المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- الأنظمة والأحزاب العربية تواصل ارتكاب الأخطاء ـ حسان القطب
دراسات /
فكرية /
2011-03-21
الإثنين 21 آذار 2011
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز...
الأنظمة والأحزاب العربية تواصل ارتكاب الأخطاء ..
مسيرة التغيير التي انطلقت في عالمنا العربي تتقدم وتتواصل دون تلكؤ أو تباطؤ، وفتيل التظاهر الشعبي الحر والمعبّر، يشتعل بقوة وبسرعة متنقلاً بين دولة ودولة وكيان وكيان، في ظاهرة ملفتة، رغم شلال الدم الذي يتدفق غزيراً من جمهور المتظاهرين على أيدي عناصر هذه السلطة أو تلك، أو هذا الحزب أو ذاك.. ولكن إلى الآن لم يستوعب بعض القادة العرب والأحزاب الملحقة بهم في بعض الكيانات العربية والإقليمية،كيفية التعاطي والتعامل مع هذه الظاهرة، ولا دوافع وطبيعة ما يجري من انتفاضات ضد سياسات الظلم والقهر والتجويع والحرمان وكبت الحريات التي تمارسها هذه الأنظمة بحق شعوبها، التي ضاقت ذرعاً من ضغط وآلام عقود عديدة ومتعددة من هذا الواقع المؤلم والمرير.. فكان لا بد من الانتفاض والسعي للتغيير..ولكن هذه الأنظمة مع الأسف لا زالت مقتنعة بأن سياسة القمع التي مارستها طوال الفترة الماضية من حكمها، كافية لردع أي مواطن عن التفكير في الخروج على سلطة هؤلاء الزعماء..!!
فكان من الطبيعي أن تخرج الجماهير العربية عل اختلاف انتماءاتها لتطالب بالتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي سلمياً، وبالتحول نحو الديمقراطية وبضرورة تداول السلطة بحرية ودون قيود، ولكن الرد من قبل هذه الأنظمة وأحزابها كان قاسياً ومؤلماً ودموياً، ويدل على عدم قدرة هذه الأنظمة والأحزاب على فهم المتغيرات والتحولات الاجتماعية والنفسية والسياسية وحتى التكنولوجية التي طرأت على مجتمعاتنا، والتي جعلت من جماهير المواطنين أكثر فهماً وإدراكاً لحال التخلف التي تعيشها مجتمعاتنا وأكثر قدرةً على التواصل بسرعة والعمل بشكل مشترك لقناعتها بضرورة حصول تغيير جدي وجوهري في صلب وجوهر أنظمتنا السياسية وتركيبة أحزابنا المحلية وحتى تلك التي لها طابع إقليمي..
بدلاً من مناقشة مطالب هذه الجماهير والتجاوب معها ولو بالحد الأدنى، كان رد هذه الأنظمة على التحركات الشعبية دموياً ولم يتجاوز اتهام بعض المرتزقة بخرق صفوف المحتجين ودور أدوات مخابراتية مندسة، بارتكاب ممارسات غير مقبولة ضد النظام العام والممتلكات العامة، مما استدعى رداً عنيفاً من قوى الأمن والجيش والميليشيات..مع الأسف لم يسعى أي نظام إلى الآن لمناقشة مطالب هذه الجماهير بموضوعية وجدية.. النظام الليبي تجاهل مطالب شعبه، واتهم المتظاهرين بالتأمر وأطلق عليهم صفات ونعوت غير إنسانية، وهو الذي يتربع على السلطة منذ 42 عاماً، كانت صعبة وقاسية على الشعب الليبي ومستقبله.. واستدرج بممارساته الدموية ضد الشعب الليبي، تدخلاً دولياً أصبح مبرراً أخلاقياً وسياسياً وعسكرياً للدفاع عن مواطنين ليبيين مضطهدين.. في حين كان من المفترض أن يكون النظام لليبي هو الراعي والحامي لهذا الشعب من كل تدخل أجنبي..؟؟ والوضع السائد في اليمن اليوم يمهد لواقع مماثل حيث رفض الرئيس اليمني الاستجابة لكل الوساطة والنداءات والمراجعات الداخلية والخارجية، الداعية لحل سياسي يستجيب لمطالب الشعب اليمني الذي لم يعرف رئيساً لليمن الشمالي ومن ثم اليمن الموحد، سوى علي عبدالله صالح منذ العام 1978... والتحركات الشعبية التي انطلقت في سوريا بخجل في بداية الأمر، تطورت اليوم مع تطور الأحداث في دول متعددة من العالم العربي، تم التعامل معها كذلك أيضاً بقسوة بالغة، إلى جانب حملة إعلامية تتهم عناصر مندسة وغريبة وقوى خارجية مرتبطة بارتكاب ممارسات خاطئة... رغم أن مطالب المحتجين لم تتجاوز المطالبة بالحرية السياسية والإعلامية وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للشعب السوري.. واتهام أمنيين ومدراء إداريين من قبل النظام الحاكم بتجاوز الصلاحيات والقرارات، لا يغير من واقع أن جريمة دموية قد وقعت بحق المتظاهرين، وهم رعايا ومواطنين سوريين يجب أن يحظوا بحماية واهتمام هذه القوى الأمنية لا أن يكونوا ضحايا قمعها ورصاصها.. وعدم الاستجابة لمطالب الشعب السوري الذي لا يعرف لبلاده رئيساً منذ العام 1970، سوى الأسد الأب والأسد الابن..سيؤدي إلى حالة اضطراب تؤدي إلى استباحة الساحة السورية لكل أشكال الفوضى والتدخلات الأجنبية..
من مراجعة ما جرى على امتداد أشهر على الساحة العربية نرى أن التردد الذي ينتاب حكام الأنظمة العربية في التعاطي والتعامل مع مطالب جماهيرها ومواطنيها المحقة والملحة، هو السمة الغالبة ويقود هذه البلاد نحو صراعات وصدامات كان بالإمكان تجنبها أو تجاوزها لو تم الاستماع لمطالب المواطنين، دون بلوغ مرحلة السقوط في هاوية الصراع الدموي الداخلي وخسارة أرواح بريئة وتدمير الاقتصاد وتهشيم اللحمة الوطنية وفتح الأبواب واسعاً وعلى مصراعيها للتدخل الأجنبي.. ولم يكن حال الأحزاب المحلية أفضل من الأنظمة العربية في تعاطيها مع الواقع العربي الجديد، حتى أن جماهير ومناصري هذه الأحزاب أخذت تتساءل عن مدى التزام هذه الأحزاب وقادتها بالمبادئ التي تطرحها وتسوق لها.. فحزب الله في لبنان يعلن تأييده ودعمه للمعارضة البحرينية ولا يتردد في إعلان شيعية المعارضة، وذلك حين يقول نصرالله: (لا تحزنوا من فتاوى الطائفيين لأن هناك أصواتاً كبيرة من أهل السنة تقف إلى جانبكم) في حين انه يتجاهل انتفاضة المعارضة السورية رغم سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. ويهاجم التدخل العربي لمساعدة نظام البحرين، ليضع لبنان الرسمي والشعبي في موقف صعب أمام دول الخليج العربي الداعمة لاستقرار لبنان، والتي ساهمت بشكل فعال في إعادة بناء لبنان بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة عام 2006... وليعلن أيضاً أن له سياساته الخارجية الخاصة به التي لا تتوافق بالضرورة مع معظم رؤية وتطلعات الشعب اللبنانيين سواء كان مؤيداً للفريق الأخر من البحرينيين، أو ملتزماً الحياد من الصراع الداخلي في البحرين..ويتناقض موقف حزب الله هذا مع موقف النظام السوري الذي أعلنه وزير خارجية سوريا وليد المعلم.. حيث أكد: (أن تواجد قوات درع الجزيرة في البحرين، ليست قوات احتلال، وإنما تأتي في إطار مشروع، مشيراً إلى أن الاتفاقيات التي أسست "درع الجزيرة" والاتفاق المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي تشكل الأساس القانوني لتواجدها في البحرين). كذلك كان موقف أهم رمز من الرموز المؤيدة لحزب الله وسوريا وإيران (وئام وهاب) الذي هاجم المحجبات السعوديات ونعتهم بوصف لا يليق دون أي خجل أو احترام، يتقارب بل يتطابق مع موقف العقيد القذافي الذي نعت شعبه بأوصاف غير مقبولة..وعوض أن تقف قوى الثامن من آذار/مارس التي يقودها حزب الله لمراجعة ومناقشة وتقييم موقف الحشد الضخم الذي شارك في مظاهرة 13 آذار/مارس، لتناقش كيفية فتح صفحة حوار منطقي وموضوعي مع هذه القوى وجمهورها لتجاوز الأزمة الداخلية اللبنانية الناجمة عن سلسلة الاغتيالات التي وقعت على مدى سنوات، وعن التباين السياسي الناتج عن ارتباط هذه القوى بالمحور السوري- الإيراني الذي بدأ يعاني من الأزمات داخلياً وخارجياً.. ينغمس حزب الله وحلفائه في سياسة تهجم غير موضوعية، وفي مناقشة وإعادة تعداد للمشاركين في المظاهرة الحاشدة، وإلى تسخيف الشعارات والعناوين التي أطلقت، وإلى الحديث عن شد العصب المذهبي وعن خطورة وقوع فتنة مذهبية في لبنان..وإلى استعمال عبارات غير لائقة..
إذاً الأخطاء تتكرر، والممارسات القمعية والفوقية المستندة إلى قوة السلاح وعناصر الأمن والمخابرات هي القاسم المشترك بين الأنظمة الديكتاتورية والأحزاب الشمولية، التي لا ترى في مواطنيها ومحازبيها سوى رعايا عليهم طاعتها والإذعان لأوامرها والالتزام بقراراتها وعدم مناقشة سياساتها.. وأي خروج على هذه العناوين يؤدي إلى ممارسة سياسة القمع والترهيب وإطلاق نعوت التخوين والاتهام بالعمالة.. كنا نتمنى أن يكون التغيير الذي جرى في مصر وتونس بأقل كلفة ممكنة حافزاً لهذه الأنظمة والأحزاب لكي تستمع لصوت العقل ونداء الضمير واحترام الرأي الآخر.. ولكن يبدو أن منطقها لم يتغير وسياساتها جميعاً هي عينها رغم تباين أسمائها واختلاف شعاراتها وعقائدها.. ولكن التغيير سوى يحدث تحت ضغط الجماهير التي تتوق لرفع سياط الجلادين عن أجسادها، وممارسة حقها في الحرية والديمقراطية..