الأخبار - أميركا تبحث عن زبائن: المجتمع المدني السوري بائس
الجمعة 29-4-2011
أميركا تبحث عن زبائن: المجتمع المدني السوري بائس
في رحلة البحث الأميركية عن حليف سوري محتمَل، أكان في السياسة أم في المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وجدت واشنطن صعوبات كبيرةفي إيجاد أطراف جديرة بنيل تمويل أميركي. هنا مقتطفات من برقية صادرة عن السفارة الأميركية ترسم صورة سوداء للمجتمع المدني السوري
رقم البرقيّة: 05DAMASCUS6342
تاريخها: 6 كانون الأول 2005
الموضوع: مسح للمجتمع المدني السوري: عدد ضخم من المصالح المتضاربة وضغوط من الحكومة السورية
(...)
3. سيطرة النظام السوري على المجتمع المدني: مثلما أشارت تقاريرنا خلال السنتين الماضيتين، فإنّ المجتمع المدني ضعيف جداً في سوريا، ويعاني قمعاً منهجياً مارسه بحقه النظام السوري وقواه الأمنية على مدى سنوات. الحكومة تراقب عن كثب الجمعيات الوليدة التي منحت تراخيص. المنظمات التي تتبع خط الحزب (البعث) فقط هي التي يُسمَح لها بأي نوع من الدور السياسي. الباقون الذين يطمحون إلى دور كهذا تُرفَض تراخيصهم.
تمنح الحكومة التراخيص على نحو روتيني للمنظمات التي تلتزم بنشاطات بعيدة كل البعد عن أي شيء يمتّ للسياسة بصلة (النظام السوري يستخدم تعريفاً مطاطاً جداً لما يمثّل نشاطاً سياسياً) (...). إن عدد منظمات المجتمع المدني واللاعبين في المجتمع المدني المستقلين الذين يملكون القدرة على تطوير مشاريع جديدة قد تموّلها الحكومة الأميركية، محدود جداً.
(...)
6. هناك أيضاً قوانين تمنع منظمات المجتمع المدني من تلقي التمويل من مصادر حكومية أجنبية. بينما تستخدم المنظمات مجموعة متنوعة من الحيل المالية، ويغضّ النظام السوري الطرف عنها أحياناً، باستطاعة الحكومة في أي وقت تطبيق هذه القوانين، أو التهديد باستخدامها، لإقفال منظمة أو تخويف داعميها (...).
7. استيطان القمع: بسبب مستوى قمع النظام السوري ورقابته، هناك ارتياب ورهاب هائل في أوساط الناشطين في المجتمع المدني(...). ويتخوف الناشطون من الوشاية بهم للأجهزة الأمنية من زملائهم، ما قد يؤدي إلى السجن أو إقفال منظماتهم (...).
8. العلمانيون vs الفرق الإسلاميّة
بين ناشطي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، هناك خلافات أيديولوجية عميقة، مثلما هو حاصل على سبيل المثال بين الإسلاميين والعلمانيين. (هناك عدم اتفاق أيديولوجي مخفيّ، جزء منه مردّه حزبي، كالخلافات بين مختلف التنظيمات الشيوعية في سوريا مثلاً). الكثير من القوة الدافعة نحو التطور الحديث للمجتمع المدني في سوريا أتى من اليسار، من خلال العديد من الشيوعيين السابقين ومجموعة من اليساريين الآخرين يستثمرون طاقاتهم بعيداً عن التركيز المباشر على السياسة باتجاه بناء مجتمع مدني. إنّ الضعف الأكبر في المجتمع المدني هو افتقاره إلى أي قاعدة شعبية. (هذا الاعتراف هو الذي قاد العديد من أبرز اليساريين إلى احتضان، بحذر، نسخة معتدلة متجددة من الإخوان المسلمين في السنوات القليلة الماضية). ولأنّ النظام السوري، لطالما، خشي أي بديل علماني للبعثية، فهو عبّر عن عدائية كبيرة إزاء مثل هذه التنظيمات.
9. دعم الحكومة السورية للتنظيمات الإسلامية:
لإحداث توازن مع هذه التنظيمات العلمانية (ولإحداث قوة مضادة للإسلاميين الأصوليين، بجناحي الإخوان المسلمين التقليديين والسلفيين الوهابيين)، أمّن النظام، ذات الهيمنة العلوية، التمويل والتشجيع للمؤسسات الإسلامية المعتدلة، والكثير منها منظمات من المجتمع المدني. (...)
10. (...) بين العلمانيين والناشطين الإسلاميين، هناك شكوك متبادلة قوية، ومشاعر استياء واختلافات في المقاربات والأولويات والأهداف السياسية والاجتماعية المستقبلية. وفي الموقع الوسط بين هذين الطرفين، هناك مجموعة من الشخصيات المعتدلة المفتاحية ـــــ هؤلاء هم الذين توسّطوا لإصدار «إعلان دمشق» في تشرين الأول الماضي ـــــ ممن يتوخّون الهدف نفسه بهدف تعزيز جهودهم وقدرتهم لمقاومة قمع الحكومة السورية. وبينما يُعتبَر «إعلان دمشق» بمثابة وسيلة قوية لتأدية دور الجسر (بين قوى المعارضة)، فإنّ الكثير من الاختلافات بين الإسلاميين والعلمانيين لا تزال موجودة، وهي ستعقّد أي جهد ممكن لتعزيز إجماع المجتمع المدني في المستقبل.
11. انقسام حول الدعم الأميركي
هتاك انقسام مختلف تماماً بين هؤلاء الذين يؤيدون العمل مع الولايات المتحدة وآخرين متشككين إزاء نيات الإدارة الأميركية، وبالتالي لا يريدون أن يكونوا متعاونين مع السياسة الأميركية ومشاريعها (...)، فيما آخرون مؤيدون أكثر لأوروبا (...).
13. غيرة عنيفة وإدارة ثقافية مختلّة وظيفياً (...) الغيرة هي أحد العناصر الحاسمة في انقسامات المجتمع المدني السوري. يسعى قادة منظمات المجتمع المدني إلى أن يكونوا فريقاً مؤلّفاً من شخص واحد، بحيث تحكم الأنا المغرورة والقوية لديهم، تنظيمات ضعيفة، حتى أنهم «لا يلعبون جيداً بعضهم مع بعض» (...). الانقسامات الإثنية والمذهبية والطبقية والعائلية عادة ما تعزز الغيرة الشخصية أو المؤسساتية بين هؤلاء الشخصيات، وتصعّب مهمة الوصول إلى هدف مشترك في سوريا. كما أنّ الثقافة المؤسساتية التي تشجع روح القيادة والمبادرة فقط على مستوى زعامة أي تنظيم، بدل ثقافة بناء الشبكات واللجان، تسهم في ضعف منظمات المجتمع المدني. إضافة إلى ذلك، هناك غالباً نقص في الترابط والتواصل والألفة بين زعماء المجتمع المدني. وفي خلال الجلسات الاجتماعية التي تنظمها السفارة، أحياناً يتلاقى أشخاص مؤثرون للمرة الأولى في حياتهم.
14. أحزاب من شخص واحد:
العديد من الأشخاص الذين يُعرَّف عنهم على أنهم ناشطون في المجتمع المدني، يسعون الى أن يكونوا مفكرين مستقلين (...). ليس لدى هؤلاء أتباع، بالمعنى التنظيمي للكلمة، بل مجرد قراء أو مشاهدين. (وغالباً ما يتعاركون في السر وفي الإعلام حول وجهات نظرهم).
(...)
16. إنّ الإصلاحيين الاقتصاديين فئة منفصلة ومختلفة عن المكونات الأخرى للمجتمع المدني. ورغم وجود فئات متفرعة من الإصلاحيين الاقتصاديين، فإنّ معظمهم يتشاركون في مميزات متشابهة، من ناحية أنهم حصّلوا تعليمهم في الغرب، ولديهم خبرات مهنية في أوروبا والولايات المتحدة. جميعهم يدافعون عن اقتصاد السوق ونقديون تجاه سرعة الإصلاح الاقتصادي في سوريا ومداه ومجاله. إنّ أهم المتفرعين من هذه الفئة يتعاونون بنشاط مع الحكومة السورية في تطوير سياسة اقتصادية. هؤلاء يؤمنون بأن التأثير على التغيير الاقتصادي حصل على نحو أفضل مما كان عليه في السابق، لكنهم يحافظون على مسافة حذرة من النظام الذي يرون أنه فاسد. وهؤلاء يخشون أن يؤدي خروج تعاونهم مع الحكومة السورية للعلن إلى تشويه سمعتهم داخلياً (...). إنّ هذا الفريق يرى أنّ مشاركته في أي نشاط برعاية أميركية، أو قبوله أي تمويل أميركي للمنظمات غير الحكومية المرتبطين بها، كتهديد جدي يهدد قدرتهم على دفع الإصلاحات قدماً. أما المدافعون عن الإصلاحات الاقتصادية ممن يعملون خارج دائرة النظام، فيتمتعون بسقف أدنى وقاعدة دعم أصغر (...).
17. خلاصات
إن التفسُّخات الأيديولوجية، والغيرة الشخصية والقمع الذي تمارسه الحكومة السورية، جميع هذه العناصر ساهمت في الوضع الضعيف والمقسَّم الذي يجد المجتمع المدني نفسه فيه. إنّ برنامج دعم أميركي معزَّز لمساعدة المجتمع المدني السوري قد يسهم في فرز المجموعات أو الأفراد الذين قد يستفيدون من تمويل معزّز أو من برامج تمويل موجودة أصلاً، إضافة إلى ضرورة محاولة وضع برامج أميركية جديدة خلاقة وهجومية وتحديد منظمات غير حكومية واعدة واستراتيجيات خلاقة لتوزيع التمويل.
18. (...) إن أي نوع من التدريب للفاعلين في المجتمع المدني، من بينها دورات تعليم لغة إنكليزية، من شأنها تقريب الناس بعضهم من بعض على أسس طبيعية وتطوير مواهب نقديّة. يعتمد النجاح على قدرتنا على التأثير على الأفراد أو المجموعات التي تملك أصلاً مصالح ملموسة في خلق مجتمع واقتصاد أكثر انفتاحاً.
19. ترغب السفارة في أن ترى أيضاً استخداماً أكثر طموحاً لمشاريع تدريب إقليمية، حيث يمكن فاعلين من المجتمع المدني السوري أن يتفاعلوا مع زملاء لهم من دول عربية مجاورة. كما أنّ إرسال أفراد سوريين، أو مجموعات صغيرة منهم (...) إلى الولايات المتحدة لتدريبهم على برامج محددة، هو أيضاً خيار متاح (...).
ستيفن سيش
العدد ١٤٠٠ الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠١١
سوريا
دوليات