الجزيرة - مؤشرات أحداث سيدي بو زيد في تونس
الخميس 8/2/1432 هـ - الموافق 13/1/2011 م (آخر تحديث) الساعة 15:00 (مكة المكرمة)، 12:00 (غرينتش)
مؤشرات أحداث سيدي بو زيد في تونس
مقدم الحلقة: علي الظفيري
ضيوف الحلقة:
- لطفي زيتون/ باحث في تاريخ تونس المعاصر
- نور الدين جبنون/ أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون
- وليد حدوق/ باحث اقتصادي وناشط مدني
تاريخ الحلقة: 10/1/2011
[شريط مسجل]
مشارك: أنا أصيل الكحلاني من مدينة سيدي بو زيد من مواليد 1985 متخرج من كلية العلوم بتونس اختصاص علوم الحياة، بعد التخرج بتاعي لقيت روحي في وضعية صعبة برشا، في بالي باش نتخرج عندي شهادة جامعية باش تكون فرصة الحصول على عمل متوفرة ولكن الواقع ظهر مخالفا جدا، بعد التخرج بتاعي واجهت صعوبات هذا ما خلاني لا أجد عملا ولو مؤقتا خارج الاختصاص بتاعي، خدمت برشا مهن منها بائع في دكان حلويات، خدمة في قهوة، ورغم محاولاتي باش نجد عملا يناسب شهادتي العليا يناسب وضعيتي الاجتماعية فشلت في هذا. مش أنا وحدي كثير من العالم نفس الوضعية، عندي أخ أستاذ إنجليزية أخ أستاذ رياضيات عندي أستاذ متخرج تقني سامي في المحاسبة وكلنا متخرجون نعاني في العائلة هذه نفس الوضعية الاجتماعية، الأب بتاعي متحرج جدا من الوضعية دي، قرأ أولاده صرف عليهم خدم عليهم تدين عليهم برغم هذا يشوف أولاده كيفاش يجدوا مواقع في المجتمع ينجموا يمشوا في المجتمع حسب مؤهلاتهم العلمية قعد يتألم هو والوالدة بتاعي رغم التضحيات ورغم كل شيء شاب تونسي صاحب شهادة عليا يستحق باش يكون في مرتبة تلك الإنجازات التي سمع عنها باش يكون في مرتبة تلك التنمية التي يسمع عنها. السؤال المطروح لنا أين تلك التنمية؟ أين تلك التحديات؟ أين الأموال التي وظفتها الدولة للتنمية في المناطق الداخلية؟ لتأهيل أصحاب الشهادة العليا للدخول في سوق الشغل وتحسين وضعياتهم الاجتماعية؟
[نهاية الشريط المسجل]
علي الظفيري: انكسر حاجز الخوف لم تعد خضراء تسر الناظرين كما يجب، أضرم البوعزيزي النار في جسد الصورة المزيفة وأشاع السواد بحثا عن أخضر حقيقي في بلاده، قرر الشاب الجامعي العاطل أن يقتل الخوف في النفوس الحائرة وأن يخلد أيقونة في ذاكرة وطن ما تاقت روح أهله للحرية كما تفعل الآن، والموت الذي كان يزور الناس في منازلهم يجد من يبحث عنه في الشارع هذه الأيام. أيها السادة ثمة ألوان جديدة على اتساع رقعة البلاد، لم تعد مؤشرات التنمية زاهية كما كانت والبيوت التي فتحت قلبها للعزاء في غير مدينة اكتست بالبياض وأشعلت شموعها قررت أن تترقب كل مساء روح البوعزيز حاملا عربة الخضار متأبطا شهادته الجامعية ملوحا بيده للعيون، العيون التي ترقبه مهللة من شبابيك ووجلة خائفة متوجسة من شبابيك أخرى. يختصر العارفون الحكاية على النحو التالي، إن الأرواح التي أحكمت السلطة القبضة عليها منذ عشرين عاما ويزيد ما عادت تطيق احتمالا وباتت ترفع الأحمر شعارا لها، هذا ما نبحثه الليلة في العمق فأهلا ومرحبا بكم. معنا للغوص في عمق هذه القضية لطفي زيتون الباحث في تاريخ تونس المعاصر هنا في الأستوديو، من واشنطن نور الدين جبنون أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، ومن باريس الباحث الاقتصادي وليد حدوق، مرحبا بكم ضيوفنا جميعا الليلة.
أبعاد الأزمة التونسية ودلالات مواقف الرئيس التونسي
علي الظفيري: نقاش في ما جرى وما يجري وما سيجري أيضا في تونس بعد هذه الانتفاضة الشبابية منذ أسابيع التي رفعت لواء قضية واحدة وهي قضية العمل قضية البطالة بشكل عام، الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تحدث اليوم وأشار إلى من يقف خلف هذه الاحتجاجات في البلاد وكيف ينظر هو لها.
[شريط مسجل]
زين العابدين بن علي/ الرئيس التونسي: قامت بها عصابات ملثمة أقدمت على الاعتداء ليلا على مؤسسات عمومية وحتى على مواطنين في منازلهم في عمل إرهابي لا يمكن السكوت عنه، أحداث وراءها أياد لم تتورع عن توريط أبنائنا من التلاميذ والشباب العاطل فيها، أياد تحث على الشغب والخروج إلى الشارع بنشر شعارات اليأس الكاذبة وافتعال الأخبار الزائفة.
[نهاية الشريط المسجل]
علي الظفيري: أستاذ لطفي، الرئيس زين العابدين بن علي يتحدث للمرة الثانية في أقل من أسبوعين وهو يرى الأحداث على هذا النحو، كيف تراها أنت؟
لطفي زيتون: يعني أولا الرئيس اعتاد فقط على مخاطبة التونسيين في المناسبات الكبرى التي تهم نظامه في ذكرى السابع من نوفمبر أو شيء كهذه ولكن أن يتحدث في أسبوع واحد مرتين بسبب هذه الأحداث أن تدفعه هذه الأحداث فهذه علامة أن هذه الأحداث تهز بنية الدولة وتؤثر فيها، الملاحظة الثانية أنا في تقديري هذا الخطاب ليس موجها للتونسيين، هو موجه للخارج يعني، الحديث عن أن هذه الأحداث تحركها أياد أجنبية وملثمون واستعمال مفردات مثل الإرهاب والتطرف والملثمين كلها يعني تنم بأن الرئيس لا يريد أن يوجه رسالة للقوى الداعمة، أن ادعموني لأني ما زلت مهددا بالإرهاب، هذه الأسطوانة التي رددها خلال عشرين سنة..
علي الظفيري (مقاطعا): رسالة للخارج تراها.
لطفي زيتون: رسالة للخارج لأن التونسيين غير معنيين في هذا الكلام، هناك أزمات في تونس، أزمة اجتماعية لم يتحدث عنها إلا قليلا بوعد خيالي أنه ثلاثمئة ألف موطن شغل في سنتين، طيب لماذا لم توفر هذه مواطن الشغل على مدى عشرين سنة إذا كانت هي موجودة؟ الشعار الثاني الذي رفعته انتفاضة الشعب التونسي هو موضوع مقاومة الفساد وموضوع السرقات للأموال لم يتحدث عنه البتة لأنه يعني هذا الموضوع يعني المقربين به، لم يفتح تحقيقا لم يعد الناس بإرجاع الأموال لم يعد الناس بشيء في هذا الموضوع. ثم الموضوع السياسي أيضا الانغلاق السياسي وغياب التنمية السياسية التي تعاني منها تونس خلال العقدين الماضيين لم يتحدث عنه الرئيس كأنه في تونس ليس لدينا أزمة سياسية بالمرة، يعني فقط توجه لأصدقائه في الخارج الذين تنتابهم حالة من البهتة والمفاجأة مما يحدث في تونس بعد أن سوق لهم هذا الخطاب تونس النجاح وتونس المعجزة الاقتصادية يرون النظام ينهار أمامه أصدقاؤه فهو يقول لهم نفس الاسطوانة إنه أعينونا، الإرهابيون قادمون الملثمون، خطاب يعني هذا لا ينطلي حتى على الأطفال في تونس.
علي الظفيري: نعم. أتحول إلى الدكتور نور الدين جبنون في واشنطن، ما جرى في سيدي بوزيد وما استمر بعد ذلك في بقية المدن التونسية فاجأ الجميع فاجأ وسائل الإعلام فاجأ المراقبين فاجأ حتى المعارضة في تونس كما فاجأ بشكل رئيسي السلطة، أنت دكتور من هناك ومن خلال متابعتك كيف تقرأ ما جرى؟ كيف تصف كل ما يجري الآن في تونس؟
نور الدين جبنون: شكرا أستاذ علي. لكن قبل الخوض في جذور وعمق الأزمة التونسية أود بادئ ذي بدء أن أتقدم بالتعازي الحارة إلى عائلات الشهداء الذين سقطوا بالذخيرة الحية دفاعا عن كرامتهم وكرامة الشعب التونسي لأني أعتقد لا كرامة بدون عمل ولا كرامة بدون حرية ولا كرامة تحت الاستبداد. جيد، أعتقد أن مؤشرات الأزمة التونسية كانت واضحة حتى للأطراف الخارجية. أنا بإمكاني أن أستعين بهذا التقرير، تقرير البنك الدولي 2007 نشر في آب/ أغسطس 2007، ماذا يقول في الصفحة الخامسة؟ هو في تقرير سير إستراتيجية المساعدة لتونس يقول ضعف في الإدارة الاقتصادية خاصة فيما يتعلق بشفافية الإطار التنظيمي ومحدودية السوق التنافسية تمثل عقبة هامة أمام الاستثمار الخاص الداخلي، كما أن التدخل النسبي من قبل الحكومة وغياب المحاسبة والمساءلة العامة أديا إلى إضعاف مناخ الاستثمار في القطاع الخاص وغياب المنافسة مما أدى إلى تعزيز وتقوية مصالح أطراف داخلية مرتبطة بالنظام أطلق عليهم في التقرير هنا hand of insiders. ماذا جاء جواب الحكومة التونسية على النقطة 12 في الصفحة الرابعة من هذا التقرير The Tunisian government expressed strong reservation on the above assessment أي الحكومة التونسية تعترض بقوة على ما جاء في هذه النقطة 12. السؤال الذي أسأله الآن، السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي تغير اليوم حتى يقرر المستثمرون التونسيون الذهاب إلى ما تسمى المناطق الداخلية أو المناطق النائية للاستثمار وهم فقدوا الثقة حتى في المدن الساحلية وفقدوا الثقة في الاستثمار التونسي، في الاستثمار الداخلي، لماذا؟ لأن أي مستثمر اليوم يحاول أن يقوم بمشاريع استثمار هناك مجموعات مصالح مرتبطة ارتباطا عضويا برأس النظام يريدون أن يتقاسموا معك كل الأرباح، أي هذا المؤشر سنة 2007 جاء من البنك الدولي والحكومة التونسية اعترضت عليه وهذه حقيقة.
علي الظفيري: طيب دكتور إذاً أنت أشرت إلى تقرير البنك الدولي وفي نقاط أساسية، ضعف الإدارة الاقتصادية، التدخل النسبي من قبل الدولة في بعض الأمور بناء على مصالح، غياب المحاسبة وطبعا هناك إشارة واضحة إلى الفساد سنأتي إليها في خضم هذا النقاش. أتحول للأستاذ وليد حدوق الباحث الاقتصادي في باريس، مرحبا بك أولا الأستاذ وليد، الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في حديث اليوم أشار إلى التالي، أن الحكومة ستضاعف طاقة التشغيل خلال العامين الجاري والمقبل وتوفر ثلاثمئة ألف وظيفة وطبعا تحدث عن بعض النقاط الأخرى السياسية الاقتصادية تحديدا أيضا إعفاء كافة المشاريع من الضريبة على الأرباح لمدة عشرة أعوام، نقطتان اقتصاديتان، كيف ترى إمكانية تحقيق مثل هذا الأمر في عامين توظيف ثلاثمئة عاطل تونسي عن العمل؟
وليد حدوق: نعم نعم، أولا شكرا أستاذ علي وأتقدم أولا بالتعازي لكل أهالي الضحايا في تونس. هو عمليا طبعا فيما يتعلق بتشجيع الاستثمارات عبر تخفيض الضرائب على الأرباح هذه إجراءات تم أخذها منذ سنوات ولكنها لم تؤد بالضرورة إلى اتساع في مجال التشغيل سواء في الساحل أو في الداخل، أعتقد أن الخلل الرئيسي فيما يتعلق بالتشغيل في الاقتصاد التونسي يتعلق أولا ببنية ريعية فاقمت السياسات الحكومية فيها يعني بنية ريعية جعلت من القطاعات الإنتاجية الأساسية في تونس قطاعات لا تتطلب يدا عاملة فائقة المهارة من خريجي الجامعات وممن لهم كفاءات تقنية متوسطة وعالية وإنما تستأهل يدا عاملة بسيطة هي في أدنى السلم الوظيفي، بحيث إن اليوم البنية الريعية للاقتصاد التونسي يعني لا تمكن لا على المدى المنظور ولا على المدى البعيد من تشغيل طلبة الجامعات الذين يمثلون نسبة مهمة من الشباب التونسي. الآن بالعودة إلى الأرقام، عمليا الخطاب الرسمي عموما يتحدث عن نجاعة تشيد بها مؤسسات دولية إلى آخره، صحيح أن تونس لها رتبة جيدة في تقرير المنتدى الاقتصادى الدولي الصادر عن دافوس إلى آخره ولكن إذا ما أمعنا النظر في تقرير البنك الدولي والذي أشار إلى شق منه ضيفكم من واشنطن، تقرير البنك الدولي المعنون مناخ الأعمال Doing Business فهذا التقرير يضع تونس في رتبة متدنية بثلاثين رتبة عن رتبتها في تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي، يعني تونس هي في المرتبة الـ 35 وفقا لتقرير المنتدى الاقتصادي الدولي ولكنها في رتبة تتراوح بين الـ 65 و80 في تقرير مناخ الأعمال وهذا..
علي الظفيري (مقاطعا): هنا أستاذ وليد، هذه الرتبة عبر المنتدى الاقتصادي الدولي أريد فقط أن أستكمل جزئية استفهامية حتى تكمل في هذا الخصوص، هذه الرتبة الملعوب فيها بمعنى أقل البنك الدولي يقول أقل بثلاثين درجة من رتبة المنتدى الاقتصادي الدولي، وحقيقة الأرقام هناك أرقام عن النمو دائما نواجهها في تونس حتى قيل إنها المعجزة الاقتصادية جزء من النمور الآسيوية، ما هو وجه الخلل وماذا يحدث تحديدا في الأرقام؟
وليد حدوق: نعم. هو عمليا في السنوات الماضية كانت هناك فقاعة إعلامية حول نجاعة الاقتصاد التونسي، أذكر بأن تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي وكل التقارير الدولية هي أولا تعتمد على إحصاءات رسمية يعني أولا علينا أن نفترض وأن نسلم بأن هذه الإحصاءات الرسمية صحيحة وفرضا أن هذه الإحصاءات الرسمية صحيحة تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي معياره الأساسي هو مدى انفتاح اقتصاد ما على الاستثمارات الخارجية، الاقتصاد التونسي صحيح أنه منفتح على الاستثمارات الخارجية ولكن حتى الوساطة بين الاستثمارات الخارجية والسوق المحلية هي محصورة في شريحة بعينها وفي أسماء بعينها يعرفها عامة التونسيين قبل خاصتهم ولكن الفرق مع مرتبة تونس في تقرير البنك الدولي يعود بالأساس إلى تهافت الاستثمارات الداخلية حرية المبادرة الفردية الاقتصادية بالنسبة للمواطن التونسي هذه الحرية التي وحدها تستطيع أن تجعل من الاقتصاد التونسي اقتصادا إنتاجيا يشغل طلبة وخريجي جامعات لهم كفاءات تقنية متوسطة أو عالية هذه الحرية يقع تضييقها، وبهذا الخصوص أشير إلى تقرير الشفافية الدولية تونس بين سنة 2005، 2010 نزلت رتبتها بما يقارب العشرين رتبة يعني كنا في المرتبة 49 سنة 2005 في الشفافية صرنا سنة 2009 في الرتبة تقريبا الـ 69، كل هذه المعطيات تجعل الاقتصاد التونسي في حالته الحالية.
علي الظفيري: نعم. أستاذ لطفي قياسا الآن على ما تقوم به السلطة وحديثين للرئيس التونسي وأيضا محاولة من قبل المسؤولين التونسيين للتوجه اليوم بشكل كبير لوسائل الإعلام، هل تعتقد أن النظام في تونس السلطة السياسة فقدت المبادرة أم ما زال هناك هامش للسيطرة على الأمور؟
لطفي زيتون: يعني الناظر في مسلك السلطة خلال الـ 23 سنة الماضية يرى أنه ليس لها من خيارات من التعامل مع الحراك سواء الحراك السياسي الطبقة السياسية والحراك المجتمعي إلا القوة والعصا، أنا في تقديري تحرك الشارع هذا بهذا الشكل الواسع قد ضرب هيبة الدولة في العمق يعني، الدولة الآن فقدت هيبتها لا نعلم يعني تطورات الأحداث أين ستفضي، يعني اليوم بدأت العاصمة تتحرك، الرئيس واضح أنه مضطرب وواضح أنه لا علاقة له بالأحداث يعني المعالجات التي يطرحها معالجات خيالية وخطاب خشبي يهدد فيه الشعب، هدده الأسبوع الماضي ولكن الناس لم تستجب وتطورت الأحداث بحيث منتظر أن الدولة سترتكب المزيد من الأخطاء سترتكب المزيد من القمع، قد تدفع بقوات كبيرة من الأمن إلى مواجهة الناس قد تورط الجيش الوطني الذي لم يتورط إلى حد الآن في مواجهة الجماهير..
علي الظفيري (مقاطعا): لكن في النقاط التي أشار لها الرئيس زين العابدين هناك كثير من الأمور الإيجابية طبعا مضاعفة طاقة التشغيل أولا، قضية الحكومة ستدعو إلى عقد ندوة وطنية تشارك فيها كافة المؤسسات والهيئات لحل مشكلة البطالة دعا أعضاء مجلس الشعب إلى تكثيف اتصالاتهم مع المواطنين لمعالجة مشاكلهم، هنا نقطة مهمة، أشار أيضا إلى إعطاء دفع جديد إلى الإعلام الجهوي مع تكثيف شبكات الإذاعة والتلفزيون، يبدو أنك لا تثق بمثل هذه الأمور؟
لطفي زيتون: أنا عارف بالوضع التونسي هذا لا يعني شيئا للناس.
علي الظفيري: لماذا؟
لطفي زيتون: لأن الناس شعاراتها واضحة، الشعب التونسي أنتج شعارا عميقا عجزت النخبة السياسية بمختلف أطيافها عن إنتاجه خلال عشرين سنة، "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" حيث فشلت خيارات التنمية الرسمية فشلا ذريعا بسبب رئيسي هو استشراء الفساد في جسم هذه الدولة، وهذه الأرقام ثلاثمئة ألف مثل أرقام البنك الدولي لا قيمة لها، أرقام مزورة هي نوع من الدعاية ونوع من ربح الوقت فقط لا قيمة لها في الواقع.
مسار التحولات الاقتصادية والسياسية ودور الفساد في الأزمة
علي الظفيري: نريد أن نعرف كل ما يجري في تونس، عقدان أو أكثر من الزمان أعتقد حدثت فيهما أمور كثيرة منذ تولي الرئيس زين العابدين بن علي السلطة، شهدت تونس العديد من التحولات منذ طبعا تولي الرئيس مقاليد السلطة هناك وزميلنا نبيل الريحاني في تقريره التالي يروي لنا الحكاية.
[تقرير مسجل]
نبيل الريحاني: كان يوما فارقا في التاريخ السياسي الحديث في تونس البورقيبية وقد أثقلتها شيخوخة مؤسسها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تمر بمخاض سياسي واجتماعي عسير يلد مرحلة جديدة رمزها الأوحد رئيس شاب اسمه زين العابدين بن علي استهل حكمه بأسماء مترعة بالرمزية، التغيير والتحول المبارك والعهد الجديد كلمات كان لها وقع السحر على مجتمع أنهكته عقود من الدكتاتورية وسياسية الحزب الواحد، الوجه الآخر لدولة وطنية حققت في نفس الوقت إنجازات لا تنكر خاصة في المجال التعليمي، مفارقة غابت في أولى سنوات التغيير تلك التي دوت فيها وعود ببيان السابع من نوفمبر سنة 1987، لا مجال لرئاسة مدى الحياة، لا مجال بعد اليوم لظلم شعب بلغ مستوى من النضج يستحق معه حياة سياسية متقدمة، انتعشت الآمال ومعها الجدل السياسي في البلاد وتنفس الإعلام آنذاك مقدارا من الحرية ولكن انتخابات 1989 التي شارك فيها الإسلاميون جاءت بنتائج كرست هيمنة شبه مطلقة للحزب الحاكم، التجمع الدستوري الديمقراطي وعجلت بالصدام مع الإسلاميين القوة الأكبر في المعارضة زمن بورقيبة والرئيس بن علي. في غياب الإسلاميين ووسط انتقادات حقوقية حادة في الداخل والخارج للمعالجة الأمنية القاسية التي تم بها تسوية ملفهم دخلت تونس في مرحلة اختلال واضح لموازين القوى في الساحة الوطنية، حزب حاكم يهيمن على مختلف جوانب الحياة ومعارضة منقسمة بين أحزاب موالاة وأخرى توصف بالراديكالية، بحسب بعض وجهات النظر عاشت تونس العقد الأول ثم الثاني من نظام الرئيس بن علي بنسقين متناقضين تماما، فبالقدر الذي كانت فيه الحريات العامة والفردية تئن -بحسب بعض أطراف المعارضة ووفق تقارير لمنظمات حقوقية- تحت وطأة التأطير الأمني المحكم وبالتزامن مع تعديلات دستورية واستفتاء عدها المنتقدون عودة ضمنية للرئاسة مدى الحياة، كانت البلاد وفي ظروف إقليمية متوترة طبعتها الحرب الأهلية في الجزائر والحصار الغربي على ليبيا تحقق تقدما في أوضاعها التنموية مسجلة نسبا من النمو ومحافظة على توازنات اقتصادية جعلت الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يصف الحالة التنموية في تونس بالمعجزة الاقتصادية. حالة تؤكد عافيتها النسبية تقارير صندوق النقد الدولي الذي جاء فيها أن تونس اجتازت باقتدار الأزمة المالية العالمية ومنتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي وضع تونس في المرتبة الـ 35 بين 122 دولة من ناحية نسبة النمو ما جعلها بذلك الأولى إفريقيا والثانية عربيا، في الأثناء كانت أصوات أخرى تؤكد أن تلك المعجزة لا تعدو أن تكون صورة وردية ذات علاقة هشة بالواقع مشككة في المقاييس والأرقام والنسب التي على أساسها تقيم الحكومة وتلك المنظمات حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس، وتضيف تلك الأصوات إنه وفي غياب حياة ديمقراطية حقيقية وإعلام حر ومجتمع مدني فاعل انفرد نظام الرئيس بن علي بصورته يرسمها كيف شاء مؤكدة أن الإنجازات التي تحققت لم توزع ثمارها بعدل بين مختلف فئات الشعب بحيث استفادت منها فقد أطراف مقربة من السلطة تضخمت ثرواتها وازداد نفوذها بمرور الوقت.
[نهاية التقرير المسجل]
علي الظفيري: دكتور نور الدين جبنون في واشنطن، الآن بعد كل هذا الزمن من فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي، برأيك هل تبدو هذه يعني نقطة تحول في هذه الفترة، هل تنبئ بشيء قادم؟
نور الدين جبنون: أستاذ علي قبل أن أجيب على هذا السؤال أريد أن أشير إلى رقمين هامين فيما يتعلق بالدين العام الخارجي، لما تسلمت السلطة ما يسمى بنظام السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 كان الدين العام الخارجي لتونس ستة مليارات دولار و64 مليونا تقريبا، اليوم سنة 2009 الدين العام الخارجي لتونس 14 مليار و836 مليون دولار. فإذا قمنا بعملية حسابية، 11 مليون مواطن تونسي سنجد نقصا ما يسمى بالدين العام الخارجي وهو لا يأخذ بعين الاعتبار الدين الخاص سنجد أن كل مواطن تونسي له دين يقدر بمليون و 385 ألف دولار أي تقريبا اثنين مليارات من الدينار، هذا المواطن التونسي مديون خارجيا، تقريبا هذه ليس فقط المواطن هي أجيال مديونة في المستقبل، مقارنة بالجزائر سنة 1987 الدين الخارجي للجزائر كان 23 مليار دولار تحول الآن إلى اثنين مليار دور 2,8 أي المواطن الجزائري مديون نقوم بالقسمة على 35 مليون مواطن جزائري 82 ألف دولار..
علي الظفيري (مقاطعا): ولكن يا دكتور نور الدين أولا المقارنة بين بلدين مختلفين من حيث الثروات، الأمر الثاني تضاعف الدين التونسي مرتبط بتقدم في تونس.
نور الدين جبنون: لا، لا، يا سيدي هناك اختلاف بين البلدين ولكن هناك تقارب بين التكوينة الاجتماعية للبلدين، الآن الدين العام الخارجي يأكل تقريبا 60% من الناتج القومي الخام أي أنت تستهلك رأسمالك، أنت لم يعد عندك رأسمال أنت تستهلك هذا الرأسمال. أنا أرجع إلى السؤال الذي سألت..
علي الظفيري (مقاطعا): دعنا نؤجل السؤال قليلا بما أنك طرحت نقطة اقتصادية وأستثمر وجود الأستاذ وليد معنا أيضا من باريس الذي سينتهي حجز الأقمار الصناعية معه بعد قليل. أستاذ وليد قضية تحرير الاقتصاد، قضية الخصخصة بشكل.. تحرير القطاع الحكومي والخصخصة بشكل عام كيف أثرت في كل ما تتعرض له اليوم تونس؟ وهذا المشروع طبعا انطلق مع حكم الرئيس زين العابدين بن علي.
وليد حدوق: هو بالنسبة لتحرير الاقتصاد الحقيقة تونس لم تشهد تحريرا للاقتصاد، نحن كنا في قطاع عمومي مهيمن ولكننا انتقلنا يعني تخلينا عن القطاع العمومي وعن الدولة المتنفذة اقتصاديا في الثمانينيات إلى آخره والسبعينيات، يعني إلى حد ما وذهبنا إلى تحرير اقتصادي مشوه جعل من اقتصادنا أشبه ما يكون بالإقطاع وليس بالاقتصاد الرأسمالي التحرير أو المحرر الذي يمر بفترات نمو ثم فترات أزمة..
علي الظفيري (مقاطعا): كيف؟
وليد حدوق: نعم يعني عمليا هنالك فيما يتعلق بالاستثمارات الداخلية هو أولا ليست إنتاجية تعتمد على الوساطة بين استثمار أجنبي وسوق محلية وهذه الوساطة محتكرة في شريحة بعينها قلت يعرف أسماءها التونسيون متنفذة سياسيا وتحمي نفسها بالأجهزة الأمنية، هذا يجعل الاقتصاد التونسي لا يتطور إلى مستوى إنتاجي وإنما يبقى يعني ريعيا أو شبه ريعي ويصب في صالح شريحة بعينها وهو عمليا ليس تحريرا، هو عمليا يعني تحويل الاقتصاد من اقتصاد للشأن العام من اقتصاد لشعب بأكمله إلى اقتصاد إقطاعي يعني هو أشبه ما يكون بالإقطاعية الرأسمالية تحدث عنها مرة يعني هي أشبه ما تكون بالضبط بإقطاعية رأسمالية لا هي بالاقتصاد العمومي المؤمم ولا هي بالاقتصاد المحرر. وحتى الخطوات التحريرية -فقط أستاذ علي- أنه بعد أربع سنوات تريد الحكومة أن تحرر الدينار، تحرير الدينار سيفاقم في هذا الوضع الإقطاعي ونحن عمليا الشعب التونسي سيخسر كل آليات تحكمه في اقتصاده. نقطة أخيرة فقط ربما فيما يتعلق بالدين العام والدين الخارجي والمقارنة بين تونس والجزائر، هناك نقطة مهمة جدا كذلك هو أنه لا يمكننا أن ننتظر لا تشغيل ثلاثمئة ألف تونسي ولا غيرهم لا في تونس ولا في الجزائر إن لم يكن هناك اتحاد مغرب عربي وحتى مشروع عربي ببعديه المغربي والمشرقي وهذا يتعلق بالأساس بحكومات ديمقراطية تعبر عن إرادة شعوبها.
علي الظفيري: نعم. أشكرك الأستاذ وليد حدوق الباحث الاقتصادي ضيفنا من باريس على هذه الإضافة في الجوانب الاقتصادية. وأيضا مشاهدينا الكرام الصحفية الفرنسية كاترين غراسييه المشاركة في تأليف كتاب "حاكمة قرطاج، الاستيلاء على تونس" تلقي نظرة على الفساد في البلاد... سنعود لهذه الفقرة. كان هناك أكثر من إشارة من ضيوفنا لحديث يعني في جزئية الاقتصاد وتحوله من اقتصاد عام إلى اقتصاد خاص، إشارات كثيرة عن الفساد ربما سيكون هناك معنا حديث مفصل حول هذه الجزئية، نستمع إلى أحاديث كثيرة أستاذ لطفي عن الفساد لكن لا شيء ثابت لا أرقام لا محددات واضحة، ماهية الفساد في تونس وكيف أثر في المشهد اليوم؟
لطفي زيتون: يعني هذا لا يحتاج إلى أرقام يعني التونسيون يعيشونه يوميا، أنت تعلم تونس يعني شعب فقير متعلم جدا وفي منطقة مفتوحة في العالم له تقاليد عمل وكدح ولكن أنتجت خلال الفترة الأولى في دولة الاستقلال أنتجت قطاعا عاما ناجحا نسبيا كان يمول الدولة بمداخيله ويمثل وعاء لتصريف اليد العاملة القادمة من الجامعات ومن المعاهد وحتى من غير المتعلمين، جاءت هذه الدولة دولة الرئيس بن علي وقررت الاندراج في منظومة الاقتصاد الحر العالمي..
علي الظفيري: الليبرالية الاقتصادية.
لطفي زيتون: بإملاءات طبعا من البنك الدولي، وعلى ذكر أرقام البنك الدولي نحن نعلم أن البنك الدولي قبل أن تنفجر الأزمة الأرجنتينية في منتصف التسعينيات بستة أشهر وتنهار الدولة نهائية ويهرب الحكام ويحتل الشارع المؤسسات أصدر بيانا قال إن الأرجنتين هي التلميذ النجيب للبنك الدولي ولمشاريع البنك الدولي، نفس الشيء في تونس أنا أتذكر جريدة لوموند في التسعينيات كتب مقال في تونس التلميذ النجيب للبنك الدولي أيضا. فبيع القطاع العام هذا القطاع العام الذي أنتجه الشعب بكدحه افتقد الشفافية لم يستفد منه الناس يرى الناس أن عوائل كانت لا تملك شيئا أصبحت تملك شركات طائرات تملك شركات اتصالات تملك مشاريع ضخمة في البلد أنهكت هذه العائلات من خلال الهجوم على القطاع العام أنهكت البنوك واستنزفت السيولة في البنوك، الذي يتحدث الآن عن التشغيل البنوك التونسية ليست عندها سيولة، فقط أول أمس هناك صفقة بمليار دولار لشراء شركة اتصالات من شخص لا يملك شيئا، تمويل لصفقات ضخمة وخصصت شركات ضخمة من قروض بنكية فاسدة لا يضمن إرجاعها لأن الناس الذين يأخذون القروض يحظون بحماية من أعلى رأس السلطة يعني.
علي الظفيري: الصحفية التي أشرنا لها قبل قليل -أستاذ لطفي- كاترين غراسييه وفي كتاب "حاكمة قرطاج والاستيلاء على تونس" تتحدث عن الفساد.
[شريط مسجل]
كاترين غراسييه/ صحفية ومشاركة في تأليف كتاب حاكمة قرطاج: الفساد مرض مستشر في تونس ويطال الأطراف الرئيسية في النظام خاصة عائلة الرئيس بن علي وعائلة زوجته السيدة ليلى الطرابلسي. ولو أن الرئيس يبدو متورطا لدرجة أقل من الباقي فالجميع يعرف هذه الحقائق والجميع قرأ عنها ولم تقم عائلة طرابلسي بنفي الأمر، الجميع يعرف أن أشخاصا مثل عماد وبالحسن الطرابلسي وهما تباعا شقيق ليلى الطرابلسي وابن شقيقتها شاركا في عمليات تدخل في دائرة الفساد مثل شراء أراض في مناطق إستراتيجية في قرطاج وتونس العاصمة وبأثمان بخسة أو تطوير شركة طيران بأسلوب مشبوه يعتمد على موارد شركة الخطوط الجوية التونسية العامة كما فسرنا ذلك في كتابنا "حاكمة قرطاج"، مثل هذه الأشياء دفعت التونسيين اليوم إلى القول كفى.
[نهاية الشريط المسجل]
علي الظفيري: دكتور نور الدين في واشنطن كيف أثر الفساد في تردي الأوضاع بشكل عام في تونس؟
نور الدين جبنون: أستاذ علي أنا أعتقد أن الخلفية الرئيسية للأزمة التونسية اليوم هي بين من يملك الثروة، من يملك الثروة ويحتكر السلطة ويعتبر أن مقدرات الدولة هي غنيمة يتصرف بها بدون رقيب أو حسيب وبين من يتطلع ويسمو إلى العدالة، هذه هي المفارقة اليوم، هناك مجموعة صغيرة سيطرت على مفاصل الدولة على المستوى الاقتصادي وتستعمل الأجهزة لحماية مصالحها. الدولة التونسية كنظام بإمكاننا أن نصنفها في إطار أو في خانة ما يسمى في العلوم السياسية بـ state bunker الدولة المتخندقة، الدولة المتخندقة مفهومها هي الدولة التي تدار من فرد أو من مجموعة من الأفراد، الركيزة الرئيسية لهذا الفرد عائلة أو عشيرة أو قبيلة هذه العائلة لها علاقات متفاوتة ومتشعبة داخل المجتمع وداخل الأجهزة، الدولة المتخندقة ترفض أي حرية تعبير ترفض أي حرية إعلام، الإعلام يوجه حسب إستراتيجية ترسمها حكومة هذه الدولة وتفتقد هذه الدولة المتخندقة تفتقد إلى ما يسمى الوسائل الشرعية للتعامل مع المواطن للتعامل مع المجتمع المدني، ثم العملية السياسية تقوم على ما يسمى بالانتقائية السياسية أي المسيطر على السلطة هو الذي يختار الأحزاب المعارضة التي تتماشى مع المشروع السياسي، وأخيرا على المستوى الاقتصادي في ما يسمى بعملية تفضيل لأفراد معينين لهم علاقة بالمحيط الرئاسي تعطى لهم التفضيلات على المستوى الاقتصادي، هذه هي دولة ما تسمى الدولة المتخلفة. أضيف إلى ذلك أستاذ علي -اسمح لي دقيقة واحدة- أضيف إلى ذلك أن المعجم السياسي التونسي منذ وصول سلطة السابع من نوفمبر 1987 وقع إثراؤه بثلاث مصطلحات سياسية رئيسية، المصطلح الأول ما يسمى "المعلم" المعلم أو المعلّم وهو مأخوذ من القاموس السياسي المصري والمعني به هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي ينظر له كقدوة وكمثال في المنطقة العربية، في الإطار التونسي المعلم ممكن أن يكون صاحب مقهى ممكن أن يكون صاحب مشروع ممكن أن يكون رأس النظام، المصطلح الثاني هي "التعليمات" هي مجموعة الأوامر الصادرة عن جهة رسمية والتي يجب تطبيقها حتى لو كانت لا تلتزم بعقلانية حتى لو كانت متناقضة، المصطلح الثالث والأخير هو "الحاكم" ما يعني السلطة بكل رموزها وخاصة الرموز الأمنية.
علي الظفيري: مضطر أتوقف مع الفاصل وأسأل بعد الفاصل هل هذا التخندق الذي أشار إليه الدكتور نور الدين جبنون سيستمر بعد هذه الأحداث في ظل حديثين للرئيس في فترة قصيرة في ظل ربما إعلام مسلط بشكل كبير عالمي تجاه ما يجري في تونس؟ أيضا نتساءل حول موقف الغرب، الغرب الذي قدم دائما النموذج التونسي وأثنى عليه وحفظ الود له بشكل دائم ما موقفه مما يجري؟ بعد الفاصل فابقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
مسار وتأثر المواقف الأوروبية والأميركية تجاه تونس
علي الظفيري: أهلا بكم من جديد مشاهدينا الكرام هذه الحلقة تبحث موضوع الاحتجاجات المستمرة في تونس مع ضيوفنا الكرام هنا في الأستوديو لطفي زيتون وكذلك نور الدين جبنون من واشنطن. صحفي فرنسي مشاهدينا الكرام نيكولا بو المشارك في كتاب "حاكمة قرطاج" يلقي الضوء أيضا على السياسة الفرنسية تجاه تونس وكيف تعاطى الإعلام في فرنسا مع الأوضاع هناك.
[شريط مسجل]
نيكولا بو/ صحفي فرنسي ومشارك في تأليف كتاب حاكمة قرطاج: منذ وصول ابن علي إلى الحكم نلحظ تجاهلا في الإعلام الفرنسي لما يحدث في تونس وأكاد أجزم أنه لا يوجد في فرنسا صحفي يتابع بدقة الملفات التونسية، هناك جهل عميق لدى الصحفيين بالواقع التونسي وأعتقد أن السياسيين الفرنسيين على اطلاع على حقيقة ما يحدث هناك. ورأينا كيف أن وثائق ويكيليكس كشفت عن حاشية تشبه المافيا تحيط بالرئيس ابن علي ونعتقد أن السلطات الفرنسية على علم بالواقع التونسي، ويمكننا القول إن هناك تواطؤا من قبل الطبقة السياسية الفرنسية تجاه تونس لأن هذا البلد يقدم دائما على أنه درع ضد التطرف وأنه مثال للنجاح الاقتصادي في حين أن الواقع مختلف وهو ما أظهرته الاحتجاجات الأخيرة التي تظهر حقيقة أخرى مغايرة لتلك الواجهة التي يسوق لها النظام والتي تقول إن نسب النمو وتقارير البنك الدولي والسياحة على ما يرام، هناك تونس أخرى خلف هذه الواجهة حيث الفقر وصعوبة الحياة وارتفاع معدلات البطالة وهو تشخيص مشابه لما يحدث في الجزائر هذه الأيام.
[نهاية الشريط المسجل]
علي الظفيري: أستاذ لطفي حينما جرت بعض الاحتجاجات في إيران على نتيجة الانتخابات في العملية الديمقراطية قامت الدنيا ولم تقعد وكان الغرب حاضرا بكل تفصيل من تفاصيل المشهد الإيراني، في تونس كما أشار نيكولا بو هناك تغييب تام حتى تغييب سياسي تغييب مواقف سياسية وتغييب لتغطيات إعلامية في أوروبا والولايات المتحدة لماذا برأيك؟
لطفي زيتون: طبعا تونس هي التلميذ كما قلنا التلميذ النجيب للغرب، هذه كمية القروض الضخمة التي قدمت لتونس خاصة في بداية التسعينيات تحت غطاء تمويل برامج الإصلاح الهيكلي هي في الحقيقة كانت لتمويل الحرب على الأصولية كان يراد لتونس أن تقدم نموذجا للتخلص من الحركة الأصولية في العالم العربي، كيف استئصال الحركة الأصولية وطمح الغرب وحلفاؤه داخل تونس في المرحلة الأولى داخل تونس في بداية التسعينيات ليس فقط للقضاء على الحركة الإسلامية ولكن للقضاء على –سموها خطة تجفيف الينابيع- القضاء على ينابيعها الفكرية والدينية وكل هذا، هذا الغرب يصعب عليه أن يعترف بأن هذا النموذج يسقط الآن يعني، هذا النموذج التنمية الاقتصادية في غياب الأصوليين وفي غياب حتى التنمية السياسية جملة يعني لأنه هو كانت الطبقة السياسية تطمح أنه بعد القضاء على الإسلاميين ستنفتح البلاد وننظم حفلة مشتركة ولكن امتد القمع الذي..
علي الظفيري (مقاطعا): برأيك أستاذ لطفي سيقبل بهذه الأمور الثلاثة قمع لشريحة كبيرة جدا من المجتمع، قمع للحريات، وتجربة اقتصادية حاول الترويج لها ولكنها فشلت، هل سيصمد موقف الغرب تجاه النظام والحكم في تونس؟
لطفي زيتون: هو طبعا موقف الغرب يتعلق بمدى صمود وكلائه يعني السلطة في داخل تونس، يعني إذا رأى أن السلطة ستنهار سيعمل على تغييرها طبعا وهذا يعتمد مدى نجاح هذا الشيء على قوة الحركة السياسية واستعدادها لتحويل هذا الحراك الاجتماعي إلى حركة تغيير وتأطير هذا الشارع وترجمة مطالبه الاجتماعية والتنموية إلى مطالب سياسية، هذا يعتمد على.. وإلا كما ذكر أنا عندي هنا تلخيص لأطروحة ماجستير أعدها ضابط أميركي في المدرسة البحرية الأميركية التابعة للبنتاغون كتبت سنة 1999 تستشرف الأوضاع في تونس إلى سنة 2010 التي انتهت قريبا يعني، يقول إنه.. يتنبأ أن النظام التونسي سيواجه أزمة اقتصادية تتركز على موضوع التشغيل ويقول إن هذه الأزمة ستستغلها الطبقة السياسية خاصة مع تطور تقنيات الإنترنت وتدفق المعلومات..
علي الظفيري: أزمة تشغيل.
لطفي زيتون: نعم.
علي الظفيري: شبكات اجتماعية فاعلة، إعلام..
لطفي زيتون: تدفق المعلومات، يقول هذا الضابط في هذه الدراسة التي أعدت كاستشارة للنظام التونسي، يقول ستتركز مجهودات النظام التونسي في موضوع التشغيل وفي موضوع التغطية الاجتماعية، إذا فشلت هذه الإجراءات على الجيش التونسي أن يتولى مسك زمام الأمور في البلد يعني، هذا التصور الأميركي. هذا الوضع أنا أراه محتملا ليش؟ لأنه في عهد بورقيبة يعني الدولة التونسية كانت ذات طبيعة مغايرة لما هي عليه، كان هناك تحالف بين الحزب الحاكم والإدارة التي كانت منظمة نسبيا يعني ليس فيها فساد كبير يعني حكم مدني يقوم تحالف بين الحزب..
علي الظفيري (مقاطعا): أما الآن؟
لطفي زيتون: الآن تحولت طبيعة الدولة هناك تحالف بين أجهزة أمنية باطشة فوق أي محاسبة وما سماه السفير الأميركي كما ذكر في وثائق ويكيليكس حكم المافيات المحيطة برئيس الدولة وهذا يجعل مؤسسات الدولة وخاصة الجيش الوطني تشعر بقلق مما يحدث، يعني كأنها ستتحمل مسؤولية فساد ومسؤولية أعمال تقوم بها جهات ليست أصيلة في تركيبة الدولة ولكن هي طارئة عنها.
علي الظفيري: طيب أسأل الدكتور نور الدين جبنون، الموقف الغربي كما فصل فيه الأستاذ لطفي بشكل عام متحالف مع السلطة في تونس طوال الفترة الماضية، الآن ما هو شكل التحول المنتظر في موقف دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية مثل فرنسا تجاه ما يجري في تونس؟
نور الدين جبنون: بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية في توجس وفي قلق مما يحدث في تونس، استدعاء السفير إلى وزارة الخارجية الأميركية وتحذيره، وقع تحذيره، هذا ما وقع، وقع تحذيره أن الولايات المتحدة الأميركية لن تقبل التعامل مع المجتمع المدني بلغة الرصاص وطلبت منه.. أنا هنا عندي the statement يقول إن الولايات المتحدة الأميركية هي قلقة من اختطاف حسابات مواطنين تونسيين في الشركات الأميركية مثل facebook وYahoo وgoogle وسرقة كلمات السر وتحث كل الأطراف على احترام حرية التعبير وحرية المعلومة، جيد..
علي الظفيري (مقاطعا): هناك شيء أكبر دكتور تتوقعه يعني أقصد تحول جوهري في الموقف الغربي الداعم للرئيس زين العابدين بن علي تحديدا؟
نور الدين جبنون: جيد، من منظور أميركي سيقع هناك تحول، أي مثلا المساعدات العسكرية التي تتحصل عليها تونسي سيقع ربما إعادة النظر فيها، عنصر آخر بالنسبة للأميركيين أنت تعلم أن ما وراء الأبواب الموصدة هناك مثلا وكالة الاستخبارات الأميركية لها رأي في الشأن التونسي، في وزارة الدفاع هناك عدة آراء في الشأن التونسي ووزارة الخارجية لها آراء مختلفة ولكن هم الآن -هذا ما أراه- أنهم يقولون ride it out أي أترك الأمور تتعفن وربما يخرج حصان أسود من هذه الأزمة.
علي الظفيري: برأيك هل ثمة -أستاذ لطفي- حصان أسود كما يشير الدكتور نور الدين، ما هو البديل إذا ما افترضنا جدلا أن انحدارا في السلطة قد تم في قادم الأيام أو السنوات حتى؟
لطفي زيتون: يعني نحن هذا البديل كما قلت هو أن تتحمل الحركة السياسة ترتفع على جراحها يعني هي حركة سياسية منهكة بسنين طويلة من القمع والإرهاب..
علي الظفيري: ومقسمة.
لطفي زيتون: ومقسمة بفعل القمع والانسداد السياسي يعني، أن تنهض بمسؤولياتها كما قلت أو ستحاول الدولة إنقاذ نفسها كما فعلت يعني في آخر أيام بورقيبة وتجدد.. وهذا الأغلب أن تقوم الدولة بتجديد نفسها، يعني وفي كل الحالات أنا في اعتقادي نحن في أواخر إذا لم نقل أيام يعني حتى لا نكون متفائلين كثيرا نحن في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس الحالي يعني. طبعا غياب الشفافية العالمية غياب أي نوع من أنواع المحاسبة والاطلاع على ما يدور في أجهزة الدولة هذا لا يسمح لنا بالجزم من هذا الحصان الأسود ولكن نحن نعلم أن ضباط الجيش التونسي كلهم يقضون فترة في الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة من مراحل عملهم الوظيفي أو في فرنسا، لهم ارتباطات بالدوائر ذات النفوذ في تونس ولعلها أيضا هذه الدوائر بعدما شاهدت ما يحدث الآن هي تبحث عن هذا الحصان الأسود.
علي الظفيري: تتوقع دكتور نور الدين تجديدا داخليا للنظام من داخل النظام كما أشار الأستاذ لطفي الأقرب يعني أم تحولا أكبر من ذلك؟
نور الدين جبنون: أنا أقول إن شروط التجديد هي ليست بتعيين وزراء جدد أو بتعيين إنسان يتكلم باسم الحكومة التونسية أو وزير إعلام، تعرف أنت وزير إعلام في حكومة هو يعتبر..
علي الظفيري (مقاطعا): القصد رئيس جديد مثلا يعني؟
نور الدين جبنون: لا لا، كويس، أنا أقول إنه يجب تغيير جذري كامل، حرية التعبير حرية التجميع أن المجتمع المدني يجب أن يفعل، احترام كرامة المواطن التونسي التي ديست من قبل الأجهزة من وقبل المسؤولين هذا مهم جدا، هذا مهم جدا، هذا هو المهم.
علي الظفيري: نعم. أشكرك دكتور نور الدين جبنون أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون ضيفنا الليلة من واشنطن وكذلك أشكر ضيفي في الأستوديو الأستاذ لطفي زيتون الباحث في تاريخ تونس المعاصر، وقبل ذلك الشكر طبعا للأستاذ وليد حدوق كان معنا من باريس. أذكر مشاهدينا الكرام ببريد البرنامج: alomq@aljazeera.net
وكما أن للبرنامج أيضا حسابا في الشبكات الاجتماعية twitter و facebook تحت الاسم ذاته، الأسبوع المقبل لنا لقاء، في أمان الله.