د. دندشلي- مـقـابـلـة مـع علي صالح السعدي ، هاني فكيكي ، محسن الشيخ راضي
مقابلات /
سياسية /
1965-08-27
مـقـابـلـة مـع
علي صالح السعدي ، هاني فكيكي ، محسن الشيخ راضي
الزمان والمكان : 27 آب عام 1965 ، لبنان
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
القضية الكردية : قبل انقلاب 8 شباط 1963 حتى إيقاف القتال في الشهر الأخيرة من حكم قاسم ، جرى اتصال عن طريق فؤاد عارف ممثّل الأكراد ، وهو واجهة سياسيّة ، للاتصال بصالح اليوسفي. وقد كان الحديث بشكل عام: الإقرار بالحقوق الكرديّة، والروابط العربيّة الكرديّة، وإنّ المشكلة الأساسيّة هي الاستعمار وتحرر الشعبَين : العربي والكردي من السيطرة الخارجيّة ، كفيل بتسوية كل نقاط الاختلاف القائمة ، وذلك لوجود هذه الروابط المذكورة آنفاً . وقد أخبروا وبشكل غير مباشر، أنّ نيّة البعثيين القيام بحركة انقلابيّة.. وقد لاقى ذلك منهم شيئاً من الارتياح..
وفي يوم 8 شباط 1963 ، وجه فؤاد عارف، مع ممثل آخر للحركة الكرديّة ، نداء من الإذاعة... لذلك وبعد 8 شباط 1963، كوّن الأكراد وفداً مفاوضاً مكوّناً : من جلال الطالباني ، صالح اليوسفي ، محمد عزيز ، وثلاثة آخرين .. والوفد العراقي من : علي صالح السعدي ، صالح مهدي عماش ، طاهر يحي ... وقد عقد الجانبان عدة اجتماعات ، الأولى منها كانت ودية طغى عليها المجاملة ...
في هذه الأثناء ، اجتمع المجلس الوطني لقيادة الثورة وقرر أن تأخذ المفاوضات مجرى التسويف والمماطلة ، لكي يتيسر تجهيز الجيش ورسم الخطة لضرب الحركة الكرديّة ضربة مفاجئة ونهائية. وفي الوقت نفسه ، كان الأكراد بدورهم ، يهيئون أنفسهم للحرب وذلك بتهيئة الحصون وتكديس المؤن والعتاد والأسلحة ... وكان الطرفان في الحقيقة يعرفان بخطة الآخر ...
أما موقف حزب البعث ، فقد كان غير واضح كلياً بل ومتناقض ، ويتردد بين التفاهم وإيجاد حل سلمي ... وبين الحرب ، وكان فريق من البعثيين ينظر إلى هذه الحركة كحركة استعمارية ... واستمرت المفاوضات وقتاً ، وكان يتخللها بين حين وآخر تهديدات ... ثم مجاملات ...
في هذه الأثناء ، حدثت مشكلة تجاه عبد السلام عارف في المجلس الوطني لقيادة الثورة بالنسبة إلى الموقف من الحركة الكرديّة ، طالباً الاستقالة ، إذا لم يُقض نهائياً على المقاومة الكردية .... فأعيد إلى الجلسة واُتفق على أن يبقى في الحكم إلى أن تنتهي حرب الأكراد وتنتهي كل مقاومة لهم ... كما أن الحزب بمجموعه اعتبر رسالته الحالية هي إنهاء الحرب الكردية ومعها الحركة الكردية . ومن الأشخاص المتحمسين للقضاء على الحركة الكردية هم : عبد السلام عارف ، أحمد حسن البكر ، حردان التكريتي ...
وفي هذا المجال ، لا بدّ لنا من أن نبدي ملاحظة وهي أنه لو كان للأكراد شيئاً من المرونة ، لكان هناك إمكانية إيجاد حلّ سلمي ، وهو متوافر ، ولصالح الأكراد .
كما أن هناك عوامل أخرى عقَّدت المشكلة الكرديّة ، مثلاً الشيوعيون بالذات ، أصبح عندهم قضية الأكراد وسيلة لإضعاف الحكم ووضعوا كل إمكانياتهم لاستمرار الحرب ... ورأي عبد الناصر في هذا الموضوع وفي أوائل المحادثات ، أنه إذا بالإمكان تجنُّب الحرب وإيجاد حلّ سلمي لهذه المشكلة ( فهذا أفضل ) وإلاّ فأنا معكم ... في حين أن بن بلا كان متحمساً كثيراً لإنهاء الحركة الكرديّة ... وقال : " إنني أنا أيضاً أعاني كثيراً من عبد الناصر كما تعانون أنتم ... ولكنني مضطر ...".
ولكن ، هل كان الحزب والحكم في العراق مهيآن مثلاً لإعطاء الحكم الذاتي للأكراد ؟... إن حزب البعث والحكم والشعب العراقي بغالبيته العظمى (عدا الحزب الشيوعي) غير مهيئين بتاتاً، لا سياسياً ولا نفسياً ، لإعطاء الحكم الذاتي للأكراد ... بل بالعكس ، كانت المعارضة قوية والشعور النفسي العام مؤيد لإفناء وإبادة وإنهاء الحركة الكردية في العراق ...
هناك سؤال كان يطرح بإلحاح دائماً ولا يزال ، وهو : ما هي نوع الارتباطات الخارجية للحركة الكرديّة ككل ؟... وإلى أي مدى كانت التدخلات الخارجية تُزكي روح المقاومة وتُبعد أي مجال للتفاهم ؟... إنّ عناصر وفئات كبيرة وقياديّة في الحركة الكرديّة لها روابط وعلاقات واتصالات مع القوى الاستعمارية . هذا بشكل عام . وإننا نستطيع أن نتبين تيارَين في حزب البارتي : تيار قومي وآخر رجعي . مثلاً : مواقف مصطفى البرزاني وآخرين من القياديين العشائريين لهذه الحركة ... معادين للشيوعيين وللماركسيين ... وللبرزاني مواقف متعدِّدة تدل على ذلك ... والحركة الكرديّة كحركة قومية وطنية تحوي عناصر مختلفة وفئات من مختلف الطبقات ، فيها العناصر التقدمية والعناصر الرجعية ... وإننا كنا نلاحظ دائماً أنه عندما تشتد مفاوضات النفط ، كانت تشتد أيضاً المقاومة الكرديّة ...
ومما لا شك فيه أن خطّة الاستعمار في المنطقة ، إنما هي دوام وبقاء التوتر والقلاقل والفوضى والصراع الدائم ... لذلك كانوا يمدون بمساعدات للحكومة العراقية وللحركة الكردية في الوقت نفسه... وإن الاتحاد السوفياتي كان يقاوم الحكم البعثي في حربه ضد الأكراد ، في حين أنه كان يمدّ حكم قاسم بمساعدات حربية في حربه ضد الأكراد ...
أما بالنسبة إلى عدم إنهاء القتال بسرعة ، يعود إلى أن اتصالات مستمرة كانت تجري من داخل الحكم لدفع الأكراد للصمود والبقاء... ذلك لأن هذا الحكم غير باق ولا يمكن أن يستمر، كما أنه كانت للأكراد ضمانات بأن الحكم سيسقط ...
* صالح مهدي عمّاش على علاقة وثيقة بجميل صبري . وهذا الأخير على صلة واتصال بمدير الاستخبارات الأميركية ... وقد تم هذا الاتصال بواسطة شخص يدعى موفَّق خضيري ، تاجر كبير ومن عائلة أرستقراطيّة ، الذي كانت له علاقة بكل من جميل صبري مدير الأمن العام ، وعبد الستار عبد اللطيف وزير المواصلات ، ولقد اتصل بموفق خضيري ضابط أميركي في المخابرات الذي اتصل ( هذا الضابط الأميركي ) بدوره عن طريق موفَّق خضيري بجميل صبري . وقد طرح هذا الضابط تسليم خارطة كتيبة الصواريخ الروسية ، وتسليم دبابة روسية من طراز ت 54 لمدة 24 ساعة ...
طرح هذا الأمر عبد الستار عبد اللطيف بحماس على المجلس الوطني لقيادة الثورة ، مقابل إعطاء قرض مالي ... وقد عارض علي صالح السعدي هذه الفكرة ، وقال صالح عمّاش : إن هذه القضية أخلاقية لا يمكن القيام بها ... في هذه الأثناء ، كانت الحكومة قد طلبت من الأميركان تزويدها بقنابل " النابالم " لاستعمالها في حرب الأكراد ... ولكن لم يجب في حينه طلب الحكومة ...
غير أنه بعد هذه الحادثة بفترة ، قد حصلت الحكومة فعلاً على قنابل " النابالم " عن طريق باكستان : إذن لا بدّ من هذا التساؤل : لقد جرت مفاوضات من خلف ظهر المجلس الوطني، وبموجب اتفاق سرّي حصلت الحكومة على هذه القنابل ، ولكن بالمقابل لا بدّ من أن يكون قد سُلمت الخارطة والدبابة ... ولم يستطع المعنيون من العسكريين تفسير هذا الأمر وكيفية الحصول على قنابل " النابالم "، ولكنهم أبقوا ذلك سراً عن المجلس الوطني لقيادة الثورة والحزب والحكم .
وقد اتصل أيضاً الملحق العسكري الأميركي وعرض على صالح مهدي عمّاش تسليح الجيش بكل أنواع السلاح ومجاناً ، وقد صرح عمّاش بذلك أمام الصحف . وكذلك فإن السفارة اليوغلسلافية رفعت تقديراً إلى القيادة القومية عن طريق جبران مجدلاني وقد سلّم هذا التقرير إلى الأمين العام ميشال عفلق . ويقول هذا التقرير إن السفارة تؤكد ارتباط طالب شبيب بالحلف المركزي . ولكن ميشال عفلق لم يطرح هذا الخبر على أحد ولا على القيادة القومية... وقد اعترف جبران مجدلاني أمام منظمة البعث بهذه الحادثة.
* كما أن حازم جواد اتصل ببعض الضباط الإيرانيين والأتراك التابعين للحلف المركزي...
* عرقلة اتصال السفراء الشرقيين بالوزراء ، في حين أن اتصالات ولقاءات السفراء الغربيين كانت متيسرة.
* إيلي زغيب ، من أصل لبناني ، ويحمل الجنسية الأميركية ، وهو متهم بالعمالة للمخابرات الأميركية ... عندما جاء عفلق إلى لبنان مختفياً في أواخر أو أوائل عام 1960 ـ 1961، لم يجد بيتاً يختفي فيه سوى بيت هذا الشخص بالذات . وفي أثناء حكم عبد الكريم قاسم ، عيّن إيلي زغيب استاذاً في جامعة بغداد . وكان طالب شبيب يلتقي دائماً معه . وبعد انقلاب 8 شباط عام 1963 وجدت في وزارة الدفاع وثائق تشير إلى أنّ المخابرات العراقيّة تتهم هذا الشخص بالعمل لمصلحة المخابرات الأميركيّة . فطالب الحزبيون باعتقاله . ولكن طالب شبيب تمكن من تسفيره وبسرعة ... ولم تمض مدة حتى تمكن أيضاً من إغلاق ملف هذه القضية ... ثم بعدها إعادته إلى بغداد ...
* من الانتخابات الحزبيّة حتى 11/11/1963 : في آب عام 1963، بدأت الانتخابات الحزبيّة في العراق ، بعد أن كان الصراع قد احتدم بين السلطة السياسية والحزب ، نتيجة عوامل عديدة ذكرناها آنفاً ... ومن أجل ذلك ، كانت قواعد الحزب تقف موقف المؤيد والمساند للأعضاء الحزبيين المعارضين لسلطة 8 شباط السياسيّة والعسكريّة على حدّ سواء .
كان حازم جواد وطالب شبيب وأحمد حسن البكر وعبد الستار عبد اللطيف والمؤيدون لهم ، يشعرون بموقف القاعدة الحزبيّة بالنسبة إلى السلطة . لهذا فقد طلب بعض المؤيدين لهم أمثال صدام التكريتي ، طارق عزيز ، أحمد طه العزوز ، عدنان القصّاب ، باتخاذ موقف معاد للسلطة ، لمجارات اتجاه القاعدة الحزبيّة وضمان تأييدها في الانتخابات . ولهذا فاز عدد لا بأس به ممن كان موقفهم في المؤتمرات الدنيا مخالفاً لموقفهم في المؤتمر القطري ...
وقد طُرحت في المؤتمر القطري المنعقد في 13 آب حتى 23 آب ، كل أبعاد الأزمة والاختلافات التي كانت دائرة بين الحزب والسلطة حينذاك من جهة ، وبين أعضاء قيادة الحزب فيما بينهم من جهة أخرى. وطبعاً في جوّ كهذا ، ونظراً لهذه الاختلافات ، فلم تتقدم القيادة القطرية إلى المؤتمر بتقرير موحد ، بل وقف كلّ عضو من أعضائها يطرح وجهة نظره في الأزمة .
وقد تبلور رأيان أساسيان في المؤتمر : بالنسبة إلى الالتزام بالشعب ، وعلاقة السلطة بالحزب ، أي أن الحزب هو القائد للسلطة ؟... وما هو دور المنظمات الشعبية : اتحاد العمال والفلاحين ، اتحاد الطلبة ، والحرس القومي ؟... وما هو الموقف من القوى الرجعية ، والمصارف والصناعة والإصلاح الزراعي ؟... ـ لم يبحث هذا المؤتمر المشكلة الكردية ـ
أما أعضاء القيادة القطريّة السابعة حتى انعقاد المؤتمر القطري الجديد في آب هم : علي صالح السعدي ، حميد خلخال ، حمدي عبد المجيد ، هاني فكيكي ، ومحسن الشيخ راضي ، يؤيدهم معظم أعضاء المؤتمر القطري من المدنيين المعبرين عن رأي القواعد الحزبيّة . ومن جهة أخرى ، كان أيضاً في القيادة القطرية : حازم جواد ، طالب شبيب ، كريم شنتاف ، يؤيدهم ويدعمهم أحمد حسن البكر ، عبد الستار عبد اللطيف ، صالح مهدي عمّاش ، طاهر يحيى ، كريم مصطفى نصرت ، وحردان التكريتي ... وعبد السلام عارف . ـ إرجع إلى أزمة الحزب في العراق ـ
وقبل انتهاء المؤتمر القطري ، انتخبت قيادة قطرية جديدة من : علي صالح السعدي ، هاني فكيكي ، محسن الشيخ راضي ، حمدي عبد المجيد ، حازم جواد ، كريم شنتاف ، صالح مهدي عمّاش ، أحمد حسن البكر ، طالب شبيب .
المؤتمر السادس
في هذا الجوّ وخلال أزمة حكم البعث في العراق ، كان يظهر شيئاً فشيئاً في سوريا تيار يحمل التمرُّد ذاته والثورية الموجودة في العراق ... إنما الفارق الجوهري في كلا الاتجاهين هو أنّ الاتجاه السوري المتمرد يضمّ عناصر فكريّة واعية ، وهو إجمالاً ما يفتقده الاتجاه العراقي المتمرد ... ـ إرجع إلى كراس " نحو بناء حزب جديد " ـ
لا يمكن في بادئ الأمر أن نقول إن التيار العراقي تيار يساري واشتراكي واضح ، وإنما هو عبارة عن مجموعة من أعضاء الحزب القياديين المتمردين على الحزب بعقليته التقليدية وأسلوبه في العمل السياسي وعلى شخص أمينه العام ميشال عفلق بالذات ... مع وجود عناصر يسارية ويسارية متطرفة في قيادات حزب البعث في العراق ، ولكن من غير وضوح في الفكر والبرنامج السياسي ...
كذلك كان الوضع الحزبي في لبنان : صراع داخلي غامض نوعاً ما على الصعيد الفكري والنظري . ولكن الطابع العام هو طابع التمرد على قيادة الحزب وأمينه العام ميشال عفلق ودعم وتأييد الرفاق العراقيين في صراعهم ... فالتيار التقدمي إجمالاً كان عاماً مع شيء من الغموض ، لذلك كان المؤتمر القومي السادس يتمثل فيه تياران :
تيار تقدمي متمرد على العقلية الحزبية التقليدية الجامدة
وتيار محافظ : ميشال عفلق ، صلاح الدين البيطار
وطُرح على المؤتمر دراسات : التقرير العقائدي ودراسات سياسيّة تتعلق بشؤون الحكم والحركات السياسيّة العربية الموجودة في الوطن العربي والقوى الاجتماعيّة : ولقد نوقشت على وجه الخصوص شؤون الحكم والحزب في كلّ من سوريا والعراق ... وقد أخذ المؤتمر في الأسبوع الأول من انعقاده طابعاً فكرياً عقائدياً ، كما أنه جرى نقاش حول مفهوم الحزب للوحدة والحرية والاشتراكية ...
إنّ العناصر الفكرية التي برزت في المؤتمر السادس والتي بلورت إلى حدّ كبير الطابع التقدمي الاشتراكي ، بعد أن كان يحمل (التيار اليساري) طابع التمرد ، هم : ياسين الحافظ ، محمد زكي يونس من العراق . وبالطرف المقابل : عفلق ، البيطار ، شبلي العيسى .
والنقاط الأساسيّة التي دار حولها النقاش هي موضوع : فكر الحزب بشكل عام . أما القضايا السياسيّة فقد جرى مناقشتها بعد مناقشة النواحي العقائديّة ... كما طرحت في هذا المؤتمر فكرة الوحدة الثنائية بين سوريا والعراق ، التي عارضها عفلق والبيطار في بادئ الأمر ، ثم انتهى الجميع إلى رأي بتحقيق الوحدة الثنائية بعد مضي ثلاثة أو أربعة أشهر ... كما أن المؤتمر انتهى إلى النقاط الآتية مع التأكيد عليها : علاقة الحزب بالحكم .
السلطة الأولى للحزب، وهو الذي يسمّى المجلس الوطني لقيادة الثورة ومجلس الوزراء.
استقلال المنظمات والحركات الشعبية عن السلطة وعن الحكم وخضوعها للقيادات الحزبية العليا ...
أما رأي البيطار ، ومن الناحية العملية ، فكان يشدِّد على أنه لا يجوز إطلاقاً ترك حرية التوجيه اليومي للقيادة القطرية ، وإنما رئيس الوزراء هو الذي يوجِّه هذه الحركات .. وفي الأيام الأخيرة من المؤتمر ، طُرحت مشكلة الحزب في العراق ... وقد طرحت من جانب محمد عمران وصلاح الدين البيطار وكريم شنتاف ...
فقام وقال علي صالح السعدي : إن هناك مؤامرة في العراق من قبل عبد السلام عارف وحازم جواد وطالب شبيب . وقد حذّر المؤتمرين من هذه المؤامرة . وقد أشار إلى أن في هذا المؤتمر أعضاء سينقلون كلامي إلى عبد السلام عارف وإلى العناصر الرجعية ... ولكن العناصر اليمينية لم ترد على كلام السعدي . وفي فترة انتخاب القيادة القومية ، صرح عمّاش والبكر بأنهما يرفضان الدخول في أي قيادة لا يدخلها ميشال عفلق ... وقد انتخبت أخيراً قيادة قومية ضمت الأعضاء : ميشال عفلق ، منيف الرزاز ، علي صالح السعدي ، حمودي الشوفي ، محسن الشيخ راضي ، حمدي عبد المجيد ، أحمد حسن البكر ، أمين الحافظ ، صالح مهدي عمّاش ، صلاح جديد ، خالد العلي ، جبران مجدلاني ، أسعد عكا ...
وقد كان عدد الأعضاء الذين حضروا المؤتمر السادس 73 عضواً من مختلف الأقطار العربية ... أما ميشال عفلق ، فكان يعتبر القيادة القومية مرحلة موقتة لضربها فيما بعد ، لذلك هو معارض لها ويرفض الاجتماع بها . وبقي الوضع على هذه الصورة فترة من الزمن إلى أن رضي أن تجتمع القيادة القومية ... وكان النقاش يدور طبعاً حول الوضع في العراق .
فقد قال ميشال عفلق : إن هناك تآمراً في العراق ويدور حول تحركات عبد السلام عارف . كما أن الحزب يجب أن يقف موقفاً إيجابياً من حازم جواد وطالب شبيب ... وأن تجري انتخابات تكميلية ، وتعمل القيادة القومية وخصوصاً العراقيون للتأثير على المؤتمر القطري الجديد في العراق لانتخاب طالب شبيب عضواً في القيادة وإظهار إيجابية فائقة من قبل أعضاء القيادة القطرية تجاه حازم جواد حتى تقطع علاقتهما مع عبد السلام عارف ..
كان هدف ميشال عفلق وموقفه يعبّر عن ذلك من أجل الحفاظ على السلطة . لذلك لم يأخذ صراحة جانب اليمين أو اليسار ... ووجهة النظر المقابلة أن في العراق تآمراً أخذ أبعاداً وخطوات واسعة وأن الارتباط بين حازم جواد وطالب شبيب وعبد السلام عارف لا يمكن فكه أبداً. لهذا لا بدّ من الاعتماد على الحزب وتركيز ثقل القيادة القومية في دعم الاتجاه الحزبي وبالتالي إبعاد عبد السلام وحازم وطالب .
وكان يدافع عن وجهة النظر هذه ، علي صالح السعدي ، حمدي عبد المجيد ، محسن الشيخ راضي ، حمودي الشوفي . واستمر النقاش يوماً كاملاً دون أن ينتهي إلى نتيجة أو إقرار أي من الاقتراحين . وفي الاجتماع الثاني للقيادة القومية قدّم صالح عمّاش اقتراحاً بإجراء انتخابات تكميلية نظراً إلى أن خمسة من أعضاء القيادة القطرية ارتفعوا إلى القيادة القومية . واقترح أيضاً أن يكون ميشال عفلق وأمين الحافظ وصلاح جديد مشرفين على هذه الانتخابات . ووافقت القيادة على هذين الاقتراحين بالاجتماع .
واتخذ هذا القرار في أوائل تشرين الثاني عام 1963 وقد بُلِّغ هذا القرار إلى القيادة القطرية في العراق في اجتماعها الأول ، وكان موقف حازم جواد إيجابياً ... عقدت القيادة القومية اجتماعاً آخر في 8 تشرين الثاني ، ولم يحضر أحمد حسن البكر هذا الاجتماع ولم يوافق عليه . وقد نوقش فيه أيضاً موضوع العراق . وأكدنا على التآمر من قبل عبد السلام عارف وحازم جواد وطالب شبيب .
هنا وجه ميشال عفلق سؤالاً حول إمكانية الإطاحة بالحكم الحالي ، فأكد علي صالح السعدي بأنه لا يمكن الإطاحة به من خارج الحزب ... وفي اليوم التالي وتنفيذاً لقرار القيادة القومية ، امتنع عفلق عن السفر دون أن يذكر الأسباب وكذلك أمين الحافظ وصلاح جديد . وسافر العراقيون وحدهم . لقد كان مقرراً عقد المؤتمر القطري في 10 تشرين الثاني ولكن أُجِّل إلى 11 تشرين الثاني 1963 ـ أرجع إلى أزمة الحزب في العراق ـ
في أثناء وبعد حوادث 18 تشرين الثاني عام 1963، اقترح ميشال عفلق أسماء : طاهر يحيى ، أحمد حسن البكر ، صالح مهدي عمّاش ، عبد الستار عبد اللطيف ، رشيد مصلح ، صدام التكريتي ، بدلاً من القيادة القطرية .أما الرأي الثاني وهو رأي القواعد الحزبية : التمسك بفرع بغداد أو عقد مؤتمر لقيادي الشعب وانتخاب قيادة جديدة . وقد رفض عفلق هذا القرار ...
وبعد حدوث التغييرات في السلطة وإبعاد أحمد حسن البكر ... عيّن عفلق قيادة جديدة من أربعة أشخاص : صدام التكريتي ، وبهجت شاكر (فصل حالياً) وعبد الله حياوي ، وعبد الله السلام . وبقي ارتباط هذه القيادة بطاهر يحيى مع علم القيادة القومية ...
في تلك الأثناء ، وبعد تلك الحوادث ، بدأ ميشال عفلق يدعو إلى عقد مؤتمر قومي ، مع العلم أن المؤتمر القومي السادس لم تنته دورته الاعتيادية في هذه الفترة . كان قد رجع علي صالح السعدي ، وحمدي عبد المجيد ومحسن الشيخ راضي ، وحاولنا أن نحضر اجتماعاً للقيادة القومية ، مع العلم أن ميشال عفلق كان يرفض دعوتنا ... فحضرنا الاجتماع ، ورفض عفلق أن يردد الشعار باعتبار أننا لسنا ولا من الممكن أن نكون أعضاءً في القيادة ، وإننا مسؤولون عن أزمة الحزب في العراق .
وهنا استنكرنا هذا الموقف وطلبنا : 1 ـ تشكيل لجنة من الحزب لاستقصاء المعلومات وإجراء محاكمة للمسؤولين عن نكسة الحزب وإعداد تقرير حول نكسة الحزب .
2 ـ تشكيل قيادة جديدة للحزب في العراق ...
فأصر ميشال عفلق على اتهامنا بتحمُّل مسؤولية نكسة الحزب ، فتركنا الاجتماع ولم يتخذ ايّ قرار لأن ميشال عفلق والبقية أي صلاح جديد وأمين الحافظ ، رفضوا مثل هذه الاقتراحات واعتبروا أنفسهم هم القيادة القومية وهم المسؤولون عن الحزب ... بعد مرور شهر ، دعينا إلى اجتماع القيادة القومية . فطرح عفلق دعوة مؤتمر قومي موسع . فأكدنا :
1 ـ المؤتمر السادس هو الشرعي وهو الذي يقرر إذا كان هناك حاجة إلى دعوة مؤتمر قومي موسع أم لا .
2 ـ تشكيل قيادة جديدة للحزب في العراق ...
3 ـ تحديد موقف القيادة من التقرير المرفع حول أزمة الحزب في العراق .
4 ـ تكوين لجنة تحقيق باعتبار ميشال عفلق المسؤول الأول عن نكسة الحزب في العراق .
وانفض الاجتماع دون الوصول إلى نتيجة، وقد دعا بعدها عفلق إلى مؤتمر قومي سابع موسع.
* والقيادة القومية المنبثقة عن هذا المؤتمر السابع ، عينت قيادة قطرية جديدة تضمّ : صدام التكريتي، وطارق عزيز ، وكريم شنتاف ، وأحمد حسن البكر ، وصالح عمّاش ، ورشيد مصلح ، وبهجت شاكر . وفُصل من الحزب كل مَن أيّد اللجنة التحضيرية واعتبر المؤتمر السابع غير شرعي ...