المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- حكومة اللون الواحد ذات الفكر الواحد بالغة الخطورة على مستقبل لبنان ـ حسان القطب
دراسات /
سياسية /
2011-03-04
الجمعة 4 آذار 2011
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حكومة اللون الواحد ذات الفكر الواحد
بالغة الخطورة على مستقبل لبنان...
حسان القطب
في الوقت الذي تخرج فيه المنطقة العربية من شرنقة الحزب الحاكم والقائد الفرد الملهم والحزب الطليعي المقاوم، يدخل لبنان في هذا النفق رغماً عنه، في مرحلة جديدة من تاريخه السياسي والاجتماعي وحتى الأمني بإعلان سقوطه بيد فريق سياسي واحد.. يؤمن بحكم وإدارة وحكومة ولاية الفقيه العادل، القوي والقادر.. ليضع لبنان وشعبه الضعيف والمظلوم تحت رحمته ولرعايته..؟؟ بالرغم من أن معظم مكونات المجتمع اللبناني ولأسباب ومنطلقات مختلفة لا تؤمن بهذه الفكرة القدرية الإلهية، ومع ذلك يستمر هذا الفريق في سعيه لاستكمال تنفيذه مسار الهيمنة والسيطرة والإمساك بالسلطة ومفاصلها بكافة تفاصيلها..خدمة لمشروعه.. وكأننا في لبنان نسير عكس التاريخ ومنطق التطور السياسي.. في الأساس نشأ لبنان الكيان كنموذج تعددي يجمع قوى وطوائف ومذاهب متعددة ومتنوعة، تكون قادرة على تثبيت العيش المشترك فيما بينها وعلى تطوير التفاعل بين مكوناتها.. وبالرغم من الحروب الأهلية التي عصفت بهذا الوطن الصغير مرات عدة، استطاع المجتمع اللبناني المتعدد النهوض من جديد وإعادة البناء مرة بعد مرة..ولم تصل الأمور بين اللبنانيين يوماً إلى مرحلة اليأس والشعور بضرورة إعادة النظر باستمرار هذا الكيان..ولم يهبط يوماً مستوى اللغة السياسية التي يخاطب بها بعض السياسيين والصحافيين الجدد، سائر المواطنين وبعضهم بعضاً كذلك، مهما كانت حدة الخلاف فيما بينهم إلى هذا الدرك الهابط من المفردات وسوء التعبير والتوصيف كالذي وصلنا إليه اليوم على يد هؤلاء..وتصريحاتهم ومقالاتهم تتحدث عن نفسها..وبعضهم كنبيه بري يتحدث عن الرئيس المكلف بلغة التملك، حين يقول (لكم ميقاتكم ولي ميقاتي)...فهنيئاً لك يا دولة الرئيس نجيب ميقاتي بهذا المالك..؟؟؟
قبل أن تتشكل الحكومة بدأنا نسمع ونقرأ، أن مرحلة جديدة قد أبصرت النور في لبنان..ومن إرهاصاتها أنه قبل أن يغادرنا في لبنان وزير التجارة الإيرانية، نستقبل زميله نائب وزير الخارجية الإيرانية...ربما كان حضورهم المتتابع إلى لبنان بطلب من السفير الإيراني في لبنان لمساعدته وهو الذي يقوم بدورين أساسين في لبنان:تسويق السياسة الإيرانية بين اللبنانيين، وزيارة المقامات والمؤسسات والأحزاب التي وصلت علاقة حزب الله معها إلى مرحلة القطيعة..لمعالجة هذا الأمر بالنيابة والوكالة وربما بالأصالة عن حزب الله..كلقائه بسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية، قباني، وغبطة البطريرك، صفير، وسائر المراجع الدينية الأخرى وبعض الأحزاب والقيادات السياسية والوسائل الإعلامية.. ويقال أنه ربما قد زار عدد من الإدارات العامة..ولست ادري أين هو وزير الخارجية اللبنانية (علي الشامي).. والملفت أن الوزراء القادمين من بلاد فارس لمعالجة الشأن اللبناني هم عاجزين عن معالجة شؤونهم ومشاكلهم في ديارهم من اقتصادية وسياسية وأمنية وحتى العلاقة مع الأقليات الإيرانية التي تعاني من ظلم وبطش النظام الإيراني..
السلاح لا يمكن أن يكون وسيلة لمعالجة الشأن اللبناني، وشعار المقاومة لا يمكن أن يكون مبرراً لاحتكار هذا الفريق حصرية إطلاق الشعارات والأوصاف والألقاب الوطنية على البعض ممن يشاء، أو نعت الآخرين بالعمالة والتهويل عليهم واتهامهم بالخيانة والارتباط بمشاريع استعمارية..كما أن هذا السلاح وهذه المجموعات الميليشيوية لا يمكن أن تكون وسيلة لترهيب المواطنين والسياسيين أو لحماية وسائل إعلامية معينة لتكون منصة إطلاق تحليلات كاذبة لتضليل الرأي العام..؟؟ وهذه المعاطف السود أوالسوداء، لا يمكن أن تؤسس لتفاهم وتناغم وتقارب بين مكونات الوطن اللبناني ولا حتى مع المحيط العربي..؟؟ وإذا كان البعض ممن امتهنوا الحرب وسيلة لتضخيم نفوذهم، والسلاح لحماية مشاريعهم، والتهديد لتضخيم ثرواتهم، فإن الاستمرار في هذا النهج هذا لن يجدي نفعاً، والشعب اللبناني بالتأكيد لن يتسامح مع من ركب هذا المسار، وصفق له وخدمه بارتزاق أو بقناعة أو حتى بعماله..ومهما أقيمت من ندوات ولقاءات ومحاضرات تتحدث عن الوحدة أو عن أهمية العيش المشترك، أو عن خطورة إسرائيل على استقرار لبنان، فإن هذه العناوين تبقى فاقدة للمصداقية والموضوعية وحتى الجدية..لأنها تتناقض مع الممارسات والمشاهد اليومية التي يعيشها المواطن اللبناني.
ما يسعى إليه حزب الله والوزراء الإيرانيين من خلال حواراتهم مع مكونات المجتمع اللبناني هو تلوين الساحة السياسية اللبنانية وبالتحديد (الحكومة اللبنانية المقبلة) بمكونات تضم كافة أطياف المجتمع اللبناني لتكون فقط لوحة فنية يمكن نقلها وإبرازها حيث يشاء وليّها ومرشدها ومبرّمجها والمشرف عليها، لتعطي انطباعاً بالاستقرار والتجانس... في حين أن هذا الأمر ليس صحيحاً على الإطلاق.. من هنا جاء كلام نبيه بري عن المداورة.. وكلامه في الحقيقة مناورة... لأنه من ألد أعداء المداورة بل حتى الإشارة إلى هذا الأمر ولو تلميحاً وتاريخه يشهد عليه..
فإذا كانت تسمية الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً بالطريقة التي تمت تسميته فيها، قد أشعلت يوم غضب واستياء عارمين في الشارع اللبناني.. فإن من الضروري الانتباه والحذر إلى ما سوف تؤول إليه الأمور في حال تم تشكيل الحكومة العتيدة لتكون ذات لونٍ سياسي واحد، وليس صحيحاً أن من يراه حزب الله ونبيه بري سنياً يكون كذلك..؟؟ ولا من يراه ميشال عون مسيحياً يمكن أن يمثل الطيف المسيحي..؟؟ وإلا لكانت نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة مختلفة كلياً.. والذين قالوا بأنهم انقلبوا على ذواتهم وأهلهم وناخبيهم وأفكارهم وأطروحاتهم ومقالاتهم وخطاباتهم حرصاً على السلم الأهلي وحقناً للدماء.. لمجرد أن رأوا أو سمعوا أن مرتدي المعاطف السود قد نزلوا للشارع.. لم يكونوا صادقين لأنهم كانوا قد انقلبوا من قبل بتعاونهم مع الجلاّد للإجهاز على الضحية، وذلك حين رفضوا التعاون مع المحكمة الدولية... ووضعوا اللبنانيين بمواجهة بعضهم البعض ولبنان في مواجهة المجتمع الدولي..
حكومة اللون الواحد في حال تشكيلها، لن تكون إلا مؤشراً على حدة الانقسام الوطني وخطورة المرحلة القادمة، ولن تكون إلا مقدمة لتمرير وتبرير سياسة القمع التي سيمارسها فريق مسلح على فريق أعزل باسم القانون والدستور، وهيمنة عصر التخلف والرجعية تحت شعار حماية المقاومة، وعودة الاستعمار الفكري لأن هناك من يفكر ويخطط عنا جميعاً، وتعليب آراء القائد الملهم لترويجها بين أبناء شعبه المطيع الذي لم يعد من ضرورة ليعلن رأيه بأي أمر من الأمور. هذه الحكومة في حال تشكيلها سوف ترسم مستقبل الوطن وليس من الصعب أن نتخيل شدة ظلام وخطورة هذا المستقبل حين نسمع ما يقوله وئام وهاب وناصر قنديل وإبراهيم الأمين وميشال عون وحسن نصرالله، وسائر جوقة الترويج لهذا المشروع.. والخيار الآن بيد الشعب اللبناني وفخامة رئيس الجمهورية لحماية هذا الكيان وهذه الجمهورية، والتعددية والعيش المشترك والسلم الأهلي من براثن وأطماع هؤلاء..
حسان القطب