دفاعاً عن المثقّفين - بيروت
ورشة العمل الحواريّة تحت عنوان :
كاتـب وكـتـاب
الكاتب : " جان ـ بول سارتر "
الكتاب : دفـاعاً عـن المثقّفين
المترجم : الدكتور مصطفى دندشلي
الساعة العاشرة من صباح يوم السبت الواقع فيه 24 شباط 2001
في مقرّ نَدوة العمل الوطنيّ ـ بيروت
* * *
كلمة التقديم ( مداخلة ارتجاليّة )
الدكتور مصطفى دندشلي
دولة الرئيس
أيّها الأصدقاء
أشكر لكم حضوركم لمناقشة موضوعٍ ، أعتقد أنّه موضوعُ الساعة : موضوع المثقّف ، دور المثقّف ، وظيفة المثقّف . ولكن ، وقبل هذا وذاك ، مَن هو المثقّف ، انطلاقاً من مناقشة كتاب " سارتر " وعنوانه " دفاعاً عن المثقّفين " ؟!... ومن ثمَّ ، وهنا الأهميّة ، مفهومنا نحن كلبنانيين ، كمثقّفين لبنانيّين ، مفهومنا الخاص للمثقّف . والسؤال المطروح علينا هو التالي : هل المثقّف عندنا في لبنان ، وفي لبنان تحديداً ، لعب دورَه فعلاً وحقيقةً ، وكيف ؟!..... وهل كانت له وظيفةٌ معيّنة وخاصة كان قد مارسها في السابق وفي مختلف العهود ، وما هي ماهيتها ؟!......
أما في ما يتعلق بالترجمة ، فقد تمّت ، كما أشرت في المقدمة ، في صيف 1996 . وطُبعت هذه المخطوطة في صيغتها الأوليّة في شباط 1997 . ومنذ ذلك الحين حتى اليوم ، ولأهميّة الموضوع بالنسبة لي شخصياً وكما أراه أيضاً بالنسبة إلى المثقّفين اللبنانيين على وجه الخصوص والمثقّفين العرب عموماً ـ واسمحوا لي أن أقول وبصورة ضمنيّة : لقد أردت أن تكون هذه الترجمة ومناقشة الكتاب كصيغة استفزازيّة للمثقّفين اللبنانيين عندنا ـ أقول: منذ ذلك الحين حتى الآن قد تمّت ثماني حلقات دراسيّة ضيّقة ، كهذه الحلقة ، في مختلف المناطق اللبنانيّة : ثلاث حلقات حواريّة في صيدا والجنوب ، شارك فيها مثقّفون من تيّارات فكريّة وسياسيّة وتخصّصات علميّة متنوّعة ، وحلقة أخرى عقدت في البقاع الغربيّ ، في الرفيد ، في مركز صلاح الدين التربويّ ، بعدها حلقة في زحلة، وهي من أهمّ الحلقات الحواريّة حول الموضوع ، ومن ثمّ في طرابلس تبعتها حلقة أخرى في جبيل ، وبعدها حلقة عقدت هنا في ندوة العمل الوطنيّ . وهذه الحلقة الحواريّة التي نعقدها هي التاسعة .
الهدفُ من وراء عقد هذه الحلقات ـ وهذا أسلوبٌ في العمل جديد اتّبعه ـ بسيطٌ جداً ومهمٌ جداً : وهو أنّ " جان ـ بول سارتر "، في هذا الكتيّب الصغير حجماً ، في هذه المحاضرات الثلاث ، كان قد أعطى مفهومه الخاص للمثقّف : دورَه ، وظيفتَه ، وللكاتب معناه … وهو مفهومٌ خاصٌ بالمجتمع الفرنسيّ ـ لا يجوز أن ننسى ذلك ـ مفهومٌ يعبّر في الحقيقة والأعماق عن مفهوم المثقّف الفرنسيّ ، النابع من طبيعة المجتمع الفرنسيّ وتطوّره السياسيّ والتاريخيّ والثقافيّ : بمعنى أنّ مفهوم المثقّف الحديث وكمصطلح جديد ، إنما نشأ في فرنسا ، إبّان قضيّة "درابفوس " عام 1898 ـ كما أشرت إلى ذلك في الترجمة ـ وهو يحمل معنى : النّقد والاعتراض ، والاستنكار والاحتجاج ، لما فيه خلل في المجتمع السياسيّ أو الاجتماعيّ . فالمثقّف ، إذن ، في هذا المفهوم الفرنسيّ عموماً ، هو مَن لا يوفّر السلطة السياسيّة المسيطِرة من نقده لها ، عندما يكون هناك مجالٌ لنقدها في سياستها الداخليّة أو الخارجيّة وعلى مختلف المستويات : بل أكثر من ذلك ، المثقّف هو الذي يدعو دائماً وأبداً وفي شتّى الظروف ، إلى الحريّة والديمقراطيّة والمساواة ، وبالتالي إلى رفض الاستغلال بجميع صوره ، ويسعى عن طريق الكلمة، كتابة أو قولاً ، إلى التغيير ، تغيير المجتمع سياسيّاً واجتماعيّاً نحو الأفضل ولمصلحة الإنسان …
ذلك المفهوم الفرنسيّ إنما هو واضح تمام الوضوح في كتاب " ريمون آرون " ـ وهو كتاب أراه مهماً جداً ، بالمعنى العكسيّ للكلمة ، أيّ أنّه يوضّح ما نريد أن نقوله ـ وعنوانه L’opium des intellectuels ، " أفيون المثقّفين " الصادرعام 1955 ، حيث يقول ما ملخّصه صراحة إنّه هو نفسه / عالم الاجتماع ، ذو الشهرة العالميّة ـ وخصوصاً الأميركيّة ـ والأستاذ في جامعة باريس ( السوربون ) وعضو في " الكوليج دي فرانس " ( Collège de France ) ـ أرفع مؤسسة علميّة في فرنسا ـ هو نفسه لا يُعتبر في فرنسا ولا يُعدّ في عداد المثقّفين بالمفهوم الفرنسيّ للكلمة . لماذا ؟… لأنّه ـ كما يقول ـ ليس ناقداً للسلطة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في المجتمعات الرأسماليّة الليبراليّة ( بمعنى أنّه يمينيّ )، والتي هي في مواجهة التيارات اليساريّة والنّظم الاشتراكيّة والدول الشيوعيّة . فليس هو إذن مع التغيير السياسيّ ولا يسارياً وبالتالي ليس اشتراكياً …
هذا المفهوم للمثقّف على النمط الفرنسيّ وكمصطلح حديث ، هو في الأساس مفهوم " جان ـ بول سارتر "، طبعاً ، مع بعض التنويع وإعطائه مضموناً فلسفياً خاصاً ، وجودياً وماركسياً في آنٍ ، في كثير من جوانبه.
لذلك ، ولجميع هذه الاعتبارات ، فإنني أرغب من وراء ترجمة هذا الكتاب وعقد هذه الحلقات الحواريّة، الدراسيّة ، المتخصّصة حول الموضوع ، هو أولاً وقبل أيّ شيء آخر ، طرح موضوع المثقّف ومفهوم الثّقافة عندنا في لبنان ، ذلك أنّنا نحن كمثقّفين لبنانيين عموماً ـ وهذه فرضيّة من الأهميّة طرحها ومناقشتها ـ لم "نشتغل "، حقيقةً وعمليّاً ، علميّاً وتاريخيّاً ، اجتماعيّاً وأنتروبولوجيّاً ، بصورة دائمة ومتواصلة حول هذه المفاهيم الشائكة ، والملتبسة ، والخلافيّة في آنٍ ، مع كثرة استعمالاتها الشائعة في كتاباتنا ، وإنما بإطلاق وعموميّة ، دون تحديد المضمون وتطوّره اجتماعيّاً وأنتروبولوجيّاً وتاريخيّاً . وكذلك وفي الوقت نفسه ، الإجابة أو محاولة الإجابة عن السؤال : مَن هو المثقّف عندنا ، تعريفه ، مفهومه ، دوره ، وظيفته ، إلخ… انطلاقاً من مفهوم " سارتر " للمثقّف : قبولاً أو رفضاً ، تعديلاً أو تغييراً ...
هذا جانب ، والجانب الآخر ، فإنني أودّ أن أقف على معرفة ملاحظات المشاركين ، وهم مثقّفون لبنانيون من تيارات فكريّة وسياسيّة مختلفة ، معرفة آرائهم ووجهات نظرهم في الموضوع المطروح ، وأيضاً انتقاداتهم واقتراحاتهم في ما يتعلق في المبنى والمضمون على حدّ سواء ... ومن ثمّ ، سوف أعمد إلى نشر جميع المداخلات والمناقشات التي جرت على فترات متفرّقة ، كملاحق في الكتاب عند صدوره ، كلّ ذلك حتى نرى وبأمّ العين وبأقلامهم ماذا يفهم المثقّفون عندنا ، وما هي وجهات نظرهم ، وإلى أيّ مدى كان انصباب اهتمامهم وانكبابهم الفكريّ والعلميّ حول مفهوم المثقّف والثّقافة ...
لا شك في أنّ طرح موضوع الثّقافة والمثقّف ـ وكما أشرت ـ هو موضوع صعب ، وأننا نحن كمثقّفين لبنانيين لم " نشتغل " حول هذا الموضوع الشّائك والصّعب والخلافيّ . ليس ثمة من اتفاق عام حول تعريف المثقّف ، ومَن هو المثقّف ، مفهومه ، دوره ، وظيفته ، هناك وجهات نظر ، واجتهادات بحسب التيارات الفكريّة والفلسفيّة والاجتماعيّة والسياسيّة لكلّ مفكر … إذن ، ليس هناك من إجماع إطلاقاً ـ من تعريف جامع مانع ، كما يقول المناطقة وعلماء الكلام ـ حول هذا المفهوم ، مفهوم المثقّف .
فالهدف الأساسيّ بالنسبة لي ولترجمة هذا الكتاب هو أنّه مطروح علينا نحن ، كمثقّفين لبنانيين ، أن نُبديَ ، أن نظهر ، أن نعلن مفهومنا نحن للمثقّف … ففي المدة الأخيرة ومنذ تحديداً ما يقرب من عشر سنوات ابتدأ يظهر عندنا ويُنشر بعض الكتب والدراسات ـ ولا سيّما منشورات مركز دراسات الوحدة العربيّة وأخيراً كتاب إدوار سعيد ، صُوَر المثقّف ـ إنما ما لاحظته هو أننا نحن كمثقّفين لبنانيين ـ إذا استثنينا علي حرب ـ لم نشتغل علميّاً ، تاريخيّاً ، اجتماعيّاً ، لم نكتب ، أو لم نكتب بطريقة متواصلة حول هذا الموضوع ، ما هو مفهوم الثّقافة عندنا ، نحن ، في لبنان ؟ ما هي الثّقافة ، وكيف يمكن أن نعرّفها ؟ هل هناك ثقافة شاملة عامة أم أنّ هناك "تعدداّ ثقافيّاً " أو ـ كما كتبت مرة ـ أنّ الثّقافة قد "تطيّفت " عندنا : فهناك " ثقافة مارونيّة "، و" ثقافة درزيّة" و"ثقافة سنيّة " و" ثقافة شيعيّة "، الخ ، الخ ..؟ فهل هناك تعدّد ثقافيّ أم ثقافة عامة شاملة ومن ضمنها ثقافات نسميها " ثقافات فرعيّة "، الخ . ؟ …
إلى هنا ، أنتقل إلى نقطة أخرى سريعة هو أنّ الكتابَ في مضمونه صعبٌ جداً… ولقد وجدت كثيراً من الصعوبة في ترجمة كثير من المقاطع ـ خصوصاً المحاضرة الثالثة ـ وفي فهم ماذا يريد أن يقول " جان ـ بول سارتر ". وأحد الأسباب ، ربما ، هو أنني لم أكن على معرفة عميقة بفلسفة " سارتر "، بفلسفته الوجوديّة . ولقد أدركت أنّه لا يمكن فهم النصّ فهماً صحيحاً وترجمته ترجمة دقيقة وواضحة دون الإلمام بالفلسفة السارتريّة ، بمصطلحاته ، بمفاهيم مفرداته ، وبمناسبة إلقاء هذه المحاضرات وظروف نشر هذا الكتاب في عام 1972 ، ولا سيّما بعد ما سمّي بالثورة الطلابيّة في فرنسا ، في أيام 1968 .
من هنا ، وكما هو معروف ، أنّ فلسفة " سارتر " ليست بالفلسفة سهلة " الهضم " أو الفهم ، بل هي صعبة جداً . وقد قرأت مؤخراً قولاً للفيلسوف الفرنسيّ " فولكيه " في كتابه عن " الوجوديّة "، أنّ كتاب "سارتر" " الوجود والعدم "، ( L’être et le néant )، هم قلّة قليلة جداً من المثقّفين الفرنسيّين الاختصاصيين الذين استطاعوا أن يتابعوا قراءة كتابه حتى النهاية ، ومنهم من لم يستطع تجاوز قراءة ثلاثين صفحة منه ، لصعوبة أسلوبه وكثافة أفكاره..
لذلك ، ومنذ عام 1996 أدركت أنّه لا يمكن فهم هذا النصّ إذا لم ننطلق من معرفة واستيعاب فلسفتين أساسيتين : الفلسفة الأولى هي فلسفة " جان ـ بول سارتر ". ففي هذا الكتيّب ملخصٌ مكثّف لفلسفة "سارتر ". فلا يمكن فهم كثير من الصفحات ، كثير من المقاطع في المحاضرات الثلاث ، أو الآراء الفكريّة والمفاهيم الفلسفيّة والثّقافيّة الواردة في هذا النصّ ، إذا لم يكن لدينا فكرة أساسيّة أو الحدّ الأدنى من معرفة الفلسفة الوجوديّة، وخصوصاً فلسفة " جان ـ بول سارتر ".
هذه ناحية ، والناحية الثانية ، هي معرفتنا للفلسفة الماركسيّة ، ذلك أنّه من الواضح تماماً أنّ تحليلات "سارتر " الاجتماعيّة والسياسيّة الواردة في كثير من مقاطع هذا الكتيّب تُستوحى في كثير وكثير من الفكر الماركسيّ ، ومن الماديّة التاريخيّة تحديداً .. هذه إشارة ضروريّة للتوضيح ..
لذلك وجدت من الضروريّ لفهم أراء الكاتب أن أغني هذا النصّ بالهوامش الكثيرة والتوضيحيّة لمصطلحاته وأفكاره . وهناك هوامش أخرى وهي كثيرة أيضاً أنا الآن بصدد الإعداد لها .. كلّ ذلك حتى يكون هذا الكتاب أكثر وضوحاً وأسهل فهماً وأيسر قراءة .
أما النقطة الأخيرة التي أودّ أن أتوقف عندها ، في كلمتي التوضيحيّة هذه ، فهي أنني عندما ترجمت هذا الكتاب في صيف 1996 ، لم أكن أعلم بأنّه كان قد تُرّجم سابقاً . ولو كنت أعلم بذلك ، لما كنت أقدمت على ترجمته مرة ثانية .. غير أنني عندما انتهيت أو قبل الانتهاء بقليل من ترجمته ، قيل لي بأنّ هذا الكتاب مترجم إلى اللغة العربيّة . ومترجمه هو جورج طرابيشي ، فحاولت أن أحصل على هذه الترجمة ، واتصلت بالدكتور سهيل ادريس ، صاحب دار الآداب ، وهي الدار الناشرة لهذا الكتاب . فكان الجواب أنّ الكتاب نافد ولم يبق منه أيّ نسخة حتى في مكتبته الخاصة . وواصلت البحث حتى وجدته أخيراً في مكتبة جامعة بيروت العربيّة . ومنذ ما يقرب من خمسة أشهر ، قمت بمقارنة بين النّصوص الثلاثة : النصّ الفرنسيّ ونصّ ترجمة جورج طرابيشي وترجمتي الخاصة . في الحقيقة ، لقد استفدت كثيراً من هذه المقارنة . الإفادة الأساسيّة هي أنني لم أرتكب أيّ خطأ في أيّ معنى من مضمون الكتاب . وهذا بالنسبة لي شيء أساسيّ ، عندما نترجم كتاباً صعباً ، مكثّفاً ، فيه إيحاءات كثيرة جداً ، وأسلوبه أسلوب رمزيّ في كثير وكثير من الصفحات وجمله الطويلة ، يخشى أن يقع المترجم أحياناً ، أو غالباً، في خطأ فهم المعنى المقصود .
لذلك ، كانت هذه المقارنة مفيدة لي ، فأظهرت لي أين هي المقاطع الصعبة في النصّ والتي تحتاج إلى توضيح .. ولكنها أيضاً دفعتني إلى أن أحتفظ بأسلوبي اللغويّ العربيّ ، وبتركيب الجمل الخاصة بي ، بطريقتي ونهجي في الترجمة ، وبفهمي للنصّ الفرنسيّ . وإنني لا أزال حتى الآن أشتغل عليه ، وأتابع قراءتي للفلسفة "السارتريّة ".. وهذه الحلقة والحلقات الدراسيّة والحواريّة السابقة حول مناقشة هذا النصّ إنما هي في الأعماق تصبّ في هذا الاتجاه ..
فالمقصود ، إذن من هذه الترجمة ، وبالنسبة لي شخصياً ، إنما هو طرح للحوار هذا " النموذج " لمفهوم المثقّف ، ومناقشته . وليس بالضرورة إطلاقاً أن نتبناه . لأنّ هذا المفهوم ، أعود وأكرر ، نابع من مجتمع معيّن ، من تاريخ معيّن ، من فكر معيّن ، من حضارة معيّنة ، وتعبيراً عنها ، الخ .. فالسؤال المطروح هو التالي : ما هو مفهومنا نحن الخاص للمثقّف وللثّقافة عندنا في لبنان ..
الإجابة د. مصطفى دندشلي :... إنني أشكر لكم جميعاً هذه الملاحظات والاقتراحات والانتقادات ، وهي جميعها مفيدة لي وقد وضّحت لي أشياء كثيرة ولفتت نظري إليها . وهذا هو المقصود ، في حقيقة الأمر ، من عقد هذه الحلقات الحواريّة والدراسيّة ، حتى أقف على معرفة وُجهات نظركم وآرائكم حول ترجمة النصّ ، وحول المضمون والمفهوم، وكيف نحن نفكر إزاء هذا الموضوع ، الخ ..
وهنا أضيف في هذا النطاق إلى أنني أنا شخصياً كنت قد تأثّرت كثيراً بالجوّ الثقافيّ في فرنسا في أثناء دراستي إثنتي عشرة سنة وهي مدة طويلة .. فمن هناك عايشت فكرة الثّقافة وعرفت وتعرّفت وأدركت مدى تأثير مفهوم الثّقافة الحديث في المجتمع . لقد بُهِرْتُ ، إذا جاز لي القول ، وبهرني هذا الدور الذي كان يلعبه المثقّف والمثقّفون عموماً على صعيد الفكر والفلسفة والسياسة ..
بهذا المعنى ، فقد لاحظت ، وهذا معروف لدى الجميع ، أنّ المثقّف في فرنسا إنما هو الإنسان الثائر ، هو المناضل ، هو اليساريّ ، هو الاشتراكيّ ، هو الذي يدعو ، مستفيداً من شهرته الواسعة ، عن طريق الكلمة والكتابة ، إلى تغيير السلطة السياسيّة والطبقة المسيطِرة في المجتمع الرأسماليّ لمصلحة الإنسان والطبقات العماليّة والشعبيّة .. و" سارتر "، في الأعماق ، لم يأت بشيء جديد في هذا النطاق ، سوى أنّه أعطى لهذه المصطلحات والمفاهيم الجديدة ومن خلال المنهج الذي استعمله ، نكهته الخاصّية ، وفلسفته الوجوديّة ، ومفهومه الخاص للماركسيّة . أما من ناحية المضمون ، فهذا هو مفهوم المثقّف الناقد الاعتراضيّ السائد والشائع سابقاً في التراث السياسيّ والأدبيّات السياسيّة في التاريخ الفرنسيّ الحديث .
وعندما عدّت إلى لبنان ، أردت أن أعمّق هذا المفهوم ، مفهوم الثّقافة والمثقّف ، وذلك بالتفاعل مع الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ الذي نعيش فيه .. فأسست بمشاركة بعض الأصدقاء ، مرّة تلو المرة ، مركزاً ثقافياً في صيدا ، وذلك للقول وللعمل في آنٍ من أنّ المثقّف له دور بتفاعله مع المجتمع الذي هو جزء منه ، من أجل تغييره نحو الأفضل ولمصلحة الإنسان فيه ، ودوره على الأخصّ إنما هو نقد النظام السياسيّ والاجتماعيّ السائد وكشف عيوبه على شتّى المستويات ، وبالتالي أن يكون المثقّف في ظروفنا السياسيّة والاجتماعيّة الراهنة معترضاً واحتجاجياً ، وأن ينطلق في نقده من معرفة الواقع الاجتماعيّ بجميع جوانبه من أجل تغييره ، وأن يعمّم هذه المعرفة كتابة أو عن طريق النّدوات والمحاضرات على الرأي العام .
وفي ما قال صديقي مصطفى الجوزو حول " ثورة أيار الطلابيّة عام 1968 ، فهناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً يمكن أن تُقال حول هذا الموضوع . ونحن هنا لا نريد أن نذهب بعيداً وننقل ما تقوله الآن وتذيعه إحدى الفضائيات التلفزيونيّة ، وإنما صحافتنا العربية والصحافة اللبنانيّة وفي ذلك الحين تحديداً ، قد أشاعت وعمّمت أنّ وراء الحركة الطلابيّة في فرنسا تكمن المخابرات الإسرائيليّة ( الموساد ) والمخابرات الأميركيّة ..
في الحقيقة ومنطقياً ، هل يُعقل أن نفسّر هذه الحركة الطلابيّة ، المطلبيّة الشاملة بداية ، ومن ثمّ انتقلت إلى الحركة العماليّة وتحوّلت بعد ذلك إلى حركة شعبيّة عامة في فرنسا ، أن نفسّرها ببساطة أنّها من صنع "الموساد"؟!.. إنّ جميع ما نُشر حول " الثّورة " الطلابيّة في فرنسا ، من اليسار ، واليسار الراديكاليّ واليسار المتطرّف حتى اليمين ، لم يأت فيه أن قال أحد ، أو أذكر حسب علمي ، أنّ محرّكها هو المخابرات الأجنبيّة ، إسرائيليّة أو أميركيّة ، وإلاّ لما كان الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ ، على سبيل المثال كان قد التحق بها وانخرط فيها فيما بعد ورفع شعاراته في أثناء مظاهراتها العامة في شوارع باريس .
بل أكثر من ذلك فقد اُعتبرت ثورة أيار الطلابيّة في فرنسا ، وفي باريس تحديداً ، في مساواة الثّورة الفرنسيّة الكبرى ، وصورة مصغّرة عنها من خلال " حرب " الشوارع والمتاريس المقاومة التي أقيمت في شوارع باريس ، في مواجهة قوى السلطة البوليسيّة ، والشعارات العامة تدعو إلى : التغيير ، النغيير السياسيّ وتغيير السلطة السياسيّة والاجتماعيّة ، ولا سيّما النظام التربويّ التقليديّ البائد بمجمله ،ورفض النّظم الرأسماليّة الامبرياليّة والمجتمعات الاستهلاليّة . وقد شارك فيها جميع القوى السياسيّة اليساريّة ، الكبيرة والصغيرة ، من القوى اليساريّة المتطرّفة إلى اليسار الماركسيّ ، إلى اليسار المسيحيّ ، إلى اليسار الراديكاليّ ، الخ .. جميع هذه القوى السياسيّة كانت قد اشتركت فعلياً في هذه الثّورة العامة الشاملة والتي أُطلق عليها " الثورة الطلابيّة "..
لذلك فإنّ فرنسا قبل الثّورة الطلابيّة 1968 ، خصوصاً من الناحية التربويّة والفلسفيّة والفكريّة والسياسيّة وحتى النفسيّة ، شيء ، وبعدها شيء آخر .. فمن هناك ظهرت أصداء الأفكار الجديدة : موت المثقّف [ذلك هذه الثّورة الطلابيّة كانت قد فاجأت الجميع ]. موت الأحزاب السياسيّة التقليديّة ، بروز الأفكار الجديدة والفلاسفة الجدد ، الخ .. الخ .. فلربما يكون ، بل من الأكيد أنّ المخابرات العالميّة والأميركيّة تحديداً ومعها الإسرائيليّة ، لعبت إلى هذا الحدّ أو ذاك ، ولربما عن طريق الإعلام خاصة أو عن طريق القوى السياسيّة والاقتصاديّة الحليفة أو الموالية لها ، قد لعبت دوراً في هذه الأحداث . فهذا مما لا شكّ فيه .
ولكن ، ومن ناحية أخرى ، القول ، د . مصطفى ( الجوزو ) إنني أتحمّس لهذه الثّورة ، فليست المسألة في ذهني حماسة أو غير حماسة إطلاقاً . واتهام هذه الحركة الطلابيّة بأنّها حركة وراءها الموساد ، وذلك لمجرّد كون أحد وجوهها القياديّة الطلابيّة الكُثر الكُثر ، طالب يساريّ متطرّف ، يهوديّ وألمانيّ " كوهين ـ باندت "، فهذا أيضاً تفسير سطحيّ ظاهريّ .. إننا نحن العرب وبعض المثقّفين ، فهمنا للتاريخ إنما هو فهم مؤامراتيّ . أحداث التاريخ في أذهاننا ، إنما هي نتيجة مؤامرة أو مؤامرات خارجيّة ، وينسحب هذا الفهم على تحليلنا ونظرتنا للتطوّرات السياسيّة والاجتماعيّة في بلداننا .
طبعاً ، المخابرات العالميّة من أيّ جهة ومن أيّ لون ، تستفيد من الأحداث الكبيرة والصغيرة أو تحاول أن تستفيد منها كي تجيّرها لمصلحتها .. ونحن كلبنانيين ، نعرف ذلك حقّ المعرفة ، وليس أدل على ذلك من وجود وانتشار المؤسسات " الثّقافيّة "، مؤسسات البحوث والدراسات المنتشرة عندنا ، تلعب هي أيضاً على صعيد البحث العلميّ والدراسات السياسيّة والاجتماعيّة ، دوراً معرفياً إذا جاز القول ، بمعنى " مخابراتياً "، مباشرة أو مداورة .. وكذلك على صعيد النّدوات والمؤتمرات والمحاضرات ، والانتخابات والصحافة أيضاً وخصوصاً الصحافة .. أنا أعلم وأنت تعلم والجميع يعلمون أنّ وراء ذلك كلّه أموالاً طائلة تُدفع من قبل جهات ومؤسسات خارجيّة .
ولكن ثمّة فرقاً كبيراً بين النّظم السياسيّة والاجتماعيّة الهشّة ، المتناقضة في مجتمعاتنا المتخلّفة ، مجتمعات العالم الثالث التي تنهار من على عروشها " بأقل من نسمة هواء ". خارجيّة ، وبين الدول الديمقراطيّة العريقة في ديمقراطيتها بمؤسساتها ونظمها وقواها الحزبيّة والسياسيّة التي باستطاعتها امتصاص الاختراقات الخارجيّة ...
كلّ ذلك معروف ، ولكنني لا أرى هذه الظاهرة العامة ، الطلابيّة الرافضة ، هذه الانتفاضة الجماهيريّة العامة وأنظر إليها من منظار واحد وأحكم عليها حكماً قاطعاً لا عودة عنه ( خلاص !! ).. وراء الأحداث الطلابيّة في أيام 1968 في فرنسا ، الموساد والمخابرات الأميركيّة . نقطة وانتهى الأمر . لا ! هذا الموقف القطعيّ المُسبق هو بمثابة حاجب يمنعنا من رؤية هذا الحدث رؤية واقعيّة ، وتقييمه تقييماً حقيقياً .
فليست المسألة إذن مسألة حماسة لهذه الأحداث أم لا . وإنما أشرت إليها ، ومن الضروريّ أن أشير إليها ، لأنّها أولاً توضّح المناسبة العامة أو السياق العام لكتابة أو إعادة صياغة المحاضرات الثلاث التي نُشرت ـ لا ننسى ذلك ـ عام 1972 ، أي بعد هذه الأحداث بأربع سنوات ، ولأنّها ثانياً أثّرت تأثيراً كبيراً في مواقف " سارتر " في ما بعد ، في مواقفه السياسيّة والفكريّة . فقد كانت مرحلة جديدة أيضاً بالنسبة إليه كمفكر سياسيّ .. لذلك ، إذا كنت قد أشرت إلى هذه الأحداث الطلابيّة في فرنسا ، وفي باريس تحديداً ، فإنما كان هدفي ، كما قلت ، أن أضع هذا النصّ الفرنسيّ في ظرفه التاريخيّ والأجواء السياسيّة العامة التي صوغ فيها ..
فعلاً ، لقد تأثّر " سارتر " بهذه الحركات الطلابيّة ، الشبابيّة ، العماليّة ، تأثراً كبيراً ، وليس فقط في فرنسا ، وإنما أيضاً في أميركا اللاتينيّة وفي آسيا وفي أفريقيا ، وكذلك في منطقتنا العربيّة على وجه الخصوص . فكانت هذه الحركات الوطنيّة التحرّريّة ، الشبابيّة والشعبيّة ، عامة شاملة في العالم ، وفي أوروبا تحديداً ، في ألمانيا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وفي الولايات المتحدة الأميركيّة ، وشعاراتها : ضدّ الحرب الأمبرياليّة الأميركيّة في فيتنام ، وضدّ النّظم الرأسماليّة الاستغلاليّة ومجتمعات الاستهلاك ، ومن أجل تحرير الشعوب المضطَهَدة ، وتحرير الإنسان ، الخ ..
فهل يُعقل أن يكون وراء هذه التحركات الثّوريّة والانتفاضات الوطنيّة العامة ، سواء في فرنسا أو في العالم ، ومحرّكها الأول والأخير : " المخابرات "، أو الموساد الإسرائيليّة ؟ ألا نكون في هذه الحالة نضخّم قوّة الخصم ونعطيها حجماً أكثر بكثير من حجمها الموضوعيّ ، بل ونعطيها قوّة كقوّة السحر الفاعلة والمؤثرة والمحرّكة للأشياء وللبشر في كلّ مكان وفي أيّ زمان ؟! ألا يؤثّر ذلك في معنوياتنا المقاومة ، وفي نفسيتنا ، ويصيبنا ضعفاً فوق ضعف وبكثير من العجزٍ والإحباط واليأس ، الخ ؟!..
إذن ، وباختصار شديد ، فإنّ المقصود من الإشارة إلى هذه الأحداث والتطرّق إليها هو وضع النصّ ، كما سبق وقلت ، في ظروفه السياسيّة والتاريخيّة . ولكن لو عاد فرضاً الآن " سارتر "، فلا يمكن أن يكتب هذا النصّ عينه شكلاً أو مضموناً : الأوضاع السياسيّة والفكريّة قد تغيّرت تغيّراً جذرياً . وهذه المحاضرات الثلاث إنما هي بنت ظرفها ولا يمكن فهمها إلاّ ضمنه ومن خلاله .. من هنا ، برأيي ، أهميّة لفت الانتباه إلى ظروف صياغة النصّ الفرنسيّ ، السياسيّة لفهمه واستيعابه ..
ما أردته من ذكر كلّ ذلك ، ليس مديحاً لـ "سارتر "، ولا لفلسفته ، ولا الموافقة على جميع مواقفه بإطلاق ، دون نقد أو تدقيق ، لا هو ولا غيره .. وفي كلّ الأحوال ، أنا لم أقرأ فلسفة " سارتر " الوجوديّة . إنما أنا جذوري الفكريّة والسياسيّة هي : عروبيّة ، ماركسيّة .. فكنا في تلك المرحلة من الرافضين لفلسفة " سارتر " وناقدينها .. وإن كنت قد قرأت رواياته وقصصه ومسرحياته ، وتأثّرت كثيراً بقراءتي مثلاً لرواية " الغثيان ".. إلاّ أنني لم أقرأ فلسفة " سارتر " الوجوديّة ، فلم تكن لتعنيني ، فقد كان يعنيني شيئاً آخر هو الفلسفة الماركسيّة ، هذا هو الجوّ الفكريّ والسياسيّ والسجاليّ الذي كان سائداً آنذاك في باريس ..
أما الجانب السياسيّ في مواقف " سارتر "، فكان في الحقيقة يثير انتباهنا ويبهرنا نحن كطلاب . فهناك أشياء كنت أعجب بها كثيراً ، على سبيل المثال ، سجاله الصاخب مع " الجنرال ديغول ". هنا يدخل موقف : المثقّف من السلطة السياسيّة ، المثقّف والسلطة . لقد كان " ديغول " في قمّة أوجه السياسيّ في بداية الستينات ، عندما وجه إليه رسالة مفتوحة علنيّة نشرت في صحيفة " الموند " الفرنسيّة ، فيها انتقاد لاذع لسياسته الداخليّة ولسياسته الشوفينيّة تجاه الثّورة الجزائريّة ولأسلوبه في الحكم ، تشتمل في مقاطع منها على قدح وذمّ . ففي أول جلسة للحكومة ( يوم الأربعاء ) ، اقترح أحد الوزراء على ديغول أن يقيم على " سارتر " دعوى قضائيّة جزائيّة ويضعه في السجن . فكان جواب ديغول ـ وهذه الحادثة معروفة ونشرتها الصحف الفرنسيّة آنذاك ـ : هل تريدون أن يقول عنّي التاريخ ( التاريخ بأحرف كبيرة ) أنّ ديغول ألقى " فولتير " القرن العشرين في السّجن ؟!..
فقد كان في الحقيقة ما يبهرنا في مواقف " جان ـ بول سارتر " هذه المواقف السياسيّة الثّوريّة ، الاعتراضيّة الاحتجاجيّة لحرب الولايات المتحدّة الأميركيّة الاستعماريّة في فيتنام ، وإعلان إنشاء محكمة " راسل " (Russel ) الدوليّة لمحاكمة جرائم الحرب الأميركيّة في فيتنام ، ومواقفه الداعمة لثورة كوبا ، ودعم كفاح تشي غيفارا المسلح ، ولحركات التحرر الوطنيّ في القارات الثلاث ، الخ .. هذا هو موقف " المثقّف الملتزم " هو وغيره من المثقّفين الفرنسيين وهم بالمناسبة كُثُر وأعدادهم كبيرة ومن شتّى الاتجاهات السياسيّة والفلسفيّة .ومن ثمّ ، وبعد أحداث أيار 68 ، التزامه حتى مماته بالتجمعات السياسيّة الثّوريّة المتطرّفة ( les ganchistes ) الماويّة .. وفي الحقيقة، سواء كنّا نؤيّده أو نعارضه ، غير أننا لا يمكننا إلاّ أن ننظر إليه ونعتبره بمثابة نموذج للمثقّف الثوريّ الملتزم ، هذا باختصار كليّ ..
فأنا شخصياً لا أدعو إلى تبنّي هذا النموذج بحرفيته أبداً ، على الإطلاق ـ هذا النموذج هو ابن بيئته وتاريخه الاجتماعيّ والسياسيّ ، فلا يمكن أن يُنقل كما هو وبحرفيته إلى مجتمع آخر وفي مرحلة مختلفة ـ إنما هذه "ظاهرة "، أنا مقتنع بأهميّة دراستها ومناقشتها ، وانطلاقاً منها ، طرح مسألة المثقّف عندنا في لبنان ..
لذلك ، وفي جنازة تشييعه بعد وفاته ( نيسان 1980 )، سار فيها أكثر من خمسين ألف طالب وطالبة، شاب وشابة ، عامل وعاملة ، فكتب أحد المعلقين قائلاً : إنّها آخر مسيرة أحداث أيار " طلابيّة " ..
هذه الجوانب ، هذه الأحداث ، هذه الأفكار والمواقف : أنا لا أتبناها بمنطوقها ، بحرفيتها ، " بقضّها وقضيضها "، أبداً ، أنا لا أريد أن أكون أسيراً لها ولا يجوز أن نكون أسيري الفكر الغربيّ ، التاريخ الغربيّ ، الحدث الغربيّ ، إنما همّي ربما يكون الوحيد هو : أن نقف أمام هذه الظاهرة وغيرها أيضاً ، درساً ونقداً ، أن نسترشد بها وأن ننقضها ، أو أن نستخلص منها العبر ، أن تكون حافزاً لنا لكي نعود إلى أنفسنا وذواتنا ، إلى واقعنا ، آخذين بعين الاعتبار الفوارق الجمّة بيننا .. إنّ همّي هو ماذا صنعنا نحن كمثقّفين لبنانيين ، ما هو دورنا ، هل قمنا بهذا الدور ماضياً وحاضراً ، أين ومتى وكيف ؟!.. هل وقف مثقّفونا هذه المواقف الجريئة ، المقتحمة ، الشجاعة ، نعم! لقد وقف مثقّفونا في بعض المراحل مواقف مشرفةً : مَن هم ، وأين ، وفي أيّ مرحلة ؟ وهل الأجيال الحالية على معرفة بهم ؟!..
* * *
حول موضوع : مَن هو المثقّف عندنا ؟!.. طبعاً ، إنني مطّلع وأنتم مطلعون على ما كتب ويكتب عندنا حول هذا الموضوع .. إنّ مجمل ما كتب وما نشر وما استطعت أن أحصل عليه هنا عندنا في لبنان أو في البلاد العربيّة بصورة عامة ، شيء زهيد ، قليل جداً ـ ثمّة استثناءات ، بطبيعة الحال ، وهذا موضوع آخر ـ مثلاً عندنا في لبنان لم نعر الانتباه بصورة دؤوبة مستمرة ، منهجيّة وتاريخيّة وعلميّة إلى مسألة الثّقافة ومفهوم المثقّف .
ولو قمنا بهذه المقارنة البسيطة والسريعة بين ما يكتب في الغرب حول الثّقافة والمثقّف ، وهناك مؤلفات لا تعدّ ولا تحصى في المكتبات الغربيّة ، في الولايات المتحدّة حديثاً ، وفي إنكلترا وفي فرنسا تحديداً ، كتب لها أول وليس لها آخر حول موضوعات المثقّف والثّقافة ومَن هو المثقّف ، في حين أنّه عندنا ، فيُكتب مقال من هنا أو يُنشر بحث من هناك ، بأسلوب إنشائيّ أدبيّ عام ، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال . وإنما أيضاً ـ وهذه ملاحظة جديرة بالانتباه والمناقشة ـ كلّ الذين أخذوا يكتبون في هذا الموضوع في العشلا سنين الأخيرة ( أنظر مركز دراسات الوحدة العربيّة ) هم جميعهم من البلاد العربيّة ، وليس بينهم لبنانيّ واحد خاص في هذه البحوث حول الثّقافة وحول المثقّف . يضاف إلى ذلك أنّ هذه المفاهيم هي مفاهيم لغوية ، تاريخيّة واصطلاحيّة وفكريّة وعمليّة تطبيقيّة في آن . وهي بالتالي مفاهيم خلافيّة سجاليّة .
هنا ، أرى من الأهميّة طرح ملاحظات ونقاط تستأهل التوقف لاحقاً أمامها وبحثها ودراستها ، ويمكننا تلخيصها كما يلي :
• نشوء المثقّف عندنا في عصر النهضة العربيّة ( القرن 19 ) ، بداياته ، ظروفه ، أصوله ( أنظر على سبيل المثال : هشام شرابي ، المثقّفون العرب والغرب ، وكذلك معن زيادة ... وآخرون ). المثقّفون العرب في ما بين الحربين : في مصر على سبيل المثال أيضاً : كتب المثقّفون المصريون حول موضوع الثّقافة والمثقّف أكثر من غيرهم نسبياً وذلك قبل ثورة يوليو 52 وبعدها .. هذه نقطة من الأهميّة التوسع فيها في ما بعد ..
• هنا ، كتاب سماح ادريس : المثقّف العربيّ والسلطة ، وأطروحة الماجستير لماجدة السنيورة ، الرؤية الاجتماعيّة في المسرح المصري المعاصر ( 1952 ـ 1970 ) ولربما غيرها ، تأخذ كلّ الأهميّة ، لفهم نشوء المثقّف عندنا من خلال الإنتاج الأدبيّ والشعريّ والمسرحيّ ، إلخ ..
• والسؤال الذي يُطرح في هذا المجال ، ومحاولة الإجابة عنه لاحقاً هو التالي : ما هي كتابات الأدباء اللبنانيين حول الواقع اللبنانيّ الثقافيّ والأدبيّ وموقفهم من النظام السياسيّ في مختلف العهود في لبنان!!
• محاولة إحصاء نقديّ لما نُشر عندنا في لبنان ، أو ما نشره المثقّفون اللبنانيون ، حول موضوعات الثّقافة ، المثقّف ، إلخ .. مثلاً : منشورات مركز دراسات الوحدة العربيّة ، دار النهار ، دار الطليعة.. السؤال المطروح : مدى اهتمامات المثقّفين اللبنانيين ، وما نشروه حول موضوع : الثّقافة والمثقّف ، إلخ .. وقفة نقديّة .. كذلك الإشارة النقديّة إلى ما كتبه كلّ من : وجيه كوثراني ، خالد زيادة ، محمد عابد الجابري ، مالك بن بني ، إلخ ..
• أرى من المفيد جداً في بحث مواضيع بهذا الشأن ، على هذا المستوى ، أن نستخدم المناهج الأكاديميّة ، المنهج اللغويّ ، المنج التاريخيّ ، المنهج الاجتماعيّ ـ الانتروبولوجيّ ، بمعنى العودة إلى أصول هذه المصطلحات الحديثة وإلى جذورها التاريخيّة والاجتماعيّة .
• أخيراً ، يجب الإشارة والتذكير إلى أننا نحن لم نستعمل اللفظة : الثّقافة ، ومعها المثقّف إلاّ نادراً جداً في تراثنا الحضاريّ والأدبيّ والتاريخيّ . وفي معناها اللغويّ فقط لا غير ، من هنا يطرح السؤال: مَن هو المثقّف وكيف يمكن تعيينه وتوضيحه في حضارتنا العربيّة ، عَبْر تطوره أو نشؤه ..
• الإشارة إلى بيت الشعر لعنترة . في معنى المثقّف لغة كذلك في مقدمة ابن خلدون وغيرها من كتب التراث العربيّ . بحث أيضاً هذا التعبير intellectuel لغوياً في معناه الفرنسيّ واشتقاقاته . المثقّف عندنا لفظ مشتق من الثّقافة في حين اللغة الأجنبيّة مشتق من الفكر ، العقل ، الذكاء ، إلخ ...
• الإشارة إلى نقد مالك بن نبي ، وهو يقول ما معناه حول موضوع الثّقافة : إنّ مشكلتنا هو أننا لم نستعمل هذا المنهج التاريخيّ ، ولم نبحث في أصول هذه الكلمة : من أين أتت وماذا كان معناها ( الثّقافة ). في تراثنا الحضاريّ والفلسفيّ ، لم يُستعمل هذا اللفظ الثّقافة ، إلاّ في معناه اللغويّ الأدبيّ وبصورة نادرة جداً .. كذلك السؤال المطروح من الناحية التاريخيّة ، من ناحية النشأة التاريخيّة لهذه اللفظة : متى استعملنا كلمة " مثقّف "، كاصطلاح جديد .. وكلمة ثقافة ، وهي مترجمة من الكلمة الأجنبيّة culture ، متى حصلت هذه الترجمة ؟!..
وإذا أردنا أن نبحث عن جذور هذه الكلمات : مثقّف ، ثقافة ، فإننا نجدها في معاجمنا ، القديمة والحديثة ، بمعنى لغويّ وتنقل بعضها عن بعض .. ولكن المتداول عندنا حول هذين التعبيرين ، هو مفهوم اصطلاحيّ الآن ، هو تعبير جديد ، حديث .. وفي مقدمة ابن خلدون لم ترد كلمة الثّقافة إلاّ مرتين أو ثلاث مرات وكذلك في القرآن الكريم لم ترد إلاّ لماماً وبمعنى لغويّ ..
ومنذ ذلك الحين ، أخذت أبحث فوجدت ، ربما ، أنّ أوّل من ترجم هذا المصطلح الحديث : الثّقافة ، المثقّف من اللغة الفرنسيّة إلى اللغة العربيّة هو الدكتور محمود عزمي ، قد يكون على أثر عودته من فرنسا بعد الحرب العالميّة الأولى ، بعد دراسته الحقوق في فرنسا . وقد كان مع ثورة " يوليو " مندوب مصر في هيئة الأمم ، وقضى على منصّة مجلس الأمن عام 1954 وهو يخطب مدافعاً عن سياسة مصر وحقّها في إلغاء الاتفاقيّة بين مصر ـ بريطانيا ..
ملاحظتان :
الملاحظة الأولى هي أنني ما أريده وما أبغيه هو مناقشة الكتاب في المضمون . أن ننتقد فكر " سارتر " حول المثقّف ، ان نرفضه أو أن نقبله ، أن نعدّله أو أن نغيّره ، الخ .. ذلك أنّ هذا هو مفهوم " سارتر " للمثقّف ، فما هو مفهومنا نحن كمثقّفين لبنانيين ، للمثقّف في لبنان ؟!..
إنّ الانتقاد العنيف والقاسي والرافض الذي كان يُوجّه دائماً إلى " سارتر "، من خلال مناقشة هذا النصّ ، هو أنّه أيّد إسرائيل ودعم الصهيونيّة وتجاهل الفلسطينيين ، نقطة أول السطر .. فنلغيه إذن ونحذفه من الوجود ومن فكرنا أيضاً وعلى الأخص .. وكفى الله المؤمنين شرّ القتال ..
والناحية الثانية ، هي القول إنّ هذا النصّ هو نصّ ماركسيّ . كما وأثبتت التجربة أنّ الماركسيّة قد فشلت ـ المثل الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكيّة ـ فيجب رفضه وإلغاؤه .. فكانت المناقشة في بعض الحلقات السابقة تذهب هذا المنحى . والمعادون للماركسيّة كانوا لا ينظرون إلاّ إلى هذه الناحية عند مناقشة الكتاب ، فيرفضونه ويرفضون معه " سارتر " وما يقوله " سارتر "، دون أن ندرك في الحقيقة ، أو لو كنّا مطلعين على مذكرات "سارتر " ولو قليلاّ ، لأدركنا أنّ القضيّة المعقّدة والمعلّقة بالنسبة إليه والتي كانت تمزقه ، داخلياً ضميرياً وأخلاقياً وبالتالي سياسياً ، هي القضيّة الفلسطينيّة ..
لهذا فقد كانت كذلك وفي هذا المنحى أيضاً ردّات فعل بعض المناقشين والمعادين للماركسيّة ، معادية في الوقت نفسه لما كتبه "سارتر "، جملةً وتفصيلاً .. ذلك أنّه بالفعل ، هناك صفحات في هذا الكتيب ، لا يمكن فهمها ـ وهذا واضح تماماً ـ دون فهم ولو بالحدّ الأدنى للفكر الماركسيّ ، وتحديداً للماديّة التاريخيّة ..
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ، فإنّ هذه المفاهيم الفكريّة والفلسفيّة والتاريخيّة والاجتماعيّة والأنتروبولوجيّة ، وهي مفاهيم الثّقافة والمثقّفين ، لا يمكن أن يتم عليها الاتفاق .. فأنا لا يمكنني ولا أستطيع ولا أريد أن أقول لزيد ولا لعمر : هذا ماضٍ قد انتهى ، فلا أهمية له ، فيجب إلغاؤه . هذا غلط من وجهة نظري . ووجهة نظرك مختلفة . فليكن ، فلا تقرؤه . إنما لا يحقّ لك أن تفرض على الآخرين أن يرفضوه أيضاً . وإلاّ كان ذلك الموقف بمثابة إرهاب ، أو هو الإرهاب عينه .. إنني بترجمتي لهذه المحاضرات الثلاث ، ومناقشتها في حلقات ضيّقة ومشاركة مثقّفين من شتّى التيارات السياسيّة والفكريّة ، إنما لأستفز المثقّفين عندنا ـ قلت ذلك سابقاً مرات عديدة ـ ولأحفزّهم للتفكير وأضيف في الوقت نفسه أيضاً وأطرح السؤال : نحن المثقّفين ، ماذا فعلنا في هذا المجال ، ماذا صنعنا ، وما قمنا به ؟!..
لا أحداً ينكر أنّ ثمّة مثقّفين كُثُر عندنا ، ولعبوا أدواراً في الماضي وفي الحاضر ، في غاية من الأهميّة ، ولكننا لا نعرفهم علمياً ، تاريخياً ، منهجياً ، شمولياً .. وأقصى ما نعرفه عنهم تفصيلات جزئيّة أو تجريبيّة ، هو أننا نسمع عنهم ، نقرأ عن بعضهم مقالاً من هنا ومقالاً آخر من هنالك وكتاباً عن أحدهم من هنا ، وكتاباً عن الآخرين من هناك . هذا كلّ ما في الأمر ، لا أكثر ولا أقلّ .. لا شكّ في أنّ هناك تيارات فكريّة وثقافيّة وبالتالي سياسيّة ، يساريّة ويمينيّة ، وقد أخذت بعضها منحى طائفياً مذهبياً ، ولكنها لم تدرس في مجملها وبشموليتها دراسة علميّة ، وهي غير معروفة الآن .
هذا ما أريد أن أقوله وأشير إليه : أن نشتغل على هذا المحور بالذات ، على هذا الأساس . وعلى سبيل المثال ـ وقد قلت ذلك أيضاً مراراً وتكراراً ـ النّدوة اللبنانيّة ومؤسسها ميشال الأسمر ، لعبت دوراً أساسياً في مرحلة تاريخيّة معيّنة طوال فترة الستينات .. ولكن الآن وسيتفاقم الأمر في المستقبل القريب : لا أحداً يسمع عنهما، ولم يعد أحد يعرفهما .. فالسؤال هو التالي : أين هي الدراسات والأبحاث المتنوّعة ، عنها وعن دورها ، ومَن كانت تمثل سياسياً وأيديولوجياً ، تاريخياً وثقافياً ؟ وما هي علاقتها بالسلطة أو بالسلطات السياسيّة في لبنان في مختلف العهود ؟!.. فلا يكفي ولا يجوز أن يُنشر فقط مؤلف واحد عنها ، وهو عبارة عن أنطولوجيا . كما أنّ الأبحاث التي نشرت هي انتقائيّة ، استنسابيّة ، وتعبّر عن وجهة نظر معيّنة ، ورؤية آحاديّة الجانب فقط .. هل هذا موقف فكريّ وثقافيّ صحيح وجديّ ، يعبّر حقيقة عن واقع معيّن في مرحلة تاريخيّة معيّنة ، وبالتالي ، هل هذا موقف تاريخيّ اجتماعيّ سليم ؟ هذا هو السؤال المطروح علينا .
إنّ النّدوة اللبنانيّة قد لعبت دوراً ثقافياً وفكرياً أساسياً وهذا معروف تجريبياً ، شفاهة . وألقيت المحاضرات من على منابرها باللغات العربيّة والفرنسيّة والإنكليزية ، وباتجاهات ليبراليّة مختلفة .. وذلك عن طريق الدعم الماديّ والمعنويّ والسياسيّ الذي كان يأتيها وتتلقاه من السلطة السياسيّة القائمة ولكن علمياً ، موضوعياً ، تاريخياً ، ثقافياً ، يبقى السؤال مطروحاً بكليّته ..
* * *
وأما الاقتراح الآخر في أن تكون هناك مقارنة بين النصين : نصّ " سارتر "، ونصّ إدوار سعيد في "صُوَر المثقّف"، فهذا منهج آخر ، وهو منهج مفيد وصحيح . ولكنني أنا شخصياً أعتبر ، وإدوار سعيد يقول ذلك في كتابه ، أنّه " مثقّف سارتريّ "،ومفاهيم إدوار سعيد في هذا النطاق مستقاة أكاد أقول جميعها من مفاهيم "سارتر" السياسيّة حول المثقّف بالذات . وكثير من الجمل والمقاطع هي من النّفس السارتريّ والفكر السياسيّ السارتريّ . لذلك أطلقت عليه في مقدمة الكتاب اسم : " المثقّف السارتريّ النموذجيّ ".
ثم هناك شيء بالغ الأهميّة ، برأيي ، وإن كان يثير كثيراً من الحساسيّة ، وهو دور الأساتذة الجامعيين في المجال الثقافيّ والفكريّ ، الأساتذة في الجامعة اللبنانيّة أو في الجامعات الخاصة . وهو موضوع للبحث مهم جداّ ينبغي القيام به لاحقاً ..
أما ما يسميه البعض بـ " المناحة "، فإنما هو بالأحرى نقد ذاتيّ .. أنا أستاذ جامعيّ منذ خمس وعشرين سنة ، أطرح السؤال على نفسي شخصياً ، قبل أن أطرحه على غيري : ماذا فعلت أنا أو ماذا فعلنا نحن ، هل تفاعلت أو تفاعلنا مع المجتمع المحليّ أو مع مجتمع منطقتي ؟ هل أنتجت أو أنتجنا ، وقيمة ما أنتجته أو ما أنتجنا ؟ هل فيه إبداع ؟.. شيء مؤسف للغاية أن تكون الإجابة بصورة عامة سلباً مع وجود بعض الاستثناءات وهي مهمّة.
فأرى أن نقف موقفاً نقدياً ذاتياً وذلك من أولى واجباتنا .. أن تكون قلّة قليلة من أساتذة الجامعة اللبنانيّة قد أنتجت ، كتبت ، فهذا مما لا شكّ فيه إنما تبقى قلّة قليلة . أما الكثرة الكثيرة فماذا فعلت ؟! يجب أن ننتقد أنفسنا نقداً ذاتياً قاسياً ، ولكنّه نقد جريء وشجاع ، من أجل رؤية الواقع الحقيقيّ ، ولتغييره نحو الأفضل ..
هناك من يعتقد أنّ الأمور تسير على ما يرام ، هناك عيوب قليلة ، وهي موجودة عند غيرنا بكثرة ، حتى في الجامعات الفرنسيّة وبين الأساتذة الفرنسيّين ، فيهم مَن لا يقومون بشيء يذكر .. وهكذا فإذا كان الأمر ، على العكس ، يسير على وجهه الحسن في جامعتنا اللبنانيّة ، إذن فليس هناك مشكلة وما لنا أن نقول إلاّ أن ليس في الإمكان أبدع ممّا كان : وضعنا في الجامعة اللبنانيّة جيّد جداً . ليس فيه ما يثير الانتقاد .
فكلما نوجّه ملاحظة أو انتقاداً ، يأتي الجواب أننا عملنا ، أننا اشتغلنا !!... فأين يا أخي الفكر النقديّ. فأنا أوّل ما يجب أن أقوم به هو نقدي لذاتي . أن أنتقد ذاتي : كأستاذ جامعي جنوبيّ وكمثقّف بين المثقّفين جميعهم، وأنا رئيس منبر ثقافيّ من بين المنابر الثقافيّة في لبنان ، فأنا على تماس وصلة مباشرة وعلى علاقة دائمة ومستمرة مع الجميع . فأنا أرى المواضيع كيف تُطرح ، والعلاقات مع المؤسسات ، المالية منها خصوصاً ، كيف تتمّ : لذلك من الأهميّة القصوى الآن أن نقوم بنقد ذاتيّ ، قاس ، صريح حتى نكوّن لدينا رؤية صحيحة عن الواقع ، عن واقع المثقّفين ، حقيقة . فالأمر يحتاج إلى شجاعة ، وإلى جرأة وإلى اعتماد الفكر النقديّ .