المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - الربيع العربي يضاعف من مسؤولية الحركات الإسلامية ..
الثلاثاء 1 تشرين الثاني 2011
الربيع العربي يضاعف من مسؤولية الحركات الإسلامية ..
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
لطالما كانت الحركة الإسلامية بكافة تفاصيلها ومسمياتها وفصائلها ومجموعاتها عرضةً للاتهام بمحاولة زعزعة استقرار الأنظمة العربية والعمل على إسقاطها، وموضع تشكيك بمشروعها ورؤيتها السياسية وبرنامجها الإنمائي والاقتصادي وقدرتها على استلام السلطة وإدارة دفة الحكم بنشاط وفعالية، ودائماً ما كانت هذه الحركة أو الحركات محل استهداف وملاحقة أعضاء وسجن رموز وإعدام قادة وتنكيل بمؤيدين، ومنع من العمل السياسي والدعوي والفكري، تحت طائلة الملاحقة والمعاقبة، وغالباً ما أشارت بعض الأنظمة والبعض من القوى السياسية في العالم العربي إلى خطورة دور هذه الحركات على مستقبل الأمة العربية ودولها وعلاقاتها بالعالم الغربي وكذلك على الأقليات الدينية والعرقية في عالمنا العربي.. لذلك بقيت هذه الحركات خارج السلطة السياسية الرسمية، واكتفت بإدارة نشاطها في مجالات الدعوة والعمل الاجتماعي إلى جانب إعطاء بعض المواقف السياسية التي تتعلق بقضية فلسطين وبعض القضايا الإسلامي التي تهم العالم الإسلامي أجمع وليس مجتمع بعينه كقضية أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها.. وابتعدت عن مناقشة القضايا السياسية الداخلية إلى حدٍ ما تجنباُ للمواجهة مع السلطة الحاكمة في هذه الدولة أو تلك..
الأنظمة العربية الحاكمة حالياً والتي تستهدفها ثورات الربيع العربي اليوم، طالما عملت على ترهيب مجتمعاتها من خطورة وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة ولو ضمن شراكة سياسية مع بعض القوى السياسية الأخرى بما فيها العلمانية، وهذا ما أكده بشار الأسد في تصريحه الأخير حين قال بأن حزبه الحاكم هو في حالة صراع مع حركة الإخوان المسلمين منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي، وأن الصراع في سوريا اليوم هو بين القوى الإسلامية وقوى القومية العربية.. في حين أن نظام الأسد نفسه استعمل هذه الحركات الإسلامية لمواجهة بعض الأنظمة في دول الجوار، ولإشاعة الفوضى في العراق، وقام بدعم حركة حماس في فلسطين إلى جانب الجهاد الإسلامي، ليعطي انطباع بأنه من أهم ناصري قضية العرب المركزية(قضية فلسطين). ومع ذلك يعلن بأن صراعه هو مع الإسلاميين باعتباره ممثل قوى الفكر القومي العربي. أضف إلى ذلك انه من أهم الحلفاء الاستراتيجيين لدولة فارس في إيران التي تتناقض مفاهيمها مع ثوابت الفكر القومي العربي التي يتبناها حزب البعث، وشهدنا هذا الأمر في العراق، خلال الحرب الضروس التي دامت ثماني سنوات، بين العراق وإيران. ونعيشها اليوم في تنفيذ سياسة اجتثاث البعث التي يمارسها حلفاء إيران في دولة العراق بحق القوميين العرب..
مع انطلاقة ثورات الربيع العربي التي أطلقتها الشعوب العربية المغلوبة على أمرها والمقهورة والمسحوقة لعقود من قبل هذه الأنظمة، دأبت هذه السلالات الحاكمة على القول بأن بديلها هو المجموعات الإسلامية المتطرفة التي سوف تستهدف شعوبها قبل جيرانها، وان الظلم الذي سيلحق بهذه الشعوب سوف يتجاوز بأضعاف ما تعيشه هذه الجماهير تحت سلطتها..وأشارت بشكل مباشر لحالة الأقليات الدينية التي سوف تعاني من كبت الحريات الدينية، في محاولة لجذبها إلى محور الصراع الداخلي وأتون الحرب الأهلية، وألمحت إلى تدهور الاقتصاد والتنمية الاجتماعية وغياب الحريات السياسية والإعلامية، التي سوف تسود عالمنا العربي.. وهذا الكلام مع إدراكنا بأنه محاولة للتشكيك بالثورات العربية وأسباب اندلاعها وأهدافها، إلا انه يشير إلى أن بعض الحركات الإسلامية وفي حال وصلت للسلطة، سوف تتجاهل منطلقات الثورة ومبادئها وسوف تستعيد ممارسات السلطة الحاكمة السابقة، وكل ما في الأمر هو أن الشعب العربي بثورته قد استبدل ديكتاتورية بأخرى.. لذلك فإن على الحركات الإسلامية أن تدرك هذه الحقيقة وهذه المحاولة وان تسعى لتكون على قدر المسؤولية في المرحلة المقبلة وان تكون شريك فاعل في قيادة شعوبها للانتقال من مرحلة قاتمة مظلمة إلى مرحلة أكثر إشراقاً ونضجاً ونجاحاً وهذا يقودنا للإشارة إلى بعض النقاط الهامة التي على الحركات الإسلامية أخذها في عين الاعتبار في حال تمكنت من الوصول إلى السلطة أو كانت جزءاً منها:
- إن انتفاضة التحرر العربي التي أطلقتها شعوبنا ضد الظلم والقهر، من الممكن أن تندلع وتنطلق وتشتعل مرة ثانية في حال حاولت السلطة الجديدة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية تكرار ممارسات من سبقها في الحكم..
- إن حالة الحكم الديكتاتوري والحزب الحاكم والقائد الملهم لم تعد مجدية في عالمنا العربي والإسلامي، وأن حالة الوعي لدى مجتمعاتنا قد تجاوزت هذه العقبة التي كان يستند إليها زعماء وحكام المرحلة السابقة، ومن غير الممكن إعادة تجربتها.
- إن موضوع التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني من أهم مطالب شعوبنا لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة والعالم يواجه اليوم أزمات غذاء ومياه وأمن وطاقة وتأمين فرص عمل وسكن .. وهذا ما يجب أن يكون في أول سلم اهتمامات أي سلطة منتخبة حاكمة..
- إن موضوع الحريات الدينية والسياسية والإعلامية والاجتماعية شان لا يمكن العبث به أو تجاهله أو القفز فوقه، وأن عملية التحول الاجتماعي والسياسي يجب أن تأخذ وقتها الطبيعي لأنه من غير الممكن التحول من حالة سياسية واجتماعية حكمت لعقود، إلى حالة أخرى جديدة مغايرة بمجرد تغيير شكل واسم النظام وأسماء قادة السلطة ورموزها..
- إن الحالة الإسلامية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، هي جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي في هذه الكيانات والدول، فلا يمكن تجاهل وجودها أو التلويح بخطرها من قبل البعض، كما لا يفترض بهذه الحالة الإسلامية أن تقدم نفسها على أنها الحل الأوحد والحاكم الوحيد وأنها لا تستطيع أن تحكم إلا بمفردها لأن عليها أن تتقبل التعايش مع قوى سياسية أخرى قومية وعلمانية ودينية موجودة وفاعلة على الساحة العربية والقرار النهائي هو بيد الشعب الذي عليه أن يختار سلطته الحاكمة في صندوقه الاقتراع، وعليها أن تمارس دورها على هذا الأساس وان تقدم أفضل ما عندها..
- إن التفاهم والتعايش والتعاون والتفاعل مع الأقليات الدينية والعرقية في عالمنا العربي هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، وأي سوء يصيب هذه العلاقة يفتح باب التدخلات الدولية لحماية هذه الأقلية أو تلك وهذا ما جرى بالفعل خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إبان ضعف الدولة العثمانية، والتلويح بهذا الملف يأخذ الكثير من وقت بعض الكتاب والمفكرين والسياسيين وتصريحات القادة والسياسيين وبعض الرموز الدينيين.. وهذا ما يجب على الحركات الإسلامية أن تأخذه بعين الاعتبار وبجدية..
الكثير من الصحافيين والسياسيين والباحثين والدبلوماسيين يتحدث عن هذه المعضلة المفترضة، والكلام عن التجربة التركية الرائدة في العمل على انسجام وتناغم النظام العلماني التركي مع المفاهيم الإسلامية، فيه الكثير من التحدي لهذه الحركات الإسلامية العربية، نظراً للتباين والاختلاف بين البيئة العربية التي عاشت أنظمة حكم ديكتاتورية منذ الاستقلال وليومنا هذا، وبين المجتمع التركي الذي عاش تجارب متعددة من ديكتاتورية وعسكرية إلى ديمقراطية سمحت له بالتمييز بين هذا الشكل من النظام وذاك، وبين أهمية وفعالية هذا النهج وخطورة ذلك. ولكن يبقى على هذه الحركات الإسلامية في عالمنا العربي أن تدرك أنها أمام فرصة تاريخية لتقديم نفسها لجماهير الأمة العربية في قالب وأسلوب ومفاهيم وصور مختلفة عن تلك التي أعطيت لها من قبل الأنظمة البائدة والأحزاب المعادية والمجموعات المتطرفة، بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى التطرف أو إلى المواجهة والصدام.. ويبقى أن ندرك أن عملية التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية سوف تأخذ وقتاً ليس بالبسيط، ويجب أن نعمل جاهدين لتصويب المسار والمسير عند وقوع أي خلل للخروج من عقلية حكم الفرد إلى حالة العمل السياسي الجماعي، ومن منطق العائلة والعشيرة والحزب، إلى سيادة حكم القانون والمصلحة الوطنية والكفاءة والشفافية.. وعندها تكون الحركات الإسلامي وسائر القوى السياسية قد استطاعت أن تقدم نموذجاً مختلفاً لبناء وطن ومجتمع متقدم ومتطور ديمقراطي تعددي...
حسان القطب