قانون الانتخابات وعملية الإصلاح السياسي في لبنان
التاريخ في 22 أيار 1993
أقام المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا، ندوة سياسية في قاعة محاضرات المركز تحدث فيها النائبان المحامي جوزيف مغيزل والمهندس محمد قبّاني، من كتلة الإنقاذ والتغيير النيابية، وموضوعها: "قانون الانتخابات وعملية الإصلاح السياسي في لبنان". قدّم لهما وأدار الجلسة الدكتور ضاهر غندور، أستاذ في الجامعة اللبنانية.
استهل النائب محمد قباني كلمته بالإشارة إلى أن السلطة التشريعية في لبنان أصبحت بعد "اتفاق الطائف" أقوى مما كانت عليه في السابق… وإذا لم يكن النظام السياسي في لبنان نظاماً ديمقراطياً برلمانياً وإنما في الواقع كان نظاماً رئاسياً، غير أنه بعد إقرار "وثيقة الطائف" أصبح إلى حد كبير نظاماً مجلسياً، بمعنى أن مجلس النواب هو السلطة الأقوى وأصبح بالتالي في وضع أكثر استقراراً ممّا هي عليه السلطة التنفيذية. من هنا برأي النائب قباني تأتي أهمية قانون الانتخابات وتأثيره الفعلي في عملية الاصلاح السياسي.
واعتبر المحاضر أن في المجلس النيابي الحالي بداية تكون مجموعات من النواب تعمل للتغيير والاصلاح السياسي، بغض النظر عن موافقتنا أو عدمها للأيديولوجيات السياسية لهذه التكتلات النيابية أو لتلك… أن قانون الانتخابات الأخير، رغم كل الشوائب التي رافقته إلاّ أنه قد فسح المجال ولو بِنِسَب قليلة لوصول نواب تغييرين، حزبيين وغير حزبيين. الحزبيون مثلاً هم نواب، الحزب السوري القومي، وحزب الله، والجماعة الإسلامية وكتلة الإنقاذ والتغيير. وشدّد النائب قباني على أن قانون الانتخاب وتقسيم الدوائرالانتخابية، بصورة أو بأخرى قد كان أداة سيطرة بيد رئيس الجمهورية على المجلس النيابي، وبالتالي على اللعبة السياسية. فكان بذلك يتحكم بالحكومات اختياراً وبقاءاً واسقاطاً. فالتحكم في اللعبة السياسية كان يتمّ عن طريق تقسيم الدوائر الانتخابية من جهة والنظام الانتخابي واكبته من جهة ثانية. لذلك لا إصلاح سياسي بدون وضع قانون انتخاب عصري يؤمن أمرين متكاملين: 1 ـ فسح المجال لوصول نوعية جديدة من النواب، تغيريين، لا طائفيين، 2 ـ الانتقال من العمل السياسي الفردي الذي طبع حياتنا النيابية حتى اليوم إلى العمل السياسي الحزبي.
النائب جوزيف مغيزل شدّد على العلاقة بين العملية الانتخابية والنظام السياسي وقال: إذا كانت قد فشلت القوانين الانتخابية منذ 1943 في خلق نظام سياسي سليم، فذلك لأنها لم تقم حتى الآن على أساس الأحزاب السياسية… فلا إصلاح سياسي دون خطة أو رؤية سياسية متكاملة… ولا رؤية سياسية دون وجود قوة سياسية كبرى تستلم الحكم وأخرى أقلية تعارض. واعتبر النائب مغيزل أن الأنظمة الائتلافية التي مارسناها في الحكم حتى الآن حالت دون قيام رؤية سياسية ودون وضع خطة متكاملة للاصلاح السياسي. وبعد أن عرض المحاضر حسنات وسيئات لكل من النظام الأكثري والنسبي، أكد على أن الحكم الذي لا يقوم على أكثرية كبيرة تحكم لا يمكن أن يستقر وبالتالي لا يمكن أن يخطط أو أن ينفذ سياسـة طويلة النفس. إن النظام الانتخابي النسبي، لا شك بأنه يسمح بأن يتمثل بالمجلس النيابي معظم التيارات الصغيرة والوسطى والكبرى… ولكنه يفتح الباب أمام تفتت القوى الساسية ويوقع الحكم بتوازنات الائتلاف التي قد لا تسمح بالاستقرار السياسي وبالتالي بالتخطيط وبتنفيذ سياسة عامة.
ويرى المحامي مغيزل إلى أننا إذا لم نصل إلى الاستقرار السياسي في لبنان، رغم ممارستنا للنظام الأكثري، فذلك يعود لسبب رئيسي وهو فقدان الأحزاب السياسية وعدم وجودها داخل المجلس النيابي واعتماد التمثيل الطائفي… فحالة الحكم عندنا هي حكم الأفراد يلتقون عرضاً على اتفاقيات معظمها مصلحي، لا تؤدي إلى وضع خطط سياسية أو إلى تنفيذ أعمال إصلاحية. وبعد أن أشار المحاضر إلى أن الحكومة الحالية هي حكومة أشخاص لا يربطهم سوى العلاقات الشخصية، كما أن الجلس الحالي هو مجلس طائفي، لذلك برأي النائب مغيزل نحن الآن في مأزق سواء من حيث السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية. والعجز في العملية الاصلاحية سببه أن الحكم بوجهيه التنفيذي والتشريعي يتكوّن من أفراد أو تكتلات صغيرة تلتف حول أشخاص. ودعا أخيراً إلى قيام أحزاب جديدة تتولى الحياة السياسية في لبنان وهذا أمر لم يظهر حتى الآن.