د . دندشلي - الرائد المتقاعد عدنان حمدون (2)
مقابلات /
سياسية /
2007-05-26
المقابلة الثانية مع
الرائد المتقاعد عدنان حمدون
الزمان والمكان : صباح السبت ، 26 أيار 2007 ، دمشق في مقهى الكمال
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
* بطاقة شخصية
في عام 1960 ، نُقل عدد من الضباط السوريين الموجودين في القاهرة وأنا منهم إلى وزارة الخارجية ، ومعظمهم من المحسوبين على حزب البعث وأصدقائهم وعلى أكرم الحوراني . قبل ذلك ، نُقل عدد كبير من الضباط السوريين من سوريا إلى القاهرة وذلك في نهاية عام 1959، لكون معظمهم من البعثيين . وسبق أن نُقل قبل ذلك عدد آخر إلى القاهرة أيضاً ...
ومن وزارة الخارجية كموظف فيها ، نقلت إلى سفارة الجمهورية العربية المتحدة في كوبا في العاصمة هافانا ، كسكرتير ثانٍ . وكان آنذاك السفير عمر الجمال وهو لواء متقاعد ... وكانت الثورة الكوبية في بداياتها وفي أوجها ، مما أتاح لي الفرصة الاطلاع على تجربة ثورية اشتراكية آنذاك : ثورة فيدال كاسترو ورفاقه ( تشي غيفارا ) واتيحت لي الفرصة أيضاً أن أتعرف على شخصية الثوري العالمي الشهير ، أرنستو تشي غيفارا ... وفي عام 1961، وقع الانفصال ونقلت خطأ من هافانا إلى دمشق بدلاً من واشنطن ... وبعدها نقلت إلى أندونيسيا كقائم بالأعمال ، وبعدها نقلت إلى دمشق وسجنت في عام 1964 في سجن المزة مع عدد كبار من الاشتراكيين العرب منهم أكرم الحوراني ، خليل كلاس ، مصطفى حمدون ، عبد البر عيون السود ، وهيب الغانم، عبد الفتاح الزلط وآخرون. ودام السجن نحو ستة أشهر. وبعد ذلك أفرج عنهم وأنا معهم... وبعد السجن عدت إلى وظيفتي في وزارة الخارجية، وألحقت بالسفارة السورية في مدريد (إسبانيا) كسكرتير أول وكان القائم بالأعمال الشاعر نزار قباني. وبعد إسبانيا عُينت قائماً بالأعمال في التشيلي من عام 1966 إلى عام 1968 حيث سُرِّحت من وظيفتي بتهمة إرسال أموال إلى أكرم الحوراني ومجموعته الموجودين في بيروت ... ومن ثم ذهبت بعد تسريحي من وظيفتي في التشيلي إلى بيروت عام 1969 ... ومن هناك انقطعت علاقتي بالأستاذ أكرم الحوراني وحركة الاشتراكيين العرب ... وبعد الحركة التصحيحية عام 1970، أعدت إلى الوزارة الخارجية وعينت في السفارة السورية في فنزويلا ...
* * *
سؤال : كيف كانت تتم العلاقة بين أكرم الحوراني والضباط ذوي الميول البعثية أو اتجاه الاشتراكيين العرب ؟...
الجواب : بدأت علاقة أكرم الحوراني بالجيش العربي السوري بإقامة علاقات شخصية مع ضباط ذوي ميول وطنيّة قوميّة تقدميّة ومن مختلف المحافظات السورية . وقد رحب أكرم الحوراني والحزب العربي الاشتراكي ومعه حزب البعث بالانقلابات العسكرية التي وقعت في سوريا ابتداء من حسني الزعيم ثم سامي الحناوي وأخيراً أديب الشيشكلي ، بهدف تسريع وتحديث بنية الوطن والدولة في سوريا : توطين العشائر ، انتخاب على درجة واحدة بدلاً من انتخابات على درجتين ، وبناء جيش وطنيّ قوي للتصدي للمشروع الصهيوني وتوزيع أملاك الدولة على الفلاحين وإصدار قوانين لحماية الفلاحين والعمال ، إلخ ...
وهنا ، لا بدّ من الإشارة إلى أن دور الضباط البعثيين داخل الجيش كان دوراً هامشياً إلى أن تمّ الانقلاب على أديب الشيشكلي . ومنذ ذلك الحين ولأول مرة يقوم ضابط بعثي بإذاعة البيان الأول للانقلاب على نظام حكم الشيشكلي الدكتاتوري ، وهو النقيب مصطفى حمدون ، بمساعدة عدد من الضباط البعثيين ومنهم محمد عمران ، عبد الغني عياش ، نعسان زكار ، ( دور أساسي للملازم أول محمد عمران ) وخالد عيد... وعدد من الضباط الحياديين المعاديين لأديب الشيشكلي.
لا بدّ من الملاحظة أن هناك مشروعَين للانقلاب على الشيشكلي :
1 ) في حلب من قبل البعثيين وأصدقائهم بصورة أساسية والمستقلين ضمن صراع المحور مصر + السعودية ، مقابل بغداد + عمان .
2 ) المشروع الثاني كان يعدُّه أنصار حزب الشعب والحزب الوطني في الجيش بدعم وتمويل من قِبَل العراق . وكان المشروع سينطلق من السويداء ( جبل العرب ) بالاشتراك مع الأمير حسن الأطرش والدكتور سعيد الكاتب ذي الاتجاه القومي العربي الذي كان يدعو إلى الوحدة مع عراق نوري السعيد .
* هنا يبدو أن هذه التطورات السياسية والعسكرية التي كانت مسرحها سوريا والصراع على سوريا ، لا تخدم مشروع أكرم الحوراني السياسي وهو ، كما قلنا سابقاً ، تحديث الدولة والجيش الوطني معاً . يضاف إلى ذلك انعدام ثقة الحوراني بالعسكريين وأن يكون الحل هو الجيش ، ذلك لأن الضباط ذوات نزعة دكتاتورية ، ولا يقبلون بالخضوع للقيادات السياسية بصورة عامة . ولذلك رفض محاولات محمد عمران وعدد من الضباط وبخاصة بعد عصيان قطنا ، أن يقوم الضباط البعثيون بالانقلاب لاستلام السلطة ...
* ملاحظة : حتى أعضاء اللجنة العسكرية التي تكوَّنت في القاهرة في أثناء الوحدة السورية ـ المصرية ، لم يكونوا حزبيين منتظمين أو في تنظيم حزبي تراتبي بالمعنى الحقيقي للكلمة . ومن جهة أخرى ، فقد كانت العلاقات مع الضباط ذوي الاتجاهات البعثية أو التقدمية الاشتراكية والوطنية إنما تتمّ عن طريق مصطفى حمدون وعبد الغني قنوت وبشير صادق بأكرم الحوراني . وكان أكرم الحوراني هو صاحب القرار الأخير بعد التشاور مع أعضاء القيادة الحزبية . ولقد كان أكرم الحوراني في ذلك الحين الزعيم الشعبي والجماهيري الحقيقي ليس فقط في منطقته حماه وريفها ، وإنما أيضاً في سوريا ... علاقات أكرم الحوراني إنما هي أقرب إلى العلاقات " الشعبوية " والحزب العربي الاشتراكي كان كتلة شعبية حقيقية أكثر منه تنظيماً حزبياً . فقد كان يضمّ تنوعاً شعبياً كبيراً وواسعاً ومن جميع الانتماءات الاجتماعية من حماه وحلب وحمص ومحافظة اللاذقية وحتى دمشق ...
شخصيات عسكرية سورية :
* العقيد أمين النفوري : ضابط مدرعات ( خيالة ) من عهد الانتداب الفرنسي واتبع عدداً من الدورات العسكرية في فرنسا وكان ذا كفاءة عالية من الناحية العسكرية ، جدي ، صارم، حازم . أما ميوله السياسية من الناحية القومية العربية ، فهو يُعتبر من الوسط . وكان يترأس مجموعة من الضباط موالين للعقيد أديب الشيشكلي ( وهو من مواليد العشرينات من القرن الماضي ، في البنك ، محافظة ريف دمشق ـ القلمون ) وما كان يشاع بأن كتلة أمين النفوري غير متحمسة لقيام وحدة سوريا ومصر ، غير صحيح . وسمّي وزيراً في أيام الوحدة...
* الرائد طعمة العودة الله : ضابط كفؤ ، شجاع من حوران ، من قرية " نوى ". واتبع دورات في فرنسا ، ذو اتجاه وحدوي ، وهو أحد أعضاء مجموعة أمين النفوري / وعين وزيراً ومن ثم نقل إلى اقاهرة وقتل هناك . وهو يتميّز ببنية جسدية قوية كبيرة وذكاء حاد وشجاعة نادرة.
* الرائد عبد الحميد السراج ( الذي كان يسمّى : " الرئيس الأول " أي رائد ) أسوة برفاقه ، طهمة العودة الله ، وأحمد حنيدي ، وأكرم ديري وجادو عز الدين ( درزي )...
وهو من مواليد عام 1924 تقريباً ، من مدينة حماه . كان في البداية عريقاً في الدرك ، ثم انتسب إلى الكلية الحربية وتخرج ضابطاً في عام 1945 تقريباً . وشارك في حرب فلسطين عام 1947 في جيش الإنقاذ تحت قيادة العقيد أديب الشيشكلي . وهو ، أي السراج ، ذو اتجاه قومي عربي وكانت ميوله في البداية نحو الكتلة الوطنية … والسراج كان من أعوان العقيد أديب الشيشكلي وبعد أن أصبح رئيس الشعبة الثانية في الجيش السوري ( المخابرات العسكرية )، ساهم في تصفية أعضاء الحزب القومي السوري بعد اغتيال المالكي ، وعمل على إفشال عدد من المؤامرات ضد النظام الوطني الديمقراطي بالتعاون مع القوى الوطنية وبخاصة البعثيين في الجيش . اما ثقافته العسكرية فهي محدودة ، وهي تشبه الثقافة العامة للضباط السوريين ... وهو رجل مهذب ، لطيف ، ناعم ، ذو معشر ، قريب ومحبب . وهو في الغالب الأعم يلتزم الصمت دائماً . وكان له دور مهم جداً في قيام الوحدة بين سوريا ومصر . وهو بهذه الصفة ، كان قد بنى علاقة جيدة مع الرئيس عبد الناصر .
* النقيب محمد عمران : أصبح بعد ذلك : " اللواء "، من مواليد عام 1928 من قرية "المخرم "، محافظة حمص ... بعثي ، شارك في عصيان حلب عام 1954 وكان له دور دافعاً ومشجعاً للقيام بالانقلاب . ونقل بعدها إلى معسكرات الغابون التي اشتهرت بتنفيذ الانقلابات العسكرية ، وهي تقع جنوب دمشق ، وهي الآن ضاحية من ضواحيها ... ومنذ ذلك الوقت ، كان يحرِّض ويسعى ويضغط على الرائد مصطفى حمدون وعلى أكرم الحوراني إلى القيام بانقلاب لاستلام الحكم ، وذلك بعد عصيان حلب . وكان يقابل دائماً بالرفض ، وذلك لصغر رتب الضباط البعثيين وقلة عددهم نسبياً وعدم توافر الكادر العسكري والمدني القادر على استلام السلطة . وحاول مرة أخرى العمل على احتلال دمشق خلال عصيان " قطنا ". ولكنه قوبل بالرفض أيضاً من قبل حزب البعث، أي أكرم الحوراني . وبعد قيام الوحدة ونقل عبد الناصر عدداً كبيراً من الضباط البعثيين إلى الإقليم الجنوبي ( مصر)، حاول اقناع الضباط البعثيين والحزب القيام بانقلاب على الوحدة . وله دور أساسي في قيام حركة 8 آذار عام 1963. وتمت تصفيته في طرابلس ـ لبنان في أوائل السبعينات من القرن العشرين . وهو ضابط شجاع ، ومحاور لدرجة المماحكة . وهو مثابر وصبور ويعرف ما يريد .
* العقيد نبيه صباغ ( أبو خالد ) من الطائفة الأرثوذكسية في حماه . وهو من الضباط القدماء ، منذ الانتداب الفرنسي ـ جيش الشرق . ضابط ذو كفاءة عسكرية وثقافية عالية جداً وأخلاق حميدة ، وقدرة تنظيمية عسكرية جيدة . وعندما نقل إلى الخارجية في عهد الوحدة ، فقد كان الأكفأ من بين السفراء على الإطلاق. وهو يتقن اللغة الفرنسية كتابة وخطابة . شهم وكريم...
* * *
سُرِّح من الجيش السوري اثناء الوحدة ما يقرب من سبعين ضابطاً من الشيوعيين وأصدقائهم ولم يكن لهم أي تنظيم حزبي ( يضاف إليهم الضباط الفلسطينيين ) وكانوا جميعاً يلتفون حول الفريق عفيف البزري . وفي الوقت نفسه ، فقد تم نقل عدد كبير من الضباط البعثيين وأصدقائهم ( وكان عددهم نحو مائة أو مائة وعشرين ضابطاً ومعظمهم كانوا مقربين إلى أكرم الحوراني ) وفي عهد الانفصال فقد سُرِّح أيضاً من الجيش ما يقرب من 60 ضابطاً بعثياً . أما التسريحات الضخمة فقد حصلت بعد الثامن من آذار عام 1963، فقد شملت المئات من الضباط ومعظمهم من أبناء المدن وخاصة دمشق تحت تهمة " الانفصالية "، وعُوِّض عنهم بضباط من الاحتياط ومن المجندين ، وذلك لولائهم لحزب البعث : أصحاب مهن حرة ، أساتذة ، وموظفين، إلخ ... بكلمة : لقد جرى تفضيل الولاء على الكفاءة ، وسموا بعد ذلك : الجيش العقائدي ".....