أثر أفكار الثورة الفرنسية في البلاد العربية
أثر أفكار الثورة الفرنسية في البلاد العربية
كلمـة
أنطـوان مقدسـي
ما إن يدخل السؤال، حتى تتتالى التساؤلات تلقائياً:
1)- فمتى بدأت: أواخر القرن التاسع عشر، أوائل القرن العشرين؟
2)- وكيف؟ وبأيّ طريق؟ أمِن طريق نابليون؟، لا أظن ذلك، لأنّ هذا الأخير كان عدوّاً. ولا عن طريق اللبنانيّين، أو عن طريق حيدر الشهابي الذي عاصر الثورة الفرنسية، ولا عن طريق طلاب المدارس الأجنبية. ذلك أنّ هؤلاء كانوا متأثرين أشدّ التأثر بالكنيسة الكاثوليكية. ثمّ إنّ ما كان يعرفه هؤلاء ـ إذا هم عرفوا ـ كان يُمثّل أقليّة ضئيلة.
أما جمهور المثقّفين فإنه لم يبدأ بالتعرّف على أفكار الثورة إلاّ بعد عام 1830- 1831.
ولكننا في ذلك الحين، كنا في عهد انحسار الثورة، وعودة آل بوربون إلى الحكم مع لويس الثامن عشر وشارل الأول. وكان هذا العهد ملكياً، وطنياً، مضاداً للثورة، رومانطيقياً.
والحقيقة أنّ المثقّفين لم يبدؤوا بالتعرّف على أفكار الثورة إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر، أمثال فرح أنطون، لطفي السيد، مصطفى كامل. ولقد ترجم هؤلاء روسو، وغيزو، وستوارت ميل، وكونت وداروين وفولتير وآخرين.
ولكن الثورة كانت دائماً ماثلة في الأفق. وتتمثّل في:
1- تنظيم الدولة، أيّ تنظيم الثورة لجعلها دولة وحكومة ـ على أساس بورجوازي.
2- ويقظة الشعب.
3- وإعلان حقوق الإنسان.
وكانت الثورة الفرنسية تقوم وحدها، أو وحدها تقريباً في أُفق الفكر العربي، حتى ظهور الثورة الاشتراكية، أو على الأخص حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
بأيّ الوسائل: بعثات الطلاب، والمدارس، والتجّار الأجانب، وتشكّل طبقة بورجوازية في مصر، تبنَّت أراء الثورة.
3)- ولكن هل كانت هذه الآراء خاصة بالثورة الفرنسية، أو أنها كانت مختلطة بأفكار أخرى؟
والجواب: أنّ الفكر العربي لم يكن صفحة بيضاء، وكذلك الفكر الثوري لم يكن كله أفكار الثورة. بل إنّ هذه الأخيرة اختلطت:
1- بأفكار عصر الأنوار.
2- وبما جدّ من تطوّر خلال القرن التاسع عشر، ولا سيما الثورة الصناعية.
3- وبأفكار البورجوازية.
ومع ذلك فقد ظلت أفكار الثورة مسيطرة، بارزة، ولا سيما فكرة الحريّة، والمساواة، وحقوق الإنسان، والمواطن، لا كأفكار فقط، بل كمؤسسات أيضاً.
4)- ولكن ما هي أفكار الثورة الفرنسية التي وصلت إلى الوطن العربي مع خليط من أفكار عصر الأنوار، وأفكار الثورة الصناعية.
وأنا أذكر هذه الأفكار، بحسب أهميتها:
أ- الحريَّة:
أيّ تحرير الإنسان والمواطن.
وتحرير الدولة.
وتحرير الشعب والوطن.
وتحرير الاقتصاد.
والثورة كوسيلة لهذا التحرير والديمقراطية.
ب- الدولة والأمة:
الدستور، والوضع الدستوري.
الأمة: وحدتها وسيادتها.
الوطن
المواطن: وحقه في أن يَنتخب ويُنتخب.
الشعب: وما يصدر عنه من قوانين لها صفة الشمول، والتعالي،
الإصلاح البرلمان.
د- حقوق الإنسان:
1- الإنسان بما هو إنسان.
2- والحق بما هو حق، أو القانون بما هو كذلك.
3-وحرية الاعتقاد والكلام.
4- وقرن هذه الحقوق بواجبات مقابلة لها.
ه- أفكار أخرى لا يمكن تصنيفها:
فكرة التقدّم، الذي أعتقد فيما بعد أنه تزايد.
والمعرفة كقيمة بذاتها.
والمجتمع حيث هو كذلك.
والأيديولوجيا.
العقل والمعقولية.
5)- ردود الفعل التي أثارتها هذه الأفكار في العالم العربي:
قيام التعارض بين القدماء والحدثين، وما تفرّع عن ذلك وأهمه تكوّن أربعة تناقضات وخصومات ما تزال قائمة في الوطن العربي.
وموضوع هذا التعارض هو التساؤل عما إذا كانت أفكار الثورة موجودة في التراث العربي ـ الإسلامي أم لا؟ وإلى أيّ حدٍّ يمكن اعتبار هذه الأفكار جديدة.
وهنالك جوابان: فإما نعم وإما لا. والحقيقة أنّ الجواب كان في أكثر الأحيان نعم ـ ولا في آن واحد. ويبقى الخلاف قائماً حول نسبة اللا إلى النعم، أو العكس.
ويمكن أن نضم إلى فكرة الخلاف حول هاتين المسألتين خلاف آخر حول جواب عن السؤال التالي: أيهما هي الأعظم الحضارة الغربية، أم الحضارة العربية الإسلامية.
أ- خلاف حول القديم ـ والحديث، حديث عيسى بن هشام.
- ومن أكبر المظاهر وأجدّها، ما ظهر في الثلاثينات، كالنقاش الذي دار بين طه حسين ومصطفى صادق الرافعي، حول الشعر الجاهلي.
ب- خلاف الشرق والغرب، ولا سيما في الأدب.
ح- الإصلاح والتطور أو الثورة، ولا سيما بعد ظهور الحزب الشيوعي.
د- البورجوازية ـ البروليتاريا.
ه- وألمع هذه الخلافات، وأكثرها حسماً، هو ما قام بين محمد بدر وفرح أنطون، حول وضع الدين في الحياة الاجتماعية (محمد بدر كان يقول بتأويل النصوص على طريقة ابن رشد). الخلاف بين الفلسفة والشريعة، الإيمان ـ العقل، أو القلب ـ والعقل.
ثمّ المجتمع الإسلامي، والمجتمع العلماني (المشايخ ـ وعلي عبدالرزاق).
وهكذا فإن أفكار الثورة الفرنسية هي الأصل في هذه الخصومات المعقّدة.
6- أهذه الأفكار جديدة حقاً، أم أنّ لها أصولاً عربية؟ وهذا السؤال هو الأصعب على الجواب. بل إنّ كل جواب هو مقاربة، وفرضيات عمل. ولكن ليس من الصعب أن نستغني عن بعض الكلمات كالأيديولوجيا والبرلمان، إذا أردنا أن نجد في التراث ما يقابل أفكار الثورة.
ولكن الأصعب من هذا الجواب هو تحويل أفكار الثورة وما اختلطت به من أفكار عصر الأنوار، والعصر الصناعي، إلى مفاهيم تحليلية، تقود السلوك والناس والعمل السياسي. ذلك أنّ هذه الأفكار ليست مجرد أفكار، بل دعوات صريحة إلى العمل، إلى التنظيم، لا إلى مجرَّد البحث والتفكير. ولم تكن أفكار الثورة الفرنسية لتتحوّل فعلاً لدينا إلى مؤسسات، وأيديولوجيا سائدة.
* لماذا توقفت؟
وتوقفت حركة النهضة، ودخلتها عناصر جديدة هي: الثورة العلمية والحضارة التكنولوجية. النظرة الجديدة إلى العالم، الثورة الصناعية.
1- التضخّم السكاني.
2- المجتمع الاستهلاكي.
3- عجز رجال النهضة وحلفائهم عن حلّ مشكلة العقل والإيمان.
* منجزات الثورة الفرنسية:
من السماء إلى الأرض.
نقل من الحكم من الملوك إلى الناس.
من النبلاء إلى العامة.
من المتميِّزين إلى العاديّين.
من الأقلية إلى الكثرة.
وكذلك نقل النظام الحضاري من النظام الإقطاعي إلى النظام البورجوازي:
من ملكية الأرض إلى ملكية العمل.
من نظام اللا جهد إلى نظام الجهد.
من نظام الأشياء إلى نظام الإنسان.
من قداسة المادة إلى قداسة الإنسان.
ومن اللا عقل والتقاليد إلى العقل.
ولأول مرة أُنشئَت دولة، تعتمد على رضا الناس وتقبّلهم حكومتهم، لأنها تعتمد العقل في حلّ مشكلاتهم وتصنع القوة في خدمة الحق لا الحق في خدمة القوة.
المساجلات:
- الدين ـ العقل (اللا معقولية أو المعقولية)
- التقليد ـ التحديد.
- الإسلام ـ أم أوروبا المُلحدة.
- الحضارة الإسلامية ـ أم الحضارة الغربية.
- الطبقية ـ أم اللا الطبقية.