المركز اللبناني للأبحاث والإسِتشارات- إلغاء الطائفية السياسية في لبنان لا يزال بعيد المنال ـ حسان القطب
دراسات /
إدارية- وطنية - طائفية /
2011-03-25
الجمعة 25 آذار 2011
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
إلغاء الطائفية السياسية في لبنان لا يزال بعيد المنال..
بعض الأحزاب اللبنانية تقوم على أسس دينية وعقائدية، وتقدم لجمهورها الفكر الطائفي ولا أقول الديني، لتجمع من حولها أكبر عدد ممكن من الجمهور الذي لا يرى فيها سوى حبل الخلاص لهمومه، والممر الإجباري لتحقيق مطالبه، ولإقامة توازن موضوعي مع الطوائف اللبنانية الأخرى الحاضرة على الساحة اللبنانية مهما كان حجمها.. ومنذ فترة بدأنا نرى حراك طبيعي وصحي ومنطقي بين جمهور الشباب اللبناني يتحدث عبر ممارسة حقه الطبيعي في التظاهر، عن ضرورة إلغاء الطائفية السياسية وخروج النظام اللبناني من قالبه الطائفي إلى رحاب الحالة الوطنية، وابتعاد السياسيين والأحزاب اللبنانية، عن خدمة جمهور الطائفة إلى خدمة الوطن.. ولكن ما يعيق هذا المشروع وهذه الحركة وما يفقدها الجدية والمصداقية، هو تبنيها من قبل من يتظلل هذه العناوين والشعارات، فيما هو يمارس عكسها تماماً على الساحة اللبنانية..
بعد لقاء الأربعاء الأسبوعي الذي يعقد في منزل نبيه بري الرسمي في عين التينة وليس في مقر مجلس النواب باعتباره والمجلس صنوان لا يفترقان.. أكّد الرئيس برّي وعلى لسان أحد نوابه الناطقين باسمه قائلاً:(إلى جانب الوضع الحكومي كان موضوع التحركات الجارية لإلغاء النظام الطائفي وانه أي (بري) كان أوّل من طرح هذا الموضوع عندما كان لا يزال طالباً في الجامعة، مجدداً القول أن الطائفية هي علة النظام وانه لا بد وأن يأتي اليوم الذي تلغى فيه).. كيف يتفق هذا القول وهذا التصريح مع سياسي يقود حركة أمل الشيعية منذ 32 عاماً في عنوانها ومضمونها توجهها وجمهورها وحركتها ومطالبها وخدماتها ودورها..؟؟ وهذه عينة من مقدمة ميثاق حركة أمل.. (لذلك فإنها حركة الإنسان العامة في التاريخ ، قادها الأنبياء والأولياء والمصلحون ودفعها المجاهدون، وأغناها الشهداء الخالدون).. وعلى احد مواقعها تم نشر هذه المقولة الدينية الواضحة.. (لكي تصبح الحركة الحسينية مؤسسة وطقوسا" علينا أن نحاول إدراك أبعادها والتحرك على ضوء تعاليمها) وهي إشارة إلى أن حركة أمل يجب أن تكون حركة حسينية.... وقد أثنى الوزير المستقيل عدنان السيد حسين على: (تحرك الشباب اللبناني مؤخرا للمطالبة بقيام دولة مدنية لافتا إلى أن "هؤلاء الشباب دحضوا ما كان يحكى عن أن الشباب اللبناني شباب طائفي لا يثور")... وكان معالي الوزير قد استقال من حكومة الرئيس الحريري إلى جانب وزراء أمل وحزب الله، بعد تلقيه اتصالاً من معاون نصرالله السياسي، وخرج على كونه وزيراً من حصة رئيس الجمهورية، في إشارة واضحة على ارتباطه بقيادته السياسية - الدينية وهذا الأمر يتجاوز الانتماء السياسي..!! وحزب الله الذي يطرح سلاحه على انه سلاح مقاومة، وميليشياته على انه وطنية في خدمة القضية الفلسطينية والقضايا الوطنية، خرج أمينه العام نصرالله ليتحدث عن حال الطائفة الشيعية في البحرين وعن الظلم اللاحق بها، وعن تأييده ودعمه لمطالبها..مما يعني أنه يرى مطالبها تتعلق بطائفة، ومشروعها يرتبط بمذهب.. مما أضر بمصالح كافة المواطنين اللبنانيين في البحرين دون استثناء.. فإذا كانت رؤية حزب الله للحالة البحرينية طائفية مذهبية، فكيف يمكننا أن نقرأ سياسات حزب الله في داخل لبنان والمنطقة المحيطة..وكيف سيتعاطى هذا الحزب وجمهوره مع الواقع السياسي اللبناني، وعناصره من مذهب واحد ينتمون للطائفة الشيعية..واحتفالاته جميعها التي يتقاطر إليها جمهوره هي مناسبات دينية..!! كذلك نرى وليد جنبلاط الذي يرأس الحزب التقدمي الاشتراكي، ويقدم نفسه على انه عدو الطائفية، وعروبي وقومي وبروليتاري واشتراكي إلى أخر ما هنالك من ألقاب أممية وقومية ووطنية جامعة، انسحب من قوى 14 آذار/مارس، كما يقول لتحييد منطقة الجبل، واعتبر أن لطائفة الموحدين الدروز خصوصية معينة ويريد أن ينأى بها عن التجاذب السياسي بين أهل السنة والشيعة.. وهذا الكلام بعيد جداً ليس عن المفاهيم العلمانية فقط بل عن الروح الوطنية أيضاً.. والكثير من الأحزاب الأخرى.. وإن لم نذكرها فلأنها لم تقدم نفسها في السياق الذي تقدمت بها هذه القوى من موضوع إلغاء الطائفية السياسية ..؟؟
ما تقدم هنا معناه أن الواقع السياسي اللبناني، هو واقع طائفي ومذهبي، حيث يتعايش في هذا الكيان 18 طائفة، تتنافس فيما بينها على تحسين حضورها في السلطة السياسية والمؤسسات الإدارية اللبنانية وحتى الواقع الاجتماعي، والحديث من قبل هؤلاء عن إلغاء الطائفية السياسية هو سعي لذر الرماد في العيون ولمحاولة تمرير مشاريع قوانين تسمح لبعض القوى هذه أو لأحدها بالهيمنة على الإدارة في لبنان، تحت عنوان لا طائفية السلطة والمواقع.. وطرح الدوائر الانتخابية الكبرى، ليس بهدف تخفيف حدة الاحتقان الطائفي والمذهبي بل يهدف إلى وضع الأقليات الناخبة في مناطقها تحت رحمة جمهور معين عند الاستحقاقات الانتخابية، حيث يتم اختيار ممثلي هذه الطائفة أو تلك بعيداً عن مزاج ناخبيها وأفرادها وجمهورها.. ومبدأ المداورة الذي طرحة في مرحلة سابقة نبيه بري وفشل في تمريره، دفعه لتبني عنوان سياسي يتجاوز طاقة اللبنانيين على الاحتمال وهم في الأصل ليسوا على قناعة بجدية من طرحه ويقوم بالتسويق له، وهو إلغاء الطائفية السياسية..
الطائفية السياسية في لبنان لا يمكن أن تلغى بقرار أو رغبة من هذا الفريق أو هذه المجموعة، بل هو مشروع يتطلب الكثير من الدراسة والتمحيص والقراءة بموضوعية في الواقع اللبناني ومحيطه وارتباط القوى السياسية فيه، إضافةً للقوى والمجموعات والكيانات الدينية بدول ومؤسسات ينظر إليها على أنها مرجعية يستند إليها ولها الكلمة الفصل في القرارات وإدارة الصراع ورسم المسارات، ولهذا لم يتردد حسن نصرالله في القول: ("أنا أفتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه")..ولاية الفقيه هو شعار الحكم في دولة إيران اليوم، وهو نظام قد لا يتوافق مع رغبات وطموحات وقناعات 17 طائفة لبنانية، فكيف يمكن إذاً أن ننتقل إلى الدولة العلمانية اللاطائفية في المواقع السياسية والوظائف الإدارية، وسائر شؤون الحياة الأخرى، مع قوى مسلحة أحدها يريد أن تكون حركته نموذجاً حسينياً، وأخر فرداً في حزب ولاية الفقيه، وسياسي يريد حماية خصوصية الجبل وأبناء طائفته في الجبل دون سواهم من المواطنين اللبنانيين...لذا يبدو أن رفع شعار إلغاء الطائفية السياسية يهدف لإضعاف قوى ومواقع بعينها وإخضاعها تحت قانون انتخابات فضفاض يتيح لهؤلاء المسلحين بالشعارات الدينية، والقوى الميليشيوية، السيطرة على لبنان والحكم في لبنان دستورياً وقانونياً.. والحل كما يبدو لا يزال بعيد المنال ولا زال يتطلب المزيد من الدراسة الصادقة والجدية لا الشعارات الدعائية...
حسان القطب