نشوء وتطور الرياضة في مدينة صيدا والجنوب - حسيب البزري- ملف دكتور بزري
مقابلـة مع
الأستاذ حسيب البزري
تاريخ المقابلة: 4 تشرين الأول 1987
الموضوع: نشوء وتطور الرياضة في مدينة صيدا والجنوب
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
س: … أستاذ حسيب (البزري)، في لقائنا اليوم، أريد أن تحدثني عن نشوء أو البدايات الأولى للرياضة في مدينة صيدا والجنوب. ولكن إذا ممكن، قبل أن نتحدَّث في هذا الموضوع، أن تحدِّثني عن المرحلة الأولى التي سبقت نشوء الرياضة في مدينة صيدا…
ج: … دكتور مصطفى، طبعاً الرياضة هي كلٌّ في العالم، هي موضوع واحد في الكرة الأرضية… من هذا الكل نشأت الفروع. الآن نريد أن نوضِّح هذا الكلِّ بجملة ملخَّصة: كيف نشأ هذا الكلُّ في النهضة الرياضية المعاصرة؟… لأن للرياضة تاريخاً طويلاً. ولكن هذا التاريخ الطويل، حسب قراآتنا ودراستنا، يشير إلى أن الرياضة في التاريخ، قد كانت في العهد اليوناني قوية جداً، وكانت تُمثِّلُ نهضة لكل شيء، وهي التي تحدِّد السياسة وتحدِّد كل الأمور في المجتمع. وقد استمر ذلك حتى عهد الأمبراطور "تيادور" الذي وقف متمرداً على الرياضة والرياضيين. فتمرده ضد الرياضيين يعني تمرده في وجه المجتمع…
وقد كان قاسٍ وعنيفاً، حتى أنه قَدِر أن يستفيد من مركزه ونفوذه ليضر ب القيادات الرياضية في ذلك الحين. وقد حدث ذلك في عام 1200 قبل الميلاد. إننا نحن نعتبره عدواً للرياضة وعدواً للإنسانية، لأن الرياضة نهضة للعالم.. وقد نجح في أن يهدِّم كل معابد الرياضة وكل الملاعب الرياضية ويحرق كل الكتب الرياضية ويعذب كل رياضي يمارس الرياضة… ويُحكى عنه أنه كان عدو الرياضة الأول في العالم. ففي عهده، انتهت آثار الرياضة كلها…
وفي العصر الحديث، وفي آخر القرن السابع عشر، في بلاد الاسكندنافيا، الدكتور بيار هنري لانج، أستاذ التاريخ، هو الرائد الأول للرياضة في التاريخ المعاصر.. فعن طريق الرياضة، أراد أن يخلِّص بلاد الاسكندنافيا من التمزق ومن التشتُّت. وقد اجتمعتُ عن طريق نهضته، هذه البلاد وزال مرض السل الذي كان منتشراً بين 70% من الشعب… وقد عمَّم الرياضة في كل القرى والبلدان.
ومنذ ذلك التاريـخ أصبحـت بلاد اسكندنافيا محترمـة في العالم كلِّه، يأتيها التلاميذ من جميع الأنحاء حتى شعَّ نورها الرياضي في جميـع البلدان، إلى أوروبا وأميركا وإلى كل العالم…
ونحن من هذا العالم، ولكن نحن من العالم الذي رَزَح تحت نير الاستعمار الطويل، وهو الاستعمار التركي. فالاستعمار، من الطبيعي أن يكبِّل الشعوب ولا يجعلها تأخذ وسائل تحقيق النهضة في مجتمعاتها. ولكن غصباً عنه (الاستعمار) ومرغماً، فإنه يجب عليه أن يريّض جيشه حتى يحارب، فهو يحتاج للرياضة من أجل جيشه. فكان جيش الأتراك يتعاطى الرياضة، ولكن ليس بنهضة حديثة وقوية، كما هي في العالم.. الرياضة في الجيش التركي بقيت محدودة.. وتقتصر على بعض الأمور المعيَّنة وعلى تمرينات معيَّنة…
وقد جاءت الرياضة إلى بلادنا في العهد التركي عن طريق العسكرية، وأصبح الناس يأخذون لمحات قليلة، وشيئاً قليلاً من أنواع الرياضة، ويتعاطونها بممارسة بعض الألعاب البسيطة.. ولكن الرياضة، عندنا لم تمتد بشكل علمي وبتوسُّع وبشكل نوادٍ وملاعب.. كلا، لأن ذلك لا يكون إلاَّ من الأمور وعلى المستويات الجماهيرية، وهو من مهمات الدولة…
س: … بمعنى آخر، في العهد العثماني التركي، كانت الرياضة مقتصرة على العسكر وعلى الجيش…
ج: … نعم! هذا ما كان يحصل، وكان العسكر يسرّبون الرياضة إلى خارج الجيش وإلى الناس الذين يحبون الرياضة. فقد كانوا (أي الأتراك) يأتون إلينا ببعض الكتب، وإن شيئاً من تطور الرياضة قد حدث في تركيا بالذات. ولكن في بلادنا، ما زال العمل الرياضي حينذاك غير موجود ولم يكونوا ليشجعوه كثيراً. غير أنهم أخذوا يدخلونه إلى المدارس الابتدائية تدريجياً، بعد أن أنشأوا المدارس الابتدائية عندنا، وذلك بعد أن دخلت وانتشرت الإرساليات الأجنبية، وحتى لا يقال بأن المدارس الأجنبية أحسن منّا.. فقد سمحوا، تحت ضغط الظروف، بأشياء رياضية بسيطة، بدائية… وكان الأتراك يفتحون مدارس ابتدائية ويعمِّمونها. وهي مدارس تدرِّس القرآن وخط عربي وحساب، ولكن لم تكن تلك المدارس متطوِّرة وتضمُّ جميع المراحل الثانوية والجامعية.. فمن يريد أن يتابع دراسته، كان عليه أن يذهب إلى الخارج، إلى استنبول..
س: … في هذه المدارس الابتدائية في بلادنا، ألم يكن هناك رياضة؟…
ج: … كانت هناك رياضة بدنية تُدرَّس في هذه المدارس، ولكن رياضة بسيطة جداً، بدائية. وقد بقيت هكذا حتى العهد الفرنسي، في أيامنا نحن… ذلك أنه عندما دخلت فرنسا إلى بلادنا، وسّعت مدارسها وإرسالياتها وأخذت تنشر تدريجاً الرياضة فيها، ولكن لم تنتشرُ وتخرج بعد للخارج. والمقاصد، كانت لا تزال مدرسة صغيرة. فأكيد، منذ العهد التركي الذي لم نحضره نحن، عندما ولدت كان ولّى العهد التركي، إذ إنني ولدت في عام 1919، فأنا أذكر وأنا صغير، ابن سبع أو ثماني سنوات، وقبل أن ندخل إلى مدرسة الفرير، لم يسمح لنا الأهل أن ندخل مدرسة الفرير، إلاّ بعد ما نختم القرآن الكريم وننتهي من مدرسة المقاصد في حيِّ الشمعون التي كان مديرها حينذاك الشيخ مصطفى الشريف. وكانت تُدرّس عربي وقرآن وخط فقط.. وبعد عشر سنوات من عمرنا، كان يسمح لنا بأن ندخل المدارس الأجنبية والإرساليات.
وأنا أذكر تماماً أنه، بعدما ذهبت تركيا ودخلت فرنسا واحتلت البلاد، كان يوجد مرارة عند الناس، ذلك أن سوريا الكبرى أو الوحدة السورية (كان مطلباً شعبياً). فكانت هذه البلاد تُسمَّى "برّ الشام"، كلها أجزاء من سوريا، وعندما ضمّ الفرنسيون الأقضية الأربعة بالضغط، وخلقوا لبنان الكبير، كان هناك تمرّد من قبلنا، من الشعب كلِّه، خصوصاً في مناطق الأقضية الأربعة، وعدم رضانا ورفضنا لما حصل.
فهذا التمرد والرفض ظهر عندنا في المدارس، بدليل أنه لجأت المدارس، وحتى يكون لهم مظلة يتحامون ويستظلّون بها ويقومون بحركات وطنية، لجأوا للكشفية وللرياضة وللفنون. عن هذه الطريق، فإن التحركات الوطنية هي التي كان الرائد والقائد لهم (الكشفية والرياضة والفنون) لكي يتظللوا بها، وحتى يقوموا ببوادر نهضة وطنيَّة. فإذا كان الأجنبي يريد أن يعارضهم، فماذا يقول لهم: أليس هذا نشاط رياضي؟ وحتى الخط العربي، كان له أصول، وكان الأجانب يتكهربون من تعليم الخط، بدليل أن مدارس الفرير، لم يكن في مناهجها التعليمية أو التربوية الاعتناء بالخط العربي أو حتى تعليمه.
أما في مدارسنا، فكان الاعتناء بالخط العربي كلياً، حتى يتقن الطالب كتابة الخط ويصبح كالطباعة. وكذلك الرسم. فقد كان كل معلم لا يستطيع أن يمتهن مهنة التعليم حتى يتقن الفنون الجميلة. فصار الشباب الذين يريدون أن يعملوا أو يمتهنوا مهنة التدريس ويصبحوا مدرسين، مضطرين أن يتعلموا ويتقنوا جميع الفنون ومنها الرياضة. فيأتي الواحد من أساتذة التعليم بكتاب عن الرياضة فيقرأه حتى يستطيع أن يعلّم الرياضة للتلاميذ ساعة أو ساعتين في الأسبوع.
أذكر مثلاً بسيطاً وهو الأستاذ بشير الشريف: فلم يكن له جسم رياضي قوي، ولكن الروح الذي نفخ في الشباب، وهو أن تكون النهضة هي الرياضة والفنون بالدرجة الأولى.. إن الأستاذ بشير الشر يف قد أعطانا درساً في الرياضة، وكان عمري ثماني سنوات. فأنا، حتى الآن لا أنساه وحتى مع أكبر الأخصائيين. بأي معنى لا أنساه؟! الأستاذ بشير الشريف، بنفحة قوية، كان يُعطي درساً رياضياً بشوق، هذه واحدة. وكان يهيِّء لهذا الدرس بشيء من المعلومات البسيطة التي لديه، ولكن كان يخلق فينا، الطَّلاقة ويخلق في نفوسنا النشاط، ونخرج إلى الملعب ونشعر وكأننا ذاهبون إلى الجنَّة، ونحن ننشد:
درسنـا الآن الرياضـة
في ساحـة الميـدان
نحن نستحلي الرياضة
لصحـة الأبــدان
نمضــى ونعــود
بـــلا نصــب
ونستمر كذلك حتى نصل إلى الملعب. هنا، يصفّر ويوزّعنا، ونلعب الألعاب الأولية البسيطة: خمسة تلاميذ يضرون القلّة، كل واحد مرة ودون قاعدة… وكذلك الركض: إثنان يتسابقان… وآخران يلعبان بالكرة، الخ.. درس رياضي توزيعي لا بأس به، ولكنه غير فني، إنما الأستاذ يعطي كما يستطيع ويعلم، قرأ كتاب الرياضة وفهم منه بعضه ويحاول أن يطبِّق ما تعلم… ولكن الروح التي كان يثعطي بها الدرس روح قوية جداً…
هذا النوع من الرياضة تأثر به أناس شعبيون. في مدرسة الشمعون التابعة لجمعية المقاصد، وعندما أخذ الأستاذ بشير الشريف يعطينا درس الرياضة، كان معنا في المدرسة أستاذٌ أسمه عفيف المغربي، وهو عن طريق أخذه الرياضة البسيطة وتطبيقها، وهو لديه استعداد وجسمه كذلك، فأصبح بطلاً من الأبطال، ويمكن في ذلك الوقت أن نضعه مع أبطال دوليين في رفع الأثقال وضرب القلّة. (لقد ترك التعليم وتوظف في الجمرك). ولقد كنا ونحن صغاراً معجبين جداً به، وعندما كان يقال لنا: عفيف المغربي، نفرح.. كان أستاذاً مع الأستاذ بشير الشريف… كنا نعجب به على أنه بطل ونضعه كمثل أعلى أمامنا ونتخذه كقدوة لنا.
وعلى الصعيد الشعبي، برز بعض الأبطال بالنسبة إلينا في ذلك الحين. ولا أزال أذكر ذلك تماماً، لقد برز منهم مثلاً: سليم الزين وهو في حينه عامل مطبعة، وبرز منهم أيضاً شخص وقد كان مرافقاً وصديقاً لمعروف سعد، قريباً جداً له ويحبه كثيراً وهو كرم الحشاش (انقلبت عليه سيارة الشحن في القاسمية)، وكان من أبطال صيدا ويلعب مع معروف سعد في المصارعة وغيرها، وكان رياضياً. فكانوا يلعبون ويمارسون الرياضة على البحر. فالرياضة كانت كناية عن ممارسة الألعاب الرياضية على شاطئ البحر من قِبَل هؤلاء الشباب مع بعضهم البعض: رفع أثقال، قفر عالٍ على الطريقة القديمة، مصارعة…
في العهد التركي، كانت المصارعة هي المصارعة العربية على الطريقة القديمة. أما في العهد الفرنسي، فدخلت المصارعة اليونانية الرومانية الحديثة ومصارعة الكاتش وغيرها. فأخذنا هذا النوع من الرياضة وغيره عن طريق فرنسا وعن طريق الزيارات التي كانت تقوم بها الفرق الرياضية إلى هنا (صيدا) في عهد الانتداب الفرنسي. وهنا نلاحظ بأن الجيش الفرنسي طوَّر الرياضة أكثر من الجيش التركي، فقد طوَّر الفرنسيون الرياضة كثيراً…
ومن الرياضيين الصيداويين القدامى مثلاً: عبد الغني الصباغ، كان يلعب الجمباز، وكان يقوم على المسرح بحركات رياضية وبشكل رائع. وكذلك بدوي رمضان، رحمة الله عليه، كان يتمتع بجسم جميل وصحة كالحديد وكان نجاراً. وأذكر أنه كان يعلمني بعض أبواب المصارعة، وأنا صغير ولا أنسى ذلك حتى الآن.
هؤلاء الذين ذكرت هم الرياضيون الشعبيون وهم الرموز.. أما معروف سعد، فكان على مستوى أكبر، والرياضة هي التي أنشأت معروف سعد وهي الوسيلة التي أوصلت معروف وجعلته أن يصعد من وضعه المتواضع إلى الحياة الجديدة، بما أن الرياضة كانت وسيلة نهضة وكانت تطلّ على الحركات الوطنية، وكانت نقطة الانطلاق للحركات الوطنية.. بدليل أنه عندما اشتغلنا بالرياضة، كان واجباً علينا أن نتبنَّى "الشارع"، بمعنى توجُّهات وطموحات الشعب: فقد كانت الرياضة والوطنية تسيران معاً.
فمعروف سعد، كان لا يزال آنذاك في مدرسة الأميركان، وكان خامة عادية جداً. ومدرسة الأميركان كانت المدرسة الأولى تقريباً التي نشأت الرياضة فيها، أكثر من غيرها. وكانت لا تزال في المية ومية. وحتى بعض الذين أنشاؤوا فروعاً للرياضة (تنس مثلاً)، كانوا خريجين من مدرسة الأميركان.. مدرسة المقاصد، كانت لا تزال حتى ذلك الحين مدرسة صغيرة، ابتدائية، ومدرسة الفرير كذلك. في الثلاثينات (من القرن العشرين) كانت الرياضة فيها بسيطة، ولم تكن بالمستوى الذي وصلت إليه مدرسة الأميركان. ومدرسة الكاثوليك، مارست لعبة كرة الطائرة، ولكنها كانت في المراحل الأولى. إنما الأميركان كانت أقوى مدرس،ة وأثَّرت من هذه الناحية في ضيعة المية ومية حيث أعطت كثيراً من الرياضيين والأبطال الرياضيين.
فمعروف سعد، خامة جديدة، كان يوماً من أيام الدراسة، واقفاً على جنب ومنزوياً. وكان هناك أحد التلاميذ من الشمال يضرب القلّة، وكان التلاميذ الصيداويون متعصبين لبلدهم وحاصلين على بعض البطولات في بعض الألعاب: ركض، قفز عالٍ، كرة السلة… وكانت بطولة القلة للشمال… فنظر الطلاب الصيداويون إلى هذا الشاب المنزوي في الملعب، فبدا لهم "قطعة" جميلة من الناحية الجسدية. فتعرَّفوا إليه وطلبوا منه أن يلعب معهم رياضة كما يفعلون، فأخذ القلة وضربها، فكانت ضربة فظيعة، فصرخ زملاؤه وقالوا: هذا ما يجب أن يحصل.
فأخذوا يدربونه على رمي القلة على أصولها حتى يلعب ضد خصمهم، إلى أن جاء اليوم الرياضي السنوي في مدرسة الأميركان. فحصلت المباريات، وكان معروف مبرزاً في رمي القلة بصورة لا مثيل لها. فاعتز الطلاب الصيداويون بذلك. ومنذ ذلك الحين، أصبح جميع أفراد شلة صيدا التي كانت تدرس في مدرسة الأميركان، من أصدقاء معروف وكانوا شباباً، "واجهة" البلد البارزين حينذاك. فأخذوا يتخاطفون معروف سعد من محل إلى محل آخر، ومن بيت إلى بيت آخر، حتى أتوْا به إلى حيّنا، حيّ الوسطاني.
ومن هناك، هذه الشلة من الشباب أنشأت الكشفية.. فمعروف سعد، عن هذا الطريق وعن طريقة الكشفية في حي الوسطاني، ترأس الحركة. كان قبله جورج اسطفان، فأُبعد وجاءوا بمعروف. ولكن لم يكن بعد لديه معلومات كشفية، وإنما كبطل.. وكانت الكشفية آنذاك تقوم على الرحلات والمشي في الجبال والمناطق (أحمد خروبي، عارف لطفي، محي الدين البزري وغيرهم). فالكشفية والرياضة صنوان…
ومن هذه الوضعية انتقل معروف سعد إلى البطولة في لبنان، في الجامعة الأميركية حيث كسر بطولة لبنان مع عبد الستار طرابلسي: ففاز بالقلة وضرب الصحن، فأحرز البطولة. ولكن الحكم قال وقتها بأنه (معروف سعد) ارتكب خطأ (فَوْل). وإنما الصيداويون اعتبروا أن معروف سعد "كَسَح" عبد الستار الطرابلسي بمسافة كبيرة… فقيل قانونياً، لا.. وظل معروف سعد يُعتبر على صعيد لبناني بطل القلة والصحن… فكان، في الوقت نفسه، رياضياً وفي الحركة الوطنية وفي فلسطين، إلخ.. فكان شاباً تفاخر به البلد، وكان في ذلك الوقت مع شباب الطليعة..
س: … أستاذ حسيب، سؤال: هل يمكن أن نقول إن الرياضة بمفهومها الحديث، دخلت إلى صيدا والجنوب عن طريق المدارس الأجنبية والإرساليات الأجنبية؟
ج: … نعم، ولكن في السابق، عن طريق الجيوش. الجيش التركي نشر الرياضة بطريقة محدودة. أما الجيش الفرنسي، فقد وسّع الرياضة أكثر. لأن الإرساليات الأجنبيَّة صارت تتعاطى الرياضة بشكل موسَّع عن طريق المدارس الثانوية والجامعات: الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اليسوعية، فأصبحوا مضطرين أن يتعاطوا الرياضة، فلا يستطيعون أن يتخلوا عنها، ذلك أنهم عندما وضعوا برامجهم التعليمية، وجب أن تكون من ضمنها الرياضة، كما هو الحال في سائر أنحاء العالم في الخارج (الأوروبي).
س: … في ذلك الحين، ما هو نوع الرياضة التي نسميها نحن ـ إذا أردنا أن نلخِّص حديثنا السابق ـ الرياضة التقليدية التي كانت سائدة في المجتمعات، خارج مدارس الإرساليات الأجنبية؟!
ج: … مثلاً لعبة "الفتبول" (كرة القدم)، وهي مشهورة عالمياً، ولعبة "الفولي بول" (كرة الطائرة) ولعبة "الباسكيت بول (كرة السلة)"… وكانوا يتعاطون ألعاب القوى بجميع أنواعها، ذلك أن هذه الألعاب لها كُتب معروفة وكانت هذه الكتب تقرأ وتنتقل من المدرسة إلى خارجها. وهي ألعاب فردية. فكان كل واحد يتعاطى جميع الألعاب: "الركض بأنواعه"، الرمح، القلَّة، الصحن، قفز عالٍ، قفز عريض. يضاف إلى ذلك ألعاب كرم القدم، كرة السلة، كرة الطائرة، وكذلك على شاطئ البحر مصارعة، ملاكمة..
ولكن أين الرياضة ترقَّت، ومتى كان ذلك، وابتدأت تُعطى كدرس رياضي بالمعنى الصحيح، كما يجري الحال في أوروبا وأميركا، أي إعطاء درس قانوني مدته ساعة من الزمن: كيف يبتدئ الدرس وكيف ينتهي، أنا أذكر أن ذلك ابتدأ في عام 1941 و1942… (أي في الوقت الذي ابتدأ فيه الأستاذ حسيب بزري يُدرّس الرياضة، وهذا رأي فيه كثير من المبالغة..).
يتابع الأستاذ حسيب البزري حديثه عن تجربته الشخصية ومتى مارس الرياضة ليس فقط كهواية وإنما كمهنة فقال: عام 41 ـ 42، استدعتني مدرسة الفرير في بداية الحرب العالمية الثانية ولم يستطيعوا أن يستعينوا بأساتذة من الخارج حتى يوسِّعوا النشاط ومجالات الرياضة ويطبقوها بشكل قانوني، فطلبوا مني أن أدرّس الرياضة تدريساً قانونياً… وكان ذلك أول بادرة من أجل إعطاء درس قانوني…
وكان قبلي في مدرسة المقاصد، ابتدأ الأستاذ عبد المجيد لطفي في إعطاء دروس الرياضة بشكل سليم، صحيح وقانوني، عن طريق حُصوله على كُتب متخصِّصة في الرياضة، ثم يعمل على تطبيق ذلك في الملعب، وعلى الحركة الكشفية. في الحقيقة، فقد قام بذلك الأستاذ عبد المجيد لطفي في مدرسة المقاصد في المراحل الابتدائية… وقد كان في "الكلية العباسية" الناظر العام فيها، ومفوض الكشاف المسلم في بيروت. وكان له مركز كبير، ثم عاد بعد ذلك إلى صيدا.. وعلّم الرياضة في كلية المقاصد والحركة الكشفية… ثم جاء إلى المقاصد عبد الودود رمضان من فلسطين (1943 ـ 1944) فنظَّم مهرجاناً كبيراً في ساحة كلية المقاصد في ضهر المير… (فكان مهرجاناً رياضياً، ذا مستوى متقدِّماً من هذه الناحية، ولاقى نجاحاً باهراً وكبيراً وحاشداً تفاعلت معه مدينة صيدا بأسرها…).
* ابتدأ الأستاذ حسيب البزري بتدريس الرياضة في كلية المقاصد بعد عبد الودود رمضان، أي في عام 1944 ـ 1945… وفي عام 1946، اشترك في المؤتمر الرياضي في قطنة في سوريا. وقد أرسله إلى المشاركة في هذا المؤتمر مدير كلية المقاصد آنذاك المرحوم شفيق النقاش… وهذا المؤتمر هو "مؤتمر الفتوة" اشترك فيه كل طلاب " شهادة الموحَّدة" (الشهادة الثانوية) في القطر السوري الذين يجب عليهم أن ينالوا شهادة الخدمة العسكرية قبل أن يتخرجوا من المرحلة الثانوية.
فمع هذه الدورة العسكرية، أقاموا دورة رياضية لكل أساتذة سوريا من أجل إعطائهم دروساً في الرياضة باللغة العربية. وأحضروا لهذه الدورة دكاترة في الرياضة من مصر، منهن: محمد علي حافظ عميد التربية الرياضية في مصر، الدكتور علوي، الدكتور مرزوق، الدكتور فضالي، إلخ… حتى يشرف هؤلاء الأساتذة الكبار على هذا المعهد الرياضي، وهو ملخص للمعهد الكبير المستقبلي، ولإعطاء الرياضة باللغة العربية وبطريقة منظمة، وقاموس التربية البدنية والخدمات الرياضية والاتصال الرياضي بالعسكرية وغير ذلك من الأمور الرياضية…
وأنا، كما قلت، فقد أرسلني الأستاذ شفيق النقاش مدير كلية المقاصد في ذلك الحين، وذلك بعد أن أجرى اتصالات مع الجهات المسؤولة في سوريا، وكنت في هذا المؤتمر الرياضي بصفتي ممثلاً لصيدا والجنوب. فذهب عارف الحبّال عن بيروت واشترك مصطفى الأوسطة من طرابلس وأنا من صيدا. وكنا نحن الثلاثة ممثلين للبنان في هذه الدورة الرياضية، وكنا ضيوفاً على المؤتمر. وقد بقينا هناك شهرين ونصف الشهر وأخذنا جميع المعلومات الرياضية باللغة العربية، بعدما كان تدريس الرياضة سابقاً باللغة الفرنسية في زمن الانتداب. هذه الفرصة أتاحت لي أن آخذ أو أطلع على الكتب من مصر والملخّصات الرياضية الأخرى…
س: … إذن، أستاذ حسيب، ابتدأت كمدرس لمادة الرياضة في أي سنة؟
ج: … في سنة 1942.
س: هل كنت تمارس الرياضة قبل ذلك؟ إذا كان نعم، فما هي؟
ج: … طبعاً، كنت ألعب الكرة على أنواعها، القدم ( وهي لعبتي الرئيسية) والطائرة والسلة وتنس، بنغ بونغ، وألعاب القوى: القلَّة، رمح، صحن، الملاكمة (مدة ثلاث سنوات)، سباحة، مصارعة مع أبطال صيدا التقليديين…
س: … فإذن، ابتدأت بالتدريس في مدرسة الفرير.
ج: … ابتدأت في العام 1942، وكنت أدرِّس باللغة الفرنسية، وبعدها انتقلت إلى كلية المقاصد 1944 ـ 1945. وسنة 1946 ذهبت إلى قطنـة، كما ذكرت سابقاً. فكنت أدرِّس الرياضة في كلية المقاصد ومدرسة الفرير حتى 1954. وفي هذا العام، تركت مدرسة الفرير وتفرَّغت إلى العمل في كلية المقاصد مع وجود أستاذ رياضة من مصر… وبقيت أدرّس الرياضة حتى عام 1970…
س: … الأندية الرياضية، أستاذ حسيب، ما هي، وكيف كانت في الفترة التي ابتدأت أنت فيها بالنشاط الرياضي؟!
ج: … لم يكن في الحقيقة نوادٍ رياضيـة في تلـك الفتـرة (ما بين الحربين)، ولم يكن في تفكيرنا إيجاد نادٍ رياضي. لقـد كان في داخـل البلـدة مثلاً" أندية" (أي تجمُّعات صغيرة) حول أشخاص يمارسـون المصارعـة في إحدى المقاهـي أو لرفع الأثقال في البيوت أو في الأماكن الأخرى، فكانـت تتمُّ الزيـارات الرياضيـة بين الشبـاب. وإعطاء بعض النصائح الصحية والطبيـة الوقائيـة وبعض القواعد الأخرى… وهذا النوع من الرياضة أكثره مصارعة ورفع أثقال…
س: … ما هو رأيك بلعبة السيف والترس ولعبة "الحَكَم"، على سبيل المثال، هذا النوع من الرياضة التقليدية الشعبية؟
ج: … هذا النوع من الرياضة من أيام العهد التركي، وهي رياضة قديمة وقديمة جداً، وحتى ألعاب المصارعة العربية. وقد كنت أشاهد ذلك وأشاهد بعض أبطال البلد: بشير الحاج وهبي، النياطي… يلبسون السروال، عراة الصدور والأبدان، حفاة، يحلقون الرؤوس، وشواربهم المعكوفة. وذلك على الطراز القوقازي. وأكيد أن هذه الألعاب أدخلها الأتراك إلى بلادنا طوال إقامتهم مدة طويلة عندنا…
س: … إذن، كان يوجد نوع من المصارعة…
ج: … وهي تسمّى: المصارعة العربية، إلى جانبها السيف والترس. وكان من المبرزين في اللعبة الأخيرة مثلاً، رضا النعماني، على طالب، رشيد الأرقدان وغيرهم كثيرون، إنما هؤلاء كانوا من الريّاس… وكانوا في أيام الأعياد والمناسبات يلعبون أمام الجمهور في الساحات العامة… وعندما جاء الاستقلال، فيما بعد، ودخلت معه الرياضة "الطبيعية" أي الحديثة، وتوسَّعت المهرجانات والحفلات الرياضية… تقلصت جميع هذه الألعاب الرياضية التقليدية…
س: … من هم أشهر أساتذة الرياضة قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها؟
ج: … والله، إنّ مَنْ برَز عندنا في الرياضة هو المرحوم الأستاذ عبد المجيد لطفي. لقد اشتهر كثيراً، وقد قرن الرياضة مع الكشفية. وأنا كذلك قلّدته وعملت معه ومارست الرياضة الكشفية. وإن كان ذلك بصورة أوسع… خاصة بعد الدورة التدريبية في قطنة. وكذلك الأستاذ أحمد المجذوب أجرى دورة رياضة في سوريا بعدي بأربع سنوات. وإنما الفرق بيني وبينه أنني أتقن الموسيقى… الموسيقى كانت بدمي وبصوتي وبإحساسي وممارستي… فالرياضة كانت وسيلة نهضة شاملة…
س: … لقد أشرت إلى أنه كان هناك علاقة ما بين الرياضة وبين العمل الوطني، فهل يصحّ ذلك فيما بين الحربين؟
ج: … طبعاً، طبعاً، فليس فقط علاقة، وإنما علاقة عضوية، لأنه بعد الأتراك جاء الانتداب الفرنسي. وكان الشعب كله مضطرباً، متمرِّداً، فكان يريد أن يقوم بشيء ما… فيجب أن يلجأ إلى أيِّ شيء ضد هذه الدولة التي احتلت.. مثلاً، عندما يُنشد النشيد الوطني في إحدى الحفلات، هناك مَن يقف وهناك مَن يعترض، فتقع المشاكل وحرب الكراسي… بحيث أصبح كل مرة يُنشد النشيد اللبناني، هناك من يقف وهناك من يُخالف، فتقع المعركة بالكراسي، في المقاهي أو في الحفلات. فنكون في حفلة، ثم نصير في تكسير الكراسي. وهكذا في كل مرة يُعزف فيها النشيد الوطني.. في الحفلات الرياضية والمسرحية…
إنني نسيت أن أقول إن المسرح كان له دور كبير في النهضة. المسرح نهضة كذلك: الرياضة، والكشفية، والمسرح، فهذه النشاطات قد كانت من أول أسس الوطنية، وأول الأمور التي يتعاطاها الوطني، حتى يقدر أن يتظلل تحتها، حتى ينفذ إلى نشاطاته، ويختبىء عن طريقها، فيقوم بالنشاط الوطني ويوسِّع هذا النشاط في الجيل الجديد من الشباب، ويجذب هذا الجيل إليه. والفرنسيون لا يستطيعون أن يتهموه. فالإنسان الوطني من خلال هذه الأشياء، يستطيع أن ينفِّذ بعض الأشياء. فمثلاً، عندما نكون في سهرة كشفية… وكان يوجد الكشاف العدناني في عام 1929، رئيسة صلاح فارس.. وأنشأنا نحن، وكنا صغار السن، تجمعاً كشفياً في حي الوسطاني، فأقمنا سهرة وجاء إليها أهل الحي، وطلبوا مني أن أغني أغنية لعمر الزعني:
فتِّـح عينك، أنا مش منهم
الجماعـة يلـي بتعرفهـم
أنا مش منهم
فتِّــح عينــك
مَحْـلا سواقـة العربجيـة
إدَّام رزالـة الشوفريّــة
ويريت بقينا ع العربية
ولا شوفنا يللي بفكرك منهم
أنـا مـش منهـم فتـح عينـك
وقتها نظم هذه الأغنية عمر الزعني وسجن من أجلها… وطلب الأمن العام في صيدا توقيف الطفل حسيب البزري. وقد قصد الشباب الوطني ذلك، حتى يسخر الناس من الانتداب الفرنسي..
يا ريّس بدنا بحرية
يا ريّس
صافيين النيّة
يا ريّس
بزنود قوية
يا ريّس
أبداً ما تَحلِّسْ
يا ريّس
البحر كبير
يا ريّس
بحرية حمير
يا ريّس
وفرحان كتير
يا ريّس
نصّبوك ريِّس
يا ريّس
(يقصد رئيس الجمهورية)
البحر جبال
يا ريّس
قَطَّاع الحبّال
يا ريّس
وما كان ع البال
يا ريّس
تنتصب ريّس
يا ريّس
وهذه الأغنية كانت ممنوعة أيضاً (قيلت في عهد رئيس الجمهورية شارب دباس)
أعود إلى ذكر أنّ الأستاذ عبد المجيد لطفي قد اشتهر أكثر إنسان في صيدا ومن الصيداويين، على أنه علّم الرياضة قبل جيلنا، كرياضة نظاميّة (حديثة). أما قبل ذلك، فكان كل أستاذ هو أستاذ رياضة: بشير الشريف، المرحوم عفيف المغربي، محي الدين بكار، والأساتذة الآخرون يدرِّسون الرياضة رغماً عنهم، كونها من صلب مهنتهم، ويقرأون الرياضة من الكتب، فهي مادة أساسية في المنهاج.. ولكن الرياضة كانت تُعطى بروح وطنيَّة والروح أقوى من مادة الدرس.
س: … وفي المدارس الأجنبية؟!
ج: … كانت الرياضة على أسس نظامية أسلم نسبياً، لأنها كانت المدارس أحدث وأكبر… ولكن ليس بنفس الروحية التي كانت سائدة عندنا وفي مدارسنا… يعني أن مدرسة المقاصد أصغر، ولكن القيِّمين عليها، كانوا يعطون للفنون فيها دسماً وروحاً تتناسب مع مستواها بين الناس في الخارج، يعطونها دسماً وروحاً كأنها هي الحامية للوطن. من أجل ذلك، نشأ جيل في المقاصد جيل قديم، يقولون عنه إنه أقوى من جيل اليوم..
هذا هو الواقع، لأنهم نفخوا فيه الروح (الروح الوطنية والعربية) والروح كانت مطلوبة عند المعلم، لأنه إذا لم يكن عنده هذه الروح، لا يشغّلونه.. فالمعلم يشتغل ليل نهار… الأستاذ محمد طاهر المغربي، فنان، أتقن الفنون كلها، والأستاذ منيف لطفـي أستاذ اللغة العربية: هذان الأستاذان اللذان يُقال عنهما إنهما مثاليان في المقاصد. والأستاذ عبد المجيد لطفي، ولكن كان له مضمار آخر، اشتغل فيه.
وإنما كتعليم، ومن حيث إعطاء الدروس، الروح الفنية والروح التربوية والروح المعطاءة، هذان الاثنان برّزا كثيراً: منيف لطفي ومحمد المغربي، لدرجة أنه أصبح هناك في المجتمع كله لون لهما لا يُمحى. لأنهما جاءا في عصر، وهذا ما يريده العصر: الفنون واللغة العربية والخطوط. الشيخ مصطفى الشريف، اشتهر لأنه أعطى الخط العربي أهمية كبرى… فقد كان جباراً، ويدير المدرسة بطريقة قديمة، ولكنه كان أستاذاً للخط، ليس له مثيل. وتلامذته كانوا أيضاً خطاطين…
فالمدارس الأجنبية لا تُعطي هذه الفنون بهذه الروح. كنا نلعب ونمارس الرياضة ونلعب كرة القدم، وكانوا من الناحية التقنية متطورين أكثر… وفي الحقيقة، كانت الصفوف في المقاصد ابتدائية، كان التلاميذ صغار السن فقط لا غير… مثلاً تلاميذ الصف الثالث ابتدائي في الخط، في اللغة العربية، في الرسم، وفي القواعد، لا يستطيع أن يجاريهم في هذا الميدان ابن صف البريفيه في الفرير. لأنهم كانوا يقولون إن هذه الأشياء تتطلبها العروبة: تتطلب الرياضة والموسيقى والكشفية والخط العربي واللغة العربية والقواعد العربية والقرآن، حتى القرآن كان يُدرَّس قبل كل ذلك. ولكن، فيما بعد، عندما جاءت النهضة القومية، أنا الذي ألاحظه هو حتى القرآن ابتدأ (يتراجع) تقريباً، بعد أن أتى جيل جديد، خريجو سوريا، شفيق لطفي ومحمود الشماع…
وفي أوائل النهضة القومية، انبهروا بالعملية القومية، وابتدأوا ينسون شيئاً فشيئاً الناحية الإسلامية، لأن العهد التركي كان يشدِّد على الناحية الإسلامية ويرفض رفضاً كلياً الناحية القومية. فجاءت ردة معاكسة، فحصلت النهضة القومية، والناحية الأخرى (الإسلامية) لا نتنطَّح لها. إن أهلنا كلهم أتقياء… ولكن الكبار في السِّن صاروا يقولون عنهم إن هؤلاء (الشباب) سيصبحون كفاراً… ليست القضية قضية كفر، وليسوا هم ضد الدين، ولكنهم انغمسوا بالعمل القومي العربي، والعمل القومي العربي لم يَعنِ شيئاً بالنسبة للكبار الذين تربوا في العهد التركي، إنّ ما يعنيهم هو الإسلام.
فكان هناك نهضة قوميّة عربية، فراحوا وانبهروا بالنهضة القومية العربية وأخذوا يقوّون الأسس التي تقوم عليها. والأسس القومية كانت تعتبر: الرياضة لنشاط البدن الذي هو يحفظ العقل ويحفظ الجسم. وبعد ذلك الموسيقى التي هي سوف تصقل الوعاء (أي الجسم) وتنعش الروح، ومن ثمّ الخط العربي حتى يظهر شكلنا الطبيعي وحتى يظهر مَنْ نحن!!. فعندما يكتب الواحد منا اللغة العربية، فإذا كان خطه العربي مظبوطاً، فهذا هـو العربي الأصيـل. فإذا كانت كتابتـه غير مظبوطة، "مُفَشْكَلة"، فهو ابن أجانب…، أتلاحظ ذلك؟… من أجل ذلك، فإنه إذا كان الواحد لا يحسن الكتابة بشكل سليم وصحيح، يُنظر إليه باحتقار وازدراء (ويتبهدل). كل واحد يجب أن يكون خطه صحيحاً جميلاً وإلاّ "يتبهدل"… فإذا كان خطه رديئاً فيقال له: هل أنت عربي؟!… أترى خطك؟! فكان الأساتذة يشجعون هذه النواحي…
من أجل ذلك، أحدثوا آلات جديدة وحديثة في الموسيقى في مدرسة المقاصد، بدليل أن المدارس الأخرى في صيدا، لم يأتوا بآلات موسيقية. مدرسة المقاصد أتت بالسي محمد من مصر… وكنت أنا ابن سبع سنوات، فكانوا في المقاصد يعلموننا الرماية، بندقية (من خشب)، حتى نستعد لمواجهة الاستعمار… والسي محمد، أشهر أستاذ موسيقى (تزوج من صيدا وله أولاد هنا وفيما بعد يبدو أنه طلق زوجته). وكان في المقاصد حينذاك أكثر من خمسين أو ستين قطعة موسيقية، تُعزف وموزَّعة توزيعاً كاملاً… فعندما يعزفون، ترتعش الأبدان في المقاصد وفي صيدا…
س: … هل كان المقصود أيضاً من وراء تعليم الموسيقى، رفد العمل الوطني؟!
ج: … طبعاً، المقصود منها هذه النهضة العربية الاستقلالية… قبل ذلك، كان يأتي الجيش الفرنسي للعزف. فقام أهالي البلدة في صيدا وقالوا: لماذا لا ننشئ فرقة موسيقية عندنا؟ ماذا يمنع؟ فمن جملة وسائل النهضة الموسيقى، عندها (في هذا المجال) أرسلوا إلى مصر وأتوا بمعلم للموسيقى… وأرسلت لهم مصر معلماً، والمقاصـد تدفع لـه راتبـاً، ولربمـا أول مبعوث مصري جاء إلى صيدا، كان في عام 1927…
وكان يوجد لدى المقاصد "بواريد" بدون رصاص حتى يتدرَّب الطلاب على استعمالها ويلبسون لباس العسكر… وكان هناك مجموعة بكاملها من البنادق (الخشبية)، والدولة لا تستطيع أن تعترض، إنهم يمارسون التدريبات الرياضية… وكذلك الموسيقى، فهل يمكن أن تقول الدولة: ممنوع الموسيقى!! أحياناً كثيرة، يتطرقون في الموسيقى إلى أناشيد وطنية بدون الكلمات… والزغاريد من قِبَل النساء والحماس من الأهالي على سطوح البيوت وجامع العمري الكبير… فالموسيقى تَعزِف على الوتر، فتُرضىِ الناس وطنياً…
ويأتي الأمن العام في صيدا وينصح المقاصد بعدم القيام بهذه الاحتفالات، ويشكو لهم بأن الفرق الموسيقية تطرَّقت إلى هذه الناحية أو إلى تلك… فإذن، هذا دليل على أن هذه الأشياء (الموسيقى، الرياضة، الكشفية، المسرح..) اُتخذت كستار للعمل الوطني… فلا يستطيع الاستعمار أن يمنع عنّا هذه الأشياء، فقد مضى عليها أكثر من ثلاثة قرون، وهي منتشرة في العالم، فحان الوقت أن تصل إلينا.
وعندما أنشأت المدرسة التبشيرية في صيدا المراحل الثانوية قبل جمعية المقاصد، أنشأت المقاصد فيما بعد الصفوف الثانوية، وذلك بسبب الخلافات التي حصلت في مدرسة الفرير (ويبدو أيضاً في الأميركان)… من هنا حصلت المنافسة القوية بين المدارس الأجنبية وبين كلية المقاصد…
س: … تجاوب أهل البلد في الشؤون الرياضية….
ج: … كل البلد، كانت معجبة بكل هذه الأشياء: الرياضة، الكشفية، المسرح، الموسيقى. مثلاً، في التميل، عندما يقيم (الشباب) المسرحيّة، فكان نخبة من الشباب والشابات هم الذين يقومون بهذه المسرحية. والمسرح كان له قيمة، وكلنا تدرَّبنا على المسرحيات من خلال العمل الكشفي… وأنا مرة غنيت في سينما "أمبير" داخل صيدا القديمة، أنا ابن الحاج سعيد البزري (رئيس بلدية صيدا سابقاً والقائمقام في جزين).. أغنّي "يا جارة الوادي"، وأمامي الكرسي (عام 1935)، هناك معنويات موجودة بين الشباب الذين يقومون بالحفلة، وهم واجهة البلد وشبابها، وكل البلد وراءهم، والحفلة لمشروع خيري… فصار كل واحد منا يقدِّم ما عنده حتى يقوِّي هذه الحفلة.
س: … أستاذ حسيب، هل يمكن أن نقول إنه عن طريق الرياضة…
ج: ….. عن طريق الرياضة والموسيقى والكشفية وكل الفنون…
س: ….. كانت الروحية الوطنية، والنهضة الوطنية والاتجاه الوطني يسير ضد الانتداب والاستعمار الفرنسي، وكانت البلد تتفاعل كلها مع هذا الجو…
ج: … تتفاعل كلياً….
س: ….. ثم بعد ذلك، عن طريق الرياضة في تلك الفترة، ما بين الحربين وبعد الحرب العالمية الثانية، هل يمكننا أن نقول إن كلية المقاصد ومعها جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، هي التي كانت في مدينة صيدا المركز ـ المحور للعمل الرياضي والكشفي والوطني؟!..
ج: … بعد الحرب العالمية الثانية، هي كلية المقاصد، بدون شك، وذلك على صعيد الرياضة والكشفية، مع قيام حركات وطنية ونهضة عربية وطنية عامة في المدينة.. أما على صعيد الرياضة فقط لا غير، فهناك مدرسة الفرير (والأميركان)..
س: … أقصد تجاوب أهالي صيدا…
ج: ….. آه! الأهالي في صيدا مع كلية المقاصد… لقد مُنعت أنا من أن ألعب بكرة القدم مع مدرسة الفرير ضد المقاصد، وقد كنت تلميذاً في الفرير… وأنا أتحدث عن الألعاب الرياضية، أما درس رياضي في الصف، فلم ينشأ ذلك إلاّ أثناء الحرب الثانية (هذا رأي مشكوك بصحته!! يجب التدقيق فيه، أُنظر بيان كلية المقاصد السنوي عام 1938!!).. وربما يكون أول من ابتدأ في إعطاء درس رياضي في الصفوف الابتدائية هو المرحوم الأستاذ عبد المجيد لطفي في المقاصد، ألعاب جمباز ومتوازٍ، إلخ.. كان هو لاعباً جيداً، كان رياضياً. كان يمارس ألعاب: الركض، قفز عال ـ لقد تعلّم في مدرسة الأميركان وتأسس فيها وهو خريجها، فأخذ جميع هذه الألعاب من الأميركان ـ وكان يضرب الرمح أو الجريد، كما قلت، وحتى الآن عنده في البيت تمثال من حديد لضرب القلة، وهو شعار ـ والمرحوم الأستاذ منيف لطفي، كان رياضياً أيضاً وكان بجانب عبد المجيد لطفي، ولكن أصيب بقدمه في الأردن وهو يمارس الرياضة، وإلاَّ لم يكن أقل من عبد المجيد لطفي في نهضته الرياضية. الأستاذ منيف لطفي كان يتقن كل ما يتطلبه المجتمع للنهوض، فهو كان يتقنه…
ولكن عبد المجيد لطفي أكثر ما برز فيه، فيما بعد، قد كان في الكشفية… كان قائد الكشاف المسلم في بيروت ولبنان… وكان اسمه في بيروت ألمعياً جداً… ثم جاء بعد ذلك إلى جمعية مقاصد صيدا، بعد أن وقع خلاف بينه وبينهم في بيروت، والمقاصد كانت بحاجة إليه.. فدرَّس مواداً متنوعة": أولاً رياضة، ثم لغة إنكليزية، وبعد ذلك ناظر ووكيل إدارة… لقد كان رحمه الله، طيِّب القلب، وفي الإدارة كان يتسامح كثيراً… ولكن في أول طلعته، كان "كتير سَرْبَسْت"… أنا أذكره جيداً في شبابه، كان شاباً ألمعياً ممشوق القامة، وجسمه جسم رياضي، وبقيَ محافظاً على جمسه حتى الكبر.. لم يدخن ولم يشرب الخمر (ثم يشير بيده إلى أنه كان يلعب القمار..) لولا هذه الناحية، كان كاملاً.. ولكن في مطلع حياته، كان من رجال النهضة ومن الناس الذين يجري الحديث عنهم…
وكذلك الشباب الذين درسوا في سوريا، (دمشق)، فعندما جاءوا إلى هنا، أدخلوا معهم أسباب النهضة التي أخذوها من الشام وعملوا على تطبيقها هنا في صيدا، وكأن صيدا كانت قطعة من سوريا في ذلك الوقت، "شَقْفة" من الشام. فعندما جاء الانتداب، اختنقوا.. فنحن هنا، كل روحيتنـا، هي من الشام، فكيف يمكن أن ننفصـل عنها، فلم يستطيعوا أن يستوعبوا (أو يتقبلوا أو يعقلوا) ذلك، فدخلوا في خصام ومقاومـة مع الفرنسيين… والرأي العام والجماهيـر مع الشباب الوطني… فكانت الأمور الفنية جميعها وسائل نهضة وطنية عارمة…
س: … طيّب، موضوع آخر، لقد عاصرت طوال عهد المرحوم الأستاذ شفيق النقاش…
ج: … من أول عهده وربما قبله بسنة… شفيق النقاش سلّم معروف سعد النظارة، وأنا كنت أحب معروف سعد ومعجب به، فكان مثالنا الأعلى في الحركات الوطنية وفي الرياضة.. وعندما أصبح الناظر العام في كلية المقاصد، ساعدني كثيراً في المهرجان الرياضي الذي أقمته عام 1950، أولاً من ناحية انضباط المدرسة، فكان انضباطاً كالحديد. ومن ناحية أخرى، طلب مني معروف سعد أن أقوم بإعطاء درس رياضي صباحي لجميع الصفوف ثلاث مرات في الأسبوع قبل الدخول إلى الصف، على أن يضبط لي المدرسة هو نفسه، الناظر العام، أثناء ذلك، وهكذا كان… فمعروف سعد، كان له تأثير كبير معي في إعطائي الدروس الرياضية الجماعية وفي تحضيري للمهرجان الرياضي عام 1950 وكذلك الأستاذ شفيق النقاش.
س: … الآن سؤالي عن المرحوم الأستاذ النقاش: ما هو الانطباع الذي تركه في نفسك؟
ج: … هذه هي أيام كلية المقاصد التي يقولون عنها إنها كانت العهد الذهبي للمقاصد… بفضل شفيق النقاش… طبعاً هناك مَنْ يقول لا! وهناك من يقول نعم!! وأنا أقول بصراحة: كان ذلك هو العهد الذهبي، فهناك عدة عناصر اجتمعت: أولاً، المجتمع كان مجتمعَ بَدء الاستقلال. فكان متحمساً لأن يرفع من شأن المجتمع. ثانياً، توافر له جمعية أعطته الصلاحيات، بعد أن كلَّفت الجمعية الدكتور رياض شهاب القيام بتحمل المسؤوليات، وانكفأ شفيق لطفي وصلاح البرزي جانباً وقالوا له: أنت (رياض شهاب) محميٌ من كل الناس.. انصرف للمقاصد، ولا أحد يقترب منك… فاشتغل رياض شهاب وأتى من بيروت بشفيق النقاش… ووحد الأخير نفسه محميَّاً من أيِّ تدخل بصورة مباشرة، فأخذ يشتغل وهو مرتاح.
س: … وشخصيته؟
ج: … أما شخصيته، فهي شخصية كشفية ومارس الرياضة والنهضة الوطنية في بيروت.. فقد كان من شباب النهضة (العربية) في شبابه. فقد كان في الكلية الإسلامية من شباب النهضة، النهضة الوطنية والرياضية والعلمية والكشفية.. وكان في حزب النجادة… ولكن مصيبته (عيبه) أنه جاء إلينا وهو نجاد. نحن هنا (في صيدا) قوميون عرب.. والمرحلة التي اصطدمنا معه، هي عندما أراد أن يوجِّه المدرسة توجيه نجاد، والدكتور رياض شهاب كان في حزب النجادة…
ونحن كان اتجاهنا قومياً وكنا قد أنشأنا وقتها "حزب النداء القومي" وأنضوت معظم شباب صيدا فيه: شفيق لطفي ونزيه البزري ومعروف سعد وكثيرون غيرهم.. وكنا مجموعة من الشباب في جمعية "نشر العلم والفضيلة" وكان اتجاهنا اتجاهاً قومياً عربياً صرفاً: محاضرات ونوات ثقافية وفكرية ووطنية، رجالاً ونساء… وطموحنا أن نطوّر… وقعت هناك معارك بيننا وبين النجَّادة: النجَّادة كانت ضد السفور ومع حجاب المرأة…
وتحركات النجَّادة كانت ضد حزب الكتائب، وعندما وقع الصدام، كان الأستاذ النقاش لا يزال في النجَّادة.. فانتقل الصدام إلى المقاصد نوعاً ما.. رياض شهاب ومحمد طه البابا كانا في حزب النجَّادة ومن قادته، وشفيق النقاش أصبح من شلتهما… وفي يوم ما، بأمر من المدير وفي غيابي، أُخذت الآلات الموسيقية النحاسية إلى مقر حزب النجادة للتدريب وبدون علم مني، حيث كنت أنا كمسؤول رياضي وكشفي، مؤتمناً عليها.. فعندما علمت بالأمر، غضبت فاصطدمت مع المدير الأستاذ شفيق النقاش ووصل الخلاف بيننا إلى درجة عالية… فعلم بالأمر الدكتور رياض شهاب، فتدخل وأنهى الموضوع…
لكنني أقول للإنصاف: إنه يُعزُّني، وهو الذي أرسلني إلى سوريا عام 1946، وهو الذي أمَّن لي كل وسائل النجاح. وفي سنة المهرجان، مدّ لي يد العون بقوة. لقد كان مديراً تربوياً، ولكنه كان أيضاً مديراً في الساحة… وأحضر فرقـة فليفل الموسيقيـة، وهو نفسـه جاء فليفل إلى صيدا، وبقي ستة أشهر…
س: … وشخصية الأستاذ شفيق النقاش؟
ج: … شفيق النقاش: للمسرح فهو مسرحي، للكشافة كشاف، للرياضة رياضي، للعلم عالم، للأدب أديب، للفهم فهيم… نظَّم لنا رحلة إلى مصر بعد الاستقلال العام 1946 أو 1947… وكان لبنان أول بلد عربي (طبعاً مع سوريا) يطرد الأجنبي عن أرضه، فذهبت كلية المقاصد إلى مصر مع بعض أعضاء الجمعية، الأساتذة والطلاب ومعروف سعد. هناك استقبلنا استقبالاً حاراً وبقينا شهراً زرنا خلاله جميع أنحاء مصر. وفي الأخير، تكريماً لنا، قَبِل المصريون شهادة المقاصد الثانوية في الجامعات المصرية، وهذا ما عمل له شفيق النقاش، وهذا ما يجب أن يقال إن شفيق النقاش رجل عمل "ضرباً" (عملاً علمياً) لصيدا، مهماً وعظيماً… لأنه لولا هذا "الضّرب"، لكان ثلاثة أرباع الشباب حاملي الشهادات الآن الذين نراهم في صيدا، وهم فاعليات البلد، لما كانوا متعلمين، لأن ظروف ثلاثة أرباعهم لا تسمح لهم بأن يتعلموا، لولا مصر.. فهذا العمل، فتح الباب على مصراعيه إلى متابعة العلم في مصر، وكان العلم آنذاك "ببلاش"…
والناحية الثالثة، أسَّس الفرع الإنكليزي، ذلك أن بعد الاستقلال اضمحل الفرع الفرنسي، فأنشأ الفرع الإنكليزي، إذ إن الاتجاه العام ابتدأ نحو اللغة الإنكليزية… وهناك نكتة قيلت في ذلك الوقت: إذا كنا نريد أن نُحيى اللغة الفرنسية، فلنعمل على عودة فرنسا إلى بلادنا…
وكذلك أيضاً عمل على وضع حدٍّ للفوضى بين بعض الطلاب في كلية المقاصد، أقرباؤهم في صيدا من المتنفذين، ويصل عددهم إلى حوالي 20 أو 25 طالباً. فإذا اصطدم معهم، فإنه يصطدم بالتعقيدات السياسية في البلد..فاتصل بالدكتور رياض شهاب وقال له: يا حكيم، أنا أحد أمرَيْن، إما أن أكون شفيق النقاش، مديراً، فأصحِّح المدرسة، فيجب إذن هذا "الرفِّ" كله أن يخرج من المدرسة، فهو يسيء إلى المدرسة ويتمادى كثيراً في الاستهتار… وإما أن أترك وأعود إلى بيروت… فأجابه: لا، إفعل ما تريد… فطردهم جميعاً من المدرسة. فاصطدم مع بهيج الجوهري… فأحدث ذلك ضجة في البلد…
ثم بعد ذلك أتى بنخبة من الأساتذة ال