ما يسمى صراع الحضارات. ولعل الوجه الأهم هو ما اتصل بالفكر، إذ هنا يحتدم الصراع بين مفاهيم لها فعلها القيمي وبين مفاهيم مستمدة من الغرائز ومشاعر التفوق والتفاوت الوجودي.
وقد يكون من الواجب على الخائضين في هذا الهم المعرفي الإجابة عن هذه التساؤلات الفكرية الملحة والقيام باستخدام مفاهيم وجيهة للوقوف أمام من انتشر من أفكار لها قدرة جذابة على السيطرة وبسط النفوذ في حياة الناس والمجتمعات.
إننا ندرك ـ في هذا الإطار ـ أن تراثنا الحضاري جزء من تراث الإنسان إطلاقاً، لا كلٌ منفصل، منعزل أو معزول.. ونهضتنا الفكرية أمام أزمة عميقة، لا يكفي أن نعتمد على عامل الزمن ونقبع نائمين. فالزمن يسير بنا كما يسير بسوانا وحيث نقطع شوطاً يقطع هو أشواطاً وهكذا نظل في المؤخرة. وحين نتحدث عن التراث الذي يستحق الذهاب إليه وحمله درعاً في وجه هجمات الفكر التدميري، لا نقصد به الماضي بأشكاله وسبله ومناهجه القديمة الرثة. وإنما نقصد بالتراث ذاك الذي يحاكي لغة الحاضر ويصطنع للأمة العزة والقدرة والمنعة والتفاعل مع الحضارات، والذي يتصل بجهود العقل في التوصل إلى مراتب التقدم والرقي في الحياة، وينظر نظرة شمولية إلى الكون والوجود والإنسان وكل ما يثمر أو يؤدي إلى الدخول في مرحلة الحضارة الإنسانية الكاملة.
نقول ذلك لأن الفكر عندنا أصبح أو سيصبح مجرد ألوانٍ واظلال تائهة إن لم نعمد إلى فعل شىء، حتى نستطيع ادعاء المساهمة في الإنتاج الفكري والحضاري العالمي.
فمن حقنا أن نعجب لهذا العقم الفكري والثقافي الذي امتد ألفاً من السنين ومن حقنا أن نبحث في أسبابه. وقد تكون بداية الأسباب المعروفة: تحجر في العقول وتمرد في المشاعر وقيود على التعبير وحجر للأحاسيس ونبذٌ للأفكار الخلاقة والمبدعة إلى غيرها من السلسلة الطويلة التي تربط قلوبنا وعقولنا وحركتنا.
وإذا كان لنا بعد هذا السقوط الذي حل بنا منذ ألف سنة أن ننهض من جديد، فعلينا أن ننقد نظرتنا الحاضرة إلى الحياة والكون والتراث والدين والإنسان والمجتمع، فنتبنى تعديلاً لها أو بدلاً عنها. فمن المحال أن يقوم عندنا فكر جديد أو مجتمع جديد أو إنسان جديد إلاّ على أساس نظرة جديدة.
وإذا كان لنا أن نخرج من عثرة السقوط الحضاري والفكري وأن نتلافى كل عقم جديد، فلا يعني ذلك على الإطلاق الانغلاق على مشروعات الأفكار المصنعة محلياً، أو القفز للاستعاضة بمنتجات أجنبية المنشأ. وإنما علينا أن نعمل باتجاه الداخل، فنحرر لغتنا من مبناها الزُّخرفي ومعناها من الفراغ والتبسيط واجترار الموضوعات التقليدية البعيدة عن الحياة الحاضرة. ونحرر فكرنا من العبودية والسكونية والجمود القاتل.
ومن جهة أخرى فإن الاتصال من جديد بمجاري الحياة الفكرية الأصيلة الحية في العالم المتحضر، هذا الاتصال الذي من شروطه القيام بحركة نقل وتعريب عميقة مسؤولة شاملة، هدفها التبنِّي والاحتضان لكل ما هو سليم وموافق لقيمنا وشخصيتنا. نتيجته تلقيح ثقافتنا بأساسات قيمية جديدة تدفع فكرنا ولغتنا باتجاه التجدد والنمو والاستمرار في مسايرة الركب الحضاري العالمي وابداعاته، والمشاركة في صنع المستقبل لا الوقوف على هامشه وأعتابه متفرجين لا فاعلين.
ولعل ما قام به د. مصطفى دندشلي في ترجمته المباركة لكتاب "غي روشيه" يعتبر بلا ريب ساحة ضرورية ونيِّرة في مجال التواصل المعرفي بين الشعوب. وهو قام بهذا الدور واصطنع هذه المَهمة لنفسه، لا لممارسة طقس يسعى الكثيرون من المفكرين والمثقفين لتحقيقه لنقص واقع أو مجد ضائع، وإنما وكما نعرفه قام بهذا الدور لأداء رسالة عظيمة سبقه إليها من بهم اغتنت وتمجَّدت الحضارة العربية والإسلامية. وكما يقال: "المَهمَّةُ على قدر الرسالة"، فالدكتور دندشلـي أراد أن يكون في هذه الحياة صاحب رسالة وحامل مهمة. وهو المرهَّف الأصيل والمثقف بالفطرة والتوق. فقد اختار الكلمة والكتاب وانتسب إليهما لأنهما أجدى وأنفع عنده في بلوغ الغاية وتحديد المصير. د. دندشلي واحد من المثقفين الملتزمين، الذي يتمتع بمكانة خاصة وامتياز خاص جعله على مقربة من مصادر المعرفة الحديثة، يحاول من خلال هذا الموقع أن يكون وسيط معرفة وناقل علم وحكمة لأجيال من المتعلمين الذين يرغبون في التعرف على فكر الآخرين وإرثهم الثقافي والعلمي.
في هذا اليوم. يُكرَّم د. دندشلي الإنسان أولاً والكاتب والأستاذ ورجل السياسة المؤمن بناسه ومجتمعه وحياته. المتفاؤل كفنان لا كسياسي، حاملاً ريشته وقلمه يريد أن يضع أفكاره وآمانيه وكلماته الحيَّة ليوقظ بها موتى اليائس والاحباط وليعيد الأمل بالإنسان والمجتمع والأمة التي انطلقت منها المناقب والابداعات والتألق الحضاري المشرق.
د. مصطفى (دندشلي) مبارك لك هذا التكريم ومبارك لنا هذا الاحتفاء بك.
والسلام عليكم