كلمة المناضل - عددان - ماذا يريد اليمين الفاشي من حملته المشبوهة ؟؟
كلمة المناضل العددان 75-76 آذار ـ نيسان 1975
ماذا يريد اليمين الفاشي من حملته المشبوهة ؟؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
بعد سلسلة من الآلام والفواجع .. استطاع البعث إقناع الحد الأدنى العربي بأن التناقض الرئيسي الذي يجب أن يحكم مسيرتنا كعرب الآن هو التناقض القائم بين الجماهير العربية من جهة ، والصهيونية وحليفتها الإمبريالية من جهة ثانية . وجاءت حرب تشرين ، أكبر انتصار عربي في العصر الحديث ، لتبرهن على صحة هذا المنطلق .
وبعد أن هدأت مدافع الحرب مؤقتا لفنا الضباب الكثيف مرة أخرى ، وعاد العدو المشترك للعمل ، بكل ما يملك من أساليب وخبرات ، من أجل إجهاض مكتسبات الحرب.
غير أن الحزب والقطر العربي السوري وقف ، بجرأة وصلابة وفهم عميق لطبيعة الموقف ، يفضح أغراض العدو ، وينذر بأن القصد من كل ما يجري هو إرباكنا ، كقوى وطنية ، وخلق المناخ الملائم لتفريقنا أولا ، ثم فسح المجال أمام القوى اليمينية الاحتياطية للعمل المضاد ثانيا .
وكان أن أعلن ، بعد نجاحات بدت براقة ، عن فشل المخططات المعادية ، فلقد انتصرت إرادة القتال وعاد شعار التضامن العربي ليبتسم من جديد .
ومن جهة الهند الصينية جاءنا الجواب الحاسم لكل من يعوزه الجواب في وطننا حول مصير الاحتلال ودعم الإمبريالية أيا كان موقفه في العالم .
في هذا الوقت ، المناسب ، بالذات تداعت الأطراف المعادية ، الظاهرة منها والمستترة ، إلى العمل السريع لإجهاض كل إمكانية قائمة أو محتملة لتفجير حرب عربية ، كانت التعليمات صريحة ومؤكدة على أن عملية الإجهاض لن تنجح إلا إذا صغيت أو أنهكت الثورة الفلسطينية وحليفتها ثورة البعث في القطر العربي السوري .
وهكذا ظهر فجأة الصراع الدموي بين الكتائب اللبنانية والقوى الحليفة لها والمقاومة الفلسطينية في لبنان .. وكان اسحق رابين قد قال قبل ذلك "أن حكومتي لن تقوم بعملية ( رداً على عملية فندق سافوي ) ضد المخربين وضد لبنان ، لأن من شأن ذلك دفع اللبنانيين والفلسطينيين إلى الاتحاد والتماسك ، وأن الحل هو إثارة الصراعات الطائفية في لبنان وصولا إلى الحرب الأهلية لشل المقاومة الفلسطينية والقوى المساندة لها " .
وفي هذا الظرف المعقد بالذات صب اليمين المشبوه في العراق هذه على حزبنا وثورته في القطر العربي السوري ، بافتعال معركة ، حضّر لها كثيرا ، بشأن ما أسماه حصته من مياه نهر الفرات .. فجأة سمعناهم يطلقون التهم والأكاذيب بصياح مسعور .. ورأيناهم بعد ذلك يقومون بحملة ، شملت الداخل والعالم ، لإظهار حزبنا وقادته بمظهر المعتدي الذي يريد قتل وتشريد الآلاف من الأبرياء . . وجرى ذلك كله فجأة وعند بدء التحام الصف العربي من جديد بعد قمة الرياض المحدودة .
وبعد الجدل الذي حدث في الاجتماعات التي عقدت لبحث الشكوى العراقية تبين للعالم زيف ادعاء اليمين المشبوه ، هناك شح في المياه ، سببه الأساسي تركيا ، والأحوال الجوية ، حاولنا تخفيفه قدر استطاعتنا وعلى حساب الجماهير في سورية ومن حصتها من المياه ورغم الظروف الكهربائية الصعبة التي يمر بها القطر .
ولقد كتبت الصحافة عن ذلك كله في حينه .
و الآن ماذا يقصد اليمين المشبوه من وراء ذلك كله ؟
هل هو يقوم بتغطية لاتفاقية السادس من آذار المشؤومة بين صدام حسين وشاه إيران ؟ أم أنه يعمد إلى تغطية التصفيات الجسدية الرهيبة للمناضلين البعثيين وغيرهم من القوى الوطنية التقدمية ؟ أم أنه يريد شل طاقات القطر العربي السوري الصامد أمام العدو الصهيوني ؟ أم مشاركة الكتائب اللبنانية (شرف) المساهمة في تحطيم نواة الصمود العربي ؟ تساؤلات كثيرة مطروحة ، يكتفي ، بعض العرب بالإجابة على واحد منها بنعم ، غير أننا خروجا على مؤامرة الصمت ، لابد لنا من ربط هذه التساؤلات جميعها في كل واحد .. لأننا ، ومن خلال المعطيات ، رأينا اليمين المشبوه ينطلق محنكا في التنفيذ كعميل إمبريالي مدرب وخطير .
هم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد بسبب بحثنا عن السلام بالطرق الدبلوماسية وتحت أمر البنادق إذا صح ذلك .. ولقد اتهمونا بالتفريط بالأرض العربية .. ولكنهم الآن يقومون بالتنازل عن عربستان ، والإنسان والأرض والطاقة ، وشط العرب وحتى عن كلمة الخليج العربي من خلال اتفاقية السادس من آذار بين صدام حسين (نبوخذ نصر الجديد كما أسماه رجالات اليمين ) وبين شاه إيران محمد رضا بهلوي .
وكدليل آخر على الصداقة وعمق المودة قاموا بطرد وبالتالي المساهمة بتصفية البؤر الثورية الإيرانية المتواجدة على الأرض العراقية ، وكذلك وقف المساعدات البسيطة عن جبهة تحرير عربستان .
واتبعوا ذلك بالاعدامات الفاشية للمناضلين البعثيين والمناضلين من جبهة التحرير الشعبي العراقي والحركة الاشتراكية العربية والقوى التقدمية المستقلة ، الذين أعلنوا رفضهم لمؤامرة اليمين .
هم يقولون "فعلنا ذلك من أجل فلسطين" و "يلومنا السوريون لأننا أصبحنا مطلقي الأيدي".. من أجل فلسطين ضحى اليمين بعربستان .
ومن أجل فلسطين يفتعل الآن معركة مع القطر العربي السوري ، يقول هو عنها على لسان " نبوخذ نصر" انه يتصالح مع أي كان(....) ولكن مع سوريا لا صلح ... ولكنهم يوضحون نواياهم أكثر في قولهم " قد نستعمل أية وسيلة كانت " لتحصيل (حقوقنا في مياه الفرات). وهم الذين يتحدثون لقواعدهم ، بكلام ثوري ضخم عن التناقضات الثانوية وعن التناقض الرئيسي .. تراهم يعتبرون تناقضهم الرئيسي ، على ما يبدو ، مع حزبنا وثورته ، ثم مع الآخرين بدرجات ، فهم مثلا يفتحون جبهة مع الكويت بشأن جزر وربة وبوبيان . ويقولون : نريد حق التصرف بهاتين الجزيرتين "وبأي ثمن كان" . الجزيرتان، على ما يبدو ، مع العدو وعربستان أصبحت ، بعد نضال ، مع الصديق ؟
هم يعتبرون أنفسهم حراساً على الخليج "العراق يعتبر نفسه ملزما بصورة تاريخية بالحفاظ على عروبة الخليج" ولكنهم يطلقون يد إيران وعملائها ليفعلوا ما يشاؤون في تشويه عروبة الخليج وتحطيم الثورة فيه .
نحن لا يفاجئنا ذلك ..، لأننا ندرك كيف جاء هؤلاء إلى الحكم ، بعملية الاستلام والتسليم . التي تمت عام 1968 . ولن ينطلي علينا الغلاف التقدمي ، الذي قدمتهم الإمبريالية به ، خاصة أن مؤتمراتنا الحزبية السابقة كانت قد كشفتهم وعرتهم على حقيقتهم أمام رفاقنا وجماهير شعبنا .
لكننا آثرنا تغليب التناقض الرئيسي على ما عداه حفاظا على عدم وضع أية قوة مهما كانت إلا في المعركة الأساسية .
أن القطر العربي السوري ، وهو يمضي في تطبيق سياسته الحكيمة التي اختطها له حزبنا العظيم ، أن تصرفه مناورات الأعداء الجانبية عن هدفه الأساسي .. ولكنه ، في الوقت نفسه ، ومن منطق الاعتماد على قوة وإرادة الجماهير العربية الصامدة ، في العراق وغير العراق ، قادر على التصدي لكل مساعدة تأتي للعدو الصهيوني من داخل الوطن العربي .