المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات-قراءة في خطاب نبيه بري الأخير- حسان القطب
دراسات /
سياسية /
2011-02-14
الإثنين 14 شباط 2011
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز....حسان القطب
قراءة في خطاب نبيه بري الأخير
خطاب نبيه بري الذي مؤخراً في الضاحية الجنوبية من بيروت استوقفنا لمراجعته من حيث الشكل وهي مناسبة 6 شباط/فبراير، وتخريج طلاب وطالبات من حركة أمل، وهو توقيت غير معتاد في هذه الفترة من السنة وكذلك الكوفية التي اعتمرها نبيه بري بعد أن حاربها طويلاً خلال حرب المخيمات.. ومن حيث المضمون حيث ورد في نص الخطاب المكتوب بعناية ودقة لكثرة ما احتوى من مواقف إضافةً إلى رسائل وتحذيرات وتلميحات، وكلها تشير إلى التوتر الذي يطبع المرحلة السياسية المقبلة.. من هنا أينا ضرورة مناقشة هذا الخطاب ضمن هذين التوجهين بالتحديد..
من حيث الشكل لا بد من ملاحظة أن حفلات ومهرجانات تخريج الطلاب لدى حركة أمل وحزب الله لا تتناسب في توقيتها مع نهاية سنة دراسية لدى أية جامعة أو حتى ثانوية خاصة أو رسمية في لبنان والجوار، مما يعني أن هذه اللقاءات الجماهيرية التي تقام تحت عناوين تربوية وتثقيفية وتعليمية إنما هي في حقيقة الأمر عملية حشد للشباب والفتيات، لإطلاق مواقف سياسية ولخدمة توجهات معينة.. ولإعطاء الانطباع للرأي العام الداخلي والخارجي أن هذين الفريقين يتكاملان في ممارستهما لجهة الجمع بين العمل السياسي والعسكري والتربوي..لذا نرى الخطاب موجه للمشاهدين عبر الشاشات أكثر منه موجها للحضور..
والمناسبة التي أقيم لذكراها الاحتفال وهي 6 شباط/ فبراير.. قد عرّف عنها بري على الشكل التالي: (إن انتفاضة السادس من شباط مثلت فصلاً وطنياً وانتفاضة صنعت في لبنان، تمكنت من بناء قواعد ارتكاز للمقاومة في العاصمة والضواحي والجبل والبقاع والشمال في مواجهة الاحتلال من جهة، وأمنت أسباب النجاح للوصول إلى اتفاق الطائـــف ومهدت الطريق لعودة الدولة وأدوارها).. كثير من الشباب اللبناني لا يعرف ما جرى خلالها ولا حتى ماهيتها.. وهي في الأساس كانت انتفاضة مسلحة ضد رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك الرئيس أمين الجميل، وقد جرت برعاية وعناية سورية بالكامل وانقسم على أثرها الجيش اللبناني إلى قوى وشراذم طائفية.. وقد احتل جرائها نبيه بري ووليد جنبلاط مدينة بيروت بالكامل بعد القضاء على قوى المرابطون البيروتية وغيرها من القوى المحلية، بعد أن ساهمت في إنجاح الانتفاضة، وتم بعدها تقسيم مدينة بيروت عاصمة اللبنانيين والعرب والمقاومة إلى مناطق نفوذ تستبيحها ميليشيات أمل التي يرأسها نبيه بري وميليشيات وليد جنبلاط... ووقعت بين عناصرهما اشتباكات دموية عنيفة كان سكان بيروت وأهلها وأرزاقهم وممتلكاتهم ضحايا لهذه الاشتباكات، وحرب (العلمين) بين بري وجنبلاط كانت خير دليل على عبثية هذا السلاح وعدم جدية فكر المقاومة وممارستها لدى هذين الرجلين..وهذه الحرب بين الزواريب والأزقة مهدت لدخول وعودة القوات السورية إلى مدينة بيروت ومن بعدها لكافة لبنان بعد حرب الإلغاء التي شنها حليف بري وجنبلاط اليوم العماد ميشال عون، وكان الاجتياح السوري لمدينة طرابلس الشمالية، وضرب حركة التوحيد الإسلامي فيها بقسوة وعنف لم يسبق له مثيل.... فالتعريف الذي قدمه بري عن 6 شباط/فبراير، لا يتناسب أبداً مع الوقائع التي مر بها وعاشها سكان مدينة بيروت.. ولن ننسى ذكر حصار مخيم صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة من قبل عناصر بري، خلال هذه المرحلة، وما تعرض له سكان هذه المخيمات من خسائر بشرية وعذابات وعمليات خطف وقتل وتنكيل، بعد أن كان قد سبق لهذه المخيمات أن تعرضت خلال الاحتلال الإسرائيلي لمجازر بشعة على يد إسرائيل وعملائها..أما الكوفية التي تزين بها بري أثناء إلقاء خطابه، فهي ليست للدلالة على عشقه للقضية الفلسطينية وشعبها، ولكن للتلميح أن روح الميليشيات ودورها وممارساتها لا تزال تسكنه، وانه على استعداد لخوض الصراع من جديد.. وتاريخ المناسبة خير دليل على هذه الروحية، وتعريف المناسبة بأنها كانت الأرضية الصالحة التي مهدت الطريق لانجاز اتفاق الطائف، مما يعني أن الصراع الآن الذي يأخذ شكلاً دستوريا بالشكل وليس بالمضمون وما ذكر على لسان وليد جنبلاط في أكثر من مناسبة وأكثر من مسؤول عما يتعرض له من تحذير يؤكد عدم دستورية ما يجري..
أما من حيث المضمون لا بد لنا من الوقوف على العديد من المغالطات أو الوقائع التي تجاوزها بري، ربما لأنه يتحدث مع جمهوره الذي لا يغالطه، ولكن ليس سائر وباقي اللبنانيين..
قال بري: (سبعة وعشرون عاما (على 6 شباط) ولم يتعلموا درس المشاركة وواصلوا احتكار السلطة واحتكار المال العام والاستدانة على المستقبل. سبعة وعشرون عاما انقضت على انتفاضة السادس من شباط التي ولدت من رحم القهر والغبن ووضع الشعب بين مطرقة العدوان وسندان الحرمان)... اللبنانيون يعرفون حالة الترويكا..(القيادات الثلاثة) التي حكمت البلاد إبان عهد الوصاية السورية.. وكان أضعف الثلاثة، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.. وتباهى بري بقدرته إبان تلك المرحلة على تسيير الأمور بالشكل الذي يريد.. وهو صاحب مقولة.( اللي بطلع الحمار على المئذنة بنزلوا).. وكان الرئيس الشهيد الحريري، يحث الخطى لسوريا باستمرار وكذلك الرئيس المرحوم الهراوي لتعديل بعض الأمور أو تخفيف مخاطرها.. ونظرة على إدارات الدولة قبل العام 1992، وما بعدها لنرى حجم الوصاية التي فرضت على المواقع والمناصب الرسمية.. في أجهزة الدولة الرسمية ناهيك عن وزارات الخدمات والمؤسسات الأمنية.. (أما الاستدانة على المستقبل).. فنحن لن نسأل بري (من أين لك هذا) فلسان حال اللبنانيين يتحدث، ومجلس الجنوب عنوان وشعار لكل المرحلة التي يهاجمها بري أي منذ العام 1992، وحتى اليوم، وكلنا يذكر تأخر تشكيل الحكومة السابقة بسبب ميزانية مجلس الجنوب.. وحال الأعمار التي ينعم بها لبنان اليوم رغم الحروب الداخلية العبثية والحروب العدوانية التي تعرض خلالها لبنان على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية لأبشع دمار وتخريب..كانت لا شك تتطلب استدانة بالغة الحجم لإعادة الأعمار ولتسديد فواتير الميليشيات المنظمة التي تحكمت بالمال العام عبر مواقع رسمية ومؤسسات.. إذاً لا تفرد ولا حرمان بل جشع وطمع ورغبة بالتفرد نعيشها اليوم ونرى ممارساتها.. والمال العام الذي يتباكى عليه بري، لم يتم استدانة أي مبلغ منه دون موافقته وجميعها كانت عبر مشاريع قوانين صادرة عن مجلس النواب الذي يرأسه منذ 20 عاماً..؟؟؟؟
ويقول بري أيضاً: (أننا في لبنان نعم، اتفقنا على المحكمة الدولية على طاولة الحوار، عندما لم تكن هذه المحكمة الدولية بعد قد أتى برنامجها إلى لبنان عندما لم تجر مخالفات الدستور وإدخالها إلى الأمم المتحدة، ولكن الطريق التي سلكتموها وسلكتها الحكومة غير الميثاقية وغير الدستورية إلى توقيع اتفاق المحكمة ونظام المحكمة وموقع لبنان في المحكمة لم يكن طريقا دستوريا على رغم نصوص الدستور).. للتذكير فقط ربما خانت بري الذاكرة .. فهو لم يتذكر كما لم يذكر سبب استقالة الوزراء الشيعة.. وهكذا كان يقال..الحكومة لا دستورية ولا ميثاقية لأن الوزراء الشيعة استقالوا..ألم يكن حينها حزب الله ونبيه بري يحرضون مذهبياً حين يحدثون عن استقالة وزراء طائفة ومذهب.؟؟؟ ولماذا يعترض اليوم على اجتماع دار الفتوى الذي أصدر مواقف وطنية وليست طائفية ومذهبية..ثم من أغلق باب المجلس النيابي لما يقارب العامين دون مبرر ودون سبب.. سوى القدرة المسلحة التي يحيط نفسه وفريقه بها لتعطيل المؤسسات.. كل المؤسسات.. ألم يكن سبب الاستقالة من مجلس الوزراء وإغلاق المجلس النيابي هو منع تشكيل المحكمة الدولية وعرقلة عملها..واليوم يسأل نبيه بري عن الدستور..؟؟
ويضيف كذلك: ( جربنا أن نسلك الطريق إلى لبنان المشاركة والى جوهر النظام البرلماني الديمقراطي، فما حصدنا سوى خيبات الأمل، فقد جرى تعطيل كل مسعى إلى تنفيذ أحكام الدستور بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية)..كيف يمكن أن نصدق أن من يقود حركة أمل منذ العام 1979، وإلى اليوم دون مؤسسات ودون تداول للسلطة داخل مؤسساتها هذا إذا كان هناك مؤسسات.. ويعلن سروره بسقوط مبارك الذي استأثر بالسلطة منذ 30 عاماً في مصر، وهو يستأثر بالسلطة أكثر منه بعامين على رأس حركة أمل أي منذ 32 عاماً.. أين القيادات داخل حركة أمل أين (عاكف حيدر وحسن هاشم ومحمود أبو حمدان ومحمد عبيد ومحمد بيضون ونسيب حطيط وسواهم) ممن فقدوا أو افتقدوا نتيجة سياسات بري الديكتاتورية داخل حركة أمل.. ويتحدث بري، عن الديمقراطية.. وربما المشهد الذي يدير به جلسات مجلس النواب خير دليل على هذا السلوك وهذه الممارسة..أما إلغاء الطائفية السياسية فهي أخر ما يحق له التحدث به.. لأنها عنوان الممارسة الكيدية، في كل المؤسسات.. وهي سبب تعطيل التعيينات منذ 5 سنوات.. وبالتوافق بينه وبين حزب الله...وتحت عنوان الطائفية والمذهبية يتدخل هذين الفريقين في كافة الانتخابات والتعيينات..
من السهل جداً إصدار الاتهامات والمواقف التي لا تستند إلى معطيات حقيقية.. ولكن ليس من الصعب دحضها وتفنيدها، لأننا شعب يملك ذاكرة وقضية...وكان الأجدى أن يكون الخطاب فاتحة حوار ونقاش لمعالجة الشأن الداخلي، وتنفيس الاحتقان، وتصويب الخلل، لا التحريض التخوين..